“مـ ما هذا…!”
تلعثم الماركيز بتلك الكلمات وهو يتراجع إلى الوراء بحيرة. لكنه وجد نفسه محاصرًا بقدوم الفرسان إلى الغرفة، عاجزًا عن الحركة.
“ما هذا الوقاحة! أين… أين الحراس…!”
“لا يوجد أحدٌ هنا. لقد تعاملتُ معهم جميعًا.”
هل كنتُ سأتركهم يعيقونني؟ يا له من إزعاج.
تحوّل وجه الماركيز إلى اللون الأبيض وهو يتلفّت حوله بقلق. كان واضحًا أنه لم يتوقّع هذا الموقف أبدًا.
“أيها المركيز. أين هو الساحر الأسود؟”
“سـ ساحرٌ أسود؟”
“لا تحاول التملّص. رائحة الطاقة السوداء تفوح منكَ حتى القرف.”
أدار ثالتوس سيفه نحو عنق الماركيز.
“هيك!”
“إذن، أين هو الساحر الأسود؟”
عندما ضغط ثالتوس بالسيف أكثر على عنق الماركيز، فتح الأخير فمه على عجل.
“أنا… أنا حقًا لا أعرف…!”
استمر في التظاهر بعدم المعرفة حتى النهاية.
لو رآه أحد، لظن أننا نتعمّد قتله بلا سبب.
نظرتُ إليه باستغراب.
“هل هناك سببٌ يدعوكَ لحماية الساحر الأسود بهذا الشكل؟ ما الأمر الذي يتعلّق بمصير إقطاعيتك؟”
“……”
أغلق الماركيز فمه بشدة. كانت نظرة عينيه كانت شرسة، على عكس إنكاره المتكرّر.
لو كان الأمر لمصلحة إقطاعيته فقط، لاستحق الإشادة على إصراره.
لكن لا شيء أخطر من الثقة الخاطئة.
“لا أعرف أيّ صفقةٍ قد عقدتَها مع الساحر الأسود، لكن هل تعتقد حقًا أنه سيمنحكَ ما تريد؟ لو كنتَ تعتقد ذلك، فهذا إيمانٌ أحمق.”
“……”
لم يُجِب الماركيز، واكتفى بابتسامةٍ ساخرة.
لم أهتم كثيرًا بحقيقة تحالفه مع الساحر. كل ما أردتُ معرفته هو مكانه بالضبط.
“أين هو الساحر الأسود؟ وأين العمّال المفقودين؟”
“إذا جئتِ بحثًا عن دوق أستريا، فقد فات الأوان بالفعل.”
“فات الأوان؟”
تصلّبت تعابير وجهي عند سماع سخريته المليئة بالثقة.
ازدادت ابتسامة الماركيز عمقًا عندما رأى ملامح وجهي.
“بحلول هذا الوقت، ربما أصبحوا قرابين للساحر الأسود.”
كان في تلك اللحظة.
اهتزّت الأرض وبدأت طاقة الظلام السوداء بالتصاعد.
سرعان ما غُمِر قصر الماركيز بالطاقة السوداء.
انبعثت منه رائحةٌ شريرة. برودةٌ كتلك التي في غابة هالتونيا.
كِييك—!
عَلَى وصوت الوحوش بالإضافة إلى ذلك.
عندما التفتُّ بسرعة، رأيتُ ثقبًا دوديًا ضخمًا قد تشكّل في الخارج، وكانت الوحوش تتدفّق منه.
“ثقبٌ دوديٌّ متّصلٌ بغابة هالتونيا…”
أدرك الفرسان الموقف بسرعةٍ واشتبكوا مع الوحوش.
“مـ مـ ما هذا…!”
كان من الواضح على الماركيز الصدمة. يبدو أن هذا لم يكن من تدبيره على الأقل.
“ألم أقل لك؟ لقد تحالفتَ مع ساحرٍ أسود لإنقاذ إقطاعيتك، لكنه لم يهتم بها أبدًا.”
“ماذا تعرفـ… أنتِ… كح… كح…!”
فجأةً، بدأ الماركيز يتلوّى على الأرض متألّمًا. كانت طاقة الظلام تحوم حوله.
طعنتُه بسيف شجرة العالم المقدّس بسرعة.
