اليوم الأول للنقاهة.
تركتُ الأشخاص المشغولين وشأنهم وذهبتُ إلى الحديقة وحدي.
جلستُ على كرسيٍّ أمام طاولة الشاي الموضوعة في زاوية حديقة خشب البقس، واستمتعتُ بالشاي الهادئ في وقت ما بعد الظهر..
“كم هذا رومانسي … أشعة الشمس، درجة الحرارة، الرطوبة …”
“هل كانت إصابتُكِ في الرأس، أيّتها الرئيسة؟”
ظهر فجأةً صوت فيل الذي كان يتجسّس عليّ. ابتسمتُ مستمتعةً بتعابير وجهه المذعورة على ما تمتمتُ به للتوّ.
كان قد أحضر معه كيرين الذكي الذي أعدّ الشاي لفيل. لقد أرسلته أختي كتعزيزاتٍ عندما سمعت أنه لا يوجد خادمٌ كافٍ في قصر دوق أستريا.
بالطبع، عندما رأى كيرين أنني بخير، أمسك برقبته من اليأس. وحاول أن يكتب رسالةً للعودة فورًا، لكنني انتزعتُ القلم منه وأخفيتُه.
أما فيل فقد كان في طريقه إلى القصر للقيام ببعض الأعمال الورقية العاجلة.
“أتمنى أن تستمتع بوقت فراغكَ حتى أعود.”
مع إجازتي، عاد معظم العمل في قسم الاستشارات إلى الفرسان.
“أتقولين هذا الآن؟ هل تعرفين كم كنتُ قلقًا عندما سمعتُ ما حدث لكِ؟”
بدأت التوبيخات تنهمر عليّ ما إن فتح فيل فمه. ربما كان عليّ التظاهر بالمرض حتى يغادر فيل …
بينما كنتُ أتظاهر بعدم الاكتراث، رفع فيل صوته متذمّرًا.
“نعم، الفراغ رائع جدًا. أنا لا أعمل، ومع ذلك أحصل على راتبي وحتى المكافأة التي تضيفينها من جيبكِ الخاص، لقد أصبحتُ سارق رواتب!”
“كونكَ سارق رواتب أمرٌ جيد…”
“رئيسة!”
“لا تتذمّر، تبدو أكثر غباءً …”
“رئيسة!”
تسك، لم يسمح لي بإكمال كلامي حتى.
“حسنًا، لكنكَ تعرف أنني لا أتحمّل هذا الجو. كما ترة، أنا بخير. استغللتُ هذه الفرصة لأخذ قسطٍ من الراحة. لذا توقّف عن هذا.”
“… بجديّة … كيف لا أقلق. ظننتُ أن قلبي سيتوقّف!”
“أعتذر لأني أقلقتُك. شكرًا لاهتمامك.”
بينما كان فيل يتذمّر مجدّدّا، مددتُ له كعكة الشوفان كاعتذار. في العادة كان يقبلها رغمًا عنه، لكنه هذه المرّة حدّق بها فقط. ثم أخرج مغلّفًا من جيبه وسلّمه لي.
“سأعيده لكِ. لا يمكنني قبوله.”
كان هذا المال الذي كنتُ أرسِلُه سرًّا إلى منزله.
تجاهلتُ المغلّف وكسرت قطعة كعكةٍ أكبر قليلًا.
“هذا مصروفٌ لبيفاتشي. دعها تشتري بعض الحلوى والكاكاو لتأكلها.”
كان بيفاتشي هي الابنة الكبرى لفيل.
“هاه. حضرة الرئيسة، بيفاتشي تبلغ 13 شهرًا فقط. لقد بدأت للتوّ المشي.”
“احتفظ به وأعطيه لها عندما تكبر.”
“من أين لديكِ المال لتعطيني إياه؟”
“فيل، أنا لا أزال أميرة. أميرة عائلة ميليس الدوقية، الأكثر ثراءً في الإمبراطورية بعد العائلة الإمبراطورية. بالطبع ليس لي جزءٌ من هذا الثراء …”
مَن يحزن على شخصٍ ليس ربّ الأسرة؟
“هاه، على أيّ حال. بصراحة، أنتَ من يقوم بكلّ العمل. لذا خُذه بضميرٍ مرتاح.”
“… لكنكِ تدّخرين لشراء منزل، أليس كذلك؟”
كان قلقه أنني أؤخّر خططي لأنني أعطيه جزءًا من راتبي.
بشكلٍ أساسي، يتم دفع رواتب الموظّفين من قبل القصر الإمبراطوري. لكن المكافآت تُحدَّد حسب الميزانية المخصّصة لكل قسم.
هذا يعني أنه إذا كانت المكافأة المُحدَّدة 10 قطعٍ ذهبية، يمكن لرؤساء الأقسام توزيعها كما يشاؤون.
