حول كدمة سوداء على يده، كانت هناك خدوشٌ حمراء ممتلئة.
“همم… أولًا، اسمك بيبيل؟”
قرأتُ الورقة التي كتبها الرجل قبل الجلسة.
“تعمل حاليًا في وزارة المالية الإمبراطورية. حسنًا، لا يوجد شيءٌ هنا لتخاف منه، لذا يمكنكَ التحدث ببطء. خُذ بعض الشاي واهدأ.”
أومأ بيبيل برأسه ببطء وشرب الشاي. ثم أخرج نَفَسًا عميقًا وتحدث.
“أعيش حاليًا في السكن الشرقي. زميلي في الغرفة يعمل في نفس الوزارة، وقد قضينا عامين معًا في نفس الغرفة.”
“أها.”
“لكن… بدأ يتغيّر منذ بداية مهرجان التأسيس. يستيقظ في منتصف الليل ويتحدّث إلى الفراغ، أو يدور فجأةً حول الغرفة. في البداية ظننتُ أنه يتكلّم أثناء نومه… لكن عندما استشرتُ الطبيب، قال إنها نوعٌ من عادات النوم.”
أخذ نفسًا عميقًا مرّةً أخرى ثم تابع حديثه ببطء.
“لكن هذا ليس الشيء الغريب الوحيد. أحيانًا تفوح منه رائحةٌ كريهةٌ لا تُحتَمل، أو يحدّق بي فجأةً دون سبب.”
“رائحة كريهة؟”
“نعم، مثل رائحة جثّةٍ متعفّنة. لكن، حضرة الرئيسة، أنا الوحيد الذي يشمّها! أنا فقط! ذعرتُ من نظراته السوداء التي تحدّق بي، حتى أخذوني إلى العيادة، لكن الطبيب قال إنني مريضٌ نفسي! ما حدث لي حقيقي … لكن لا أحد يصدّقني.”
غطى الرجل وجهه بكفّيه وهو يتألم.
فجأة بدأ يتنفّس بسرعةٍ كبيرة.
اندهشتُ وصفعت كفّي بجانب أذنه، فسمع صوت صفعة!
استعاد وعيه ونظر إلي.
“تقول إنه حتى مع هذه الإصابات، لا أحد يصدّقك؟”
“قالوا إنني أؤذي نفسي. لكن ميش بالتأكيد مسكونٌ بشيءٍ شرير! لا بد أنه تعرّض للعنةٍ ما!”
صرخ بيبيل بعصبية.
“منذ أن تغيّر ميش، أصبحتُ أسمع همساتٍ غريبة. كادت تقودني إلى الجنون، حتى أنني أريد تمزيق أذني.”
بينما قال ذلك، بدأ يحك أذنه بعنف. فُتِحت الجروح غير الملتئمة مرّةً أخرى، ولوّنت طرف أصبعه باللون الأحمر.
“أرجوكِ، هل يمكنكِ مساعدتي؟ يعاملني الناس كمريضٍ نفسي ولا يساعدونني. إذا استمر هذا الوضع، سأصاب حقًا بالجنون. لا، بل سيقتلني ميش قبل ذلك!”
انحنى بيبيل على الأرض وتوسّل إليّ أن أنقذه.
“إيشيد، يبدو أن هذا…”
“نعم، يبدو نوعًا من السحر الأسود.”
“أليس كذلك؟”
حتى لو لم أرغب في تذكّره، طوال حديث بيبيل، شعرتُ بانزعاج كما لو كنتُ أشاهد غوستو الذي تسلّل إليه السحر الأسود.
“قِف، بيبيل. يبدو أن هناك مشكلةً ما، وسنحقّق في الأمر.”
“حقًا؟ شكرًا… شكرًا جزيلًا.”
امتلأت عينا بيبيل بالدموع. لقد قابل أشخاصًا يعاملونه كمريضٍ نفسي، لذا كان ممتّنًا لأننا عرضنا المساعدة.
بالمناسبة، إذا كان الأمر مرتبطًا حقًا بالسحر الأسود، فهذه مشكلةٌ كبيرة. بما أن ميش تغيّر فجأة، فلا يمكن استبعاد احتمال تورّطه في حادثةٍ ما.
“لنذهب أولًا إلى سكنك.”
وهكذا، وصلنا إلى السكن الشرقي حيث تقع غرفة بيبيل وميش.
بتوجيهٍ من بيبيل، توقّفنا أنا وإيشيد أمام الباب في نفس الوقت.
عندما لم نخطُ داخل الغرفة على الفور، سأل بيبيل بوجهٍ قلق.
“ماذا… هل هناك شيءٌ ما؟”
“هذا …”
“هذا المكان عبارةٌ عن مكبّ نفاياتٍ منفصل.”
كانت ملاحظةً صريحةً لكنها صحيحة.
أومأتُ موافقًا على كلام إيشيد.
