* * *
“…… لننتقل إلى المعبد أولاً…… أيها القائد؟”
‘لا.’
اختفت شاتيريان، التي كانت تنظر في الأنحاء، فجأة.
تحرّك إيشيد، تسارعت خطواته نحو المكان الذي كانت فيه شاتيريان حتى انتهى به الأمر إلى الركض.
عندما تجاوز الفرسان المشدوهين، خرج الأطفال راكضين من بين الخيمة.
“أ-أيها الفارس…!”
رفع الخيمة. ظهر ممرّ طويلٌ ممتدٌ في خطٍّ مستقيم. هناك، كانت طاقةٌ سوداء تتلوّى.
“شاتيريان!”
لكن الأوان كان قد فات. كانت شاتيريان قد غرقت بالفعل في السحر الأسود.
“لا داعي للقلق بهذا الشكل. سأُعيد الآنسة شاتيريان الحقيقية.”
ابتسم غوستو ابتسامةً ساخرةً وهو ينظر إلى إيشيد المتأخّر، ثم اختفى عبر فضاءٍ ملتوٍ بعد أن ترك كلماتٍ غريبة.
“ها ……”
اختلط مع تنهيدته القصيرة بكاء الطفل. هل شعر بهذا العجز من قبل؟
نظر إيشيد إلى يديه الفارغتين بعينين يائستين.
حتى ثالتوس الذي اقترب بدا أنه شعر بتيّارٍ غير عادي، فظهر على وجهه تعبيرٌ جادٌّ للغاية.
“لقد اختُطِفت شاتيريان. ابحثوا عن غوستو أڤيديتا.”
“عُلِم.”
تفرّق أتباعه المتمرسون بسرعة لتنفيذ المهمة الموكلة إليهم.
* * *
الأرضية الصلبة، الهواء البارد، صوت تقاطر الماء يتردّد في المكان.
رنين!
عندما تحرّكتُ، صدح صوت السلاسل الحديدية المربوطة حول معصمي.
بالكاد فتحتُ عيني بصعوبةٍ لأتفحّص محيطي. رأيتُ داخلًا مظلمًا برؤيتي الضبابية.
ما زال رأسي يدور وشعرتُ بالغثيان.
“أشعر بالبرد ……”
“هل استيقظتِ؟”
سألني غوستو وكأنه كان يراقبني من الخارج بينما كنتُ مقيدةً في السجن.
“…… أخرِجني.”
“لا.”
“أطلِق سراحي…!”
صرير!
صدى صوت اصطدام المعدن في المكان عندما تحرّكت.
“لا.”
ابتسم غوستو ابتسامةً ساخرةً واقترب أكثر من القضبان. عيناه المتطلّعتان كانتا غائمتين. حدقتان بلا تركيزٍ تدوران في دوائر.
“غوستو …. لماذا بحق الإله … لماذا لجأتَ إلى السحر الأسود؟ لماذا؟”
كيف وصل إلى حدّ استخدام السحر الأسود، ما الذي جعله هكذا؟
كلّ هذا الموقف كان مثيرًا للاشمئزاز وفي نفس الوقت مُحزِنًا.
اختفت الابتسامة من وجه غوستو. توقّفت العينان الدائرتان وحدّقتا بي مباشرة.
“مزيّفة ….. أيّتها المزيّفة، لا تتعاطفي معي بهذا الوجه، بهذا التعبير.”
“ماذا…؟”
“أعرفُ سرّكِ. لم أستطع تحمّله بعد أن عرفتُه …… لذا قبلتُ روح ساحرٍ مات منذ 300 عام بجسدي كشرط.”
بدأ غوستو يفكّ أزرار عنقه ببطء. عندما سحب ثوبه للأسفل، ظهر رمزٌ منحوتٌ أسفل رقبته.
الرمز الأسود المنحوت بدا كدودةٍ تأكل اللحم. انتشرت عروقٌ سوداء من الرمز وكادت تستولي على جسده بالكامل.
“أنت ……!”
