في تلك اللحظة، أدركتُ بوضوح.
لقد تغيَّر النص الأصلي، والجميع تحت تأثير ذلك التغيير.
حتى إيشيد الكائن الإلهي لم يسلم من هذه القاعدة المطلقة.
* * *
‘هذا جنون.’
جنون، جنون، جنون.
‘أهذا حقًّا معقول؟’
حاولتُ مغادرة المكان وأنا أطلق شتائمَ لا إرادية.
لكن إيشيد لحق بي بسهولة بعد خطواتٍ قليلة.
وقف بجواري بهدوءٍ وقال، وكأنه غير منزعجٍ البتة.
“الذهاب وحدكِ خطر.”
“لا أعرف أيّ شيءٍ بعد الآن … ”
توقفتُ عن الكلام ونظرتُ إليه باستياء.
بالطبع، تغيُّره هو خطئي، لكنني شعرتُ بخيانةٍ غريبةٍ لأن شخصًا مثلَه تغيَّر.
“إيشيد، هل أنتَ متأكدٌ حقًا؟ أنني تجسيدٌ لذلك الشخص؟”
“يمكنني التأكّد مرّةً أخرى.”
ومع ذلك، حاول الإمساك بيدي بخفة.
ارتعشتُ وابتعدتُ خطوةً إلى الوراء، محدقةً فيه بعينين غاضبتين.
“قلتُ لكَ ألّا تلمسني دون إذن.”
“غير مسموح؟”
“لا.”
سحب يده عند ردي الحاسم.
انخفضت زاوية فمه قليلاً وكأنه مستاء. لكن لا بد أن هذا كان من خيالي.
‘إذا رفعتُها بإصبعي، فلن يعمل ذلك.’
نظرتُ إلى وجهه باستياء وقلت.
“هل شعرتَ يومًا بالقوة المقدسة التي لدى القديسة أنيلا؟”
“لا.”
“ماذا عن تجربتها مرة؟”
عندها ستعرف أنك مخطئ.
“لا أريد.”
“هاه… لا تريد؟ ألستَ تتألّم بدون القوة المقدسة؟ أنيلا قديسةٌ معروفة بقدرتها التي تفوق حتى البابا الحالي، وأنت ترفضها؟”
“أنا لا أحتاج سواكِ.”
هل كان هذا هو المقصود من كلامه السابق؟
بدا لي أن المزيد من الكلام سيكون بلا فائدة، فقررتُ التوقف عن التفكير.
ثم تذكرتُ فجأةً خروج إيشيد مع اللورد روهيل ذلك اليوم.
“ماذا كنتَ تتحدث مع اللورد روهيل ذلك اليوم؟”
“قال لي أن اعتني بكِ جيدًا’.”
“…فجأةً؟”
“نعم. وأضاف أنه إذا سبّبتُ لكِ ألمًا أو حزنًا، فلن يتركني وشأني.”
“ولماذا قال ذلك لك…؟”
“يبدو أن عائلتكِ قد اختارتني زوجًا لكِ مسبقًا.”
ضحك إيشيد مثل حيوانٍ مفترسٍ شبعَ للتو.
“يميل البشر إلى الاهتمام برأي العائلة أكثر من رأي الشخص نفسه. بما أنني حصلتُ على موافقتهم، كل ما تبقى هو كسب قلبكِ.”
يا إلهي!
حتى لو كنتُ أعرف حقيقته، يبدو أنه لم يعد يخفي حقيقة أنه ليس بشريًا.
“لا تتحدث بالهراء! لا تُظهِر لي ذلك الوجه اللعين وكأنكَ متأكدٌ أنني سأتزوّجك!”
“شاتيريان.”
همهمتُ غاضبةً نحوه، لكنه ضغط بإصبعه على جبيني فجأة.
“ستتكوّن لديكِ تجعايد. لكن لا بأس حتى لو حدث ذلك.”
“مقزز.”
حدقتُ في بشرته الناعمة الخالية من العيوب، ثم استدرتُ بعنف.
تبعني إيشيد عندما تحركت.
وهكذا، توجهنا إلى مبنى الفرسان وهو ملتصق بي.
عندما كنا على وشك الوصول، رأيتُ فيل يخرج من مكتب المساعدين ويدخل المستودع المجاور.
كان فيل منشغلًا بنقل الأمتعة، يركض ذهابًا وإيابًا بين المستودع والمكتب.
“فيل!”
ناديتُه وتبعته، ثم توقفتُ فجأة عند رؤية المستودع المتغير.
“ماذا حدث هنا؟”
تحول المستودع إلى غرفة استقبال. اختفت جميع الصناديق، وبدا المكان نظيفًا خاليًا من الغبار.
في المنتصف، وُضِعت أريكةٌ فاخرة، وعلى الطاولة، رُتِّبت مختلف أنواع الشاي والأواني. عندما هبت نسمةٌ من النافذة المفتوحة للتهوية، تحركت الستائر الرقيقة.
“هل وصلتِ أخيرًا؟”
كان فيل يرتب الأوراق على الرف. كانت أوراق الاستشارة من أيام مدير الاستشارة السابق.