كانت الغرفة أشبه بمكبّ نفايات. النوافذ مغلقة بإحكام، والستائر مسدلة، فكانت مظلمة.
تجمّعت فيها أنواعٌ مختلفةٌ من القمامة، وكانت الرائحة كريهة.
بينما كنتُ متردّدة، دخل إيشيد الغرفة ورفع الستائر. ثم فتح النافذة على مصراعيها لتهوية المكان.
“سيكون من الغريب ألّا يتغيّر شخصٌ يعيش في هذه الغرفة.”
أوافق على هذا الكلام أيضًا.
لو كنتُ أعيش في غرفةٍ كهذه، لكنتُ فقدتُ عقلي بالفعل.
“كلّ هذا من فِعل ميش.”
بدأ بيبيل بجمع القمامة باضطراب.
وقف إيشيد بلا مبالاةٍ بجانب النافذة يتفحّص الغرفة ببطء.
اقترب من السرير الأيمن المتّسخ بشكلٍ خاصٍّ وقلب اللحاف والوسادة. كلّ ما وجده تحتها كان قمامة.
“هل وجدتَ شيئًا؟”
كنتُ واقفةً عند المدخل وأنا أغلق أنفي.
لم يكن لديّ أيّ نيّةٍ لدخول الغرفة.
بغض النظر عن مدى قذارتها، إذا كانت الغرفة مرتبطةٌ بالسحر الأسود، فلا أرغب في التورّط.
“لا شيء غريب.”
“هل تحتاج مساعدة؟”
“ابقي حيث أنتِ.”
فتّش إيشيد الغرفة بدقة بمفرده. لكن لم يظهر أيّ دليلٍ على السحر الأسود.
“إذا لم تكن هناك مشكلة في الغرفة، فسنقابل ميش.”
“أنا…”
عندما ذكرنا مقابلة ميش، تراجع بيبيل خطوةً بوجهٍ خائف.
“ألستَ ذاهبًا إلى العمل؟”
“أخذتُ إجازة.”
“أحسدكَ على ذلك. إذن سنقابل ميش بمفردنا. لا تقلق كثيرًا. إذا لم نجد السبب، سنبحث عن حلٍّ آخر.”
“هل تصدّقينني حقًا، أيتها الرئيسة؟ أنني لستُ مجنونًا؟”
قلتُ بحزمٍ لبيبيل، الذي بدا ممتنًا لسببٍ ما.
“هذا شيء سنعرفه بعد مقابلة زميلكَ ميش. إذا اتضح أنكَ مجنونٌ حقًا، سنفكّر في الأمر حينها.”
في الوقت الحالي، لا يمكنني الجزم بأيّ شيء. أولًا، يجب مقابلته والتحدث معه.
اتجهنا إلى مكتب وزارة المالية.
‘ميش … الاسم مألوف … آه!’
تذكّرت.
ميش.
الشخص الذي أراد استشارةً عبر بروك، ثم ألغى الموعد فجأةً بحجّة أن مشكلته حُلَّت.
‘هل هناك صلةٌ بين الأمرين؟’
بينما كنتُ أفكّر في ذلك، توقّفتُ فجأةً بسبب طاقةٍ غريبةٍ شعرتُ بها.
رأيتُ رجلاً يسير في الرواق البعيد.
بشكلٍ طفيفٍ جدًا، لكنني شعرتُ بالطاقة الشريرة نفسها التي شعرتُ بها مع غوستو.
“إيشيد.”
“ماذا حدث؟ لون وجهكِ انقلب فجأة.”
“ذلك الرجل … أشعر بالطاقة نفسها التي شعرتُ بها مع غوستو.”
تعرّقت يداي فجأة.
من دون وعي، أمسكتُ بكم إيشيد.
“شاتيريان، يجب أن نتأكّد… لكن يبدو أن لديكِ قدرةٌ على تمييز طاقة السحر الأسود. ربما يكون ذلك مرتبطًا بالقوّة المقدّسة التي ظهرت فجأةً لديك.”
“قوّتي المقدّسة؟”
القدرة المفاجئة على تمييز طاقة السحر الأسود.
هل هذا أيضًا مرتبطٌ باستعادة ذكرياتي من الحياة الماضية؟
“ألا تستطيع أنتَ أيضًا تمييز السحر الأسود؟”
“أنا الآن … مجرّد نصف ما كنتُ عليه.”
جذب إيشيد يدي التي تمسك بكمّه ووضعها بين راحته بإحكام.
“هذا أكثر أمانًا.”
لم يعجبني الأمر، لكنه كان محقًّا، فلم أعترض.
“يبدو أن هذا الرجل هو ميش الذي ذكره بيبيل.”
“يبدو أن بيبيل ليس مريضًا نفسيًا.”
“أعتقد ذلك.”
“إذن لنذهب.”
عبر إيشيد الرواق بلا تردّدٍ نحو المكان الذي اختفى فيه الرجل.
