* * *
في ليلة الحفلة حيث اكتمل القمر.
لم يكن من السهل العثور على مكانٍ خالٍ من الناس في قاعة الرقص المزدحمة، حتى في الحديقة الخلفية المظلمة للمبنى.
في ظلام الليل، بين حديقةٍ تزهر بالورود وتحت ضوء القمر الكامل حيث تتساقط بتلات الزهور، قبّل عاشقان متحابّان بعضهما.
حبس النبلاء الذين رأوا هذا المشهد أنفاسهم.
التفتوا جميعهم خلسةً نحو الإمبراطور، الذي كان يجلس في زاويةٍ يستريح، يراقبون رد فعله.
بدا الإمبراطور، الذي ظل متجهّم الوجه منذ فترة، في غاية الصدمة.
“جلالتك، لم نكن نعلم أن علاقتهما بهذا القرب.”
قال الدوق مون فيلينيير الذي يفتقر إلى الذكاء الاجتماعي بينما يحتسي شرابه.
“أوه، تيري خاصتنا مرتبطةٌ بالفعل.”
ضحكت الدوق ميليس التي كانت قد ثملت بالفعل. بينما كان اللورد روهيل، الوحيد الذي يمتلك ذكاءً اجتماعياً، يشعر وكأنه على وشك الموت.
الإشاعات التي بدأت بين مَن شهدوا هذا المشهد اتخذت في النهاية شكلاً يجعل شاتيريان تصاب بالإغماء.
* * *
فجر الصباح.
كان يومًا كان عليّ فيه الذهاب إلى العمل مباشرةً بعد عطلةٍ محذوفة، لكنني استطعتُ الاستيقاظ بخفّةٍ غريبة.
ربما لهذا السبب، اعتقدتُ أنه لا بأس بالذهاب إلى العمل.
ثم أدركتُ فجأةً أن ما فكرتُ فيه للتوّ كان خاطئاً.
لا بأس؟ الذهاب إلى العمل شيءٌ لا أرغب فيه أبداً.
ارتديتُ ملابسي وخرجتُ لأجد إيشيد ويوريل ينتظرانني في القاعة.
آه، المرافقة.
بالتفكير في الأمر، كان إيشيد مرافقًا مؤقتاً فقط حتى انتهاء احتفال تأسيس الإمبراطورية، وبعد ذلك كان من المفترض أن يعود يوريل ليكون المرافِق.
لكن لماذا يبدو الجو بينهما هكذا؟
كان إيشيد يحدق في يوريل، بينما كان يوريل يتجنّب نظراته بوجهٍ مضطرب.
عندما اقتربت، تحوّلت نظرة إيشيد إليّ.
“شاتيريان، هل نمتِ جيداً؟”
لقد سألني عن أحوالي صباحاً بشكلٍ طبيعيٍّ جدًا.
قلتُ له أن يفعل ما يشاء، لكن… أن يناديني هكذا مباشرةً يجعلني أشعر بالحرج.
“نعم. وأنت؟”
“أنا أيضاً.”
عاد الصمت مجددًا.
لا يوجد المزيد من الحديث.
نظرتُ إلى يوريل لأنني لم أجد ما أقوله.
“صباح الخير، أميرة شاتيريان.”
“صباح الخير. هل قضيتَ يوم راحةٍ جيد؟”
همم، سأكون سعيدةً إن كان يوريل مرافقي. هذا يعني أنني سأحصل على عاملٍ إضافيٍّ في غرفة الاستشارات.
‘إن إحضار شخص معي أينما ذهبت أمرٌ مزعج… ‘
لكن إذا كان يوريل يعمل جيداً، فيمكنني تحمّل ذلك.
“لقد تولّيتَ مرافقة شاتيريان أثناء غيابي، أليس كذلك؟”
“شاتريان… نعم. هذا صحيح.”
“تذهب وتعود معها، وتكون بجانبها كلّ يوم؟”
“… نعم.”
تغيّرت تعابير وجه إيشيد وكأنه غير راضٍ عن شيءٍ ما.
“إذا تولّى نائب القائد المرافقة، فمن سيتولّى قيادة وسام الفرسان الثاني؟ إن قيام نائب القائد بالمرافقة هو نوعًا ما…”
ثم ألقى نظرةً خاطفةً علي.
هل سيقول بعد ذلك أنها إهدارٌ للموارد البشرية؟
حدّقتُ في إيشيد بعينين ضيقتين.
“…أليس ذلك خطيراً بعض الشيء؟ سأستمر في مرافقة شاريتريان بنفسي.”
“…ماذا؟”
نظرنا أنا ويوريل إليه بوجوهٍ مليئةٍ بالدهشة.