“ما هذا المكان؟”
“إنه مكتب الاستشارة الخاص بنا.”
“مكتب الاستشارة؟”
“ألم تقولي إنه ليس لديكِ مكانٌ لإجراء الاستشارات؟ لقد تم إنشاؤه خلال مهرجان التأسيس. سمعتُ الخبر من قائد الفرسان هذا الصباح، وكنتُ أجهّز ما يلزم.”
بعد إنهاء ترتيب الأوراق، عاد فيل مسرعًا إلى مكتبه الأصلي.
نظرتُ إلى إيشيد وكأنني أتسائل ما هذا.
“لأنكِ قلتِ إنه ليس لديكِ غرفة استشارة منفصلة، وهذا غير مريح.”
أومأ إيشيد برأسه بفخر.
شعرتُ بضغطٍ غير مرئيٍّ من نظراته يطلب مني أن أثني عليه بسرعة.
‘أنت مخطئ.’
نعم، غرفة الاستشارة جيدة.
لكن ما أريده حقًا ليس غرفة استشارة، بل مسافةٌ جسديةٌ بيني وبينك!
توجّهتُ إلى الجدار الملاصق للمكتب المجاور.
“إيشيد، أنا ممتنةٌ لأنكَ فكرتَ في هذا، لكن بالتفكير في الأمر، إذا كان مكتبي هنا وغرفة الاستشارة هناك، كيف سأعمل؟”
طرقتُ الجدار بأصابعي.
“همم… هذا غير مريحٍ حقًا.”
على الرغم من أن كلامي تجاهل مجهوده، إلّا أنه أومأ برأسه موافقًا.
في هذه اللحظات، أعجبتُ بطبيعته هذه.
من الجيد أنه لا يبالغ في تفسير الكلام… لكن ليس الآن.
ألا يمكنكَ أن تتضايق قليلاً؟
تنهدتُ وأنا أراقبه وهو يلمس الجدار.
دق دق.
في تلك اللحظة، سمعتُ صوت طرقٍ فاستدرت.
“رئيسة، لدينا ضيفة.”
أشار فيل خلفه، حيث كانت تقف كونتيسة ليبيل. ابتسمت لي بخجل.
“الأميرة شاتيريان، آسفة على الزيارة المفاجئة. وكذلك سعادة الدوق …”
نظرت الكونتيسة بيني وبين إيشيد، ثم احمرّ وجهها وهي تنظر إلى الأرض.
“هل أزعجتُكما…؟”
إزعاج؟
نظرتُ إليها في حيرة، ثم عبست.
كان واضحًا ما هو سوء الفهم التي تعاني منها.
ربما رأت ما رآه جلالة الإمبراطور في ليلة الحفلة.
“ليس الأمر كما تظنين.”
أنكرتُ ما كانت تفكّر فيه الكونتيسة ودفعتُ إيشيد من ظهره.
“سنكمل الحديث لاحقًا.”
“حسنًا.”
بعد إخراج إيشيد وفيل، وجّهتُ الكونتيسة إلى الأريكة.
“سيدتي، هل لديكِ نوع شايٍ مفضل؟”
“أيّ شيءٍ جيد.”
“إذن سأقدم لكِ شاي الأعشاب الذي تلقّيته هدية هذه المرة. إنه شايٌ ذو نكهةٌ خفيفةٌ ورائحةٌ جميلة.”
“نعم، أحبّ ذلك.”
أسرعتُ في تحضير كوبين من الشاي وعدتُ إلى الأريكة.
وضعتُ فنجانًا أمام الكونتيسة وجلستُ مقابلها.
“رائحته جميلة حقًا.”
ابتسمت الكونتيسة وهي تتذوق الشاي.
ابتسمتُ أيضًا بسعادةٍ بينما أمسح بيدي على جلد الأريكة الناعم.
“ما الذي أتى بكِ اليوم؟”
“طلبتُ الطلاق من زوجي. عدتُ للتوّ بعد أن قابلتُ أحدًا من العائلة الإمبراطورية لمساعدتي. بينما كنتُ في طريقي، فكرتُ في الأميرة شاتيريان.”
“أحسنتِ بطلب الطلاق. ماذا قال الكونت ليبيل؟”
“في الحقيقة… لم يكن في وضعٍ يسمح له بالتعليق. فقد أمسكتُ به متلبّسًا بطريقة مهينة.”
“أمسكتِ به متلبسًا؟”
“نعم. في ليلة الحفلة، أمسكتُ به مع امرأةٍ أخرى، وأمام الجميع.”
ابتسمت الكونتيسة بسعادة.
‘فعلتُ كما نصحتني الأميرة، خطوتُ عليه بقوّة بالتأكيد.’
“لكن ألم تطن المرأة التي كانت معه في القصر مختلفة؟ عندما حققتُ في الأمر، اكتشفتُ أنه كان يخون مع أكثر من واحدة أو اثنتين.”
أكثر من واحدة؟
كنتُ متفاجئةً جدًا بهذه الكلمات.
