توجّهت العربة التي كانت تحملني وإيشيد ويوريل وثالتوس شمالاً إلى المنطقة المركزية حيث يقع المتجر الذي اشترى منه ميش القلادة.
بالتحديد، إلى مكان يُدعى قرية سينت.
تكدّسنا داخل العربة بمحاولةٍ لتجنّب لفت الأنظار، بينما كان من المقرّر أن يصل الفرسان الآخرون متفرّقين وبسريّة.
ساد الصمت داخل العربة.
لم يتحمّل السير ثالتوس ذلك الجو، فحاول كسر الجمود ببراعته المعتادة في خلق الفكاهة، لكن أحداً لم يبادله الحديث بحماس.
في النهاية، أسند ظهره إلى المقعد وهو يندم.
“كان عليّ الجلوس بجانب السائق”.
كان يوريل هو مَن قطع ذلك الصمت الطويل:
“بالمناسبة، كيف تأكّدتِ أن الوجهة هي قرية سينت تحديداً؟”
كانت قرية سينت إحدى القرى المشهورة بانتشار الجرائم، بسبب قربها من الحي الشمالي الفقير، كما احتوت سوقاً سوداء كبيرة.
حتى مع ذلك، بدا قرار التوجّه إلى سينت كمركزٍ لتلك القضية المتعلّقة بالسحر الأسود غريباً بعض الشيء، خاصةً مع وجود قريتين أخريين مجاورتين.
“هناك مزادٌ غير قانونيٍّ سيقام الليلة في مكانٍ ما بالحي الشمالي. تذكرة الدخول تُشتَرى من السوق السوداء خلف قرية سينت.”
“مزادٌ غير قانوني؟”
استفسر السير ثالتوس بوجهٍ جاد.
“نعم. إنه معقل السحرة السود. كنتُ أعلم أنهم يبيعون المسروقات والعبيد، لكنني لم أتوقّع أن يكون للسحر الأسود علاقةٌ بهم.”
كان نظام العبيد قد أُلغي منذ أكثر من مئة عام، لكنه ما زال يُمارَس سراً وقسرًا.
“سمعتُ عن مزادات العبيد السرية من قبل.”
“لكن كيف عرفتِ أنتِ ذلك، آنستي؟”
“لهذا السبب اقترحتِ نشر فرساننا في الأرجاء؟”
تبادل ثالتوس ويوريل نظرات استفهام، بينما هزّ إيشيد رأسه وحده.
هززتُ كتفيّ متجاهلةً نظراتهم الموجّهة إليّ.
لو أخبرتُهم أنني أعرف بسبب ذكرياتٍ من حياتي الماضية، فلن يصدّقوني على أيّ حال، ولستُ أنوي الإفصاح عن ذلك.
لكن التعليق الذي تلاه كان غبياً لدرجةٍ لا تُطاق.
“بالصدفة …. هل ذهبتِ إلى هناك من قبل؟”
ضحكتُ ساخرةً من شكوكه السخيفة.
“ما الذي تظنّه بي؟”
“حسناً، ليس الآن، لكن ربما خلال فترة دراستكِ في الأكاديمية… لقد وصفتِ مكان بيع التذاكر والبضائع المعروضة بدقّة.”
أضاف يوريل.
“ليس لديّ شك.”
لكن كلامه لم يكن خاطئاً تماماً. لو لم تكن لديّ ذكريات حياتي الماضية، لربما كنتُ قد تردّدتُ على ذلك المكان للتخطيط لجرائمي.
في تلك الأثناء، وصلت العربة إلى قرية سينت وتوقًفت عند المدخل.
عندما نزلتُ من العربة ونظرتُ حول الشارع. كان هناك القليل من الناس في الشارع، والمتاجر المفتوحة معدودة. أيّ غريبٍ سيلفت الأنظار فوراً.
كانت الخطة بسيطة، سنتوجّه أنا وإيشيد إلى المتجر الشمالي، بينما يتولّى يوريل وثالتوس المتجر الشرقي.
كان هناك مدخلان يؤديان إلى قاعة المزاد، لذا كان إغلاقهما كفيلاً بالقضاء على العصابة بالكامل.
انفصلنا عنهم وبدأنا السير.
لم يكن هناك أيّ تردد. كأن ذاكرةً غريبةً واضحةً كانت تدفعني إلى ذلك المكان.