“ألن يكون ذلك أسهل، إن كنتُ أنا، الذي يعمل في المكتب الذي بجانبكِ مباشرة، مَن يرافقكِ بدلاً من أن يتكلّف نائب القائد عناء ذلك؟”
بالطبع كان ذلك صحيحاً.
من الواضح أن مهاراته كانت متفوقة، ولأن مكان عمله كان في المكتب المجاور، فقد وفّر عناء الذهاب والإياب.
“…ستضطر إلى القدوم إلى قصر ولي العهد وفقاً لمواعيد ذهابي وإيابي، هل أنتَ مستعدٌّ لبذل هذا الجهد؟”
“حتى يتم القبض على غوستو أڤيديتا، نعم. وإلّا، يمكنني البقاء هنا بشكلٍ دائم. أو …”
“أو؟”
“يمكنكِ أن تنتقلي إلى مقر إقامة دوق أستريا.”
“…”
أومأ إيشيد برأسه برضا، معتقدًا أن الفكرة تبدو جيدة..
“هذا المكان … يحمل سوء حظ.”
تسك تسك.
هززتُ رأسي وتمتمت.
بغض النظر عن كيفية التفكير، يبدو أن موقع قصر ولي العهد مشؤوم.
من أورغون، صاحب هذا المكان، إلى بروك، الذي جاء للاستشفاء لفترة قصير، والآن إيشيد، الذي ينوي البقاء، جميعهم أصبحوا غريبين، مما يؤكّد أن المكان به سوءٌ ما.
“يوريل، دعنا نغادر بسرعة قبل أن تصبح غريباً أيضاً.”
دفعتُ ظهر إيوريل.
لا يمكنني السماح لعاملي الثمين أن يتأثر بهذا الجو الغريب.
“تيري، عليكِ أن تأتي معي لمقابلة جلالته.”
في تلك اللحظة، جاء أورغون متأخراً وهو ينزل الدرج.
توقّفتُ عن دفع ظهر إيوريل.
“لماذا مرّةً أخرى؟”
“ما الذي تتوقعينه؟”
هزّ كتفيه كما لو كان يقول ألا تعرفين حقًا؟
سألتُ لأنه كان هناك الكثير من الأشياء التي قد يشير إليها.
لا أريد أن أتعرّض للتوبيخ بسبب لسانٍ لم يكن يعرف عنها.
بينما كنتُ أفكر، اقترب إيشيد مني.
“أليست هذه فكرة جيدة؟”
سأل إيشيد، دون استسلام، قائلا أنه بغض النظر عن مقدار ما أفكّر فيه، سأكون أكثر أمانًا بجانبه.
‘لماذا أنا مستهدفةٌ من قِبَل غوستو؟’
كل هذا بسبب الإشاعة التي تقول إنني خرجتُ من مقر دوق أستريا.
إذا كان بإمكاني، أود أن أعيد الزمن إلى الوراء وأمحو ذلك اليوم تماماً…
كم سيثرثر الناس إذا كانت الأميرة، التي عاشت حياتها كلها دون أي خطر، دخلت فجأةً إلى منزل دوق أستريا بحجة كونها مُرافَقة؟
هززتُ رأسي وخرجت.
* * *
كانت حديقة الإمبراطور التي وصلنا إليها لا تزال بنفس المنظر.
كان الإمبراطور دائماً ما ينظر إلى هذا المنظر وهو غارقٌ في أفكاره.
بدت عيناه الهادئتان وكأنهما تفكران في شخصٍ ما.
بالمناسبة، لم أسمع أبداً عن الإمبراطورة المتوفاة.
لقد توفيت عندما كنتُ في الثالثة من عمري وأورغون في الرابعة. وفي العام التالي، توفّي والداي.
جلسنا أنا وأورغون أمام الإمبراطور. عندها فقط نظر إلينا.
“تيري.”
اليوم، ولسببٍ ما، لم يعبس عندما نظر إلي. لكنه بدا حزيناً نوعاً ما.
“عندما فكّرتُ بالأمر، اعتذاري جاء متأخراً جداً. أنا آسف. لقد تسببتُ بمشكلةٍ لكِ بدون داعٍ.”
اعتذر الإمبراطور وهو يصبّ الشاي في الكوب.
اعتذاره جعلني أشعر بعدم الارتياح. بالطبع، كنتُ ألومه قليلاً…
‘بطريقةٍ ما، يمكن القول إنني أنا مَن زرعت البذور في الماضي…’
كنتُ أنا مَن استغللتُ مشاعر غوستو إلى أقصى حدٍّ ثم تخلّصتُ منه عندما لم أعد بحاجته.
كما أن تورّطه في السحر الأسود كان بسبب خروجه من الأكاديمية معي.
كلّ شيءٍ بدأ عندما تخرّجتُ مبكّراً من الأكاديمية بسبب تذكّر حياتي السابقة.
