ثقةٌ عمياء.
شعرتُ بالحرج لأنني تلقّيتُ ذلك القدر من الثقة.
تلك الثقة العمياء جعلت معدتي تثور بطريقةٍ غريبة.
دقات قلبي المتسارعة بشكلٍ طفيفٍ كانت مزعجةً بطريقةٍ ما.
كان عليّ أن أقول له بصراحة ‘لا تثق بي’، لكن كلماتي لم تخرج بسهولة.
في النهاية، أخرجتُ زفيرًا صغيرًا وفتحتُ الباب.
ظهر أمامي ممرٌّ طويلٌ ومظلم. عندما مشيتُ عبر ذلك الممر وفتحتُ الستارة التي يتسرّب منها ضوءٌ خافت، ظهرت أمامي قاعة مزاداتٍ ضخمةٍ أكثر مما كنتُ أتخيّل.
كان المكان مزدحمًا، والجو مشحونٌ بالحماس.
كانت قاعة المزادات دائرية، تنخفض مستوياتها نحو المنتصف، مما يسمح برؤية كلّ شيءٍ من الأعلى إلى الأسفل. (مثل مبدأ المدرّج الروماني للي ما فهم)
اندمجتُ بين الحشود بسلاسة، متظاهرةً بأني أحد المتفرّجين.
“أقراط زفير النجوم، التي لا يوجد منها سوى ثلاثةٍ في الإمبراطورية، يبدأ سعر المزاد من 20 قطعةٍ ذهبية!”
صرخ رجلٌ وقف على المنصة في المنتصف.
ربما استخدم قطعةً أثريةً لتضخيم صوته، لأن صوته دوى في جميع أنحاء القاعة.
عندما رفع رجلٌ يرتدي قناع قطعة القماش بين يديه، ظهرت الأقراط تتلألأ تحت الأضواء السحرية.
“20 قطعة ذهبية!”
“25 قطعة ذهبية!”
“40 قطعة ذهبية!”
ارتفع سعر المزاد بسرعة.
“هذه مسروقة.”
همس إيشيد، الذي تعرّف على القطعة فورًا.
قبل أيامٍ قليلة، ورد في تقرير حرس العاصمة أن مجوهرات إحدى بنات النبلاء قد سُرِقت.
عادةً، لا يتمّ الإبلاغ عن مثل هذه الأمور التافهة، لكن مع تزايد الجرائم التي تستهدف النبلاء مؤخّرًا، كانوا في حالة تأهّب.
أقراط الزفير، المسروقة على الأرجح، بيعت بمئة قطعةٍ ذهبية. والآن، ظهرت قطعةٌ أخرى مسروقة.
مع كلّ هذا، أصبح واضحًا أن سرقاتٍ أخرى تحدث هنا.
“يبدو أنهم يعملون هنا؟”
“إذا قبضنا على صاحب قاعة المزادات، سنحلّ قضية السرقة.”
السرقة ثم البيع.
إضافةً إلى ذلك، يبدو أن دار المزادات غير القانونية هذه، المرتبطة بالساحر الأسود، أكثر تنظيمًا مما كنا نعتقد.
“هل هناك مَن يدعمهم من الخلف؟”
من الصعب على عامة الناس، بل وحتى الفقراء، إدارة شيءٍ بهذا الحجم.
ليس من السهل إدارة عملٍ سريٍّ بهذا النطاق.
‘بالتأكيد هناك داعمٌ خلفهم…’
لم أستطع تذكّر الجزء الأهم، لذا شعرتُ بالندم. لا يوجد خيارٌ سوى بذل الجهد والبحث حتى يتصبّب العرق من أقدامنا.
في القصة الأصلية، لم تكن هناك أحداثٌ كبرى، لذا كان من الصعب تحديد الشرير.
‘على أيّ حال، لنُلقِ القبض على صاحب قاعة المزادات أولًا.’
نظرتُ حولي فرأيتُ يوريل والسير ثالتوس واقفين في مكانٍ بعيد. كان هناك موظّفون يرتدون أقنعةً في كلّ مكان، لذا لم نتمكّن من التواصل معهم.
