“ما- ما هذا؟!”
هرب وزير المالية وهو يصرخ بصوتٍ مرتعب. في تلك اللحظة، سحب إيشيد سيفه.
في اللحظة التي طعن فيها إيشيد كتف ميش، ظهر ضوءٌ أبيضٌ من مكانٍ ما.
ربما كان ذلك الضوء قوّةً مقدسة، لكنه اختفى دون أثرٍ مع القلادة التي كان إيشيد يمسكها.
“آآه!”
لم يكن واضحًا ما إذا كان صراخ ميش بسبب الطعنة أو بسبب الألم الناتج عن القوّة المقدسة.
وسرعان ما ارتخى جسده الذي كان يترنح.
“هل… هل مات؟”
“لا. لو لم نفعل هذا لكان قد مات. الآن هو فقط فاقدٌ للوعي.”
نفض إيشيد الدم عن سيفه وأعاده إلى غمده. تعابير وجهه كانت باردة بينما كان ينظر إلى الدم الذي يتدفّق من كتف ميش ويتجمّع.
استخدم إيشيد جهاز الاتصال السحري في مكتب وزير المالية لاستدعاء فرقة الفرسان لاعتقال ميش.
حدث كل شيءٍ بسرعةٍ لدرجة أنني شعرتُ بالدوار.
“يجب أن أذهب. عليّ أن أجد بائع القلادة.”
“نعم، يجب علينا ذلك …”
كان هناك ما يكفي من العمل ليبقي ذهني منشغلًا.
سرعان ما وصل الفرسان وأخذوا ميش بعيدًا.
صُدِم الموظفون المتجمّعون خارج المكتب عندما رأوا ميش في تلك الحالة.
“ماذا… ماذا حدث؟”
سألت امرأةٌ تبدو كموظفةٍ في وزارة المالية بوجهٍ شاحب.
“لا شيء.”
لم يكن السحر الأسود موضوعًا يمكن الحديث عنه بسهولة.
تجاوز إيشيد المرأة دون توضيح.
ما إن استعاد وزير المالية وعيه، تمت السيطرة على الفوضى في وزارة المالية بسرعة.
***
“أتحبّ تلك الفتاة؟ هذه قلادةٌ غامضةٌ تمنح الأمنيات، إذا اعترفتَ لها بمشاعرك، يمكنكما ارتداؤها معًا. ستجعل أمنيتكَ تتحقق بالتأكيد.”
استيقظ ميش وهو يشعر بالذهول.
كل شيءٍ بدا غريبًا، وميض عينيه، الأصوات التي تُسمَع كأنها تمرّ من خلال قماشٍ ممزّق.
جسده كان باردًا بينما رأسه يحترق، وكأنه لم يعد جسده نفسه.
“ميش؟”
فجأة، ظهرت القديسة أمامه.
فتحت عينيها على اتساعهما وسألته عن حالته.
“لماذا أنا … آه!”
لم يخرج صوته، وبدلاً من ذلك سمع رنينًا في أذنيه.
تذكّر المحادثة التي دارت بينه وبين قائد الفرسان ورئيسة الاستشارة في مكتب المالية.
وتذكر أيضًا أن تلك القلادة التي اشتراها من تاجرٍ مجهولٍ كانت أداةً تستخدم في السحر الأسود.
وُضِعت أمامه ورقةٌ وقلمٌ حاد.
“من فضلك، اكتب هنا كيف اشتريتَ تلك القلادة.”
كان الفرسان بجانب أنيلا هم مَن قدّموا له ذلك.
[اقتل.]
قتل؟
رفع ميش رأسه فجأة. لكن ذلك الصوت الغريب لم يصدر من أيٍّ من الأشخاص الذين ينظرون إليه.
[اقتل.]
مَن هذا؟
غطّى أذنيه بكفيه.
استمر الصوت الغريب في همس الكلمة نفسها.
[اقتل.]
اقـ .. ـتل …
أمسك ميش بالقلم بقوّة.
رغمًا عنه، تشنّجت يده كما لو كانت على وشك أن تطعن أحدًا.
‘آه…’
حينها فقط، أدرك ميش أخيرًا أن هذا كان صوت شخصٍ يستخدم السحر الأسود.
كان كلام قائد الفرسان والرئيسة صحيحًا، لقد كان ميش تحت تأثير السحر الأسود.
لم تكن هناك قلادةٌ تمنح الأمنيات من الأساس.
كان هناك فقط سحرٌ أسودٌ يلقي لعنةً لقتل الناس.