“أحيانًا يحاول السيطرة على جسدي دون إذني، وهذا مُتعِب، لكنه مقبول. إذا كان بإمكاني العثور على الآنسة شاتيريان الحقيقية، فأنا مستعدٌّ لتحمّل هذا وأكثر.”
“ما هذا الهراء ….”
“أعرف كل شيء بالفعل، لذا لا داعي لمحاوة إخفاء ذلك. أنتِ لستِ الآنسة شاتيريان الحقيقية، أليس كذلك؟”
أصبحت العيون التي كانت مثبتةً مباشرةً عليّ ترتعش.
هذا ليس غوستو أڤيديتا. على الأرجح، إنها روح الساحر الذي مات منذ 300 عام والتي دخلت جسده.
“مَن …. مَن أنت؟”
“هه، هاهاهاها.”
أطلق ضحكةً وهو يمسك بالقضبان. ضحك بصوتٍ عالٍ وكأنه يستمتع جدًا.
“سأرحل، غوستو أفيديتا. لا داعي لأن تكوني خائفةً هكذا. في النهاية، سيحدث ما أريد. أليس هذا المكان جميلاً؟ إنه المكان المثالي لشخصٍ مثلكِ يسرق أجساد الآخرين ويعيش عليها. لا أعلم كم من الوقت ستبقين هنا، لكن حاولي أن تعتادي على الأمر ببطء.”
استدار غوستو قائلاً أنه سيعود لاحقًا.
“غوستو، غوستو!”
كان صراخي يتردّد بلا جدوى.
عندما استيقظتُ مرّةً أخرى، كان الظلام قد حلّ تمامًا. قبل أن أنام، رأيتُ المصباح يومض ثم انطفأ في النهاية.
“ألا يوجد أحدٌ هنا؟”
تردّد صدى صوتي دون أيّ نتيجة. ساد صمتٌ ثقيل.
صرير.
أطرافي ما زالت مقيّدة. بدت السلاسل المثبتة بإحكامٍ صعبة الفك.
عندما تفحّصتُ الزنزانة سابقًا بينما كان الضوء مضاءً، لم أجد أيّ مخرجٍ للهروب، ولا حتى الخنجر الذي كان معي.
كل ما أملك الآن هو القليل من القوّة المقدّسة. وحتى ذلك، لا أستطيع استخدامه بشكلٍ صحيح. ليس لديّ أيّ شيءٍ يمكنني فعله الآن.
“أشعر بالعجز.”
كنتُ غاضبة. غاضبةٌ من عجزي.
دار الغضب بي، دون أن أجد مكانًا لتفريغه. هل هذه هي النهاية؟
لقد تجنّبت نهاية السجن بالكاد، هل سينتهي بي الأمر بالسجن مرّةً أخرى؟
“أوه، لا. لقد انطفأ الضوء.”
دخل غوستو مع صوت صرير. وضع ما كان يحمله على الأرض وأشعل المصباح مرّةً أخرى.
انتشرت رائحةٌ نفّاذةٌ للدم. عندما عبست، وأظهر لي غوستو ما جلبه بفخر.
‘دم …’
“إنه الدم اللازم للطقوس.”
همهم بسعادة. ثم بدأ يرسم دائرةً على الأرض بالدم. ورغم أن ظهره كان للضوء وظلّه كان مُلقىً، إلّا أن يديه اللتين ترسمان الدوائر كانتا ثابتتان لا تُقهران.
“لا تقلقي. سينتهي الألم قريبًا. بالطبع، إذا فشلنا، سنضطرّ إلى المحاولة مرّةً أخرى، لذا قد يستمرّ الألم. لذا من الأفضل ألّا تقاومي حتى ينتهي بسرعة.”
مع كلّ خطٍّ معقّدٍ رسمته يده واحدًا تلو الآخر، شعرتُ بالرعب يتسلّل إليّ.
“غوستو، أرجوك! هل تعتقد حقًا أن أيّ شيءٍ سيتغيّر بهذا؟ يتمّ خداعك!”
