في ذلك الوقت، تساءل روث إن كان هذا الإنسان عديم الإحساس سيعرف معنى تلك الكلمة، لكن ليس الآن. كان من الواضح على جمود وجهه أنه يشعر بالغيرة الآن.
“….”
لم يُجب إيشيد.
اكتفى برمشةٍ آلية، مُتتبّعًا ظهريهما بعينيه.
“انتظر لحظة.”
حاول أورغون إخفاء حيرته وحلّ المشكلة.
لم يكونا بهذا النوع من العلاقات. هذه حقيقةٌ يُمكنه تصديقها بيقينٍ تامٍّ دون أدنى شك.
“إنهما ليسا كذلك، فلا تُسيء الفهم.”
بالطبع، لم يُسيء أحدٌ هنا فهم علاقتهما.
لكن ……
‘لماذا يلتصقان ببعضهما هكذا؟’
شعر أورغون بعدم الارتياح دون سبب.
لم تكن الغيرة شعورًا بسيطًا، لذا بصفته فردًا من عائلة شاتيريان، كان من المحتّم أن يُلاحظ أن إيشيد انزعج من ذلك.
في تلك اللحظة، تعثّرت شاتيريان، التي كان تسير بشكلٍ جيد، فجأةً وكادت تسقط إلى الأمام. لفت نظره إلى يوريل الذي أمسك بها بسرعة، فابتسمت.
“كما هو متوقع، أنتَ منتبهٌ للغاية. لا أعرف مَن هي، لكنني أحسد المرأة التي ستتزوّج يوريل.”
كان من الواضح أن هذه الكلمات بدت وكأنها تُقال لإيشيد، الذي كان يشتعل غيرةً في تلك اللحظة ‘أحسد المرأة التي ستتزوج يوريل!’.
‘ليست مزحةً من القدر حتى، لماذا تتعثّر تيري على الأرض المستوية؟’
مهما دقق النظر، لم يكن هناك سوى عشبٍ قصيرٍ على الأرض. كانت أرضًا ملساء للغاية بلا صخورٍ أو حفر.
لام أورغون القدر البائس، وصرف الفرسان الذين أحذتهم الدهشة. لم يعد هناك ما ينفعه من المشاهدة.
لكن لا يزال عليه أن يقول شيئًا، أليس كذلك؟
تبع أورغون إيشيد إلى مكتب مساعد الفرسان الأول.
رحّب بيوريل، الذي كان عائدًا بعد أن أوصل شاتيريان، ودخل غرفة الاستشارات. فجأة، ظهر شخصٌ طويل القامة، لكن لم يُفاجَأ أحدٌ في غرفة الاستشارات.
حيّاه فيل بهدوء ونظرت إليه شاتيريان بانزعاج واضح كالعادة.
“لماذا مرّةً أخرى؟”
“تيري. ظننتُ أنه يجب عليكِ توخي الحذر.”
لم تفهم شاتيريان ما قاله فجأة.
وبّخته، وطلبت منه أن يتحدّث بوضوحٍ دون مراوغة.
“رأيتُكِ مع نائب القائد يوريل سابقًا.”
أومأت شاتيريان وكأنها تطلب منه الاستمرار.
“القائد إيشيد كان معي أيضًا.”
كان تعبير أورغون جادًا للغاية، وبدا أن شاتيريان لا تزال غير قادرةٍ على فهم المشكلة.
“…لكن؟”
“كيف سيشعر القائد إذا رأى الشخص الذي سيتزوّجه يُظهِر عاطفةً مع شخصٍ آخر؟”
تنهّد أورغون بعمق. كأن قلبه يؤلمه.
لكن شاتيريان ردّت بصوتٍ يوحي بأنها لم تفهم حقًا.
“أوه، أنتما الاثنان مقرّبان، أليس كذلك؟”
“….”
“زوجتي المستقبلية اجتماعيةٌ جدًا. أحسنتُ صنعًا بالزواج منها حقًّا.”
