لقد كان هذا الشعور مُشابِهاً للقلق الغامض الذي عانيتُه عندما كنتُ عاطلةً عن العمل. ذلك الخوف من أنني قد لا أحصل على وظيفةٍ أبداً، وأن أُترَك مُتخلِّفةً عن المجتمع.
رغم ذلك، لم أستطع التخلّي عن راحة السرير، فظللتُ قلقةً دون أن أتحرّك، حبيسة حياةٍ بلا حلّ …
‘لا يمكن أن يستمر هذا هكذا.’
ليست هناك حكمةٌ من العبارة ‘أنتَ لا تلاحظ أن المطر الخفيف سيبلّل ملابسك’ من فراغ. كان عليّ أن أكون حذرةً جداً من هذا التسلّل.
وإلّا، قد أضطرّ إلى تغيير عنوان هذه الرواية إلى ‘رومانسية عابرة’.
“أليس كذلك؟”
“هاه؟ ماذا قلتِ؟”
“لا شيء. من فضلك نظّف هذا المكان.”
أسرعتُ في خطواتي.
بانغ! فتحتُ باب غرفة المكتب بقوّة. رفع إيشيد، الذي كان يقرأ بعض الأوراق، راسه ونظر إليّ.
“إذا لم تكن مشغولاً، هل تريد أن تتدرّب معي على المبارزة؟”
بالطبع، لم تكن هذه الجملة مناسبةٌ لشخصٍ يبدو مشغولاً… لكن هذه لم تكن مشكلتي.
صحيحٌ أن الأوراق مهمة، لكن إيشيد قد وعد بمساعدتي في تدريبات المبارزة أولاً.
“سأنتهي من هذا ثم نذهب.”
[تقرير تحرّكات الوحوش]
كان هذا عنوان الأوراق التي كان يقرأها.
باختصار، التقرير ذكر أن عدد الوحوش في غابة هالتونيا، التي هدأت بعد عملية القضاء عليها، عاد للازدياد مرّةً أخرى.
‘الوحوش دائماً ما تكون مشكلة أينما كانوا.’
“حسناً، سأغيّر ملابسي وأكون في الخارج. خُذ وقتكَ في القراءة ثم انضمّ إليّ.”
كان قراراً جيداً أنني طلبتُ من كيرين إحضار ملابس التدريب التي كنتُ أرتديها في الأكاديمية عندما انتقل إلى قصر الدوق.
على الرغم من أنني لم أرتديها منذ 7 سنوات، إلّا أن مقاسي لم يتغيّر، لذا كانت مناسبة.
ارتديتُ ملابس التدريب البسيطة ذات الألوان المحايدة ووقفتُ في الحديقة.
“حسناً، سأصبح ماهرةً في المبارزة.”
كان عزمي قوياً.
***
تطاير شعري القصير الوردي في الهواء. تسارعت أنفاسي، وجسدي كلّه كان ساخناً.
“إلى متى سنستمر في الجري؟!”
الكلام وحده كان يكاد يقتلني.
نظرتُ إلى إيشيد الذي كان جالساً في ساحة التدريب بينما أحاول التقاط أنفاسي.
“دورتان إضافيتان.”
“……”
اندفعت رغبةٌ في شتمه لأن هذه الجملة ‘دورتان إضافيتان’ كان قد قالها من قبل عدّة مرّات.
لكن قبل بدء التدريب، كنتُ قد وعدتُ بعدم الاعتراض على أيّ تدريب، لذا صككتُ على أسناني وتحمّلت.
كنتُ قد أكملتُ بالفعل عشر دوراتٍ حول ساحة التدريب.
هذا الشيطان لم يمنحني حتى نظرة، لكنه كان ينتقدني فوراً إذا تباطأتُ أو مشيت.
كانت تدريبات إيشيد بسيطةٌ جداً: أساسيات، أساسيات، أساسيات.
بالطبع، أتّفق على أنه يجب تحسين اللياقة البدنية قبل تعلّم المبارزة. لكن…
‘لكن أليس هذا مبالغاً فيه؟’
كان المكان الذي كان يجلس فيه إيشيد في الظل. الماء الذي كان يشربه بدا لذيذاً بشكلٍ لا يُصدَّق.
“لا تمشِ.”
“……”
‘أريد أن أضربه مرّةً واحدةً فقط.’
عدتُ للجري تحت الشمس الحارقة دون حتى رشفة ماء.
وفي اليوم التالي.
عندما استيقظتُ وأنا أعاني من آلام العضلات، قدّم لي إيشيد فجأةً كوب ماء.
“هل كنتِ عطشى لهذا الحد؟”
كان هذا هو الماء الذي ظلّ يلمع أمام عيني. أعطى الماء البارد شعوراً منعشاً لحلقي الجاف.
“هل ساقاكِ بخير؟ لقد كنتِ تتكلّمين أثناء نومكِ.”
قال إيشيد إنني كنتُ أتمتم طوال الليل بأنني أريد الماء، ثم بكيتُ لأن ساقيّ تؤلمانني.
