لم تكن ضربة حظٍّ عظيمةٍ العثور على الكتاب.
كان ببساطة موضوعًا على الطاولة، ولم يكن سوى عنوانه الجذاب الذي أثار فضول شخصٍ اعتاد على قراءة الروايات على الإنترنت في حياته السابقة، فمددتُ يدي إليه.
ثم أصبحتُ مدمنةً عليه تمامًا.
‘مَن فعل هذا؟’
مَن كان ذلك الذي أوصى لإيشيد بهذا الكتاب المثير للجنون؟!
‘هذا هنا؟ هل كان هذا فخًّا؟’
نَسِيَتُ حتى محاولة إخفاءه لو كان محتواه خطيرًا، وانغمستُ فيه كلّيًا.
يبدو أنني لم أتخلّص من عادة قراءة الروايات الإلكترونية من حياتس الماضية …
“آنستي، أرجوكِ …”
وضعت كيرين يدها على جبينها وتنهّدت بعمقٍ بينما كانت تشاهدني منغمسةً في الكتاب، ولا أغادر السرير.
“كم مرّةً قرأتِيه حتى الآن؟”
“حوالي خمس عشرة مرّة؟”
هزت كيرين رأسها مستغربة، قائلةً أنه بهذا العدد كان من الممكن أن أحفظ ليس فقط السطور والنصوص ولكن حتى العلامات المائية!
“لكن مهما أعدتُ قراءته، يبقى ممتعًا! هل هناك جزءٌ ثانٍ؟”
كانت روايةً تستحق أكثر من مجرّد جزءٍ واحد.
أغلقتُ الصفحة الأخيرة بحسرة لفراغ جملة النهاية، وكأنها تُعلِن أنه لا يوجد جزءٌ جديد.
“لا يمكن ترك الأمر هكذا. يجب أن نمسك بالكاتب ونجبره على الكتابة بينما نطعمه شرائح اللحم فقط!”
ارتعبت كيرين.
“لا، سيقول إن ضغط دمه مرتفع وسيُغمى عليه! يجب إطعامه الخضار أيضًا.”
“صحيح. التغذية مهمة.”
ردت كيرين بجديّةٍ أكبر.
ما الذي تفكّر فيه بجديّة؟
احتضنتُ الكتاب بين ذراعي وكأنه كنز وخرجتُ من غرفة النوم، ثم حدث أن التقيتُ بـروث وهو يخرج من مكتبه. نظر إليّ بتردّدٍ بسبب تحيتي السابقة، ثم حدّق في الكتاب.
‘هذه النظرة… أعرفها جيدًا.’
“مهلاً، أنتِ أيضًا؟! أوه، وأنا وأنا أيضًا!”
الشغف يجمع الناس. بدأ عشاق القصص الذين وجدوا أخيرًا مَن يفهمهم حديثًا متحمّسًا، لكننا توقّفنا عندما ظهر إيشيد في الممر.
أدرك روث فجأةً ما كان يفعله وظهر عليه الارتباك.
“لم أتوقع هذا…”
“ماذا؟”
“لا، لا شيء.”
“هذا ممل.”
لم يعلّق إيشيد على حيازتي للكتاب.
حان وقت التدريب المسائي، ووقفنا مرّةً أخرى في ساحة التدريب، وجهاً لوجه.
هبّت الرياح بيننا.
عندما استقرّت ورقة شجرٍ متساقطةٍ على الأرض، انطلقتُ بسرعةٍ ولوّحتُ بسيفي.
تفادى إيشيد الضربة ببراعة ثم بعد ذلك، بانغ!
ضرب جبيني بأصابعه بقوّة.
كانت هذه المرّة الثالثة عشرة بالفعل. كان هذا عدد المرّات التي تعرّضتُ فيها لضربةٍ قويّةٍ من إيشيد.
“آه …”
تصاعد غضبي. أشعر بالإهانة والألم. جبيني الذي تعرّض للضرب مرارًا بدا وكأنه يخفق بقوّة كما لو كان هناك نبض.
قلتُ له ألّا يتساهل معي، لكن أليس هذا مبالغًا فيه؟
لم أستطع التحمّل بعد الآن، فألقيتُ السيف من يدي وجلستُ على الأرض.
كان هذا أوّل تمرّدٍ لي خلال أيام التدريب الطويلة، والجميع بدا وكأنه كان يتوقّع هذا.
“أخبرتُكِ أن المبارزة ما زالت مبكرةً جدًا.”
ابتسم إيشيد ابتسامةً خفيفة، وكان ذلك أكثر شيءٍ مزعج.
