شعرتُ بالدهشة من كلمة ‘احترام’. فأنا لم أفعل شيئًا يستحق الإعجاب من أحد.
لكن عندما رأيتُ نظراته المليئة بالإعجاب الخجول، غمرني شعورٌ بالحرج المتأخر.
“لـ لماذا أنا؟”
“لأن وقفتكِ الجريئة في قاعة الاجتماعات تذكّرني بشخصيةٍ أحبّها.”
“شخصية؟”
“نعم، بطلة رواية «تلك الأميرة رائعةٌ للغاية».”
بدا سعيدًا حتى بمجرّد تخيّله لها، واحمرّت وجنتاه عندما ذكرها.
نظرتُ إلى سِيد بنظرةٍ معقدة.
‘حسنًا، من حقه أن يعجب بمن يريد…’
بالطبع، إدمان الكتب أفضل من إثارة المشاكل.
قرّرتُ أن أتفهم الأمر، خاصةً إن كانت بطلة رواية «تلك الأميرة رائعةٌ للغاية»، فأتفهّمه تمامًا.
“أعجبتني كثيرًا جرأتها وتكبّرها أمام النبلاء.”
“تكبّرها…؟”
تذكّرتُ فجأةً ما قاله ‘فيل’ ذات مرة.
«ألا تعاملني الرئيسة وكأنني عبدٌ لها؟»
«هل تودّ أن أقطع لكَ لسانك …؟»
«مـ ماذا؟»
لكن سواء كان فيل أو سِيد، كلاهما ماهران في عملهما رغم وقاحتهما. كما أن تلك الوقاحة لم تكن مزعجةً جدًا.
ربما أصبحتُ ألينُ مما أعتقد. تنهّدتُ وأنا أفركُ حاجبي.
“لماذا سألتَ عن الزواج؟”
“آه… فقط بسبب الإشاعات الكثيرة…”
“حتى لو تزوّجت، لن يؤثر ذلك على عملك. لا تقلق، لقد أبليتَ حسناً اليوم. استمر هكذا.”
“حسنًا.”
‘آه… عليّ تحمّل هذا أيضًا.’
أخذتُ قطعة سكّرٍ وحرّكتُها بعنفٍ في فنجاني.
***
انتشر خبر زواجنا في أنحاء الإمبراطورية، وأصبحنا نتلقّى يوميًا دعواتٍ لحفلات الشاي وهدايا زفاف.
في أحد الأيام، وصلتنا دعوةٍ من الكونت ليبيل لحضور أوبرا [وعدٌ تحت ضوء القمر].
كانت هذه الأوبرا رومانسية، تصوّر قصّة حبٍّ بين أميرةٍ وفارسها.
تنفّستُ الصعداء عندما رأيتُ أن العنوان لم يكن [إيشيد وشاتيريان].
في الرسالة المُرفَقة، طلبت الكونت حضور إيشيد معي.
بعد قبول الدعوة، وافق إيشيد بسهولةٍ مفاجئة.
وهكذا، توجّهنا في عطلة نهاية الأسبوع إلى مسرح ديرموس الكبير.
قالوا إنه أكثر إنتاجٍ مُرتَقبٍ في الإمبراطورية حاليًا، ويبدو أنها لم تكن كذبة.
كانت المنطقة أمام المسرح، حيث قيل إن الحصول على التذاكر كان صعبًا، مكتظةً بالعربات والنبلاء المتأنّقين بأبهى حُلَّة.
“انظروا! شعار عائلة دوقية أستريا !”
“يا إلهي! يبدو أن الدوق والأميرة في موعد!”
وبطبيعة الحال، عندما نزلنا من العربة، انصبّ انتباه الجميع عليّ وعلى إيشيد. كنا على وشك الذهاب بملابسنا المعتادة، لكن بفضل إلحاح كيرين، أجبرتنا على ارتداء ملابس رسمية.
تجاهلنا النظرات واتّبعنا الموظف إلى المقصورة الخاصة.
كانت المقصورة فسيحةً ومريحة، مع إطلالةٍ كاملةٍ على المسرح.
كانت هذه أوّل مرّةٍ أخرج فيها بهذه الطريقة، لكنها لم تكن سيئةً للغاية.
وكان أجمل ما في الأمر هو وجود كميّةٍ غير محدودةٍ من النبيذ والبسكويت المملح
بعد أن شربتُ كأس إيشيد أيضًا، طلبت كأسًا ثالثًا من النبيذ.
بينما كنتُ أرتشف كأسي الثالث، ارتفع الستار عن المسرح.
كانت أوبرا <وعدٌ تحت ضوء القمر> قصّة حبٍّ مفجعةٍ بين أميرةٍ وفارسها اللذين استمرّا في حبّهما رغم معارضة الإمبراطور.
ليلةٌ مقمرة، مع ازدهار أزهار الكرز. أمسك الفارس بالأميرة وهي تبكي.
“لا تبكي … إذا استمررتِ في فعل ذلك وسمع الإمبراطور بالأمر، فستقعين في ورطةٍ كبيرة!”
