كان الطريق خلفي مظلماً بعد المغادرة لمقابلة الإمبراطور.
لأنني أصررتُ على الانضمام إلى فريق التحقيق في العاصمة، واستغرق الأمر وقتاً طويلاً لإقناع الإمبراطور بعد رفضه الأول.
يُطلَق على السحر الأسود اسم اللعنة.
لعنةٌ مرعبةٌ تلاحقكَ طوال حياتكَ كظلامٍ يتشبّث بظهرك، ولا تختفي إلّا بالموت.
“لسببٍ ما، أنا الوحيدة التي تستطيع تمييز طاقة السحر الأسود. إذا ذهبت، سنقبض على المتسبّبين بسرعة.”
“….”
ساد الصمت مع الظلام.
لم يكن هناك حتى صوتٌ لحشرات الليل، مما جعل الجو أكثر هدوءاً.
كل ما يُسمع هو حفيف الريح بين الأوراق، ووقع خطواتنا الخفيفة.
نظرتُ إلى إيشيد خلسة، فوجدته صامتاً بشفتين مغلقتين بإحكام.
كان يتمسّك بصمته وكأنه يقوم باحتجاجٍ هادئٍ دون كلمات.
لم أحاول كسر الصمت. كان الجو طبيعياً، باستثناء تبادُلِنا النظرات الخاطفة.
‘لا تهتمي.’
كرّرتُ ذلك في نفسي، لكن نظراتي كانت تعود إليه دون وعي. عيناه الباردتان كانتا مزعجتين.
هبّت الرياح بيننا.
على الرغم من أن الصيف كان على الأبواب، إلّا أن ليالي القارة الغربية كانت لا تزال باردة بسبب شتائها الطويل.
استنشاق، استنشاق.
حككتُ أنفي وحضنتُ ذراعيّ لمحاولة تدفئة نفسي والحفاظ على درجة حرارة جسدي.
وبينما كنتُ أرتعش من الرياح، شعرتُ بثقل شيءٍ ما على كتفي.
كان معطف زي الفرسان الخاث بإيشيد ذو رائحة أشعة الشمس الدافئة.
“…..”
وقف إيشيد أمامي دون كلمة، وأدار طوق المعطف ثم أغلق الأزرار واحداً تلو الآخر.
رغم أنه بدا غاضباً، إلّا أن حركاته كانت لطيفةً للغاية.
كان وجهه قريباً جداً بينما كان ينحني ليزرّر الزر السفلي. رائحته أصبحت أقوى، مما جعلني أتوتر دون قصد.
عدّدتُ رموشه الكثيفة، متراصّةً مع بعضها البعض، بينما كنتُ أنظر إلى عينيه الفضيتين، رفع رأسه فجأةً والتقت أعيننا.
في تلك اللحظة، تذكّرتُ ليلة الحفلة الراقصة.
شفتاه الدافئتين الناعمتين، وصدره الصلب تحت يدي …
ارتعشتُ فجأة، وشعرتُ بوجهي يحترق.
“هل أنتِ بخير؟ يبدو أنكِ مصابةٌ بالحمى.”
مدّ يده نحو جبيني، ثم توقّف فجأةً ونظر إلى قفازه السميك غير المناسب لقياس الحرارة.
بعد تردّد، خلعه بسرعةٍ ومدّ يده العارية.
لكن لم يكن لديّ يدٌ للإمساك بخاصته، لأن يدي كانتا محشوّتين داخل معطف إيشيد الضخم.
“آه…”
أطلق إيشيد، الذي كان ينظر إليّ بحيرة، تنهّد قصيراً.
“لا بأس.”
حرّكتُ ذراعي داخل المعطف حتى خرجت يدي. لأن الملابس كانت كبيرة، كانت يدي مخفية داخل الأكمام الواسعة.
بعد صمتٍ طويل، أوصلني إلى غرفتي ثم غادر بلا تردّد.
راقبته وهو يبتعد بصمت لفترةٍ طويلة، لكنني أدركتُ متأخّراً أنني نسيتُ إعادة معطفه.
لم يكن أمامي خيارٌ سوى تعليق معطفه على جانبٍ واحدٍ من الغرفة والانتهاء من استعداداتي
لقد تبين أن حدسي بأن الليل سيكون طويلاً بشكلٍ خاصٍ اليوم كان صحيحًا.
لقد كانت واحدةً من تلك الليالي التي لم أتمكّن فيها من النوم بغض النظر عن مقدار ما تقلّبتُ فيه.
عندما سقطتُ أخيرًا في نومٍ خفيف، سمعتُ صوتًا يخاطبني.