” لم أُمسِك بالسيف منذ وقتٍ طويل. أليس هذا قاسيًا جدًا؟”
“ألم توافقي على ذلك؟”
“لكن هناك حدودًا! أنتَ قائد فرسان الإمبراطورية! كيف تقاتل شخصًا عاديًا بهذه القسوّة؟”
تذمّرتُ من الألم في المكان الذي ضربه، حتى أنني قلتُ شيئًا سخيفًا عن أن جلدي قد تقشّره.
“لقد احمرّت.”
انحنى إيشيد على ركبةٍ واحدةٍ ونظر إليّ، ثم ضحك برفقٍ ولمس جبيني المحموم بأطراف أصابعه الباردة.
“لا تسخر مني! أنا… آه! سأهزمكَ يومًا ما.”
“همم… قد يستغرق ذلك سنوات، لكن لا تيأسي.”
“مزعج …”
أصبحت ابتسامته أعمق عندما عبست.
ألم يكن بإمكانكَ أن تكذب قليلاً في مثل هذا الوقت وتقول أنني سأنجح قريبًا؟
حسنًا، ماذا أتوقع من إيشيد؟
“انهضي. لابد أن سكّر دمكِ انخفض بعد كل هذا، لنرتاح قليلاً.”
“حسنًا.”
على الرغم من أن السكر في دمي انخفض، كان كلّ ما حصلنا عليه هو شاي الليمون المنعش بالعسل وكعكة. حتى أنه انتهى بي الأمر إلى أكل القليل.
كان إيشيد يراقبني باهتمام.
بينما كنا نستريح، دخل ثالتوس إلى ساحة التدريب برفقة امرأةٍ وطفلين.
“آه …”
كانوا الأطفال الذين قابلتُهم في دار المزاد. التوأم مارون وكارون.
اتسعت عيون الأطفال عندما رأوني، وأمسكوا بحافة فستان المرأة التي رافقتهما، متردّدين.
“سررتُ بلقائكم. أنا سيفجي من عائلة البارون روتشي.”
تبادلنا تحيّاتٍ غير مريحة. بدا أن سيفجي جاءت لرؤية إيشيد في مهمة عمل.
“سأعتني بالأطفال.”
“إذن… سأتركهم لكم، سيدي الدوق.”
ابتسمت سيفجي بشكلٍ متوتر وابتعدت مع إيشيد.
“ما هذا؟”
كان هذا المزيج غريبًا بالنسبة لي.
“إنها مديرةٌ لإحدى دور رعاية الأيتام التي يدعمها القائد.”
كان روث هو مَن أجاب على تساؤلي.
“دار رعاية الأيتام؟”
نظرتُ إلى الفارس ثالتوس الذي كان يجلس بهدوءٍ ويوزّع الكعك على الأطفال قبل أن يأكل قطعةً بنفسه.
“هل إيشيد يفعل ذلك أيضًا؟”
“نعم، لقد كان يدعمهم منذ فترةٍ طويلة.”
كان الأمر مفاجئًا. ظننتُ أنه لا يهتمّ بالبشر، لكنه كان يدعم دار رعاية أيتام؟
في تلك اللحظة، شدّ أحد الطفلين سروالي ونظر إليّ.
“سيدتي الفارسة … هل أنتِ بخير؟”
بدا على وشك البكاء. فأسرعتُ بإعطائه كعكة.
“أنا بخير. خُذ، هذه لذيذة، أليس كذلك؟ يمكنكَ الحصول على المزيد من الكعك والحليب.”
أشرتُ إلى ثالتوس الذي كان جالسًا بلا حراك، آملاً أن يأخذ الأطفال للعب. لكن ثالتوس، الجاهل ذي الذكاءٍ المنخفض، لم يتحرّك. بدلاً من ذلك، قام روث بحملهم وذهب إلى الحديقة.
‘لقد فوجئتُ لأنني اعتقدتُ أنهم سيبكون ….’
شعرتُ بالإرهاق، فأخذتُ نفسًا عميقًا وشربتُ الماء.
“أين والدا هؤلاء الأطفال؟”
“لم يكونا يملكان والدين من الأساس. بعد البحث، وجدنا أنهما كانا تحت رعاية دار الأيتام… لكن انتهى بهما الأمر في قاعة المزاد.”
تم القبض على مدير دار الأيتام، وقيل إن الأطفال الآخرين تحت حماية الفرسان المعبد.
“هل سيتم إرسال هؤلاء الأطفال إلى دار أيتامٍ أخرى؟”
“نحن نبحث عن دار رعاية أيتامٍ الآن.”