تخطّينا الأعين التي تراقب الغرباء، واخترقنا أزقةً مهجورةً حتى وصلنا أخيراً إلى السوق السوداء في الزقاق الخلفي.
نزلتُ على الدرج المضاء بالمشاعل وفتحتُ باب المتجر. رنّ الجرس الذي سمعتُه في حلمي.
“ما الذي أتى بسيدةٍ مثلِكِ إلى مكانٍ وضيعٍ كهذا؟”
سأل المالك مبتسماً، لكن عينيه كانتا مليئتين بالحذر.
“جئتُ لشراء شيءٍ ما.”
قلتُ ذلك بلا اكتراث بينما ألقيتُ نظرةً حولي. لم أرَ أيّ شيءٍ مميّزٍ بين البضائع المبعثرة.
“ما الذي تبحثين عنه؟”
“سمعتُ أنكم تبيعون أشياءً مثيرةً للاهتمام. مثلاً… جرعةً سحريةً تحقّق الحب؟”
تاك.
وضعتُ خمس عملاتٍ ذهبيةٍ على الطاولة.
“أوه! لقد جاءنا زبونٌ كريمٌ للغاية!”
ابتسم البائع وهو يلتقط القطع الذهبية. شعرتُ بوخزٍ في قلبي وأنا أرى نقودي تختفي في جيبه.
‘أموالي التي جمعتُها بدمي، ذهبت في سبيل الأمن.’
بينما كنتُ أفكّر في ذلك، أخرج البائع قارورةً.
تشبه تلك الزجاجة التي رأيتُها في حلمي. سائلٌ أزرق، وسدادةٌ من الفلين عليها نقوشٌ غريبة.
“هذه هي جرعة الحب! قطرةٌ واحدةٌ تكفي لجعل أيّ شخصٍ يقع في حبّكِ.”
“همم …”
أمسكتُ بالقارورة الطويلة وهززتُها. كان السائل الأزرق صافياً لدرجة أنني رأيتُ انعكاس وجهي فيه.
ابتسمتُ للصورة المشوّهة لوجهي خلف السائل.
“إنها فعالةٌ بالتأكيد.”
نعم، بالتأكيد …
فعالةٌ في قتل الناس بالسحر الأسود.
“هل لديكَ شيءٌ آخر مثيرٌ للاهتمام؟”
“هل تحتاجين شيئاً محدّداً؟”
“حسناً… حياتي مملةٌ هذه الأيام. أريد شراء لعبةٍ أتسلّى بها. هل لديكَ ما يناسبني؟”
“هل تتحدّثين عن لعبة؟”
سأل البائع الذي فهم على الفور مقصدي بخبث. فأومأتُ برأسي موافقة.
“حسناً، لو كانت المال ليس مشكلة …”
“بالطبع. المال جاهز.”
“هاها… يبدو أن الآنسة النبيلة تشعر بالملل حقاً. في هذه الحالة، يمكنني إخباركِ عن مكانٍ رائع.”
هذا هو ما أريده!
لقد دفعتُ خمسة أضعاف سعر جرعة الحب فقط لأجعل هذا البائع الجشع يفتح فمه.
ألقى البائع نظرةً خاطفةً على إيشيد الواقف خلفي، ثم خفض صوته.
“هناك حدثٌ كبيرٌ الليلة. مكانٌ مشهورٌ ببيع كلّ شيء.”
“كلّ شيء؟”
“نعم. أشياءٌ غريبةٌ لا يمكن للآنسة النبيلة حتى تخيّلها.”
“أشياء غريبة … يعجبني ذلك.”
تاك.
أخرجتُ كيساً ثقيلاً من ثوبي ووضعتُه على الطاولة.
فتحه البائع بحذر، ثم انفرجت أساريره حين رأى أنه مليءٌ بالذهب.
‘بالطبع سيحبّ ذلك.’
لقد كان المبلغ الذي قدّمتُه كافياً لبناء مبنًى على أفضل الأراضي في المنطقة المركزية.
وبطبيعة الحال، فإن المال جاء من جيب إيشيد.
لو كنتُ أملك مثل هذا المبلغ، لكنتُ غادرتُ العاصمة منذ زمن.
حاول البائع إخفاء حماسه، ثم أخرج خاتماً ذهبياً دون تردّد. لم يكن يحمل أيّ أثرٍ للسحر الأسود.