لكن لسببٍ ما، لم تؤلمني ساقيّ اليوم. قال إيشيد إن هذا لأنه قام بتدليكها طوال الليل.
“ما هذا …”
هذا هو المثل الحرفي لـ ‘يجرحكَ بزجاجة ثم يعطيكَ الدواء’.
سعلتُ مُحرَجةً ثم شكرتُه.
ابتسم إيشيد بفخرٍ وأخذ الكوب الفارغ، ثم ساعدني على النهوض من السرير. وبعد ذلك تفوّه بشيءٍ صادمٍ دون أيّ تردّد.
“لنبدأ تدريب الصباح.”
“…… ماذا؟”
وبالفعل بدأنا التدريب حقًا. تدريب الصباح على معدةٍ فارغة.
‘هاه، هل هذا طبيعي؟’
بدأتُ بأرجحة السيف. إذا خفضتُ يدي قليلاً، كان إيشيد يلمس طرف السيف ليصحّح وضعيتي.
“أرخي كتفيكِ.”
“……”
“باعِدي ساقيكِ أكثر.”
“……”
“لا تنظري إليّ، ركّزي على طرف السيف.”
“……”
لقد التزم إيشيد حقاً بكلمته. لم يُعطِني تعليماتٍ عابرة، ولم يتساهل معي.
كان معلّماً متحمّساً جداً.
‘بالطبع، أنا أيضاً لم أكن أريد أن أتعلّم بلا مبالاة.’
لكنني لم أتوقّع أبداً أنه سيكون بهذه الصرامة.
هذا يشبه تقريباً صنع سلاحٍ نهائي.
إذا استمرّ الأمر هكذا، في يومٍ من الأيام قد يقترح الخروج معاً لمحاربة الوحوش.
***
استمرّ التدريب يومياً دون انقطاع.
لم تعد العضلات التي كانت تتألّم تؤلمني الآن. فقط راحتيّ يدي، حيث انفجرت بثور، كانت لا تزال تؤلمني قليلاً.
“هذا محزن.”
كانت كيرين منزعجةً لأنها لم تتوقّع رؤيتي هكذا بعد التخرّج من الأكاديمية. حزنت لأن يدي الناعمة أصبحت متيبّسة.
“لم أكن أتوقع أن الدوق سيكون بهذه القسوة … هل ينتقم منكِ؟ لأنكِ كنتِ تزعجينه كثيراً في الأكاديمية.”
بينما كانت تدهن المرهم، تذكّرت الماضي.
“أنا أتألّم جسدياً بالفعل، لا أريد أن أتألّم معنوياً أيضاً.”
ثم أضفتُ بهدوءٍ أنني لم أزعجه بهذا القدر.
“الدوق أحياناً لا يبدو إنساناً. كيف يمكنه الاستمرار في التدريب حتى تصبح يدي المراة التي يحبّها بهذا الشكل؟”
‘لأنه حقاً ليس إنساناً.’
حتى لو عاش مئات السنين كإنسان، فهو لا يفهم المشاعر الحقيقية.
” ….. المرأة التي يحبّها …”
استأتُ من هذه العبارة.
“على أيّ حال، يبدو أن الدوق بحاجةٍ لقراءة بعض الروايات الرومانسية … هل تريدين قراءتها أيضاً؟”
“ولماذا أفعل ذلك؟”
“لأنكِ مثله تماماً، لا تعرفين شيئاً عن الحب.”
“ماذا …؟ كيف تجرؤين على قول شيءٍ كهذا؟ هل أنا وإيشيد في نفس المستوى؟”
“لكنها الحقيقة، أليس كذلك؟ بصراحة، صاحب السعادة شاب، دوق، ثري، يعمل جيداً، جسمه رائع، وطبعه لطيفٌ رغم برودته.”
‘ليس شاباً بالضبط.’
إنه وحشٌ إلهيٌّ لا يمكن قياس عمره.
“من كلّ النواحي، لا ينقصه شيء، لكنكِ لا تُبدين اهتماماً به حتى بقدر شعرة.”
“…… لديّ اهتمامٌ بقدر شعرةٍ على الأقل.”
أوه. نظراتها أصبحت حادّة. تجنّبتُ النظر إليه وحوّلتُ نظري بعيدًا.
“أنتِ لا تعاملينه كإنسان، لذا من الطبيعي أن تفكّري في النوم معه في نفس السرير.”
“……”
مرّةً أخرى، هذا لأن إيشيد ليس إنساناً.
لكن عندما أفكّر في الأمر، أصبحتُ أشكّ في نفسي. كيف يمكنني أن أكون غير مباليةٍ إلى هذا الحد وأنا أشارك السرير مع رجلٍ بالغ؟
بدأتُ أفهم طريقة تفكيري الغريبة عندما فركتُ رأسي وقرّرتُ النوم في سريره.