ثم كانت القصة أن المسؤول قد يُعجَب ببعض الناس ويعطيهم 10 ذهب، بينما قد يبغض الآخرين ولا يعطيهم على الإطلاق.
نحن جميعًا رأينا الموضوع سخيفًا، لكن …
‘إنها خطة رئيس الوزراء بأكملها.’
وكان ذلك بمثابة الفخّ الذي نصبه رئيس الوزراء الحالي ماركيز أرتوريتو.
يقولون إن مؤهلات رؤساء الأقسام يتمّ الحكم عليها بالمال، وهذا هو الشيء الذي يجعل الناس يفقدون إيمانهم أكثر من أيّ شيءٍ آخر.
ولم تكن الفكرة خاطئةً تمامًا، حيث تم استبعاد العديد من الرؤساء الذين كانوا يمارسون المحسوبية كمثال.
على أيّ حال، هذا شأنهم.
قسم الاستشارات الذي لا يملك ميزانية لا يهتمّ بهذا الأمر.
‘أنا آسفة، فيل.’
فكّرتُ في أحد الأسباب التي جعلتني غير قادرةٍ على الأداء الجيد بسبب ملاحقة العملاء.
“لا تقلق، أنا أدّخر بانتظام. خُذ هذا البسكويت وكُله.”
“… شكرًا… سأستمتع به.”
“آه.”
ابتسمتُ بينما أمسكتُ بالبسكويت.
كان البسكويت المصنوع باستخدام كميّة سكّرٍ أقل بشكلٍ كبيرٍ طرية. تم تعويض نقص الحلاوة بنكهة المكسّرات الغنية، والتي تناسب ذوقي بشكلٍ جيّدٍ للغاية.
وكان ذلك في هذا الوقت. وقف فيل من مقعده وهو يحمل البسكويت.
“سيدي القائد، تفضّل بالجلوس هنا.”
“لا، لا بأس.”
عندما رفض إيشيد الجلوس، عاد فيل إلى مقعده بتردّد.
بدا وجهه ذا تعبيرٍ ثقيلٍ بعد يوم عملٍ طويل.
هل هو متعب؟
“أين أورغون؟”
“قال إن لديه عملًا وغادر.”
“حقًا؟”
“قالوا إن العشاء جاهز.”
“هل الوقت متأخّرٌ هكذا؟”
الوقت يمرّ بسرعةٍ فقط في وقت راحتي. مددتُ جسدي المتعب ونهضت.
“فيل، ابقي لتناول العشاء ثم غادِر.”
“عائلتي تنتظرني في المنزل.”
“آه، بالطبع. لا بأس.”
نهض فيل وودّعني.
“سأذهب الآن.”
“حسنًا، أراكَ لاحقًا.”
“نعم. تبدين بصحةٍ جيدة، لكن اعتني بنفسكِ.”
غادر فيل وهو لا يزال قلقًا.
بعد مغادرته، ذهبنا إلى غرفة الطعام. لكن شعرت بوخزٍ في مؤخّرة رأسي.
التفتُّ لرؤية إيشيد، لكنه كان ينظر إلى مكانٍ آخر.
شعرتُ بوخزٍ يلسع مؤخّرة راسي مجدّدًا. عندما التفتُّ مرّةً أخرى، كان إيشيد لا يزال ينظر بعيدًا.
‘ما هذا…’
كنتُ أدهن الزبدة على الخبز الطازج لتخفيف التوتر، أخذتُ قضمةً من الخبز ذو الرائحة اللذيذة.
‘ستؤلمني معدتي على هذا الحال.’
وبّختُ إيشيد الذي كان ينظر إليّ باهتمام.
“ماذا؟ هل لديكَ شيءٌ لتقوله؟”
لم يجب لا بنعم ولا بلا.
‘لماذا يتصرّف هكذا؟’
“هذه فرصتكَ الأخيرة. هل لديكَ شيءٌ لتقوله؟”
“أين… تخطّطين لشراء منزل؟”
“منزل؟”
بينما كنتُ أمضغ الخبز، تذكّرتُ حديثي مع فيل.
«لكنكِ تدّخرين لشراء منزل، أليس كذلك؟»
آه، الآن فهمت.
‘لماذا يسأل؟’
هل هو فضولٌ بسيط؟ أم امتدادٌ لسوء الفهم؟ هل هو غيرة وهوس البطل بالبطلة الهاربة؟
‘ماذا؟ أنا لستُ حتى بطلة على أيّ حال.’
أجبتُ بغموضٍ أنني أخطّط لشراء منزلٍ في مكانٍ لطيفٍ بالقرب من الريف. لأنه مهما كان الأمر، بدا تجنّبه إلى حدٍّ ما هو الخيار الأفضل.