“… هل تعتقدين ذلك حقًا؟”
“أليس هذا أكثر واقعيةً من أن أقول إن إيشيد ‘غيور’؟”
“هذا صحيح، ولكن ….”
“أرأيت!”
هزّت شاتيريان كتفيها، قائلةً إنه ليس بالأمر جلل. أورغون، الذي قُبِض عليه تمامًا، استعاد صوابه، وفكّر أن الأمر ليس هكذا.
“على أيّ حال، قلتُما أنكما ستتزوّجان لأنكما تحبّان بعضكما البعض. إذن كوني مهذّبة، أليس كذلك؟ أنا أنصحكِ لأنني عائلتكِ.”
“لا….”
لن نتزوّج لأننا نحبّ بعضنا. لكن أورغون، الذي لم يسمع تمتماتِها، وكلب منها جوابًا.
“ماذا؟”
“لا، فهمتُ. فهمتُ، سموّ وليّ العهد. هاه؟ أوه لا! حدث شيءٌ ما فجأةً، لذا سأغادر الآن!”
اندفعت شاتيريان خارج المكتب.
تحدّث فيل إلى شاتيريان، التي كانت تبتعد، متحدثًا عمّا يدور في ذهن أورغون.
“الكذبة واضحةٌ جدًا، رئيسة.”
“ما الذي تفكّر فيه بحق السماء؟”
“لا أعرف.”
هزّ فيل كتفيه كما لو أنه لا يكترث.
تنهّد أورغون واستدار، ثم نظر فجأةً إلى كومة الوثائق على مكتب شاتيريان.
برزت من بين الأوراق المتراكمة عشوائيًا ورقةٌ مكتوبٌ عليها كلمة ‘زواج’.
ليس من الأدب النظر إلى مكتب شخصٍ آخر. لكن كلمة ‘زواج’ كانت مغريةً للغاية.
لم يستطع أورغون كبح فضوله، وعندما أخرج الورقة أخيرًا من كومة الوثائق، لم يستطع إلّا أن يشعر بالدهشة.
مصدومًا ومذعورًا. واجه أورغون، الذي كان يأمل بصدقٍ أن تنعم شاتيريان بعائلةٍ سعيدة، أوّل ضغطة زرٍّ خاطئةٍ في العالم.
“فـ فـ فيل!”،
فاجأه النداء الصارخ، فرفع رأسه.
نظر إلى أورغون، الذي كان مثل شاتيريان تمامًا في الصياح به أولًا كلما حدث أمر.
كان ينظر إلى بعض الوثائق بوجهٍ شاحبٍ ويرتجف.
“تيري لا تحبّ قائد الفرسان…؟”
“كيف خطر ببالكَ هذا …؟”
قلب فيل عينيه وفكّر، لكنه بعد ذلك، عاجزًا عن إيجاد سببٍ للكذب، قال بصراحة.
“حسنًا. لا.”
انهارت تعابير وجه أورغون عند ذلك.
“علينا عقد اجتماعٍ طارئٍ الآن!”
كانت الخطوات التي اتّخذها وهو يغادر غرفة الاستشارة عاجلةً للغاية.
ما هذا فجأة؟
نظر فيل إلى الباب الذي أُغلِق بإحكامٍ بصوتٍ عالٍ وعيناه فارغتان.
بعد فترةٍ وجيزة، عندما عاد ولي العهد إلى غرفة الاستشارات، كان هناك أشخاصٌ مصطفّون خلفه.
“يبدو هذا مثيرًا للاهتمام حقًا!”
ثالتوس، الذي لم يبدُ جادًا بشأن أيّ شيءٍ أبدًا… … .
“لماذا أنا …….”
روث، الذي جُرَّ بالقوة ليكون العقل المدبّر للاجتماع الطارئ.
“…….”
والرجل المتزوّج الوحيد، فيل.
“ماذا أفعل؟”
حتى المساعدة المرحة، القديسة أنيلا.
