“أنا بريء!”
رفع الكونت نين صوته. تجعّدت جبهة الإمبراطور الذي كان يجلس على المنصة وسط القاعة ويحدّق في الحضور.
“إذا كان هناك خطأٌ ارتكبتُه… فهو فقط أنني ربّيتُ ابني بهذا الشكل!”
“هذا صحيح …”
“في الحقيقة، الخطأ ليس من الكونت بل من الابن الأكبر.”
وافق النبلاء الحاضرون على هذا الرأي.
ظلّ الإمبراطور صامتًا منذ قليل، والرأي العام كان يميل لصالح الكونت. حاول الكونت نين أن يبتلع ضحكته وقدّم عرضًا دراميًا مزيّفًا.
“بالطبع، ابني كلونشيد يقول إنه لم يكن يعلم بما كان يحدث في دار المزادات. لكن بما أن الأمر حدث في مكانٍ تحت إدارته، فمن العدل أن يتحمّل المسؤولية. ابني المسكين نادمٌ جدًا على أخطائه، لذا أرجو معاملته بلطفٍ وعدل.”
تألّق منظره ببراعة، اعترافٌ معقول، استرحام، دفاعٌ يُظهِر الحبّ الأبوي، وعرض دموعٍ مُفتَعل.
انقطعت ثرثرة النبلاء الذين كانوا يشيدون بحنان الأب فجأةً بصوتٍ باردٍ قاطع.
“كم ستطول سخافاتكَ هذه؟”
تجمّد جو المحكمة في لحظة. نظر الكونت نين، الذي كان للتوّ يعتقد أن الأمور تسير على ما يرام، بحيرةٍ للرأس المجلس.
“جـ .. جلالتك؟”
“تقول أنككَ لم تكن تعرف شيئًا، وأن كلّ ما حدث في دار المزادات قد حدث من خلف ظهرك؟”
“……”
“أتتوقّع مني أن أصدّق هذا الهراء الآن؟ حتى الغباء له حدود!”
‘واو، كلماتٌ قاسيةٌ مُباشِرة!’
كادت شاتيريان التي كانت تجلس في زاويةٍ خفيّةٍ تشاهد المشهد، أن تصفّق وتصفّر من الإعجاب.
لوّح الإمبراطور بيده وكأنه لم يعد يرغب في الاستماع.
“أُصدِر الحُكم. يتم تجريد كونت نين من لقبه لتدنيسه شرف النبلاء، ويُحكَم عليه بالسجن لمدّة عشر سنوات. هذا ينطبق على جميع النبلاء المتورّطين في دار المزادات. أما كلونشيد نين، المدير الفعلي لدار المزادات …”
ساد صمتٌ قاتلٌ في قاعة المُحاكمة.
“بما أن جريمته هي الأسوأ، وهناك خطرٌ من تكرارها، يُحكَم عليه بالإعدام بالمقصلة. يُنفَّذ الحكم اليوم … بعد ساعةٍ من الآن.”
“ماذا…؟ جـ جـ جلالتك … جلالتك!”
“أخرِجوه.”
لم يكن هناك ذرّةٌ من التعاطف في العينين الذهبيتين اللتين هيمنتا على القاعة.
“وعلى جميع النبلاء حضور مكان الإعدام. هذا أمرٌ إمبراطوري.”
ابتلع النبلاء الذين جُلِبوا لقاعة المحاكمة قسرًا كلمات الإمبراطور المُرعِبة.
حتى شاتيريان شعرت بنفس الشعور. لا أحد يرغب في رؤية أحدٍ يموت، خاصّةً بهذه الطريقة المروّعة.
على أيّ حال، كان لدى شاتيريان عُذر. فهي مَن قبض على المجرمين لاستعادة النظام.
لكن عندما لاحظت وجود بعض النبلاء الصغار الحاضرين هنا وهناك، تنهّدت شاتيريان وتقدّمت. في النهاية، كان عليها أن تتحمّل المسؤولية.
“جلالتك، أرجو سحب الأمر الإمبراطوري.”
في هذا الجو المشحون، ظهر حبل النجاة الوحيد.
لم يتجرّأ أحدٌ على الاعتراض على أمر إمبراطوري… إلّا، بالطبع، شاتيريان ميليس، المشهورة بكونها مجنونة.
“المجرمون يستحقّون الإعدام، لكن ما ذنب الأبرياء الذين سيضطرّون لرؤية هذا المشهد المروّع؟ بالإضافة إلى أن هناك نبلاء صغار هنا … هذا ليس مناسبًا لهم.”
كان كلامها منطقيًا تمامًا. نظر الإمبراطور الذي كان غاضبًا حوله بهدوء.
‘الأميرة شاتيريان تقول كلامًا عقلانيًا؟’
في وسط التوتر، فكّر جميع النبلاء في نفس الشيء.