“كلّا. إذا فعلتُ هذا، يمكنني حقًا استعادة شاتيريان خاصتي.”
“أنا شاتيريان! أنا شاتيريان الحقيقية!”
“لا. أنتِ لستِ شاتيريان. إن كنتِ الآنسة شاتيريان الحقيقية، فلن تفعلي هذا بي.”
تجاهل غوستو صراخي ووصل الخط الأخير.
“حسنًا. اكتملت الدائرة. الآن سنبدأ الطقوس.”
“أرجوك ……!”
“أوه. لا تبكي. قلبي يصبح ضعيفًا عندما تبكين بهذا الوجه.”
لمس غوستو خدّي بيده الملطخة بالدماء وكأنه يشعر بالشفقة.
“كما هو متوقع … حتى عندما تبكي الآنسة شاتيريان، ستبدو جميلة. أنا حقًا أحبّ الآنسة شاتيريان.”
اقترب وجهه. أدرتُ رأسي بفزع. شعرتُ بشيءٍ رطبٍ يلعق الدم الذي يغطّيني.
كان إحساسًا مقرفًا تقشعرّ له الأبدان.
“مقزّز.”
احتقرتُ غوستو وهو يبتعد. لم يهتم، وأخرج سكينًا من جيبه وقطع راحة يده بعمق.
سقط الدم الأحمر على دائرة الطقوس.
“لا أريد أن أجرح جسد الآنسة شاتيريان ……”
“آه……!”
اخترق السكين الحادّ ذراعي بعمق. التويتُ من الألم الحاد.
بدت دائرة الطقوس وكأنها كائنٌ حيٌّ يلتهم دمائنا بشراهة.
بدأ يتردّد صدى أصوات همهمة، وتوهّج ضوءٌ على طول الدائرة، ثم تسلّل إلى جسدي في لحظة.
اتّسعت حدقتيّ، التي كانت ضيّقة منذ لحظة، فجأةً وارتجّ جسدي.
“آآآه! مؤلم، هذا مؤلم!”
كان الألم لا يطاق. كان فظيعًا. كنتُ أرغب في الموت.
كان الإحساس بحرق جلدي من أطراف أصابعي إلى كلّ شعرةٍ جسدي حادًّا وحيًّا.
كان الأمر مروّعًا. لا يمكن أن يكون هناك ألمٌ أكبر من هذا في العالم.
صراخي المفزع. صوت السلاسل الحديدية تصدر مع كلّ انتفاضةٍ لجسدي.
حتى غوستو الذي كان يؤدّي الطقوس لم يكن بحالةٍ جيدة. بدأ الدم يتدفّق من أنفه ومن كلّ فتحات جسده.
ردّدت عيونٌ غارقةٌ في الجنون تعويذاتٍ بينما يموت جسده. كلّ ذلك تحت فكرةٍ واحدة وهي العثور على شاتيريان ‘الحقيقية’.
هل ما زلتُ على قيد الحياة الآن؟ لا أعرف.
كلّ ما أريده هو التحرّر من هذا الألم، لكن القوّة المقدّسة القليلة المتبقية في جسدي حمتني حتى النهاية.
تآكلت السلاسل وسقط جسدي فجأة. كنتُ غارقةً في الألم لدرجة أنني لم أفكّر حتى في الهروب.
أردتُ التحرّر. لذا اقتُلني بسرعة. اقتُلني فقط.
“اقتُلني …. اقتُلني…. من فضلك!”
خدشتُ الأرضية الحجرية بأظافري بينما كنتُ أتوق للموت.
في تلك اللحظة، سمعتُ صوت انفجارٍ صاخبٍ يليه صراخ غوستو.
“آآآه!”
ببصري الضبابي، رأيتُ غوستو يتدحرج على الأرض. تسلّلت رائحةٌ مألوفةٌ إلى أنفي الذي خدّرته الرائحة الكريهة.
رائحةٌ منعشة، كرائحة غابةٍ خضراء كثيفة.