فتطهّرت طاقة الظلام التي كانت تخنقه، وفقد الماركيز وعيه.
من الخارج، كانت أصوات القتال ضد الوحوش تصل إلينا.
إذا لم نوقف ساحر الظلام سريعًا، فمن المؤكد أن هذه الوحوش ستخرج وتسبّب دمارًا كبيرًا في الماركيزية.
فتّشتُ جيوب المركيز فاقد الوعي على عجل. كان سبب ألمه هو زيادةٌ مفاجئةٌ في السحر الأسود .
لا بد أنه كان يحمل شيئًا تسبّب في ذلك…
وبالفعل،
وجدتُ داخل سترته أداةً سحرية. تشبه الأداة القديمة التي تمكّنكَ من الانتقال عبر الزمان والمكان، لكنها مختلفة.
أدركتُ ذلك على الفور. هذه الأداة يمكنها الانتقال إلى مكان وجود الساحر الأسود.
تتطلب الأدوات السحرية عادةً طاقةً سحريةً لاستخدامها.
لكن بالتفكير في حالة إيشيد، يبدو أن الطاقة السحرية ليست شرطًا أساسيًا.
إذن، كل ما تبقى هو القوة المقدسة.
“أورغون.”
عندما مددتُ يدي لأعطيه الأداة…
بانغ!
كيك!
حطّم وحشٌ النافذة ودخل إلى القصر. ثم سمعتُ صوتًا يهزّ الأرض، وجاء وحشٌ آخر يركض من بعيد.
دون أن أشعر، أطلقتُ قوةً مقدسةً وأمسكتُ بمقبض السيف بشدة.
في تلك اللحظة، أضاءت الأداة في يدي وتنشّطت.
“انتظر…!”
غمر الظلام رؤيتي.
في اللحظة الأخيرة، رأيتُ أورغون يرتّد بعيدًا محاطًا بطاقة الظلام التي غمرتني.
ثم حال السواد في رؤيتي.
ظلامٌ لا نهاية له.
وجدتُ نفسي وحيدةً في وسطه.
“ها…”
نهضتُ من مكاني بعد أن مددتُ ساقي.
شعرتُ أن هذا المكان الغريب ليس واقعيًا.
نظرتُ حولي، لكنني لم أكن في غرفة العمل.
كنتُ أمشي في ظلامٍ يشبه الهاوية.
بعد المشي طويلاً، في لحظةٍ ما، انقشع الظلام فجأة. وظهرت قريةٌ محاطةٌ بغابةٍ خضراء كثيفة.
كانت القرية مسالمة.
سماءٌ زرقاء، وسحبٌ بيضاء تتحرك ببطء، ورياحٌ منعشةٌ تهزّ الملابس المعلّقة، وضحكات أطفالٍ تملأ الساحة.
هذا… ما أراه بالتأكيد ليس واقعًا.
شعرتُ وكأني أشاهد فيلمًا مصوّرًا بدقة.
‘أليست أداة الانتقال عبر الزمان والمكان…؟’
لو كانت هذه مجرّد هلوسة، لكانت من نوع الهجمات التي تتحكّم بالعقل.
لكن المشهد الذي أراه كان مسالمًا للغاية.
لكن سرعان ما أدركتُ أن هذا وهم.
فجأة، ظهرت وحوشٌ من العدم وهاجمت الناس، حوّلت القرية، المسالمة والهادئة، إلى خرابٍ في لحظات.
هذا… لا بد أنه ما حدث في هجوم الوحوش قبل عامين.
كنتُ أشهد لحظةً من الماضي.
دُمِّرت العديد من القرى بسبب غزو الوحوش، وقُتِل الآلاف.
في وسط أنقاض القرية، ظهر شخصٌ يسير بين الحطام.
كان ماسيتيكي.
«أمي… أبي… فيفيانا…»
جثا ماسيتيكه أمام منزله المدمّر وهو يبكي بمرارة.
كما لو أن مشاعره قد امتزجت بي، اهتزٌ المشهد.
هل هذه ذكريات ماسيتيك؟
أم أنها هلوسةٌ من الأداة السحرية؟
تغيّر المشهد فجأة، وظهر ماسيتيك مرتديًا رداءًا.