‘توقّعتُ أن هذا سيحدث، لذا اتفقنا على إشاراتٍ مسبقًا.’
أومأ ثالتوس بفهم عندما التقت نظراتنا، ثم حكّ أنفه. كانت تلك إشارةً بأن كلّ الاستعدادات اكتملت. لقد حلّلوا السحر الموجود على تذاكر الدخول ووزّعوا فرسان الفيلق في المنطقة.
مسحتُ ذقني عند إشارته. فهم السير ثالتوس الإشارة وبدأ التحرّك فورًا.
أثار فوضًى بين الضيوف، ممّا جذب انتباه الموظفين.
“هناك مشكلةٌ في المنطقة B، سنتعامل معها على الفور.”
عندما اندلعت الفوضى، بدأ الموظفون في الخلف بالتحرّك بانتظام.
استغلّ يوريل الفرصة وانضمّ إلينا.
توجّهنا بسرعةٍ إلى الممر الخلفي للموظفين.
كان ممر الموظفين معقّدًا جدًا، ومظلمًا لدرجة أن أيّ شخصٍ غير معتادٍ عليه سيتوه.
“إلى أين سنذهب الآن؟”
“دائمًا ما يكون العقل المدبّر وراء كلّ شيءٍ في القمة.”
ولكن للوصول إلى هناك، كان علينا الذهاب إلى أعمق جزءٍ من المكان.
كان هناك طريقان للوصول إلى الطابق العلوي حيث يقيم صاحب قاعة المزادات، أحدهما مخصّصٌ للعملاء المميّزين وكان محميًّا جيدًا.
لذا قرّرنا استخدام الممر السري تحت الأرض، حيث كان الحرّاس أقل.
مع استمرار المزاد، لم نجد أيّ موظفين يحرسون الممر.
كلّما نزلنا أكثر، أصبح الهواء خانقًا. كان الهواء البارد الذي لامس جلدنا لاذعٌ ومزعجٌ لدرجةٍ غريبة.
“شاتيريان.”
“أنا بخير.”
بدا أنه شعر بعدم الارتياح أيضًا. ربتُّ على يده التي كانت تقبض على مقبض السيف وعجّلنا خطواتنا.
وأخيرًا، وصلنا إلى سجنٍ مليءٍ بأنيناتٍ مكبوتة.
كان المكان أشبه بجحيم. صوت بكاء الأطفال مختلطٌ بأنين الألم.
كان المكان الذي امتزجت فيه رائحة العفن والدم واللحم معًا صادمًا إلى حد لا يمكن تخيّله.
تاب، تاب.
دوى صوت خطوات موظّفٍ في المكان. توقّف الموظف أمام أحد الأقفاص وأشار إلى طفلٍ كان متكوّرًا على نفسه.
“اخرُج.”
“…!”
ركل الطفل الصغير الذي كان يبكي بكلّ قوّته. بكى الطفل الصغير بشكلٍ عالٍ، وذرفتد دموعه. لكن لم يخرج منه سوى شهقة، وكأن هناك سحرًا يمنعه من الصراخ.
“هذا …”
“لا، يوريل.”
حاولتُ إيقاف يوريل الذي كان على وشك الانقضاض على الموظف وقتله وإنقاذ الطفل. كان الغضب واضحًا على وجهه، وهو أمرٌ نادرٌ بالنسبة له.
“أفهم مشاعرك، لكننا سننقذهم بعد القبض على كلّ المتورّطين.”
ولكن كما يقولون، هناك جبلٌ وراء الجبل. بعد أن هدّأتُ يوريل، وجدتُ أن إيشيد متيبّسٌ في مكانه دون حركة.
كانت عيناه مثبّتتان على السجناء.
“إيشيد؟”
حالما ناديتُه، تحرّك إيشيد بسرعة البرق دون أن أتمكّن من إيقافه.