تقيّأتُ الدم. ثم انهرتُ بين يديه وفقدتُ الوعي.
* * *
أغمي على شاتيريان بعد معاناةٍ قصيرةٍ من الألم. لحسن الحظ، كانت لا تزال على قيد الحياة.
تفحّص إيشيد دائرة الطقوس المرسومة على الأرض بعينين باردة.
دائرةٌ تحتوي على مثلثاتٍ ومربعات، وخمس دوائر أخرى تحيط بها ورؤوس حيواناتٍ متعدّدة.
كانت هذه طقوسًا لاستدعاء شيطانٍ قديم. يستخدمون الناس كوسيطٍ لتقديم أرواحهم.
الوسيط كان شاتريان، والضحية كانت غوستو. شعر فجأةً بإحساسٍ غريبٍ بالخطر.
“هاهاهاها!”
نظر بعينين باردتين إلى غوستو الذي كان يضحك بحماس. احتضن إيشيد شاتيريان أكثر ووجّه سيفه نحوه.
“مثيرٌ للسخرية، حقًا. ما زلتَ غير قادرٍ على التحرّر من تلك المرأة.”
ضحك غوستو ساخرًا منه، قائلاً إنه يشعر بالشفقة عليه. ثم نهض بجسده المتداعي.
هذا ليس غوستو. شيءٌ ما كان يتحكّم به.
“أنتَ نفس الشيء. أنتَ أيضًا مرتبطٌ بروحها.”
من الذي يستحق الشفقة حقًا؟
ابتلع إيشيد سخريته في تلك اللحظة.
ساد صمتٌ بعد انقطاع الضحك. اشتبك الاثنان دون أن يسبق أحدهما الآخر.
تصادمت القوّة المقدّسة مع قوّة السحر الأسود، وصدر صوتٌ حاد. اضطرب الهواء كتيّارٍ قوي.
عندما قطع السيف المشبع بالقوّة المقدّسة قوّة السحر الأسود، سال دمٌ أسودٌ من الجسد الذي تم جرحه أيضًا.
تراجع الرجل إلى الوراء، ثم استهدف شاتيريان الفاقدة للوعي.
كانت هذه نقطة ضعف. اخترق خنجرٌ جنب إيشيد الذي استدار لحماية شاتيريان.
قطع سيف إيشيد ذراع غوستو دفعةً واحدة. انهار الجسد الضعيف أمام القوّة المقدّسة.
ومع ذلك، استمر غوستو في الضحك كما لو كان شيئًا ممتعًا للغاية.
“يمكنني دائمًا الحصول على جسدٍ بشريٍّ جديد. لكن هذه اللعنة لن تُكسَر بسهولة.”
اختفت ضحكته مع قوّة السحر الأسود.
كان جسد الروح الأخرى على وشك الموت. بدا أن أنفاسه المتقطّعة كانت على وشك الانتهاء.
“……آنـ…… ـسة شاتـ ـيريان……”
كان ينادي اسمها حتى وهو يغمض عينيه. كم حمل صوته حزنًا ثقيلاً ……
لكن كان هناك أمرٌ آخر أوقف خطوات الوحش الإلهي. في اللحظة التي نادى فيها غوستو باسمها، رغم حياته الآخذة في التلاشي، تشبّثت شاتيريان بملابس إيشيد بشدّة.
على الرغم من عدم ارتياحه…… أطلق إيشيد تنهيدةً ثم جثا أمام غوستو.
كانت هذه آخر نعمةٍ من الوحش الإلهي، وعزاءٌ هدّأ روحه الفا
سدة.
تطهّرت الروح المغلّفة بالضوء الأبيض. وتوقّف جفاف الجسد الهزيل عن التقدّم.
“هذا كل ما يمكنني فعله من أجلك.”
على الرغم من أنه لم يكن باختياره، إلّا أنها كانت رحمةً غير مألوفةٌ من الوحش إلهي الذي لم يهتمّ أبدًا بموت البشر.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "33"