في النهاية، كنتُ أنا الشخص الذي قام بشكلٍ مباشرٍ بسد الثغرات في القصة الأصلية التي لم تكن متشابكة..
تغيّر غوستو، ووصول أنيلا إلى القصر الإمبراطوري مبكراً غير بداية القصة تماماً.
كل ذلك كان بسبب بذورٍ زرعتُها أنا، لذا ليس لديّ الحق في لوم أيّ أحد.
هززتُ رأسي وحاولتُ تهدئة الإمبراطور الحزين.
“هذا ليس خطأك، فلا داعي للاعتذار. بل على العكس، حصلتُ على عاملٍ جيد… أقصد، أنا سعيدةٌ لأنني حصلتُ على مرافق.”
أومأ الإمبراطور برأسه موافقاً، لكنه بدا غير مرتاح.
“حسناً. وأيضاً…”
أخذ نفساً عميقاً.
“أعتذر أيضاً لمحاولتي فصلكِ عن قائد الفرسان.”
“…ماذا؟”
“سمعتُ من ولي العهد عن علاقتكِ بقائد الفرسان. وأيضاً… همم… رأيتُ ذلك أيضًا بنفسي.”
نـ نعم؟
ما- ماذا رأيت؟
“في ذلك اليوم، رأيتُكما عندما كنتما قريبان جدًا من بعضكما في الحديقة …”
“جلالتك!”
عندما ناديتُه فجأةً بإلحاح، نظر إلي الإمبراطور الذي كان على وشك الغوص في الذكريات.
ذكرياتٌ غير مرغوبٍ فيها. لم أكن أرغب في تذكّر ذلك المشهد.
الأهم من ذلك، لم أكن أعلم أن الإمبراطور رآنا. إذا رآنا الإمبراطور، فهذا يعني أن معظم النبلاء رأونا أيضاً…
أدركتُ الآن خطورة الموقف. لا يمكنني حتى تخيّل مدى انتشار هذه الإشاعة.
“همم. على أيّ حال. لهذا قرّرت. سأزوّجكِ بقائد الفرسان.”
هذا غير ممكن.
لا يمكن أن تهبّ رياحٌ بهذا السوء في حديقة الإمبراطور.
“في الوضع الحالي، لن يكون من الجيد معارضة علاقتكما.”
“…”
“عندما فكّرتُ بالأمر، قائد الفرسان ليس بهذا السوء.”
“يمكنكَ الاستمرار في اعتباره سيئاً…”
آه، هذه السحب المارّة جميلة.
ابتسمت إلى الفراغ كشخصٍ تخلّى عن كلّ شيء.
“تيري؟ هل أنتِ سعيدةٌ لهذا الحد لمجرّد تخيّل الأمر؟”
كانت ابتسامةً خاليةً من أيّ معنى، لكن الإمبراطور أساء فهمها.
عبستُ وشربتُ الشاي أمامي بسرعة.
كان قد أصبح بارداً بشكلٍ مثاليٍّ أثناء الحديث.
على أيّ حال، الزواج ليس شيئاً يمكنني فعله بمجرّد رغبتي في ذلك.
إذا رفض إيشيد، فسوف يُلغَى الأمر.
“شاتيريان.”
فجأة تذكّرتُ صوت إيشيد الذي يناديني.
لسببٍ ما، خطر ببالي أن إيشيد الحالي قد لا يعارض هذا الزواج.
‘لا، يجب أن أطلب من إيشيد رفض هذا الأمر.’
نهضتُ فجأة.
نظر إلي الإمبراطور وأورغون بعيونٍ مندهشة.
“إذا انتهى حديثكم، أعتقد أن عليّ المغادرة الآن.”
“انتظري. هل أنتِ بخير؟”
“نعم. أنا بحالةٍ جيدةٍ جداً. لا داعي للقلق، سأذهب الآن.”
“آه … نعم. يمكنكِ ذلك.”
“حسناً.”
انحنيتُ وخرجتُ من حديقة الإمبراطور.
عندما فتحتُ الباب بعنف، نظر إليّ يوريل الذي كان ينتظر في الخارج بعيونٍ مندهشة.
“لنذهب بسرعة!”
بسبب إصراري، تبعني بسرعة. عبرنا الممر كما لو كنا في سباق.
“ماذا حدث؟”
“ماذا؟”
بعد المشي السريع لبعض الوقت، توقّفتُ لألتقط أنفاسي.
بسبب الروتين اليومي المتمثل في الذهاب من المنزل إلى المكتب والعكس، أصبحت لياقتي ضعيفةٌ جداً. كيف يمكن أن أكون منهكةً بعد هذا الجهد البسيط؟
“هاه.”
التقطتُ أنفاسي بسرعةٍ وقلت
“همم؟ ذاهبةٌ لإغواء رجل”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "23"