“حتى لو عارض الإمبراطور حبّنا… لن أتخلّى عنكَ أبدًا!”
اعترافٌ دراميٌّ بالحبّ أعقبه قبلةٌ عاطفيّةٌ …
سعال.
اختنقتُ فجأة.
ساد المسرح صمتٌ مطبقٌ حتى أن الأوركسترا توقّفت.
كان الجميع منغمسين في الأوبرا، بينما كان إيشيد بجانبي يشاهد بلامبالاة.
‘هـ هل أنا وحدي الذي أشعر بالغرابة؟’
يُطلَق عليه شعور الديجافو. هذا الشعور المألوف الذي يجعلكَ تشعر وكأنكَ رأيتَ هذا من قبل. كان هذا بوضوحٍ تمثيلًا دراميًا لحادثةٍ وقعت في حفلة تأسيس الإمبراطورية.
كلّما تقدّمت القصة، زاد شعوري بالحرج. أصبح من الصعب الجلوس ومشاهدة المسرحية. في النهاية، لم أعد أتحمّل الأمر أكثر فتركتُ مقعدي.
“أحتاج إلى الذهاب إلى الحمام.”
في البداية، كان عذرًا، ولكن عندما خرجتُ إلى الردهة، رغبتُ بشدّةٍ في الذهاب إلى الحمام بعد شرب النبيذ الواحد تلو الآخر.
بعد قضاء حاجتي، خرجت بسرعةٍ واستخدمتُ منديلًا مبلّلًا بالماء البارد لتبريد وجهي الساخن حتى لا يزول مكياجي.
أصرّت الكونت ليبيل بشدّةٍ على أن أَحضُر، لكنها أخفت هذا النوع من المقالب.
أعتقد أنني يجب أن أكون شاكرةً لأنها لم تسمّي الأوبرا باسمنا.
تنهّدتُ وخرجتُ، كان هناك موسيقى صاخبة تُسمَع في الرّدهة.
“يا صاحب الجلالة! لا أستطيع التخلّي عن الأميرة!”
“سعادة الدوق …”
اختلط صوتٌ ناعمٌ خافتٌ خلف صوت الممثل الذي يلعب دور الفارس. توقّفتُ دون أن ألتفت للزاوية عندما تعرّفتُ على الظهر المألوف. عندما خرجتُ قبل ذلك، كان هناك شخصٌ ما في الردهة التي كانت فارغة. امرأةٌ ذات شعرٍ بنيٍّ مضفّرٍ بأناقة، وإيشيد، كانا يقفان معًا.
“دوق، الأميرة شاتيريان ليست الشخص المناسب لك!”
‘ماذا؟ ما خطبي؟!’
أنا أكثر إنسانيةً من ذلك الرجل!
حدّقتُ في آنسة، التي كانت تتحدّث بغضب، وأنا مختبئةٌ في زاوية.
هل كان ذلك بسبب ثمالتي؟ كنتُ غاضبةً بشكلٍ غريب من هذا الوضع الذي كنتُ سأتجاوزه في الظروف العادية.
بلغت موسيقى المسرحية ذروتها. وتصاعد غضبي مع الإيقاع.
في اللحظة التالية، بالكاد تمكّنتُ من كبت غضبي الشديد ونظرتُ إليهما.
“الأميرة تستحق شخصًا أكثر لطفًا من الدوق!”
صمت ….
ساد صمتٌ قارس.
بعد صدى صوتها الغاضب، ساد صمتٌ باردٌ في الردهة.
بدا أن الآنسة لا تزال غاضبة، وحدّقتُ في إيشيد، متسائلةً عن تعبيره، لكنني لم أستطع رؤيته لأنه كان يعطيني ظهره.
‘ما هذا الموقف ….. ؟’
إذن لم تكن تعترف بحبّها له، بل كانت تحذّره من الزواج بي لأنه معجبةٌ بي!
رمشتُ. ذاب الغضب الذي شعرتُ به سابقًا كالثلج.
هربت الفتاة، التي قالت ما أرادت قوله. نظرتُ حولي قبل أن أخرج وأقترب من إيشيد، الذي أصبح تمثالًا حجريًا.
“أطفال هذه الأيام … وقحون، أليس كذلك؟”
“…..”
لكن لسببٍ ما، كانت ذراعا إيشيد مليئةً بكومةٍ من الكتب التي لم أرها من قبل.
“ما كلّ هذا؟”
“قالوا إنها هدايا لكِ. إنها روايات الكاتب ‘رون’.”
“ماذا؟!”
حاولت أخذها، لكن إيشيد حجبها ومنعني.
“اقرئيها في المنزل.”
أردتُ أن أراها فورًا، لكن بدا لي أنه لن يعطيني إياها. لم أستطع إلّا أن أتوسّل إليه أن يُسرع ونعود إلى المنزل.
***
ظنّت شاتيريان أنها قد غابت لفترةٍ قصيرةٍ فقط، لكن هذا لم يكن صحيحًا.