[هل الامر صعبٌ لهذه الددرجة؟]
دوى صوتٌ ودودٌ وكأنه يسخر مني في أذني. انزعجتُ ورددتُ على الفور.
“لقد مات شخصٌ بسبب خطئي، كيف لا أعاني من صعوبة؟”
[حسناً، هل مات حقاً بسببكِ؟ ألا تعتقدين أن هذا كان مصيره؟]
“ماذا؟ ماذا تقصد؟”
لم يأتِ جواب، بل سمعتُ رنين جرسٍ وتحوّل المشهد إلى شيءٍ آخر.
رأيتُ ميش يدخل متجراً تحت الأرض.
داخله كان مشبعاً بطاقةٍ مظلمةٍ وكئيبة.
“أنا هنا بسبب توصية. سمعتُ أنكم تبيعون جرعاتٍ سحرية.”
ابتسم المالك وأخرج قارورةً زرقاء.
على غطاء القارورة، كان هناك نقشٌ غريب.
“أحسنتَ الاختيار. هذه جرعة الحب. بقطرةٍ واحدة، سيقع الشخص الذي تحبّه في حبّك.”
“جرعة الحب…”
اشترى ميش، الذي كان ينظر إلى السائل اللامع كما لو كان ممسوسًا، دون تردّد، ثم خبّأها بحرصٍ وخرج.
لكن المرأة التي شربت الشاي المخلوط بالجرعة تعرّضت للتآكل بالسحر الأسود.
مات ميش بيدها، وهي ماتت بيدها. لقد كانت مأساة.
[الموت تقدّم قليلاً فحسب، لكنه كان مقدّراً له. فلا داعي لأن تشعري بالذنب.]
“مَن أنت؟ ولماذا تُريني هذا؟”
لكن صوتي لم يخرج.
تحوّل المشهد مرّةً أخرى.
هذه المرّة، ظهرت غرفةٌ مظلمةٌ مع مشعلٍ واحد.
“أنيلا” كانت مقيدة هناك.
آه. حينها فقط أدركت، كانت هذه أحداث الرواية الأصلية.
لكن شيئاً ما كان غريباً.
في العمل الأصلي الذي أعرف، تم إنقاذ أنيلا، بعد أن تم اختطافها، بواسطة أورغون بأمان.
لكن في هذا المشهد الذي يتكشّف أمامي … كان أحدهم يسحب طاقتها المقدّسة ويأخذ حياتها.
في اللحظة التي ظننتُ أن عيني التقت بعينيه وسمعتُ ضحكةً مليئةً بالابتهاج، استيقظتُ فجأة.
كان الفجر على وشك البزوغ.
لقد مرّت ساعةٌ تقريبًا منذ أن نمت.
‘لماذا…؟’
نهضتُ فجأة. كان قلبي يخفق بقوّة، وجسدي كان مبلّلاً بالعرق.
الرواية قد تغيّرت.
أنيلا ستموت.
لقد رأيتُ المستقبل.
‘مَن أراني هذا؟’
كنتُ مرتبكة، لكن الأهم الآن هو أن أنيلا في خطر.
كان عليّ الاتصال بأنيلا أو بأورغون. إذا كان الأمر يتعلّق بالسحر الأسود، فالمعبد هو أكثر الأماكن الآمنة لها.
للتواصل مع المعبد في أسرع وقتٍ ممكن، كان عليّ الذهاب إلى البرج السحري.
“شاتيريان، إلى أين تذهبين؟”
عندما كنتُ أعبر القاعة، ناداني إيشيد من أعلى الدرج.
‘آه، لقد كنتُ في عجلةٍ من أمري لدرجة أنني نسيت!’
كان عليّ ألّا أذهب دون إيشيد.
“إيشيد، تعال معي إلى البرج السحري.”
“البرج السحري؟”
“أحتاج للاتصال بالمعبد. بسرعة!”
لقد كنتُ قلقةً جدًا لدرجة الموت، لكن خطوات إيشيد عندما اقترب مني كانت مرتاحة.
اقترب إيشيد مني، وتفحّص بشرتي، ورفع خصلة شعرٍ عالقةً على جبيني المتعرّق.
“يبدو أنكِ لم تنامي جيداً. هل أنتِ مريضة؟”
كان القلق واضحًا على تعابير وجهه. شعرتُ بقليلٍ من عدم الارتياح، فغيّرتُ الموضوع.
“لا، الأهم أن نتصل بأنيلا وأورغون.”
“إذا كان الأمر كذلك، فلا حاجة للبرج. أورغون لديه جهاز اتصالٍ سحريٍّ طارئ، لذا يمكنكِ التواصل معه إذا ذهبتِ إلى مكتبه.”
قاد إيشيد الطريق إلى مكتب ولي العهد.