لكن الأمر لم يكن سهلًا. لم تكن هناك دورٌ لرعاية الأيتام كافيةٌ أو أموالٌ لدعم كلّ هؤلاء الأطفال.
في الإمبراطورية، لم تكن هناك قوانينٌ أو أنظمة رعايةٍ للعامة.
معظم دور الأيتام كانت تعتمد على التبرّعات، لذا كانت تعاني دائمًا من نقص الأموال، مما أدى إلى مثل هذه الجرائم.
‘بالطبع. لا يوجد حتى مجلسٌ للعامة، فكيف نتوقّع قوانين لهم حتى؟’
ربما لأن القصة الأصلية سارت بسلاسة، لم تكن هناك أيّ عقبات.
قَبِل المواطنون العاميّون بوضعهم، واستخدم النبلاء سلطتهم كما اعتادوا.
كانت إمبراطورية كنتري إمبراطوريةً أريتقراطيةً تمامًا. بالنبلاء، وللنبلاء، ومن أجل النبلاء.
لذا، بالطبع، لم يكن النبلاء المنشغلون بأنفسهم مهتمّين برفاهية العامة.
تاب، تاب. دققتُ على الطاولة وضعتُ في أفكاري.
أضحة الأطفال بلا مأوى.
قاعة مزاداتٍ غير قانونية في أحياء الفقراء نشأت بسبب الفجوة الطبقية.
تذكّرتُ الظلم وعدم المساواة الذي يعاني منه العامّة، الذين يكونون دائمًا الضحايا الرئيسيون للجريمة.
‘كانت هذه فوضى.’
إنها إمبراطوريةٌ يصعب على العامّة العيش فيها.
بالنسبة لشخصٍ مثلي يأمل أن يصبح من عامة الناس في المستقبل، لا بد أن يكون هذا خبراً مدمّراً.
لا يمكنني العودة إلى العاصمة والحنين إلى حياة الأميرة التي تخلّيتُ عنها.
من أجل حياتي الريفية السعيدة، كان على الإمبراطورية أن تصبح مكانًا أفضل للعيش بالنسبة للعامّة.
ولتحقيق ذلك، يجب القضاء على الظلم وعدم المساواة.
كل هذا من أجل مستقبلي السعيد.
***
من ذلك اليوم، بدأتُ العمل على إنشاء وزارة الرعاية الإمبراطورية.
نعم، بدون كلمة العامّة في الاسم!
كانت هذه الوزارة من العامّة، وللعامّة، ومن أجل العامّة.
كانت نوعًا من مؤسسة الرعاية التي تدعم الأموال لاستقرار حياة العامّة، وتتعامل مع المشكلات غير العادلة التي يواجهونها، وتدعم دور رعاية الأيتام.
كما كنتُ أنوي جمع التبرّعات بنشاطٍ لتمويلها.
‘سآخذ أموال النبلاء وأُوزّعها لملء بطون عامّة الناس!’
“الأهم هو اختيار شخصٍ ليكون وزيرًا … لا يوجد خيارٌ آخر غيرها.”
شخصٌ يدعم العامة، لكنه ليس منهم.
سيفجي روتشي. وضعتُ دائرةً حول اسمها.
تذكّرتُها عندما قابلتُها في مقر الدوق. لقد وثقتُ بها لأنها كانت بالفعل تدير دار أيتام.
“والأهم، لأنها شخصٌ يثق به إيشيد.”
الشيء المؤكّد أنه عبقريٌّ بالفطرة، ولديه حدسٌ قويٌّ في تقييم الأشخاص.
“جيد.”
بعد اختيار الوزير، بدأتُ بكتابة الخطّة بالكامل.
كانت الخطة مثالية بلا ثغرات.
بالطبع، أوّل مكانٍ ذهبت إليه بمجموعة الأوراق كان الغرفة المجاورة.
عندما وضعتُ الأوراق بفخر، أصبح تعبير إيتشيد غريبًا.
“ظننتُكِ تقرئين ذلك الكتاب مرّةً أخرى … لكن …”
بدأ يقرأ خطة إنشاء وزارة الرعاية الإمبراطورية المنظّمة بدقّة، وكان من الواضح أنه متفاجئٌ
من خطة الرعاية لعامّة الناي.
“إذا وافقت، ضَع ختمكَ هنا.”
قدّمتُ له وثيقةً تُوصي بسيفجي روتشي كوزيرةٍ للرعاية، وأخرى تُثبِت ضمان عائلة دوق أستريا لها.
لقد كان هذا طلبًا وقحًا وجريئًا للغاية.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "39"