“حسنًا. تيري ليست هنا. إذًا لنبدأ. لنضع خطةً لجعل تيري تُعجَب بقائد الفرسان.”
ارتسم على وجه فيل تعبيرٌ من الحيرة وبقي في مقعده.
كان الأمر نفسه بالنسبة لروث.
أنا جالسٌ لأن رئيسي طلب مني …… لا أفهم لماذا عليّ المشاركة في شيءٍ عديم الفائدة كهذا.
لو كانا هذين الاثنين، لما اضطررتُ للقلق على الإطلاق.
لا أفهم لماذا يوجد كلّ هذا الاهتمام بهما. ألن يفعلا ذلك بمفردهما؟
بالطبع، بالنظر إلى تناقض شخصيتيهما، ليس الأمر أنني لا أشعر بالقلق.
مع ذلك … عندما كان شاتيريان تتعافى في منزل دوق أستريا، كان لدى فيل وروث، اللذان كانا يزوران القصر، شعورٌ غامض بذلك.
لقد تغيّرت العلاقة بينهما بالفعل، وستزداد عمقًا في المستقبل.
سواءً أرادا ذلك أم لا، كانت رياح التغيير تهبّ بينهما بالفعل.
* * *
انفجرت التنهيدة التي كانت في حلقها منذ أن تركت العمل من تلقاء نفسها عندما رأت قاعة الطابق الأول الفسيحة في منزل الدوق.
“لا يوجد مكان للجلوس والراحة في هذه المساحة الواسعة …”
وجدت شاتيريان على الفور مكانًا للاستلقاء، وسحبت جسدها المتعب إلى الطابق الثاني وتمدّدت على الأريكة في غرفة الاستقبال.
“إنهم مضحكون حقًا.”
تبادر إلى ذهنها مشهد غرفة الاستشارة التي دخلتها قبل مغادرتها العمل. كانت الشخصيات الرئيسية متجمّعةٌ هناك، يتحدّثون بوجوهٍ جادّة.
كان لديها اجتماعٌ لأنها عادت من لقاءٍ مع جلالة الإمبراطور، لكن فيل كان هناك. وكان من الغريب أيضًا غياب إيشيد.
ولكن كما هو متوقع.
‘أورغون لديه عقد الزواج الذي كتبتُه أنا وإيشيد!’
“يا لكَ من وغد! حتى لو كنا عائلة، هناك حدودٌ لا يجب تجاوزها!”
كنتُ في طريقي إلى المنزل بعد أن ضربتُه بشدّةٍ على ظهره.
على أيّ حال، كان خطأي أيضًا أن أترك شيئًا مهمًّا كهذا على المكتب.
“لكن ماذا؟ هل هذا خطأ؟”
كانت الزيجات التعاقدية شائعةً جدًا في المجتمع الأرستقراطي. ولهذا السبب نشأت ثقافة الزواج المشروط، والتي تُسمّى المواعيد الغرامية العمياء.
لذا لم تكن كتابة العقد بحد ذاتها مشكلةً على الإطلاق.
كانت قصة زواج دوق ودوقة ميليس، التي لامست قلوب الكثيرين، حالةً خاصةً جدًا.
لكن من السخافة أن يتآمروا على شيءٍ كهذا.
بعد طرد الجميع، أمسكت بفيل وسألته، فقال إنه صدر أمر بمنع النشر والتزم الصمت.
الآن وقد وصل الأمر إلى هذا الحد، لم يكن أمامي خيارٌ سوى مهاجمة أورغون.
أطلقتُ سراح فيل المسكين، الذي أصبح ضحيةً لنظام الطبقات.
“شاتيريان.”
عندما أملتُ رأسي للخلف، رأيتُ إيشيد يدخل غرفة الاستقبال.
“قالوا إنكِ ذهبتِ إلى المستوصف مُبكّرًا؟ لقد فوّتتِ الغداء.”
“أوه… كانت معدتي تؤلمني.”
