اهتزّت عينا يوريل بشدّة عند سماع كلماتي. بعد صمتٍ طويلٍ لاختيار كلماته، سأل.
“مَن…؟”
“شخصٌ تعرفه أيضًا؟”
لم يكن لديّ وقتٌ لهذا، لذا أكملتُ سيري. بينما كان يحاول فهم معنى كلامي، حافظ يوريل على مسافةٍ ثابتةٍ خلفي دون أن يبتعد.
بدا جادًا في تفكيره، غير مدركٍ أنني أستمتع برد فعله. ضحكتُ من أعماقي على منظره.
“الأميرة شاتيريان. لكن…”
“نعم؟”
“عندما تغوي الأميرة …. رجالًا، عليّ مرافقتكِ.”
“وماذا في ذلك؟”
“لكن هذا يتعلّق بحياتكِ الخاصة… كيف ستغوين الرجل؟”
هل تخشى أن أفعل شيئًا يُعرّضكَ للطرد أمامي؟ نظرتُ إلى حاجبي يوريل المُقطّبين جدًّا، وفكّرتُ.
‘كيف يمكنني جعل تعبيركَ أكثر ارتباكًا؟’
“لا تقلق. حتى لو تطفّلتَ على حياتي الخاصة أثناء المرافقة، سأسامحك.”
“حياتكِ الخاصة …!”
احمرّ وجه يوريل فجأة. أوه، أهذا ما يُحرِجك؟
“لا تتخيّل أيّ شيء. ما الذي تتخيّله؟”
“لـ لم أتخيل شيئًا!”
قال يوريل، ووجهه عابس.
تظاهر بالهدوء، لكنه لم يستطع إخفاء احمرار وجهه وارتعاش عينيه بشدة. عندما ضحكتُ عاليًا، أدار يوريل رأسه بعيدًا.
“ألن نذهب بسرعة؟”
“آه!”
نسيتُ أننا في الطريق. توقفت عن مضايقة يوريل وبدأت بالسير مجددًا.
لا، كنتُ على وشك القيام بذلك، لو يكن إيشيد هناك، الذي كان يحدّق بنا بنظرةٍ متوهّجة.
إيشيد؟ لماذا يقف هناك بهذا الشكل؟
بينما كنتُ أفكر، اقترب بخطواتٍ ثقيلة، بوجهٍ عابسٍ واضح. نظرتُ إليه بنظرةٍ فضوليةٍ قليلاً بسبب المشاعر الواضحة على وجهه.
“شاتيريان ميليس.”
هذه المرّة ناداني باسمي الأخير. هذه أوّل مرّة منذ وقتٍ طويلٍ جدًا أسمع اسمي الكامل.
“ماذا؟”
نظرتُ إليه بوجهٍ بدا كأنه لا يدري ما يحدث. لم أكن أعرف لماذا كان واقفًا هناك بوجهٍ غاضبٍ كهذا.
“أيّ رجلٍ تنوين إغواءه؟”
يبدو أن صاحب الأذن الكبيرة هذا سمع كل شيءٍ تحدّثنا عنه.
هززتُ كتفيّ وقلتُ بطبيعية.
“أنت.”
“…ماذا؟”
“كنتُ في طريقي لإغوائك.”
نظر إليّ إيشيد بوجهٍ مصدوم.
وهذا مفهون، لأنه من غير الطبيعي أن أكون مهتمًّا به، إلّا إن كنتُ أمازحه.
“أنا جادة.”
“هل حقًا؟”
بعد لحظة، استرخى تعبيره وعاد إلى تعبيره البارد المعتاد. ما كانت المشكلة أصلاً؟
‘هل ظنّ أنني سأغوي غيره؟’
لماذا إيشيد هكذا؟ هل يمكن أن يكون لأننا قبٌلنا؟
للحظة، خطرت لي فكرةٌ خطيرة.
‘مستحيل … لا يمكن!’
لقد كان مخطئًا جدًا من قبل حتى أنه قال أنني ‘تجسيدٌ لها’. هل يعتقد خطأً الآن أنه يحبّني؟ لأنه أساء الفهم؟
تراجعتُ خطوةً بلا وعي.