كانت حركته خاليةً من أيّ صوت، مثل وحشٍ مفترسٍ يصطاد فريسة. ضرب الموظّف بمقبض سيفه فأفقده الوعي على الفور. كانت حركةً سلسةً كالماء.
ثم قطع قضبان السجن بسيفه. بحدٍّ أدنى من الجهد، دمّر القضبان الحديدية بسهولة.
انضمّ يوريل إليه، ودمّر الاثنان السجن تمامًا.
“يا …”
أخرجتُ زفيرًا عميقًا وجمعتُ السجناء الذين كانوا يخرجون. كان من الأفضل التعامل مع الوضع بدلًا من تضييع الوقت في التفكير.
“إذا بقيتُم هنا، سيأتي فرسان القصر الإمبراطوري قريبًا.”
عندما سمعوا ذلك، ذرفت عيون الذين لم يتمكّنوا من الكلام دموع ارتياح.
وبما أن الموظَّفَين الاثنين قد أغمي عليهما، فقد قمتُ بربطهما بطريقةٍ مناسبةٍ باستخدام الحبال الموجودة في الزاوية.
“لا يوجد خيارٌ الآن. يوريل، ابقَ هنا واحرُسهم.”
بعد موافقة يوريل، صعدتُ أنا وإيشيد الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي.
“هناك الكثير من الدرجات.”
كانت أنفاسي على وشك أن تنقطع. توقّفتُ للحظة لأنني لم أستطع الصعود أكثر.
ثلاث سنواتٍ من العزلة، وأربع سنواتٍ من العمل خلف المكتب –
من الطبيعي أن لا تكون لياقتي كما كانت من قبل.
“دعيني أحملكِ.”
مع أن إيشيد كان يتسلّق نفس الدرج، إلّا أن أنفاسه لم تكن لاهثة. لم أكن أرغب في أن يحملني حقّا، لكنه أفضل من التباطؤ هنا.
“حسنًا.”
حمَلني إيشيد دون أيّ اعتراضٍ وصعد الدرج بخطواتٍ واسعة.
“يجب أن أمارس الرياضة.”
“أتّفقُ معكِ.”
“هل تمانع عدم تلإجابة على حديثي مع نفسي؟”
حدّقتُ به بعينين غاضبتين، لكنه تجاهل ذلك.
“يمكنكِ ممارسة الرياضة معي.”
“لا تمزح! إذا مارستُ الرياضة معك، لن أستمرّ حتى ليوم واحد!”
يوم؟ سأكون محظوظةً إذا استمررتُ لنصف يوم.
“همم… سأبذل جهدي لأتكيّف مع مستواكِ.”
“لا شكرًا. سأفعلها وحدي.”
“ألن يكون أكثر انتظامًا إذا حصلتِ على مُعلّمٍ جيدٍ؟.”
“كلّ معلمٍ محتلف. لا أريد أن أطلب مساعدة قائد الفرسان المشغول. ربما يكون الأمر مختلفًا إذا كان يوريل أو السير لوتز؟”
“أنا لا أصلح، لكن مرؤوسي يصلحان؟”
كان من الواضح من نبرة صوته أن إيشيد كان منزعجًا.
“ليس لأن مستواكَ ضعيف، بل لأن الفرق بيننا كبيرٌ جدًا. لا داعي لأن تغضب.”
‘بالإضافة إلى ذلك، كيف يمكنني أن أتعلّم منك؟ بصراحة، كبريائي لا يسمح بذلك.’
رغم أننا انتهى بنا المطاف نتحدّث بهدوءٍ بينما يحملني، لكن من المفترض أننا أعداء …
“تقولين إنني منزعج … حقًا؟”
سأل إيشيد كطفلٍ يتعلّم المشاعر للمرّة الأولى. أومأت برأسي.
“تشعر بالضيق لأنكَ تعتقد أنني أستهين بك، أليس كذلك؟ لكن بحقك. أنا لا أستهين بك. حتى إن كان الأمر مزعجًا، إلّا أنني أحترم مهاراتك.”
بدت الطريقة التي أومأ بها برأسه وكأنها تحمل نفس الطاقة المعتادة.