اقترب مني وجلس بجانبي ولمس جبهتي. من المضحك أنه يقيس حرارتي أولًا عندما تؤلمني معدتي دون أن أعاني من الحمّى.
توقّفتُ عن محاولة إخباره أن لمس جبهتي لا يجدي نفعًا.
ولكن بطريقةٍ ما، بدا أن مزاج إيشيد قد انخفض تمامًا.
“هل تشعرين بتحسّنٍ الآن؟”
“نعم. تناولتُ بعض الأدوية مُبكرًا وأشعر بتحسّن.”
“تناولي العشاء. أعتقد أنه من الأفضل أن تأكلي قليلًا قبل تناول الدواء. انتظري.”
قال إيشيد ذلك وغادر غرفة الاستقبال على الفور. كان لطيفًا، لكنه كان باردًا بعض الشيء.
سرعان ما عاد إيشيد بصينية حساءٍ خفيفٍ خالٍ من أيّ مكوناتٍ صعبة الهضم، وماءٍ عادي، والدواء المرّ الذي كنتُ أتناوله في المستوصف. كان الحساء، الذي كان أشبه بالماء، سهل البلع، لكنني لم أستطع تناول الدواء بسهولة.
وبينما كنتُ أتردّد، دفعه إيشيد أمام أنفي، طالبًا مني أن أشربه بسرعة.
آه.
وبينما كنتُ أنظر إلى السائل البنيّ الداكن، خطر ببالي طعم الدواء الذي تناولتُه في المستوصف المرّ والحامض.
“أعرف طريقةً تُغنيني عن شربه.”
قلتُ ذلك وأنا أدفع الكوب بيدي بعيدًا، فنظر إليّ إيشيد كما لو كان يسألني عن الطريقة.
“هاتِ يدك.”
وضع إيشيد الكوب ووضع يده فوق اليد التي مددتُها.
كانت أصابع إيشيد طويلةً وسميكةً جدًا. على الرغم من حمله سيفًا لسنواتٍ عديدة، إلّا أنها كانت كبيرةً وناعمة، دون أيّ بقعةٍ خشنةٍ أو متقشّرة.
سحبتُ إبهام إيشيد ووضعتُه بين إبهامي وسبابتي.
“الضغط هنا أنفع من أكله. هكذا، هكذا.”
أخبرتُه أين يضغط، لكنني صرختُ من شدّة الألم الذي أتى بعد ذلك.
سحب إيشيد يده بعيدًا مذعورًا.
إذا كنتُ مصابةً بالألم في مكانٍ ما أو التوتر، سيؤلمني حتى لو ضغط قليلًا، ولكنه كان شديدًا لأن إيشيد ضغط بلا رحمة.
نعم. توقّعتُ أنه لن يكون هناك لطفٌ مثل يوريل.
مسحتُ الدموع التي سالت، ومددتُ يدي مجددًا.
“إذا كنتُ لا أشعر بالارتياح، سيؤلمني حتى لو ضغطتَ قليلًا. برفق، فقط اضغط برفق.”
اقترح إيشيد أن أشرب ماءً مصنوعًا من جذور الأشجار، لكن في الواقع، معدتي، التي كانت تختنق من الألم للتوّ، شعرت بتحسّنٍ طفيف.
نظر إليّ إيشيد، وهذه المرّة، لمسني بحرص، ممّا قلّل من قوته.
خيّم ظلٌّ تحت رموش إيشيد الكثيفة وهو يدلّك يدي. بدا حزينًا للغ
اية اليوم.
“إيشيد، أخبرني أورغون سابقًا. لقد رأيتُماني مع يوريل، فكيف شعرت؟”
ألقيتُها على سبيل المزاح، لكن الصوت الذي عاد كان كئيبًا بشكلٍ مفاجئ.
“إذا قلتُ أنني شعرتُ بالحزن… هل يمكنكِ أن تنأي بنفسكِ عن نائب القائد؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 50"