‘إنها ليست كذبة حتى.’
صحيحٌ أنني أفكّر في شرائه في مكانٍ جميلٍ بالقرب من الريف.
بدا أنه لم يكن راضيًا عن الإجابة، فاستمرّ إيشيد في التحديق بي.
التزمتُ الصمت وتظاهرتُ بالجهل.
حاولتُ جاهدةً تجاهل نظراته التي طانت تلاحقني طوال العشاء، وأكملتُ وجبتي بكرامة.
قبل أن أدرك ذلك، حلّ المساء وبدأت الشمس في الغروب ببطء.
عندما ذهبتُ إلى غرفتي، تبعني إيشيد.
كانت غرفتي بجوار غرفته.
بينما أمسكتُ بمقبض الباب للدخول، سأل.
“هل يمكنكِ النوم وحدكِ الليلة؟”
رفعتُ حاجبي باستغراب.
في الليلة الماضية، لم يكن الامر بيدي لكن …
“هل تعاملني كطفلةٍ الآن؟”
“إذا شعرتِ بالخوف، تعالي إليّ.”
“لا، لن آتي. لا تحلُم حتى بذلك! لانه لن يحدث!”
دخلتُ إلى غرفتي بلا تردّد.
في ذلك الوقت، ظننتُ أنني سأكون بخيرٍ حقًا.
لقد حان وقت النوم. رميتُ نفسي على السرير. لكن عندما حاولتُ النوم حقًا، لم أستطع إطفاء الضوء.
كانت عيني مفتوحتين على اتساعهما في الغرفة المضيئة.
تقلّبتُ واستدرتُ في السرير، لكن النوم لم يأتِ.
‘سُحقًا…’
في النهاية، نهضتُ وحملتُ وسادتي.
اتّجهتُ نحو الغرفة المجاورة، وأنا أسير بُخطًى ثقيلة.
ضوءٌ برتقاليٌّ خافتٌ أضاء الممرّ من خلال الباب نصف المفتوح.
كان إيشيد يجلس أمام مكتبه يتصفّح الأوراق.
سأل بصوتٍ خافتٍ وهو يقلب الصفحة.
“ألا يمكنكِ النوم؟”
كانت نبرته وكأنه كان يتوقّع هذا، وكأنه كان ينتظر.
أمسكتُ الوسادة البيضاء وعضضتُ شفتي، ثم استوليتُ بوقاحةٍ على سريره المرتّب.
“لا تنشغل بي، أكمِل عملك.”
لوّحتُ بيدي بلا مبالاةٍ واستلقيتُ على الوسادة المسطّحة.
غطّيتُ نفسي بالبطانية الناعمة الدافئة حتى أنفي، وشعرتُ وكأنني مستلقيةٌ على العشب في يومٍ مشمس.
خربشة، خربشة. سمعتُ صوت القلم يخدش الورق.
بدأ قلبي الذي كان يخفق بقلقٍ يعود إلى إيقاعه الطبيعي.
“يبدو أنني … سأنام هنا لفترة …”
السرير في غرفتي لم يكن سيئًا للغاية، لكنه لم يكن مريحًا إلى هذه الدرجة.
“سأكون مدينةً لكَ مجدّدًا …”
همستُ بينما كان النعاس يغلبني.
هبط السرير بجواري. قبل ان اعرف ذلك، كان إيشيد يجلس بجانبي.
“ما هذا …؟”
“بديلٌ للتهويدة”
بدأ إيشيد يربّت على كتفي بإيقاعٍ منتظم. انتقل شعورٌ دافئٌ من يده التي تلامس كتفي.
‘هل يعاني من نقصٍ عاطفي؟’
لقد كانت لديّ مثل هذه الشكوك لأنه كان يواصل مضايقتي كلّما سنحت له الفرصة.
كنتُ منزعجة، لكنني لم أرفض. لكن ابتسامته الخفيفة عندما لم أزعجه كانت … ممتعة.
“نامي جيدًا.”
سرعان ما نسيتُ كلّ هذه الأفكار.
***
استمرّت هذه الحياة المريحة. مع انتهاء الربيع، لم يختفِ شعوري بالنعاس بعد الأكل.
بعد الإفطار، وشرب الشاي، تحت أشعة الشمس الدافئة، بدأت عيناي تثقلان.
‘هل هذا مقبول؟’
راحة البال هذه حيث لا أحد يزعجني
طوال الوقت. بالطبع، نظرات كيرين كانت حادّةٌ قليلًا… لكنها مريحة.
أصبح ذهني مشوّشًا وكدتُ أن أغفو.
‘أتسائلُ عمّا إذا كنتُ سأعيش هنا للأبد.’
“هاه…؟”
هنا … للأبد؟
“آه …!”
اختفى النعاس تمامًا في لحظة الصدمة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "37"