“لا أخطط للشجار على أيّ حال، فلماذا لا تستسلم فقط؟ إن أحسنتَ التصرّف، فسنكتفي بعقوبة السجن.”
“لا أعلم من أين تأتين بجرأتكِ للتصرّف هكذا، لكنكِ لن تحصلي على شيءٍ هنا.”
تقدّم صاحب قاعة المزادات خطوةً كبيرةً إلى الأمام. بدا واثقًا مع ابتسامته الممتدة من الأذن للأذن.
“حسنًا، أيًّا كان من يدعمك ….. فمَن يدعمني أقوى بكثير.”
ألقى نظرةً خاطفةً على إيشيد. أعظم سندٍ لي في هذا الموقف.
“والأجدر بالخوف أنت، لا أنا.”
أشرتُ بذقني نحو النافذة ساخرة. حيث رفرفت عباءةٌ منقوشةٌ بشعارٍ ذهبيٍّ ببهاء. كان فرسان القصر الإمبراطوري قد اقتحموا القاعة فجأة.
التفت الجميع ليروا المشهد، حتى صاحب القاعة، الذي كان واثقًا للحظة سابقة، أصابه الذهول.
“ألـ أليس هؤلاء هم الفرسان الإمبراطوريّون؟!”
“آه … يـ يـ يجب أن نهرب…”
أصيب الحضور بالذعر من ظهور الفرسان المفاجئ.
“كيف عثرتُم على هذا المكان…؟”
“لا تحتاج لمعرفة ذلك. أخبِرنا فقط عن مكان الساحر الأسود، ومَن يساعده من السحرة.”
“آه!”
شهق المالِك مدركًا أن أمره انكشف. لا بد أنه كان مرتبكًا للغاية، لأنه كشف بوضوحٍ عن مشاعره الحقيقية.
بدا أنه لم يدرك أن فعله هذا بمثابة اعترافٍ ضمنيٍّ بمعرفته بمخبأ الساحر الأسود ووجود مساعدين له.
“انظر، أعلم أن الأمر صادم … لكن يجدر بك الاستسلام الآن …”
” ….. بصراحة، أنا منبهر. لم أتوقّع حضور الفرسان الإمبراطوريين. لكن حقًا، كلّ ما عليّ هو الهروب من هنا، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
فجأة، ظهر رجلٌ خلف المالِك، أمسك الرجل ذو العباءة الزرقاء بذراع المالِك. ثم أصدرت الأداة السحرية في يد الساحر صوت طنين.
“إذن …”
وفي نفس الوقت الذي سُمِع فيه صوت الضحك، ضربه شيءٌ ما قد طار بقوّةٍ وتدحرج على الأرض.
تحطّمت الأداة السحرية، وتناثرت الزجاج، وانسكب السائل.
كانت جرعات الحب التي اشتريناها من المتجر السري.
“آآه…!”
حاول السحر الأسود، الذي تفعّل عند انكسار الزجاجة، أن يبتلع الساحر. في هذه العملية، اصطدم السحران بشدّة، ممّا تسبّب في تأوّه الساحر من الألم.
انتهز إيشيد الفرصة وركل مالِك القاعة، ثم وجّه سيفه نحو رقبته.
“إن بقيتَ ساكنًا، لن أقتلك.”
طمأنتني كلمات إيشيد. لأن طاقة عبدة الشياطين -المسماة ‘بالسواد’- تكون قاتلةً لذوي القوة السحرية أكثر من أولئك ذوي القوة المقدّسة.
حاملو القوّة المقدّسة لديهم مناعة، أما قوّة السحرية فليس لها ذلك.
لذا، على الرغم من وجود العديد من السحرة، إلّا أنه ليس هناك الكثير من السحرة السود، وكان من النادر أن ينجو ساحرٌ أسود من تحوّلٍ كهذا.
معظم السحرة الذين يتجرّأون على دخول هذا المجال المحرّم ينتهي بهم المطاف بأرواح مُنهَكة تعاني حتى الموت.
سمعتُ صوت الفرسان يقتربون من الخلف.
حتى الممرّات السرية للزبائن الخاصين كانت مُحاصَرة، فلا مهرب لأحد.
***
حتى النبلاء الثرثارون أثناء اعتقالهم صمتوا فجأةً عندما خلع إيشيد قناعه وغطاء رأسه.
أدركوا أن رشاوى الهروب لن تنفع، فشحبوا كالموتى أمام مصيرهم المحتوم.
أدار إيشيد العملية بينما فحصتُ أنا الأدراج الجانبية بلا جدوى. لم أجد أثرًا لأيّ شيءٍ يتعلّق بالسحر الأسود.
