“أيّ نوعٍ من تجار العبيد أنتِ؟”
قالها وهو يعاتب، لكنه كان على وشك ختم الوثيقة. لكنه توقف فجأةً قبل أن يضع الختم.
“شاتيريان.”
نظرتُ إلى الختم المُعلَّق في الهواء بنظرةٍ يملؤها الأسف.
“لماذا؟”
“إذا ختمتُ هذه الوثيقة، ماذا ستعطيني في المقابل؟ ألم تقولي بنفسكِ أن كلّ شيءٍ له مقابل؟”
“أيها المخادع المزعج…”
هذا الوغد كان يتعلّم بسرعةٍ كبيرة.
لم أستطع الرّد لأنني لم أفكّر في الأمر مسبقًا، فسألني إيشيد مرّةً أخرى.
“ماذا ستعطيني؟”
“ماذا لو ختمتَ هذه أولًا ثم نفكّر لاحقًا في الأمر؟”
“هل أبدو لكِ كشخصٍ قد يقع في مثل هذه الخدع السخيفة؟”
… إنه سريع البديهة حقًا.
بينما كنتُ أتردّد، قدّم إيشيد طلبه أولًا:
“امنحيني أمنيةً واحدةً في المستقبل.”
“أمنية؟ حسنًا. بشرط ألّا تطلب توقيعي على أيّ وثيقة.”
مثل عقودٍ مالية، أو كفالات، أو تنازلاتٍ عن حقوق جسدية، أو عقارات، وما إلى ذلك.
“بما في ذلك عقد زواج، بالطبع.”
“أنتِ دقيقةٌ بشكلٍ مزعج.”
“هل نكتبُ عقدًا؟”
“لا داعي.”
كانت تعابير وجهه كالعادة خالية، لكنني لاحظتُ شيئًا من خيبة الأمل فيها.
‘أتظنّ أنني لا أعرف نواياك؟’
هذه المرّة، انتصرتُ أنا. التقطتُ الأوراق المختومة بفخر.
التحضيرات اكتملت. انطلقتُ بسرعةٍ لمقابلة السيدة سيفجي روتشي، زوجة البارون.
***
حتى بين النبلاء، هناك درجاتٌ واضحة.
الفرق بين أميرةٍ من سلالةٍ الإمبراطورية وبارونةٍ بلا ممتلكاتٍ واضحةٍ كان صارخًا.
لفتت السيدة سيفجي روتشي عينيها في جوّ المحادثة المحرج. لم تستطع تخمين سبب زيارة الأميرة شاتيريان لها، التي قابلتها للمرّة الأولى في قصر دوق أستريا.
كان هذا لقاؤهما الثاني. رأتها لأوّل مرّةٍ في حفل ليلة تأسيس الإمبراطورية، تحت ضوء القمر المكتمل الساحر بشكلٍ استثنائي …
وشش. بما كنتُ أفكّر! احمرّ وجهها عندما تذكّرت المشهد الرومانسي ونظرات الدوق الدافئة تجاه الأميرة.
“هل… هل الشاي يناسب ذوقكِ؟”
“نعم، ليس سيئًا.”
تنفّست الصعداء. كانت سعيدةً لأن الأميرة لم تكن متعجرفةً كما أُشيع عنها.
بدت الأميرة هادئةً جدًا في قصر الدوق.
‘لعلّ الإشاعات كانت كاذبة.’
كان هناك الكثير من الأقاويل في الإمبراطورية عن شخصية الأميرة.
‘لكن… ما الذي أتى بالأميرة إلى هنا ….؟’
بالتفكير في الأمر، فقد مرّت الأميرة بحادثةٍ سيئةٍ مؤخّرًا. سمعت أنها كانت تتعافى من الصدمة… فلماذا كانت في قصر أستريا ذلك اليوم؟
حاولت سيفجي فهم الحقيقة الخفية.
“سمعتُ أنكِ تعتنين بالأطفال في دار رعاية الأيتام حاليًا، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“سمعتُ أن أوضاعهم صعبة. إنه عملٌ نبيل. لهذا السبب أودّ مساعدتكِ.”
“سموّكِ …؟”
آه! إذن كلّ الإشاعات عن الأميرة كانت كاذبة!
لكن، عندما كانت البارونة سيفجي على وشك التأثّر.
“كم عدد الأطفال هناك؟”
“حوالي ثلاثين.”
“أريدكِ أن تُجهّزي تقييمًا مفصّلًا عنهم. من الأساسيات إلى الشخصيات، نقاط القوّة والضعف. خاصةً أيّ مواهب أو مميّزاتٍ فردية.”