‘كان كلام بيبيل صحيحًا بالكامل.’
لم يصدّق أنه كان يحاول قتله.
بيدٍ مرتعشة، بدأ ميش يكتب على الورقة. لإنقاذ تلك المحبوبة التي شاطرته نفس القلادة.
[اقتل.]
‘لا… لا يمكن.’
“ميش؟”
شعر الفرسان بشيءٍ غريبٍ فدفعوا أنيلا للخلف وتقدّموا خطوة.
في تلك اللحظة، رفع ميش ذراعيه.
نجح الفرسان في تجنّب الهجوم، لكن خدّ أحدهم خُدِش قليلًا.
حاول ميش الهجوم مرّةٍ أخرى، لكن ساقيه كانتا مقيّدتين بالسرير فسقط على الأرض.
“ميش!”
نظر إلى ساقيه المقيّدتين، ثم إلى القلم في يده، ثم إلى الأشخاص الذين كانوا يتقدّمون للسيطرة عليه.
[مُتّ.]
كل ما أراده هو إخبارها بمشاعره. كانت القلادة مجرّد ذريعةٍ ليتشبّث بقليلٍ من الأمل.
لكنه لم يكن يعلم أن هذا سيجلب عليه الدمار.
“أنقذو …”
تدّفق الدم من حلقه الذي تم خنقه بشدة، محاولاً من أعماق لعنته إخراج صوتٍ مبحوحٍ لتعيش.
“أنـ .. ـقذوها… من فضلكم …”
كانت هذه صرخةً أخيرةً يائسة.
اخترق القلم الحاد لحمه الرقيق.
غُمِرت غرفة العلاج بالصدمة.
***
عندما هاجم ميش الفرسان، شعرتُ بقلبي يغوص. أصبحت يداي وجسدي باردًا فجأة.
رأيتُ الفرسان الذين كانوا ينتظرون مع أورغون يدخلون غرفة العلاج. الضوضاء الصادرة من الفوضى كانت تصدم أذنيّ.
عندما رفع ميش يده مرّةً أخرى وهو منطرحٌ على الأرض بجانب السرير، حجب إيشيد رؤيتي بجسده.
“إيشيد…”
“لا تنظري.”
لم أشهد لحظة موت ميش، لكن من خلال المحادثات التي دارت بين الناس، عرفتُ أنه مات في النهاية.
في تلك اللحظة، سيطرت على رأسي فكرةٌ واحدة.
هل موت ميش حدث بسبب تغييرٍ في القصة الأصلية، أم أنه كان مقدّرًا له أن يموت؟
إذا كان بسبب تغييرٍ في القصة، فأنا مَن قتلتُه.
غطّى ظلامٌ كثيفٌ عقلي.
شعرتُ بالإحباط الشديد.
“شاتيريان، هل أنتِ بخير؟”
“لا …”
لم أستطع الإجابة، فقط عضضتُ على شفتي.
تجاهلتُ نظراته الهادئة ورأيتُ أنيلا وأورغون يخرجان من غرفة العلاج.
كان فستان أنيلا ذي اللون الزاهي مغطًى ببقع دمٍ حمراء.
أسرعت أنيلا نحوي وقدّمت لي ورقةً مجعدة.
كانت الورقة الملطّخة بالدم هي الإفادة التي كتبها ميش قبل موته.
“يبدو أن القلادة ليست واحدة، بل زوج.”
“ماذا؟”
“قال إنه أعطى الأخرى لفتاة، لا نعرف مَن هي، لكنه طلب إنقاذها.”
كان صوت أنيلا يخفي نشيجًا.
‘تلك الفتاة …’
“آه!”
تذكّرتُ فجأةً وجه المرأة التي صادفتنا في مكتب المالية.
عندما خمّنتُ مَن تكون تلك الفتاة، تسارعت خطواتي.
لم يكن مكتب المالية بعيدًا.
كان عليّ إيقافها بأسرع ما يمكن.
من أجل من حولها، ومن أجلها هي.
“انتبهوا … الدم!”
ولكن كلّما اقتربتُ من مكتب المالية، ازدادت صيحات التحذير والصراخ.
لقد تأخرت.
كانت المأساة قد حدثت بالفعل.
بين رائحة الدم الكريهة، رأيتُ حشدًا من الأشخاص المتشابكين.
كانوا يحاولون منع امرأةٍ من سحق شخصٍ ما.
“مُتّ، مُتّ!”