“هذه تذكرة الدخول. يمكنكِ الدخول عند الغروب عبر الشجرة المعوجّة في الغرب. يجب أن تكوني على اتصالٍ جسديّ مع مَن سيدخل معكِ.”
“هذا بسيطٌ جداً. لنذهب.”
“نعم، إذًا، استمتعي بوقتكِ.”
قبل المغادرة، لاحظتُ قناعين بين الفوضى واشتريتُهما.
سيتم القبض على هذا البائع بعد دخولنا قاعة المزاد.
بحلول غروب الشمس، ستنتهي حريّته.
“تمتّع بأقصى ما يمكنكَ من الحرية الآن.”
تمتمتُ وأعطيتُ الخاتم لإيشيد.
بعد فحصه، وجد إيشيد كتابةً غريبةً منحوتةً في الداخل.
“إنها تعويذةٌ سحريةٌ قديمة. يبد أن لديهم ساحراً بارعاً هناك.”
“ماذا؟ أيّ أنه ساحرٌ أسود؟”
“لا يمكنني الجزم بأن السحر نفسه سحرٌ أسود، لكن من الواضح أن هناك ساحراً متعاوناً مع السحرة السود.”
أصبح وجه إيشيد جاداً للغاية.
وجود ساحرٍ متعاونٍ مع السحرة السود يعقّد الأمور.
على الرغم من أن السحر يمكن أن يسبب اللعنات ويودي بحياة الناس، إلا أنه ليس خطيرًا حقًا.
هذا لأنه من أجل أن تأخذ حياة شخصٍ آخر، يجب عليكَ أيضًا التخلّي عن حياتك، وكلّ تعويذةٍ لها شروط تنشيطٍ صارمة، ممّا يجعل التعامل معها صعبًا.
قد يبدو السحر مشابهًا للسحر الأسود للوهلة الأولى، لكنه مختلفٌ تمامًا.
لا يحتاج إلى دوائر سحرية أو طقوس—فقط روح المستخدم.
إنه ببساطة تبادل العمر بقوّةٍ خارقة.
بدأ الظلام يخيم.
وصلنا إلى الغرب حيث الشجرة المعوجّة.
مددتُ يدي، المزيّنة بالخاتم، نحو الشجرة بينما ارتدي قناعًا، فظهر باب، وكنتُ على وشك فتحه.
“شاتيريان.”
“ماذا؟”
توقفتُ عن فتح الباب عندما ناداني إيشيد فجأة.
“من الأفضل ألّا تدخلي.”
“ولماذا؟ السحرة السود سيكونون مختبئين في الداخل، ولكي نمسك بهم أثناء المزاد، يجب أن أتبع طاقتهم.”
“أعلم … لكن لديّ شعورٌ سيئ.”
“أهذا امتدادٌ لـ ‘لدي شعورٌ سيئ’ من المرة السابقة؟ هل تشعر بها لأنكَ كائنٌ مقدّس؟”
“هناك اشياء تشعر بها عندما تعيش طويلاً.”
“عشتَ طويلاً… الآن وقد قلتَ ذلك، تذكّرتُ أنكَ عجوز. لا تقلق، سأبقى بجانبك، وسنقابل الآخرين هناك. ولديّ الخنجر الذي أعطيتني إياه أيضاً. سأتدبّر أمري.”
لم أكن واثقةً تماماً، لكن الآن، بعد أن وصلتُ إلى هذا الحد، لم أكن أنوي التراجع.
“بالمناسبة، إيشيد … لماذا لم تسألني أيّ شيء؟”
من بعض النواحي، أبدو مشبوهةً للغاية.
بما أنني أعرف كلّ شيءٍ قبل ان أقوم بالتحقيق، أليس هذا سبباً كافياً للاشتباه في كوني متورطةً بالسحر الأسود؟
“قد يكون هذا فخّاً نصبتُه لكَ لأنني أكرهكَ كثيرًا.”
“لن تفعلي شيئًا غبيًا كهذا إذا كنتِ تعرفين هويتي الحقيقية.”
همم…
بالتفكير في الأمر بهذه الطريق، هذا صحيح.
“وأكثر من ذلك… أنا أثق بكِ. ثقةً عمياء، شاتيريان.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "30"