كان طلبًا غريبًا من نوعه. ارتبكت سيفجي وأمالت رأسها.
“ما الغرض من هذا؟”
“كما يقولون، ‘الشجرة تُعرَف من بُرعمها’. أريد اختيار أفضل المواهب وتوظيفهم في قصر الدوق. بما أنهم من الطبقة الدُنيا، أليس من الأفضل للعامّة بيع مهاراتهم لمساعدة النبلاء؟”
“….”
أسلوبها مروّع. والطريقة التي تُعامل بها الناس وقحةٌ جدًا.
اسودّ وجه سيفجي. شدّت يديها المطويتين على حجرها.
“سأدفع رواتب زهيدة، وفي المقابل سيحصل الأطفال على المال، مأوًى مستقر وتعليمٌ جيد. أليست هذه فرصةٌ رائعةٌ للجميع؟”
“حتى عامّة الناس… لهم حقوقٌ إنسانية، سموّكِ ”
“عامّة الناس ليس لهم حقوق. إنهم مجرّد سلعةٍ قابلةٍ للاستهلاك عند النبلاء.”
بانغ!
ضربت البارونة الطاولة بقبضتها.
“لن أسلّمكِ هؤلاء الأطفال.”
“لماذا؟ كلّ ما أريده هو رعايتهم.”
“رعاية؟! يبدو أن الإشاعات عنكِ صحيحة. أشعر بالندم لأني ظننتُكِ شخصًا جيدًا للحظة. أنتِ حقًا كما يقولون، سموّكِ ذات شخصيةٍ دنيئةٍ لا تعاملين الناس دونكِ كبشر!”
يالهذه الانتقادات اللاذعة. عبست شاتيريان وأنفها مرفوع.
“أتعلمين أن كلامكِ هذا إهانةٌ لي وللعائلة الإمبراطورية؟ تبدين مستعدّةً للموت دفاعًا عن عامّة الناس.”
“لا يهمّني. هل عليّ أن أغيّر مبادئي وقناعاتي خوفًا من عقوة الإعدام؟”
‘يا له من إخلاص!… حتى أنا وقعتُ في حبّكِ.’
لقد أُعجِبتُ بها حقًا.
رفعت شاتيريان زاوية فمها في ابتسامةٍ راضية.
عندما رأت سيفجي الابتسامة الواثقة على وجه الأميرة، تجمّدت في مكانها.
“افتحي هذا.”
وضعت أمامها مجموعة أوراق. نظرت سيفجي إليها بذهول، فأمرتها الأميرة بفحصها.
“سيكون هذا عرضًا رائعًا لكِ.”
“ماذا…؟ ‘وزارة الرعاية’؟ ما هذا؟”
“كما تقرئين. سأؤسّس وزارة رعايةٍ إمبراطوريةٍ للعامّة الناس. وسأجعلكِ وزيرةً لها. لقد حصلتِ على توصيةٍ وضمانٍ من عائلتَيْ دوقية أستريا ودوقية ميليس.”
“وما هذا ‘شهادة رعاية الأطفال’؟”
“كما هو الحال مع الأطباء، سيمتحن مَن يرغبون في رعاية الأطفال امتحانًا وطنيًا. مَن يجتازه سيحصل على ترخيصٍ وشهادةٍ تسمح له بإدارة دور رعايةٍ مُعتَمدة.”
“وبالتالي، بما أن الأشخاص المخوّلين فقط هم مَن سيكونون مسؤولين عن الأطفال، فلن يحدث هذا النوع من الأشياء مرّةً أخرى في المستقبل …”
“لا استطيع القول أن المشكلة ستختفي تمامًا، لكنها ستقلّ كثيرًا.”
“لكن هل ستعطي العائلة الإمبراطورية هذا النوع من المال لعامّة الناس؟”
“لهذا نبدأ بهذا الأمر. العامّة الناس مواطنون في الإمبراطورية أيضًا، ويجب أن يتمتّعوا بحقوقهم. رغم أن الحدود بين الطبقات بدأت تختفي، إلّا أنه لا تزال لا توجد قوانينٌ منظّمةٌ لحياتهم. أريد أن أغتنم هذه الفرصة لصنع قوانينٍ تساعد العامّة.”
“… صاحبة السموّ، لكنكِ من النبلاء. بل أنتِ ابنة أحد أفراد العائلة الإمبراطورية. لماذا تفكرين بهذا؟”
“مَن يعلم؟ ربما أصبح من العامّة يومًا ما.”