“هناك شهودٌ على أفعال زوجي، وقد حصلتُ على أدلةٍ كافية، لذا سيكون الطلاق سهلًا. كل هذا بفضلكِ، شكرًا جزيلًا لكِ.”
“لا، أنتِ مَن بذلتِ الجهد. كلّ ما فعلتُه هو تقديم النصيحة، لكنكِ اتخذتِ القرار وجمعتِ الأدلة بنفسكِ.”
عندما أعطيتُ الكونتيسة كل الفضل، بدت متأثرة.
“أنا ممتنةٌ حقًا. لو لم أقابلكِ أنتِ والدوق ذلك اليوم، لكنتُ…”
عبست الكونتيسة كما لو أنها لا تريد حتى تخيل ذلك الاحتمال.
“آه، يجب أن أشكر الدوق أيضًا. في الحقيقة، لو لم يشرح لي بالتفصيل كيفية الإمساك بالسيف، لكنتُ حاولتُ في اليوم التالي. بعد كلامه، أدركتُ كم هو مخيفٌ أن تطعن شخصًا.”
مرّرتْ كفها على ذراعها كما لو أنها تشعر بالقشعريرة.
“لكنني شعرتُ منذ يوم لقائنا الأول أن هناك شيئًا بينكما… لم أتوقع أنكِ والدوق بهذا القرب.”
نظرت الكونتيسة إليّ بلمحةٍ ثم ابتسمت ابتسامةً توحي بالكثير.
“بالإضافة إلى أن جلالته يعارض زواجكما ويصر على ترتيب لقاءات زواجٍ لكِ… ومع ذلك، استمررتُما في اللقاء سرًّا. كم تألّمنا نحن السيدات لقصتكما العاطفية!”
“…”
كنتُ عاحزةً عن الكلام للحظة وحدقتُ في الكونتيسة بذهول.
كان صدغي ينبض لدرجة الألم من سوء الفهم الهائل هذا.
“اتفق الجميع أن قصتكما ستكون مسرحيةً رائعة في المسرح الكبير. فكرتُ في وضع عنوانها <إيشيد وشاتيريان>، ما رأيكِ؟”
“ماذا؟”
“لماذا تبدين متفاجئةً جدًا؟ عائلة ليبيل لديها حصة كبيرة في المسرح الكبير، لذا يمكننا التأثير على القرار.”
أصابتني القشعريرة عند تخيّل الأمر.
مسرحية عن قصة حبٍّ بيني وبين إيشيد؟
وضعتُ كفي على جبيني الساخن وهززتُ رأسي.
“لا داعي. لا توجد قصةٌ عاطفيةٌ بيننا.”
ليس لدينا حتى حبٌ رومانسي، ناهيكَ عن سردٍ درامي.
“لا تكوني متواضعة. إذا انتشرت القصة في المسرح الكبير، فقد يوافق جلالته على زواجكما.”
‘لقد سمعتُه هذا الصباح فقط يقول إنه سيزوّجنا.’
كان عقلي وجسدي منهكين من التعب، ولم أعد أرغب في التفكير بعد الآن
“سيدتي، أنا متعبةٌ اليوم، هل يمكننا إنهاء الحديث؟”
“آه، نعم، نعم. أنا آسفة لأنني أطلتُ عليكِ. سآتي في المرة القادمة بهدية شكر. هل هذا مقبول؟”
“بالطبع، أنتِ دائماً موضع ترحيب.”
“الأشاعات مخيفة. عندما سمعتُ عنها أول مرة، ظننتُ أن الأميرة مخيفة… لكن معاملتكِ اللطيفة جعلتني في حيرة. سأتأكد من إخبار السيدات عن مكتب الاستشارة وعن الأميرة.”
“شكرًا لكِ.”
“إذن، استريحي.”
“وداعًا.”
بعد مغادرة الكونتيسة، ساد الصمت في غرفة الاستشارة.
“آه…”
ملأ تنهّد ثقيلٌ وعميق الهواء.
باتت مشاعري معقدة.
ترنّحتُ نحو الأريكة وسقطتُ عليها.
‘أريدُ أن أختفي إلى مكانٍ لا أحد فيه.’
تدحرجتُ وأنا أفكر هكذا.
رطم!
طان ذلك عندما سمعتُ صوتًا قويًا، ورأيتُ السقف يهتز قليلاً.
رطم!
“ما هذا؟”
نهضتُ فجأةً مذعورة.
نظرتُ حولي، لكنني لم أعرف مصدر الصوت.
ثم سمعتُ صوتًا آخر، يتبعه دويٌّ كأنه انهيار صخور.
انتشر الغبار في الحال، وحجب رؤيتي.
“كح كح!”
سعلتُ سعالًا جافًا وأنا ألوّح بيدي أمامي.
لا أعرف ما حدث فجأة.
عندما بدأ الغبار يستقر، رأيتُ إيشيد واقفًا، يرفع يده في حركةٍ غريبة.
وراءه، كان فيل واقفًا مذهولاً.
“…”
الجدار الذي كنتُ أطرقه قبل لحظات قد اختفى، وقد تحوّل إلى أنقاض.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "25"
ممكن اسأل عن رواية don’t let your husband know ايش صار🥲💔