شعرت شاتيريان بالظلم. رغم أن معظم حياتها كشاتيريان كانت تتمحّور حول التصرّف بوقاحة، إلّا أنها عاشت بهدوءٍ نسبيًا في السنوات الأخيرة.
بعد تفكيرٍ قصير، قال الإمبراطور.
“إذن، سيتمّ إعفاء النبلاء الذين تقلّ أعمارهم عن 20 عامًا.”
كان هذا حلًّا وسطًا.
كانت شاتيريان راضيةً بهذا الحل ووافقت.
عندها، بدأ النبلاء يتمتمون.
“أليس من المفترض أن الأميرة تعرّضت للاختطاف أثناء التحقيق؟”
“لابد أن الإمبراطور كان غاضبًا جدًا حتى يتّخذ هذا القرار …”
“عقوبة عائلة نين كانت مستحقّة، لكن تجريد النبلاء الآخرين من ألقابهم كان مُبالَغًا فيه.”
“هل تعلم؟ سيكون النبلاء الباقين منبوذون في المجتمع الراقي الآن.”
“……”
أصبح الجو كئيبًا. لا أحد يستطيع أن ينكر أنهم منبوذون.
كان هناك ستَّ عشرة عائلةً متورّطة، معظمهم من المشاهير المؤثّرين في المجتمع الراقي.
مع أن ألقابهم كانت أقلّ من رتبة كونت، إلّا أنهم كانوا من النبلاء رفيعي المستوى الذين لا يهتمّون بالمجتمع الراقي، لذا استطاعوا السيطرة عليه.
عندما كانت شاتيريان على وشك المغادرة، أوقفها أحدهم.
“سموّ الأميرة شاتيريان، هل أنتِ بخير؟”
“آه. .. كونت ليبيل.”
كانت الكونت ليبيل ترتدي فستانًا أزرق، بدا عليها القلق وهي تقترب منها وتسأل.
كانت الكونتيسة قد طلّقت زوجها الذي كان يخونها مؤخّرًا، وطردت الكونت السابق، الذي كسب اللقب لأنه بات صهر العائلة، واستولت على لقب الكونت.
ألقت الكونت تحيّةً صغيرةّ على إيشيد ثم ركّزت كلّ اهتمامها على شاتيريان.
“لقد صُدِمتُ عندما سمعتُ بما حدث لكِ …”
“شكرًا لاهتمامكِ. لقد تعافيتُ تقريبًا بعد الراحة في القصر.”
“هذا مريح. بسبب ذلك المُجرِم الحقير، تعرّضتِ للأذى. كم كان ذلك مُرعِبًا! لقد عانيتِ حقًا.”
جعمت يديها أمام صدرها كما لو أنها ما زالت تشعر بالرّعب عند تذكّر ذلك.
طوال الوقت الذي كانت تستمع فيه إلى ثرثرة الكونت، لم تستطع شاتيريان إخفاء شعورها بالحرج.
نظرات النبلاء كانت حارقة. كانوا ينظرون إليها وهي تتحدّث مع نبلاء آخرين كما لو كانوا يشاهدون شيئًا غريبًا.
بالطبع، لم تكن كلّ النظرات هكذا. كانت هناك نظرات الفتيات اللواتي تجمعّن في الشرفة أثناء حفل التأسيس.
“بعد ما فَعَلته الأميرة … يبدو أن الأميرة قد تغيّرت كثيرًا، أليس كذلك؟”
كُنّ في سنٍّ يهتمّ بالرومانسية. وقفن بجانب الأميرة التي كانت تتحدّث مع الكونتيسة، واحمرّت وجوههن خجلاً عند رؤية الدوق بجانبها.
“كنتُ أعتقد أن الدوق ليس لديه أيّ اهتمامٍ بالحب، لكن يبدو أنني كنتُ مخطئة.”
“أهذا هو نموذج البطل الذي يكون لطيفًا فقط مع حبيبته؟”
كانت نظراتهن مشتعلةً لدرجة أن شاتيريان شعرت أنها قد تذوب إذا بقيت هناك.
“هل نترك التفاصيل لاجتماعٍ آخر؟”
ضحكت الكونت بخفّة.
“يبدو أنكِ لا تزالين خجولة.”
“خجولة …؟”
‘لا، لستُ خجولةً حتى بقدر ذرّة الغبار العالقة في الدانتيل.’
هذا لا ينفع. إذا تركتُ الأمور هكذا، قد ينتهي بي الأمر إلى أوبرا تسمى <إيشيد وشاتيريان> تُعرَض على العالم.
“كونت… أنا لا أحبّ أن يُستَخدم اسمي في المسارح.”