بما أنني كنتُ أمسكُ بيده، اضطررتُ إلى الذهاب معه نحو ميش.
دون أن أعرف كم بدا هذا حميميًا للآخرين.
***
مع اقتراب نهاية الشهر، بدت وزارة المالية مشغولة للغاية.
عبرنا الضجيج الهادئ ودخلنا مكتب وزير المالية.
“ما الأمر؟”
نهض الكونت ويلت، وزير المالية، مندهشًا من دخولنا المفاجئ.
“جئنا نطلب تعاونكم، سيدي الوزير.”
“تعاون …؟”
شرحتُ له سلسلة الأحداث التي حدثت.
تصلّب وجه وزير المالية تدريجيًا وهو يستمع.
“هل كلام بيبيل صحيح؟”
“لنعرف ذلك، يجب استدعاء ميش.”
“حسنًا.”
أومأ الوزير موافقًا وخرج من المكتب، ثم عاد مع ميش.
نظر إلينا ميش بحيرةٍ عندما رآنا في المكتب.
“هل أنتِ متأكدة؟”
“نعم.”
ازدادت الطاقة السوداء قتامةً كلما اقتربت من منتصف جسده.
كأن مصدر السحر الأسود هناك.
“سمعتُ أنكم تبحثون عني. ما الأمر…؟”
“سمعنا أنكَ تشارك الغرفة مع بيبيل.”
“بيبيل؟”
تغيّر تعبير وجه ميش فجأة.
ثم صرخ باضطراب.
“أنا بريءٌ حقًا! هل تقصد أنني أحاول قتل بيبيل؟ هذه أوهام بيبيل الذي يعاني من مرضٍ نفسي.”
نظر إلينا بعينين صافيتين وهو يشرح براءته. بدا صادقًا حقًا.
لكن الطاقة الكريهة التي ازدادت مع مشاعره الجيّاشة تنفي ذلك.
“هل تعرف كيف تستخدم السحر؟”
“لا، كيف لشخصٍ عاديٍّ مثلي أن يمتلك قوّةً سحرية أو مقدّسة؟”
“إذن هل تعرف عن السحر الأسود؟”
“السحر الأسود؟ أولًا قال أنني مسكونٌ بشيطان، ثم ملعون، والآن يقول أنني أستخدم السحر الأسود؟”
هززتُ رأسي نافية.
“ليس هذا ما أعنيه. جاء بيبيل إلى المكتب للاستشارة، ووصفكَ بطريقةٍ تطابق شخصًا مسحورًا بالسحر الأسود، لذا جئنا للتحقيق.”
“أنا حقًا لا أعرف كيف أستخدم السحر الأسود، ولستُ متورّطًا فيه!”
الأمر غريبٌ حقًا.
أشعر بوضوحٍ بطاقة السحر الأسود منه، لكن لا أرى أيّ أثرٍ لها في عينيه الصافيتين.
لا أفهم ما يحدث.
“بالمناسبة، ميش، ألم تكن تريد استشارةً عبر بروك من وزارة الخارجية؟”
“نعم، كنتُ كذلك.”
“إذن أخبرنا، ما كانت مشكلتك؟”
“ليست مشكلةً كبيرة. كانت استشارةً عن اعتراف، لكن الأمور سارت على ما يرام مع ذلك الشخص، فانتهت المشكلة.”
“حقًا؟”
عندما مسح ميش شعره، انحرف طوق قميصه وظهرت قلادة.
“إذن من أين حصلت على هذا القلادة؟”
“القلادة؟ اشتريتُها من العاصمة عندما ذهبتُ لمهرجان التأسيس. كل ما حدث مع ذلك الشخص كان بفضل هذه القلادة التي تحقّق الأمنيات…”
توقّف ميش فجأةً وهو يفتخر بقلادته.
كان جوهر القلادة أسود اللون.
“لماذا… لماذا أصبح لونه أسود…؟”
اقترب إيشيد بسرعةٍ وأخذ القلادة.
شعرنا بطاقةٍ قويةٍ تنبعث منها بينما تهتز في يد إيشيد.
“إنها أداة سحرٍ أسود.”
“لا، ليست كذلك! إنها مجرّد قلادة عادية!”
“ميش، ردّك قد يخفّف أو يزيد من عقوبتك. هذه بوضوح أداة سحرٍ أسود. من أين اشتريتَها؟”
“من تاجرٍ قابلتُه في المنطقة الشم
الية من المركز… آآه!”
“ميش؟”
سقط ميش على الأرض فجأةً وهو يمسك عنقه ويتألّم.
قُلِبت عيناه للخلف حتى لم يظهر سوى البياض، وظهرت عروقه بوضوحٍ على جلده.
بدأ يحكّ عنقه بعنفٍ حتى جرح نفسه.
ثم بدأت القلادة في يد إيشيد تهتزّ بعنف.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "27"