تمكّنتُ من فتح الباب بالمفتاح الذي تلقيّتُه من الخادم والدخول للتواصل مع أورغون.
-تيري؟ ما الأمر في هذا الوقت؟
كان صوته أجشًّا، كما لو أنه استيقظ للتوّ. ومن خلال شاشة الاتصال، ظهر أورغون مدفونًا في وسادته.
“أورغون، ابقَ في المعبد يومين أو ثلاثة إضافيين.”
-هاه؟ ماذا يعني ذلك؟ لماذا؟
“ليس أنتَ فقط، خُذ القديسة أنيلا معك. يجب أن تبقى بجانبها.”
-أنيلا أيضًا؟ هل هناك مشكلة؟
أصبح تعبير أورغون جادٌّ للغاية عندما نهض.
ولأنني لم أستطع تفسير السبب، هززتُ رأسي قليلاً وتحدّثتُ متوسلة ..
“الأمر ليس كذلك. فقط… افعل ذلك من فضلك.”
-…..
ظلّ أورجون صامتًا لبعض الوقت، ثم أومأ برأسه وكأنه فهم.
-… حسنًا. إذا حدث أيّ شيء، تأكّدي من إخباري.
“نعم، شكرًا.”
كنتُ سعيدةً أنه لم يصرّ على السؤال عن السبب. أغلقتُ الاتصال من شدّة الارتياح.
الآن، كلّ ما تبقى هو القبض على المجموعة المتسبّبين بالسحر الأسود.
لحسن الحظ، بفضل المشهد الذي رأيتُه في حلمي، تذكّرتُ أحداث الرواية التي نسيتُها.
كان هناك متجرين يبيعان تذاكر لدار المزادات.
المتجر الشمالي الذي اشترى منه ميش جرعة الحب والمتجر الشرقي الذي وجده أورجون أثناء بحثه عن أنيلا عندما تم اختطافها.
في المزاد، كانوا يبيعون مسروقاتٍ ومواد غير قانونية، بما في ذلك متعلّقات السحر الأسود.
لا أعرف كم تغيّرت الرواية، لكنني قررتُ منع حدوث أيّ اختطافٍ لأنيلا من الأساس.
بينما كنتُ غارقةً في أفكاري، شعرتُ بنظرة إيشيد عليّ.
عندما سألته لماذا كان ينظر إليّ باهتمامٍ شديد، هزّ رأسه وقال إنه لا شيء.
“ماذا عن فريق التحقيق؟”
“أفكّر في الذهاب مع نائب القائد يوريل مون بيلينير وثالتوس.”
أدار عينيه ونظر إليّ. لا يزال يبدو أنه غير سعيدٍ بانضمامي إلى فريق التحقيق.
“الأربعة منا يكفون للتحقيق، لكن من الأفضل نشر الفرسان حول المكان لضبط العصابة بأكملها.”
لا أعرف عدد الأشخاص المتورّطين، ولكن بما أن الامر يتعلّق بأكبر سوقٍ غير قانونيٍّ في العاصمة، لذا علينا ان نكون بأقصى حالات التأهّب والاستعداد.
“هذا هو الوقت المناسب لنقتلع جذور السحر الأسود تمامًا هذه المرة.”
كانت الاستعدادات سلسة. لم يكن هناك الكثير لتحضيره لمواجهة المجرمين.
كنتُ أرتدي سروالاً وقميصاً، ولففتُ فوقي رداءً أسود. وأخيرًا، قمتُ بربط حقيبة الخنجر على فخذي الأيمن.
بينما كنتُ أُنهي استعداداتي، دخل إيشيد بعدما طرق.
ثم، فجأة، قدّم لي حقيبة جلدية فاخرة تحتوي على خنجر.
“هذا مصنوعٌ خصيصاً ليدكِ. مقبضه مرصّعٌ بتميمةٍ مقدّسة، ستساعدكِ.”
ليس مجرّد خنجر، بل خنجرٌ مخصّصٌ مصنوعٌ مع قطعة أثرية مقدّسةٍ مدمجةٍ فيه؟
أخذتُه بدهشة.
كما قال، كان الخنجر مصمّمًا خصيصًا ليدي وكان مريحًا جدًا.
“لقد كنتَ ضدّ هذا في البداية.”
“بما أنكِ مصممةٌ على الذهاب، فأمانكِ أولويتي.”
مرّةً أخرى، يتصرّف بمودّة ولطف.
علّقتُ الخنجر على فخذي محاولةً إخفاء احمراري.
“… شكراً. سأستخدمه جيداً.”
لم أعرف لماذا شعرتُ بحرارةٍ في وجهي.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "29"