بينما كنا نتحدّث، وصلنا إلى الطابق العلوي دون أن ندري.
نزلتُ من بين ذراعي إيشيد وفتحت الباب بعنف.
ظهرت أمامنا مقصوراتٌ تطلّ على قاعة المزادات. المكان المخصص للعملاء المميزين كان فارغًا الآن.
‘هل تأخّرنا؟’
مستحيل. حدسي يقول لي إن هذه خدعة.
نظرتُ حولي في المساحة الواسعة. لم يكن هناك أيّ بابٍ آخر غير الذي أتينا منه.
“عادةً، يوجد بابٌ سريٌّ واحدٌ في مثل هذه الأماكن.”
طرقتُ على الجدران ذات الأنماط المنتظمة بينما أمشي ببطء.
رطم، رطم، رطم، – طق!
ارتفعت زاوية شفتي بابتسامة.
“إيشيد!”
في اللحظة التي ابتعدتُ فيها، حطّم إيشيد الجدار دون تردّد. لحسن الحظ، كان هناك بابٌ خشبي، لذا لم يتطاير الغبار في كلّ مكان.
خلف الجدار المدمّر، ظهر الأشخاص المختبئون.
“وجدناكم.”
مكان العمل الحقيقي للعملاء المميزين. جوهرة هذه السوق السوداء الحقيقية.
“أوه، كيف وصلتُم إلى هنا؟”
سأل الرجل الذي كان يشرح شيئًا في المقدمة بابتسامةٍ باردة. في نفس الوقت، أشار إلى الحرّاس الذين كانوا واقفين عند الجدران، فبدأوا يحيطون بنا.
“كنتُ أتساءل عن سبب الاضطراب في القاعة، يبدو أنكم مجموعة.”
“يا عم، هل يوجد هنا غيرك؟”
سألتُ ببراءة بينما أتفحّص المكان.
” عم …”
التوى فمه تحت القناع الذي يغطّي عينيه فقط. لكنه كرجلٍ يتعامل مع العملاء المميزين، استعاد هدوءه بسرعة.
“يبدو أنكم تبحثون عن شخصٍ ما؟”
“نحن نبحث عن ساحرٍ أسود، هل تعرف أحدًا؟”
“ساحرٌ أسود… للأسف، لا أعرف أيًّا من هؤلاء الناس الخطرين.”
“حقًا؟ هذا محزن. أوه، أيتها السيدة، ابقي حيثُ أنتِ. إن الهروب الآن لن يجدي نفعًا.”
ارتجفت السيدة التي تم منعها من الهروب. انفجر الرجل الذي كان بجانبها وهوويرتعش غاضبًا.
“ماذا فعلنا حتى تفعلوا هذا بنا؟ أتعرفون مَن أنا؟!”
إن القول أنا الكلام اللطيف يجلب الرّد اللطيف كان محض كذبة. لقد استخدمتُ معهم لغةً محترمةً ولطيفة، لكن كلّ ما جاء منهم تعبيراتٌ وقحةٌ ولغةٌ غير رسمية.
“بدأتَ تبدو فظًّا. لا يهمّني مَن أنت، مشاركتكَ في مزادٍ غير قانونيٍّ يعني أنكَ مذنب.”
“يالوقاحتك!”
“وقاحة؟ هل أنتَ الإمبراطور؟ أم أحد أفراد العائلة الإمبراطورية الذين لا أعرفهم؟ إذا كان الأمر كذلك، فسأزحف أمامك.”
بالطبع، فقط في ذهني. ابتسمتُ
وقلتُ ذلك، فقفز الرجل غاضبًا.
“أ-أنتِ أنتِ… أيتها العاهرة!”
“نعم، هناك عاهرٌ هنا، وهو أنت.”
لم يستطع الرجل الرد، فقط صرخ غاضبًا.
من المؤسف أنه كان يرتدي قناعًا. لو كان وجهه ظاهرًا، لكان منظر غضبه مسلّيًا جدًا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "31"