«اتبعني. وسأنتقم لك. وسأُعيد عالمكَ كما كان.»
لم تكن هذه خدعة الساحر الأسود.
بل ماسيتيكي هو مَن قَبِل طاقة الظلام بمحض إرادته.
«أيقِظني لأقتل هذا الكائن البغيض.»
بصوتٍ هامسٍ يغري كهمس الشيطان، استعاد جثة الساحر الأسود الذي مات قبل 300 عام.
تغيّر المشهد مرّةً أخرى، وظهرت قريةٌ جديدة.
قريةٌ مسالمة، لكنها تحتوي على دائرةٍ سحرية. عند تلاوة التعويذة، سرقت طاقة الظلام أرواح سكان القرية.
«لا يكفي، هذا لا يكفي.»
أراد اساحر الاسود الجشع المزيد من الدماء. أراد أرواحًا أقوى وأنقى.
تحرّك ماسيتيكي وفقًا لرغبات الساحر الأسود.
وكأنه سلّم جسده وروحه له تمامًا.
امتلأ المكان بضحكات ساحر الظلام.
اختلط بكاء ماسيتيكي بالضحك، مما أزعج أذني.
شعرتُ بالدوار.
ترنّحتُ واستندتُ إلى سيفي للحفاظ على توازني، وفي تلك اللحظة، اختفت كل المشاهد، وعُدتُ إلى الواقع.
لم أكن في مكتب الماركيز.
ما كان أمامي هو درجاتٍ تؤدي إلى معبدٍ عليه رمز عينٍ ضخمة.
معبد السحر الأسود، لقد وصلتُ إلى مكان وجود الساحر الأسود.
‘وجدته.’
لكن فرحتي لم تدم طويلاً.
عندما دخلتُ المعبد، استقبلني مشهدٌ مروّعٌ دامي.
كان ماسيتيك يقف على دائرةٍ سحريةٍ مرسومةٍ على الأرض لاستدعاء شيطانٍ قديم.
وكان تحته إيشيد والعديد من الناس مرميين على الأرض.
مع كلّ خطوة، كنتُ أدوس على دماء الضحايا التي كوّنت بركًا.
“هل وصلتِ أخيرًا؟”
كانت نبرته خفيفة، كأنه يسأل كيف حالي.
“أجل، وصلت.”
ضحكتُ ضحكةً جوفاء من سذاجة السؤال.
بدا ماسيتيكي مسرورًا لسببٍ ما، وضحك بصوتٍ عال.
“هل أتيتِ من أجل هذا؟”
رفس جثة إيشيد الممدّدة بلا حراك.
يبدو أنه فعل شيئًا به جعله يفقد وعيه تمامًا.
“كيف كان شعوركِ وأنتِ تتجسّسين على ذاكرتي؟”
إذن، لم تكن مجرّد هلوسة، بل كانت ذكريات ماسيتيكي.
من خلال الاندماج مع طاقة الظلام، استطعتُ رؤية ماضيه.
“عرفتُ شيئًا واحدًا على الأقل. أنكَ مجرّد دميةٍ في يد الساحر الاسود عديم الجسد.”
اكتفى ماسيتيكي بالابتسام ابتسامةً صفراء.
“ما الذي تخطّط لفعله بهذه الدائرة السحرية؟ أستدعاء شيطانٍ قديم؟”
“لا. سأعيد إحياء الساحر الأسود إلى هذا العالم.”
“ماذا…؟”
إذا عاد الساحر الأسود، سيدمّر العالم لا محالة.
“أنت…”
أغلقتُ فمي. لم أستطع قول أيّ شيء.
لأن ما يريده ماسيتيكي هو دمار العالم.
“كانت عائلتي كلّ عالمي. عندما فقدتُهم، انقلب عالمي رأسًا على عقب. لا يمكنني مسامحة مَن فعل هذا بعالمي
. بالطبع، أنتِ مشمولةٌ بذلك أيضًا، شاتيريان.”
“ليس عالمكَ وحده الذي انقلب.”
مرّةً عندما مات والداي في حادثٍ وأنا صغيرة.
ومرّةً أخرى عندما استعدتُ ذكريات حياتي الماضية وشعرتُ بالفراغ.
لقد انقلب عالمي مرّتين أيضًا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 119"