‘هل كنتُ أعتبر إيشيد مجرّد حيوانٍ أليف؟’
تخيّلتُ ذئباً بفراءٍ فضيٍّ يطفو في رأسي. فراؤه بدا ناعماً جداً لدرجة أنني أردتُ لمسه.
“وكيف يمكن لصاحب السعادة ألّا يلمس المرأة التي يحبّها وهي تنام بجانبه؟”
هو يلمسها. في الواقع، أصبح من المعتاد الآن أن ننام ممسكين بأيدينا كلّ ليلة.
“أعتقد أنكما بحاجةٍ إلى إعادة التثقيف الجنسي.”
أصبحنا فجأةً أشخاصاً بلا وعيٍّ اجتماعي.
تخيّلتُ نفسي جالسةً بجانب إيشيد أثناء شرح التثقيف الجنسي …
“مستحيل!”
أمسكتُ بذراع كيرين لمنعها. كنتُ خائفةً من أن تستدعي معلّم تثقيفٍ جنسيٍّ حقًّا إلى القصر.
“كنتُ أمزح.”
“مزاحكِ ممنوعٌ من الآن. تمّ مصادرته.”
ارتعدتُ غضباً وطلبتُ منها ألّا تذكر حتى كلمة ‘تثقيف جنسي’ أثناء نومها.
“لكن نصيحتي بقراءة رواياتٍ رومانسيةٍ كانت جادة.”
“هذا أيضاً مرفوض.”
لم أكن أريد أن يصبح إيشيد أكثر رومانسية.
‘أنا بالفعل أعاني من مشاكله، لماذا نزيد الطين بِلّة؟’
عندما يحين الوقت، سأغادر هذا المكان ولن أراه مرّةً أخرى.
اليوم الذي أتوق إليه سيأتي قريباً.
***
“سيدي القائد، هل تعلم أن هناك روايةٌ مشهورةٌ في الإمبراطورية بعنوان <هذه الأميرة رائعةٌ جداً>؟”
“هل لها علاقةٌ بجريمة؟”
“لا، إنها مجرّد روايةٍ رومانسية بحتة.”
نظر إليه إيشيد باستغراب، إذاً لماذا تذكُر شيئًا كهذا؟
كان سبب ذِكر مساعد إيشيد، روث، لهذه الرواية هو ما رآه خلال الأيام الماضية في القصر.
كان الصيف يقترب من الإمبراطورية.
تحت أشعة الشمس الحارقة، رأى الأميرة وهي تلوّح بسيفها. كانت تتدرّب بكثافةٍ لا يستطيع حتى فرسان القصر تحمّلها.
عندما أنهت الأميرة أرجحة سيفها للمرّة الألف …
«خمسُمئة مرّةٍ مرّةً أخرى.»
سَمِع أن الأميرة كانت تلوّح بالسيف منذ ثلاث ساعات بالفعل.
على الرغم من أن تعابير وجهها أصبحت متجهّمةً عند سماع العدد الإضافي، إلّا أنها استمرّت دون تذمّر.
خشي روث أن يؤدي هذا إلى كارثة، فسارع بالحديث.
«سيدي، من الافضل أن نُنهي التدريب اليوم هنا.»
«همم؟ لم تمضِ سوى ثلاث ساعات.»
شعر روث أن هناك خطأً ما. هذا … بغض النظر عن كيفية رؤيته للأمر، لم يكن طبيعياً.
‘القائد دائماً يركّز على نفسه.’
كان لديه عادةٌ سيئةٌ بتقييم كلّ التدريبات حسب معاييره الشخصية. إذا سقط الفرسان من التعب، كان ينظر إليهم باستغراب، يتسائل كيف لا يستطيعون تحمل هذا القدر.
“أعتقد أنكَ يجب أن تقرأها.”
رواية <هذه الأميرة رائعةٌ جداً> كانت تحفةً فنيّةً مشهورةً بين جميع الأعمار.
على الرغم من أن العنوان بدا كروايةٍ رخيصة، إلّا أن المحتوى كان مختلفاً تماماً.
كما يوحي العنوان، كانت البطلة (الأميرة) هي مَن تقوم بكلّ شيء، لكن الحوار كان رائعاً، وقد جمعت الرواية بين الرومانسية والإثارة، ممّا جعلها تحفةً بين الروايات.
حتى روث أنهى قراءتها في ليلةٍ واحدةٍ بعد أن أجبره ثالتوس على أخذها.
“إذا قرأتَها… قد تصبح أقرب إلى الرئيسة. إذا ركّزتَ على تصرفات البطل، ستتعلّم كيف تجذب قلوب الناس.”
في الأساس، كانت الرواية تعلّم معنى الاهتمام والفهم.
“القلوب …”
تذكّر إيشيد عنوان الكتاب ووافق على قراءته.
لكن ما حدث بعد أيامٍ قليلةٍ كان بعيداً تماماً عن توقّعات روث.
“أختي البطلة رائعةٌ جداً …!”
“…… آه!”
عندما رأى روث الشخص الخطأ مغموراً في الرواية، صفع جبهته متأخّراً.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "38"