“لماذا تفعلين هذا؟”
كما لو قرأ أفكاري، تقدّم بنفس المساحة التي تراجعتُ بها. حذّرتُه بهدوء
“لا تقترب.”
“ما المشكلة؟”
“أخبرتُكَ ألّا تقترب!”
“ماذا تفعلان؟”
لم يعد يوريل قادرًا على التحمل، فتدخّل. اقتربتُ منه بتردّدٍ وكأن قربه أمان.
عبس إيشيد عند هذا.
‘هل كان في شخصيته عنصر الهوس والتعلّق المَرَضي؟’
كلّا. كان دائمًا باردًا، ما جعل قلوب القراء تركّز فقط على أورغون. لو كان رجلاً مهووسًا، لما فعل القرّاء ذلك.
إذن هل هذا السلوك موجّهٌ لي فقط؟
هل تغيّرت القصة الأصلية؟ إذا كان كذلك، فقد حفرتُ قبري بيدي، حفرًا عميقًا لا خلاص منه.
أردتُ البكاء لأنني كنتُ سبب بداية هذه الفوضى.
وفجأة…
“يوريل! يورير!”
ظهر صوت طفلةٍ ندي. ركضت طفلةٌ صغيرةٌ تنادي يوريل بحماس.
كانت شقراء بعيونٍ زرقاء مثله. ركضت بسرعة حتى طارت قبعتها المستديرة، والتصقت بساقه.
“يوري!”
“لوسي؟ لماذا أنتِ هنا… لا تركضي، قد تسقطين.”
“هيهي، يوريري!”
في كلّ مرّةٍ تتحدّث فيها، تنطق اسمه بشكلٍ مختلف. يبدو أن اسم يوريل صعبٌ جدًا على الطفلة. ابتسمتُ لهذا المنظر.
حمل يوريل الطفلة الضاحكة، وأصلح قبعتها المائلة. ضمته بذراعين قصيرتين ممتلئتين، بدا يوريل معتادًا على العناية بها.
“آه، هذه ابنة أخي لوسي.”
“مرحبًا، لوسي.”
حيّيتُ الطفلة التي باتت على مستوى عيني بلطف. تمايلت عيناها الحذرة قليلاً، ثم نظرت خلسةً ليوريل.
“قولي مرحباً، لوسي.”
“مرحبًا، أنا لوسي.”
عندما فتحت فمها الصغير، تحرّكت خديها الممتلئين الناعمين. بدا خديّها الأبيضان ناعمين لدرجة أنني أردتُ لكزهما مرّةً واحدة.
“سررتُ بلقائكِ.”
وعندما وضعتُ إصبعي السبابة على اليد الصغيرة التي كانت ممتدة إليّ بدلاً من خديها، أمسكته الطفلة بقوّةٍ وضحكت.
‘آه، ياللظرافة
أخبرها يوريل أن تحيّي إيشيد، الذي كان يقف بجانبي، أيضًا، لكن الطفلة نظرت إلى إيشيد بتوتر ثم أدارت رأسها بسرعة.
“لقد تم رفضكَ من قِبَل طفلة.”
سخرتُ منه وضحكت، لكن إيشيد لم يكترث على الإطلاق. فقط يوريل شعر بالأسف واعتذر.
“لماذا أنتِ هنا؟ أين أبوكِ؟”
“أبي هناك!”
تركت الطفلة إصبعي وأشارت إلى الأعشاب. نظر يوريل إلى ذلك الاتجاه وتردّد يوريل للحظة.
“أميرة، هل أستطيع إعادة لوسي؟ يبدو أنها هربت أثناء انشغال أبيها عنها.”
“بالطبع. سأعود مع إيشيد إلى المكتب. خُذ وقتك. هلّ لا بأس لديك؟”
أومأ إيشيد موافقًا، قائلاً إنه لا يهم.
“وداعًا أختي الجميلة!”
“أراكِ لاحقًا!”
حيّتني لوسي وحدي قبل أن تبتعد.
“لا فائدة من وسامتك. يبدو أنني المفضلة عند الأطفال.”
ابتسمتُ مجددًا، وشعرتُ بالفخر بلا سبب.
“هل أنا وسيم؟”
سأل إيشيد فجأة عند كلماتي. أومأتُ موافقة.