“بالطبع، استخدام الاسم الحقيقي قد يكون مزعجًا.”
“ليس هذا ما أعنيه … كما أخبرتُكِ من قبل، نحن لسنا ‘أبدًا’ في مثل هذه العلاقة.”
أكّدتُ على كلمة ‘أبدًا’ بشكلٍ خاص. لم أكن أتحدّث فقط إلى الكونت، بل قصدتُ أيضًا أن تستمع الفتيات خلفها ما أقول.. وبالطبع، إلى إيشيد بجانبي.
نظروا إليّ جميعهم بذهول. أخذوا يبدّلون النظرات بيني وبين إيشيد مُحاولين فهم الموقف.
فتحت الكونت فمها محاولةً تهدئة الموقف.
“أوه… أنا آسفة. لقد بالغتُ في التخمين، أليس كذلك؟”
“ليس كثيرًا … فقط قليلًا.”
“……”
أصبح الجو باردًا. بدا أن الأميرة لم تلاحظ هذا التوتر على الإطلاق.
في الحقيقة، لم تكن كذلك. كانت شاتيريان تتظاهر بعدم الملاحظة فقط.
‘الأشخاص الأذكياء هم مَن يتظاهرون بعدم الملاحظة.’
مَن يظهر ذكاءه هو في الحقيقة أقلّ ذكاءً. الخروج من الموقف بهدوءٍ هو ما يفعله الأذكياء حقًا.
“لـ … لماذا؟”
بدأت الفتيات في إنكار الواقع، كما لو أنهم سمعوا خبرًا عن انفصال ممثّلهم المفضّل.
“هل يجب أن أشرح أننا لسنا في أيّ علاقة؟”
“إ-إعتذاري …”
على الرغم من أنني حاولتُ أن أسأل بأقصى قدرٍ من اللطف لدي، إلّا أن الفتيات بدأن يرتعشن وكأنهن على وشك البكاء.
“لا، هاه. هل نُنهي حديثنا هنا اليوم؟ سأُرتّب للقاءٍ آخر لاستكمال النقاش. سأُرسل دعواتٍ للآنسات أيضًا.”
‘ينبغي عليّ أن أجد وقتًا لأمسكهنّ وأقنعهن.’
استجابت الكونت بسرعةٍ لمحاولة تحسين الأجواء.
“أوه، يا إلهي. إذا كان حفل شايٍ تقيمه الأميرة شاتيريان، فسأحضر بالطبع.”
“إذا دعوتِني، سأحضر بالتأكيد.”
“جيد، سأُرسل الدعوات لاحقًا.”
بدأ النبلاء في المغادرة واحدًا تلو الآخر بعد هذه الكلمات.
لم يكن سوء الفهم هذا بدون أساس.
‘كم من الشائعات التي نشرها هذا الكائن الإلهي…’
نظرتُ إلى إيشيد بنظرةٍ حادّةٍ وابتعدتُ عنه.
“لا تقترب. سيظنّون أننا مقرّبين.”
“نحن مقرّبين بالفعل، لذا أعتقد أن الامر لا يهم.”
“هل نحن مقرّبون؟”
“نحن ننام في نفس الغرفة كلّ ليلة. إذا لم تكن هذه علاقةٌ وثيقة، فما هي إذن؟”
أليست كذلك؟ حتى أنه يسألني كما لو كان الأمر بديهيًا.
كانت شاتيريان الوحيدة المنزعجة بملاحظة إيشيد العفوية حول مثل هذه الأشياء في العلن.
“هل جننت؟ لا تقُل هذا الكلام في الخارج. أخشى أن يسمعكَ أحد.”
وكما خشيت شاتيريان، وصل هذا الحوار بوضوحٍ إلى شخصٍ لم يكن من المفترض أن يسمعه.
خلفهما، تصلّب تعبير وجه الإمبراطور الحالي لإمبراطورية كنتري، فين بان نت.
‘كم هذا سخيف … ذهبتُ لأرى أيّ منزلٍ هذا الذي يحترق، ليتّضح أنه منزلي.’
(نكتة ساخرة من الذات، مثل كنتُ سعيدًا كما لو كنتُ أشاهد نارًا، لأنني اعتقدتُ أن الشخص الآخر قد دُمِّر، ولكن في الواقع، دُمِّرتُ أنا أيضًا.)
من الواضح أن الإمبراطور نفسه هو مَن حثّها على الزواج من إيشيد، لكنه الآن يشعر بالضيق لسببٍ ما.
استدار
الإمبراطور بهدوء، غير قادرٍ على التدخّل بين الشخصين اللذين كانا يتذمّران ولكنهما بدوا حميمين بطريقةٍ ما.
بدأ الاثنان مشاركة نفس السرير منذ اليوم الأوّل من فترة النقاهة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "36"