كان هذا المزاد والسحر الأسود مرتبطين بالتأكيد، لكن الأمر كان غريبًا.
“ما جئتُ لأبحث عنه بشكلٍ خاص لم أجده.”
تذمّرتُ وأنا أقلب دفاتر الحسابات. كلّ ما وجدتُه كان سجلّات الزبائن، لا معلوماتٍ عن الساحر الأسود.
الاكتشاف الوحيد الذي وجدتُه كان أن عائلة الكونت نين كانت تدعم عذا المكان.
“نين …”
مجدّدًا، اتّضحت لي ذكرياتٌ من أيام الأكاديمية.
لم يكن ذنبي أنني وجّهتُ ألفاظًا مسيئةً لكلانشيد، الابن الأكبر لعائلة نين. كان كلانشيد محتالًا مشهورًا في الأكاديمية.
هذا الوغد افتعل شجارًا معي، مدّعيًا أنني أُخادِع، وبالطبع لم أكن من النوع الذي يستخفّ بالأمر، فلم أتردّد في تحطيمه تمامًا. في كلّ مرّةٍ نلتقي، كنتُ أُلقِي عليه كلماتٍ قاسية، ممّا يجعل من المستحيل عليه استعادة معنوياته.
ظننت أنه تغيّر بعد أن هدأ منذ ذلك الوقت، لكن يبدو أنني كنتُ مخطئة.
“لننزل.”
“حسنًا.”
سلّمت الدفتر لأحد الفرسان وتَبِعت إيشيد.
لقد كان من حسن الحظ أننا قبضنا على دار المزادات غير القانونية، ولكنني كنتُ أشعر بالدوار بالفعل لأنني كنتُ أعلم أنه سيكون هناك موكبٌ من الوثائق إذا عُدت.
تنهّدتُ ونزلتُ الدرج، لكن لسببٍ ما، كان هناك ضجيجٌ في الأسفل. تسارعت خطواتنا، ووصلنا إلى السجن الذي أصبح فوضويًا.
“لماذا …”
امتلأ السجن بالصراخ والشجارات الجسدية. أناسٌ سيطر عليهم السحر الأسود، وفرسانٌ ارتبكوا من الموقف المفاجئ.
لكن لم يكن الجميع متأثّرًا بالسحر الأسود. تأخّر ردّ فعل الفرسان لأنهم كانوا يقاتلون ويحمون الأصحّاء هنا وهناك.
“يوريل…!”
كان يعالج الجرحى. كان هناك الكثير من الناس الذين أُصيبوا في وسط هذه الفوضى.
“القائد!”
نادى الفارس الذي رآنا على إيشيد. قمع إيشيد بشكلٍ خفيفٍ الشخص الذي اندفع نحونا للتوّ بينما يجذبني لحمايتي.
“إيشيد، اتركتي بجانب يوريل.”
سيكون ذلك أفضل من عرقلته بحمايتي.
أومأ إيشيد، الذي كان يفسح الطريق بيدٍ واحدة، موافقًا بعد رؤية يوريل منشغلًا بالعلاج.
بمجرّد أن حدّدنا وجهتنا، كان الباقي سهلاً. ركض إيشيد، الذي وضعني بين المصابين الذين يحرسهم عددٌ من الفرسان، إلى وسط الفوضى.
لم أستطع الجلوس هناك دون عمل، فحاولتُ يائسةٍ مساعدة مَن يعالجون المصابين.
“هنا…!”
“نائب القائد، هنا!”
“أضجعوه هنا …!”
على أيّ حال، لم يكن هناك مكانٌ لي، شخصٌ أخرق، للتدخّل في هذا الوضع الفوضوي. كان الفرسان، الذين ربما عملوا معًا عدّة مرّاتٍ في مثل هذا النوع من المواقف، يحرّكون أيديهم وأقدامهم بتناسقٍ تامٍّ دون أيّ إشاراتٍ خاصة.
رغم هدوء الفوضى تدريجيًا، إلّا أن عدد المصابين استمرّ في الارتفاع بسبب تشابك الناس هنا وهناك..
كلّ ما استطعتُ فعله كان تغطية عيني وأذني طفلٍ مرتعبٍ في الزاوية.
“ستعود لبيتكَ قريبًا، لذا لا تخف.”
تمنّيت أن يكون كلّ هذا مجرّد كابوسٍ لن يتذكّره حين يستيقظ.
كان الأمر قاسيًا جدًا على الطفل أن يتذكّر كل ما حدث.
“سيدتي الفارسة …”
أمسك الطفل بردائي بقوّة. ربتّتُ على رأسه المرتجف.