“أنقذوني!”
كانت قلادةٌ سوداء تتلألأ على عنق المرأة.
تحت عينيها، كان اللون الأسود قد بدأ ينتشر.
“سأحاول تطهيرها قليلًا.”
قالت أنيلا.
بدت هادئةً رغم أنها شهدت موت شخصٍ للتوّ.
أومأ أورغون رأسه ودفع الحشد جانبًا لينتزع السكين من يد المرأة ويقبض عليها.
أمسك أورغون بعنق المرأة وأسقطها على الأرض، ثم استخدم القوّة المقدّسة لمنعها من الحركة وانتزع القلادة.
هدأت حركة المرأة بعد إزالة القلادة من عنقها.
لكن إزالة الأداة السحرية من شخصٍ تحت تأثير السحر الأسود لا تعني شفاءه فورًا.
تطهير شخصٍ مسحورٍ بالسحر الأسود يتطلّب وقتًا طويلًا.
حتى مع بذل أنيلا كل جهودها لعلاج ميش، لم يتمكّن من التعافي بسبب نقص الوقت.
“سأطهّرها.”
تقدّمت أنيلا ووضعت يدها على ظهر المرأة بالقرب من قلبها.
اخترق الضوء المنبعث من يد أنيلا جسد المرأة ببطء.
رغم أنني رأيتُ أنيلا تعالج ميش من قبل، إلّا أن شفاء جروح المرأة بسرعةٍ كان مذهلاً.
وسرعان ما استلقت المرأة على الأرض تمامًا كما فعل ميش عندما طعنه إيشيد.
“يجب نقلها إلى المعبد. سآخذها أنا.”
“سأذهب معكِ.”
كانت الشمس قد غربت بالفعل. ولأنه لم يكن معروفًا متى ستستعيد المرأة وعيها، قرّرت أنيلا وأورغون الذهاب إلى المعبد فورًا.
وبالتالي، أصبح تقديم التقرير إلى الإمبراطور مهمّتي أنا وإيشيد.
بمساعدة الفرسان، تم تنظيف مكتب المالية بسرعة. نُقل الجرحى إلى العيادة.
‘ماذا لو ماتت تلك المرأة أيضًا؟’
مثل ميش؟
تسلّل القلق إليّ. شعرتُ بالذنب كما لو أن كلّ هذا كان خطئي.
“شاتيريان.”
“آه.”
عدتُ من شرودي على يدٍ تغطّي وجهي.
“ما خطبكِ؟ هل تتألّمين في مكانٍ ما؟”
كانت يد إيشيد.
كان مصمّمًا على البقاء بجانبي، مقتنعًا أن مهمته الوحيدة هي حمايتي.
“أنا بخير. لا شيء.”
دفعتُ يده بعيدًا وضغطتُ على عيني بأصابعي.
استمرّت الأفكار السلبية في الظهور، مما جعلني أشعر بالسوء.
“لنقدّم التقرير إلى جلالته أولاً، ثم نذهب غدًا للعثور على بائع القلادة.”
“تذهبين؟ ليس من الضروري أن تذهبي أنتِ.”
“لا، يجب أن أذهب. أنا الوحيدة التي يمكنها اكتشاف طاقة السحر الأسود.”
حتى لو كان هناك سببٌ آخر يمنعني من الذهاب، كان هذا سببًا كافيًا لأصرّ على الذهاب.
عبس إيشيد وقال بحزم.
“مستحيل.”
“هذا ليس قرارك. سواء وافقتَ أم لا، سأذهب. رأيكَ لا يهمّني.”
لذلك، لا تهتمّ بي.
تصلّب وجه إيشيد عند سماع كلامي البارد.
أطبق إيشيد شفتيه ونظر إليّ طويلاً قبل أن يحوّل نظره بعيدًا عني.
بدا غاضبًا جدًا.
لم أكن أهتم. سواء هدأ غضبه أم لا.
في الحقيقة، كنتُ سعيدةً بذلك.
تمنيتُ أن يبتعد عني ويعود إلى
ما كان عليه.
ربما كان هذا تفكيرًا أنانيًا.
لكنني أردتُ أن يبقى إيشيد كما هو في الكتاب.
الشخصية التي أعرفها، كوحشٍ مقدّسٍ فضيٍّ لا يعرف المشاعر الإنسانية، ولا يمكن أن يصبح إنسانًا أبدًا.
لأن هذا كان الشعور الوحيد الذي منحني الاستقرار في هذه الفوضى.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "28"