“هل أنا من نوعكِ؟”
أومأتُ دون تفكير، ثم توقّفت.
من الصحيح أنه من نوعي …. لكني لم أكن أخطط لأخبره.
“يبدو أن مظهري مفيد.”
ترددت، لكن إيشيد بدا راضيًا بالفعل مع تعبيرٍ مرتاح.
“إذن، هل هناك شيءٌ يعجبكِ بيّ غير وجهي؟”
سأل بثقةٍ مفاجئة. كان لديّ واجبٌ لتحطيم تلك الثقة.
“لا تسيء الظن. أحبّ الأشخاص ذو المظهر الوسيم مثلك، ليس أنت.”
“كيف لا أكون نوعكِ بينما أنا وسيم؟”
ها، أنتَ تجعلني أضحك!
“هل سبق لكَ ووقفتَ أمام المرآة وقلت ‘واو، أنا وسيم’؟”
“لا.”
توقعتُ ذلك. إنه غير مهتمٍ بمظهره.
“يعجبني الرجل الذي يهمس كلّ يومٍ أمام المرآة ‘أنا وسيم’ أو ‘أبدو رائعًا اليوم’، وكأنه يتناول وجبة.”
‘ها، لن يستطيع ذلك.’
كما توقعت، لم يستطع الرد. بعد أن حدّق بي طويلاً، تمتم وكانه لا يفهمني حقًا.
“لديكِ ذوقٌ غريب.”
“نعم، جدًا.”
لو كان نرجسيًا قليلاً، لكنتُ صفعته.
‘بالتفكير في الأمر، أنا نرجسيةٌ أيضًا.’
في الأشهر الأولى من عُزلتي، لم أدرك كم من الوقت مر لأنني كنت أنظر إلى وجهي. ما زلتُ أحيانًا أتملّق نفسي بعد الاستحمام وأنا أنظر في المرآة.
“آه! كدتُ أنسى. كنتُ أبحث عنكَ لسببٍ ما.”
تذكّرتُ فجأةً سبب بحثي عنه.
“حسنًا، أخبريني. لماذا تريدين إغوائي؟”
هل كانت مضايقة يوريل طريقةٌ أخرى لحفر قبري مجددًا؟
حدّقتُ به وأبتلعتُ كلماتي. ليس هذا ما يهم الآن.
“جلالته يريد تزويجنا.”
“همم… هل الامر كذلك؟”
“لكن الزواج ليس شيئًا يتم القيام به لأن طرفًا واحدًا أراد ذلك. لا أستطيع الرفض بنفسي بسبب جلالته، لذا إن رفضتَ أنت، فسينتهي الأمر.”
“همم، حقًا.”
بدا إيشيد غارقًا في التفكير.
“لماذا لا نتزوّج ببساطة؟”
“مستحيل. لماذا أفعل ذلك؟”
“أنا لا أمانع.”
“أنا أمانع.”
حدّقنا في بعضنا بصمت. أخيرًا أومأ إيشيد برأسه.
“حسنًا، لنفعل كما تريد شاتيريان.”
ظننتُ أنه لن يتراجع أبدًا، لكنه تراجع فجأةً مطيعًا.
نظرتُ إليه بريبة.
ماذا تخطط لفعله؟
“حقًا؟”
“حقًا. لا أنوي إجباركِ على الزواج حتى بعدما قلتِ لا.”
استرخيتُ قليلاً. ربما كانت مشاعره تجاهي سطحيةً بسبب سوء الفهم.
حسنًا، هو في الأصل رجلٌ غير حساسٍ للمشاعر، لذا فرغم تصرفاته الغريبة أحيانًا، يبدو أن مبادئه لا تتغير.
بينما أومأتُ برأسي راضيًا، نظر إليّ إيشيد. ثم قال بهدوء.
“سأبذل جهدي حتى ترغبي في الزواج بي.”
ماذا…؟ معذرةً…؟
“لا يهم إن كان ذلك لوقتٍ طويل. كلّ ما أحتاجه هو بقاؤكِ بجانبي فقط.”
أحتاجكِ فقط.
في تلك اللحظة، تألّقت عينا البطل الثاني، الذي ظننتُه غير مهووس، تلمع ببريقٍ مهووس.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "24"