“أخي الصغير أخذه رجلٌ شريرٌ فيما سبق…”
انفجر الطفل بالبكاء. ارتبكتُ من نواحه الحزين، فحملتُه بين ذراعيّ دون أن أعرف ماذا أفعل.
“س-سأجده! أعدك!”
إن كان الطفل الذي أخذه الرجل الشرير لا يزال هنا في دار المزاد، فالعثور عليه سهل. المشكلة كانت حتى بعد قمع الفوضى، سيكون من الصعب عليّ التحرّك وحدي …
كان يوريل منشغلاً بالجرحى، وبدا إيشيد مشغولاً وهو يوجّه الفرسان.
“هل رأيتَ أين تم أخذ أخيك؟”
“هـ هناك…”
كان المكان الذي أشار إليه الطفل خلف الخيمة المجاورة له مباشرةً. مشيتُ ورأيتُ أن الجزء الخلفي من الخيمة يبدو ممرًّا متّصلًا بمنصة دار المزاد..
“إذًا دعنا نتحقق منه سريعًا ونعود، اتفقنا؟.”
“نعم.”
أمسكتُ بيد الطفل واتجهنا خلف الخيمة.
لقد كان ممرًّا لا يوجد فيه شيءٌ خاص، باستثناء أنه كان مسدودًا قليلاً بالضوضاء.
وبعد قليل تمكّنتُ من العثور على الأخ الأصغر للطفل الذي كان يبكي في الزاوية.
“كارون!”
“مارون!”
احتضن الشقيقان، اللذان يشبهان التوأم تمامًا، بعضهما البعض. كان من اللطيف كيف احتضنا بعضهما البعض بأذرعهما القصيرة.
“جيد، الآن علينا العودة إلى حيث يوجد الفرسان.”
بينما كنتُ أمسك بالأطفال وعلى وشك التراجع، هبَّ هواءٌ باردٌ على ظهري للحظة. رفعتُ بصري فرأيتُ شخصًا يمرّ عبر الممرّات المتشابكة.
‘من هذا .. ؟’
لم أفكر طويلاً. الرجل الذي يرتدي رداءً مُقَلَّبًا هو مَن قتل أنيلا في حلمي.
اختفى الرجل في لحظة، ولكن في اللحظة التالية، شعرتُ أن هناك شيئًا خاطئًا حيث شعرتُ بنَفَسٍ يجتاح خدي.
“كارون، مارون.”
ناديتُ أسماء الطفلان الذين سمعتُهم سابقًا. نظر إليّ الطفلان بعيونٍ واسعة.
“عندما أعُدّ لثلاثة، عليكما أن تستديرا وتهربا! فهمتما؟”
“نعم …؟”
“واحد …”
أدخلتُ يدي تحت الرداء، حيث كان خنجري الصغير في متناول اليد.
“اثنان…”
“سير …!”
أمسكتُ بالمقبض. لم يكن قد صُنِع لمقاسي حتى، لكنه كان يناسب راحة يدي تمامًا، لذا لم يكن مزعجًا.
“ثلاثة!”
انطلق الطفلان هاربان، وفي الوقت نفسه، غمرت طاقةٌ سوداء الممر بأكمله.
“سير شاتيريان…”
كانت رائحة أنفاسه كريهة. كانت الهالة السحرية السوداء تفوح منها رائحة كريهة كالعادة.
“غوستو، أنتَ نتن.”
ضحكتُ طعنتُه في الهواء بسرعة.
“آآه …!”
كانت الضربة موجهة لخصره، لكن غوستو تفاداها جزئيًا، ولم تترك سزى خطٍّ طويلٍ على بطنه.
نفضتُ يدي من الدم الساخن غير المستساغ، ثم أمسكتُ بالمقبض مجدّدًا بندم. كان الجرح سطحيًا، لكن بما أنه خنجرٌ مغروسٌ فيه قطعةٌ أثريةٌ مقدّسة، فقد كان التأثير جيدًا.
لأن جسده، الذي استهلكه بالفعل السحر الأسود، كان يحترق.
نظر إلي غوستو بعينين داميتين مليئتين بالكراهية، ثم أخرج من رداءه ورقةً عليها دائرةٌ سحريةٌ مألوفة.
مزق الورقة، وفي الوقت نفسه، تم تفعيل الدائرة السحرية وبدأ الفضاء بالالتواء.
صرخةٌ مجهولةٌ من مكانٍ ما ض
ربت أذني، واهتزّت رؤيتي بشدّة. شعرتُ بالغثيان، وفي النهاية لم أعد أستطيع الوقوف.
انهار جسدي، وانهار وعيي معه. كان آخر ما رأيته من خلال رؤيتي الضبابية هو وجه غوستو المشوّه.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "32"