بدا أن السيدة سيفجي لم تفهم ملاحظتها العرضية.
“إذن كلّ ما قلتيه لي كان اختبارًا؟”
“أعتذر. لكني كنتُ بحاجةٍ إلى التأكّد من أنكِ الشخص المناسب لهذا المنصب.”
“ولكن لماذا …؟”
ارتعشت عينا سيفجي في حيرة.
ضحكت شاتيريان.
في الحقيقة، لم يكن لديها سببٌ عظيم. كلّ ما تريده هو حياةٌ هادئةٌ في الريف كعامّة.
“المجتمعات المنحازة تميل إلى السقوط والزوال سريعًا. أنا أحبّ هذه الإمبراطورية، ولهذا أريدها أن تكون إمبراطوريةً متوازنة.”
هذه الحياة … جميلةٌ جدًا، وأريد أن أتذكّرها طويلاً.
***
بعد الحادثة الكبيرة، بدأت إشاعاتٌ جديدةٌ تنتشر في الإمبراطورية الهادئة.
انتشرت شائعةٌ مفادها أن الدوق إيشيد أستريا يتجوّل في كلّ محلّ حلوياتٍ في المنطقة المركزية.
“هل يحب صاحب السعادة الحلويات؟”
“هذا صحيح! مَن كان يظن أن شخصًا بوجهٍ جامدٍ مثله يحب السكّريات؟”
ولم يتوقّف الأمر عند هذا.
انتشرت إشاعةٌ أن الدوق يبحث عن كاتب رواية «الأميرة رائعةٌ جدًا»، أو ربما عن الجزء التالي منها.
قال البعض أن كلّ هذا بسبب علاقته العاطفية مع الأميرة شاتيريان.
وسط هذه الإشاعات، عاش جيف، صاحب محلّ حلوياتٍ على وشك الإفلاس، تجربةً سماويةً لأوّل مرّةٍ في حياته.
وكل الفضل يعود لدوق أستريا.
زيارة الدوق للمحل كانت صدفةً بحتة. بدأ الأمر عندما سمع إيشيد أحد المارّة يقول إن حلويات هذا المحل أقلّ حلاوةً من غيرها.
في الحقيقة، لم يكن هناك سببٌ خاصٌّ لحلاوة الحلويات الخفيفة عند جيف. كان ببساطة يحاول تقليل التكاليف.
في اليوم الأوّل، استقبل الدوق بحماس.
حتى أنه علّق لافتةً تقول هذا شرفٌ لعائلتنا! وحتى أنه خصّص خصمًا في تلك الفترة، رغم غدم امتلاكه للأموال أصلا.
“ما هي أقلّ حلوياتكم حلاوة؟”
كان جيف يعرف الإشاعات جيدًا. سمع عن العلاقة بين الدوق والأميرة شاتيريان.
كما أن الأميرة تكره الحلويات جدًا. ألم تتسبّب في فضيحةٍ سابقًا عندما أجبرت ابن الكونت على الركوع في محل «سُكَّر»؟!
تعرّق جيف بغزارة واقترح كعكةً كانت بأقلّ نسبةٍ من السكّر بشكلٍ غير عادي.
في اليوم التالي، عاد الدوق وطلب حلوًى أقلّ حلاوةً أيضًا.
هذه المرّة، قدّم له كوكيز ذي نسبةٍ أقلّ من السُّكر من السابق. عندما غادر الدوق، دفع قطعتين ذهبيتين!
ظنّ جيف أنه يحلم، لكن الزبائن بدأوا يتوافدون إلى محلّه!
استمر الدوق في الزيارة كلّ يوم، يطلب حلوياتٍ أقلّ حلاوة، ويترك ذهبًا.
اصطفّ الزبائن مرّةً أخرى، وحقّق جيف مبلغًا كبيرًا من المال لأنه صنع حلوياتٍ أكثر من أمس.
كان يدير أعماله بهذه الطريقة.
لكن فجأة … توقّف الدوق عن المجيء.
وتوقّفت الزبائن أيضًا.
عاد المحل إلى حافّة الإفلاس. لا
يملك شيئًا سوى المخزون.
يبدو أنه لا توجد حلوًى في العالم يمكنها إرضاء الأميرة.
ورغم ذلك … لم يستطع جيف تقبّل الهزيمة.
في النهاية، خلع قبعة الخباز، وخرج من المحل مسرعًا!
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "40"