لم تعد لفترةٍ طويلة، لذا نهض إيشيد أخيرًا من مقعده ليبحث عنها.
في ممرٍّ هادئٍ في مسرحٍ حيث يُمكن رؤية القمر. بمجرّد أن وطأ قدمه هناك، لم تكن الآنسة وحدها من وجدت إيشيد.
“يا إلهي، دوق. كنتُ على وشك زيارتكَ على انفراد …”
كان أوّل شخصٍ قابله هي الكونت ليبيل، التي كانت تبحث عن مقاعدهم.
نظرت حولها بانشغالٍ وهي تتحدّث إلى إيشيد، كما لو كانت تبحث عن شاتيريان.
“غادرت شاتيريان للحظة.”
كشف إيشيد أيضًا أنه كان في طريقه للبحث عن شاتيريان.
“هل هذا صحيح؟ إذًا، أعطِها هذا من فضلك.”
ناولته الكونت كتابًا فجأة.
“سمعتُ أن الأميرة تُحب روايات الكاتب رون. إنها هدية. لكن … أعتقد أنه من الأفضل للدوق أن يقرأه بدلًا من الأميرة.”
تركت الكونت الكتاب هكذا وغادرت. ثم، ناولته السيدات اللاتي وصلن، واحدةً تلو الأخرى، كتابًا كهدية.
فتحهم سريعًا وضحك، متسائلًا عن نوعه.
الروايات التي أهدتُها السيدات إلى شاتيريان كانت، ومن المفارقات، رواياتٍ حسّية.
بعد إغلاق الكتاب بقوة، الذي بدا وكأنه سيلتصق بالأحرف أو الورقة، سمع إيشيد صوتًا غريبًا مرّةً أخرى في الردهة، وخرجت شاتيريان التي كان يبحث عنها، بدأ رأسها يدور.
ما إن ثملت، حتى عاد إلى منزل الدوق مع شاتيريان والكتب وهي في مزاجٍ جيد. بعد أن ترك كيرين لتساعد شاتيريان غي الاستحمام، نظر إلى محتويات الكتاب مجددًا، والتي لم تكن مثيرةً للاهتمام أو جذّابةً على الإطلاق.
عندما رماه بعيدًا وخرج بعد الاغتسال، كان الكتاب بالفعل في يدي شاتيريان.
كانت شاتيريان، التي كانت مستلقيةً على السرير ووجهها لأسفل، منغمسةً تمامًا في الكتاب دون أن تعلم حتى أن إيشيد قد جاء.
وقف إيشيد عند المدخل يراقب شاتيريان.
بدا من الطبيعي جدًا أن تكون مستلقيةً على سرير شخصٍ آخر وساقاها مكشوفتان وتتمايلان.
هل هذا ما قالته الكونت ليبيل؟ لقد اعتقدت أنه سيكون من الأفضل لإيشيد أن يقرأه بدلًا من شاتيريان.
ربما كان ذلك بسبب نكتة أنه كان أكثر زهدًا من الراهب الوحيد في الإمبراطورية وكهنة المعبد.
كان هذا صحيحًا بالتأكيد.
حتى بالنظر إلى الوضع الحالي، كان من الواضح أن شاتيريان كانت تتمايل بساقيها وهي تنام على بطنها دون أن تعرف شيئًا.
شاتيريان حقًا ….. لم يكن لديها أيّ شعورٍ بالأزمة.
سحب إيشيد، الذي اقترب من السرير، الغطاء فوق ساقي شاتيريان المكشوفتين. ثم انتزع الكتاب.
هاه، انقلبت تشاتريان، كاشفةً ساقيها اللتين كانتا مغطاتين بالغطاء للهواء مجددًا.
“توقّفي الآن.”
“لماذا؟ لم أُنهِ قراءة هذا بعد.”
انتفخت خديها.
سواءً كان ذلك بسبب النبيذ أو الماء الساخن، كانت عيناها وخديها حمراوين، مما جعلها تبدو أصغر من عمرها.
عندما كانت تدرس في الأكاديمية، كانت خديها ممتلئتين بعض الشيء، لكنهما الآن أصبحتا حادّتين تمامًا.
عندما رسم خطّ فكها الرشيق بأطراف أصابعه، فركت شاتيريان ذقنها على كتفها، قائلةً إنه دغدغها.
لهذا السبب، برزت كتفها البيضاء اللامعة من خلال ملابسها المفتوحة.
“لا داعي للقلق ….”
“هاه؟”
وينك. غاص السرير وحاصرها إيشيد عليه. تقابلا أمام أنوف بعض
هما البعض. دغدغت أنفاسه الحارّة خدّها الناعم. حدّق إيشيد بشاتيريان، التي كانت مذهولة.
“ماذا تفعل؟”
“اعتقدتُ أن هذا ما تريدينه.”
لم يكن التخلّي عن المسؤولية امتيازًا يقتصر على شاتيريان وحدها.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 47"