يمكن اعتبار مكتبة ماركيزية كولينس بمثابة خزنة.
فقط مَن يحصل على إذنٍ من العائلة أو ربّ الأسرة يمكنه الدخول، لذا كانت أيضًا مكانًا لحفظ الوثائق المهمة للإقطاعية.
لذلك، فإن سجلّات المهاجرين منذ عامين مضوا ستكون موجودةً في المكتبة.
“تريدون التحقق من قوائم المهاجرين قبل عامين؟”
سأل ماركيز كولينس بعبارةٍ متردّدة.
“هناك تحقيقٌ يتعلّق بحادثة الوحوش الأخيرة. إذا كانت هناك أيّ تقارير منفصلةٍ عن حوادث الوحوش من ذلك الوقت، أود الاطلاع عليها أيضًا.”
بعد تفكيرٍ طويل، قدّم لنا ماركيز كولينس تصريح دخول المكتبة.
لكن تعابير وجهه كانت غير مرتاحة، وكأنه لو كان لديه عذرٌ لرفضنا بالتأكيد.
وهكذا وصلنا إلى المكتبة.
كما هو متوقع، كان هناك قسمٌ مخصّصٌ لوثائق الإقطاعية.
فتح مساعد ماركيز كولينس باب الغرفة، ودخل لبعض الوقت بينما كان يقلّب الأوراق، ثم خرج حاملًا مجموعةً كبيرةً من الملفات.
“هذه قائمة الأشخاص الذين هاجروا إلى الماركيزية قبل عامين. وهذا تقرير اجتياح في حوادث الوحوش في ذلك الوقت.”
“الكمية كبيرةٌ جدًا.”
“نعم، فقد تجاوز عدد المهاجرين إلى الماركيزية 2000 شخص.”
“الذين هاجروا إلى أراضي دوقية أستريا كانوا حوالي أربعة آلاف، أليس كذلك؟”
6 آلاف مهاجر. إذن كم عدد الذين ماتوا حينها؟
5 آلاف، أو ربما عشرات الآلاف.
أطلقتُ تنهيدةً تلقائيةً عند التفكير في هذا الرقم الذي يصعب حتى تخيّله.
بعد أن انتهى المساعد من تسليمنا الملفات، أخرجنا من الغرفة وأغلق الباب بإحكام.
كانت مواقفه الصارمة تشير إلى أنه لن يسمح لنا بالاطلاع على المزيد من الوثائق، وكانت بوادر الشك واضحةً في تصرفاته.
ضيّقتُ عينيّ بنظرةٍ ذات مغزى عندما رأيتُ موقفه الصريح الذي يقول “نحن مُشتبهون”.
لكن أليست هذه طبيعة النفس البشرية؟
كلما حاول أحدهم إخفاء شيء، زاد فضول الآخرين للكشف عنه، والعكس صحيح.
لكن ما يهمنا الآن هو العثور على شخصٍ من مسقط رأس ماسيتيكي، لذا قرّرتُ تأجيل هذا الأمر مؤقتًا.
جلسنا في مكانٍ عشوائيٍّ وقسّمنا الملفات بيننا للتحقّق منها.
بدأتُ بفحص ملفات اللاجئين أولًا.
كان التقرير فوضويًا بخطٍّ متداخل، وكأن المُحقّق لم يكترث بترتيبه، مما أثار تنهيدةً أخرى.
كنتُ أفكّرُ في الأمر كثيرًا عندما أعمل في القصر، ولكن كم سيكون رائعًا لو كان لديّ جهاز كمبيوتر في مثل هذه الأوقات؟
‘أحتاجُ إلى Ctrl+F.’
بهذه الطريقة، يمكننا إدخال اسم القرية والعثور عليه فورًا.
أو على الأقل لو كان لدينا جدول بياناتٍ مثل إكسل لتنظيم المعلومات.
“لقد فرّقوا بينهم.”
قال أورغون وهو يعبس بعد أن قضى وقتًا في مراجعة ملفات اللاجئين.
بدا المساعد منزعجًا بجانبه.
“لم يكن لدينا خيار. ظروف الإقطاعية لم تكن تسمح باستقبال جميع اللاجئين.”
كان هذا صحيحًا.
من خلال السجلات، عانت الماركيزية من جفافٍ شديدٍ أدى إلى مجاعةٍ استمرّت ثلاث سنوات.
ارتفعت الأسعار بسبب استيراد المواد الغذائية، وأصبحت الإقطاعية أكثر فقرًا.
لذا، لا بد أن قبول اللاجئين كان صعبًا للغاية في ظلّ صعوبة إدارة شؤون السكان الموجودين هناك أصلًا.
تحسّن الوضع في الإقليم فجأةً بعد ذلك، لكن اللاجئين الذين لم يتمكّنوا من التنقّل تشتّتوا بالفعل.
تصفّحتُ الوثائق بهدوء وبحثتُ عن ناجين في قرية مورت، قرية ماسيتيكي.
استغرق الأمر بعض الوقت، لكنني تمكّنتُ أخيرًا من العثور عليهما.
‘القرية هي نفسها، وهو تاجر، كما هو متوقع.’
راجعتُ وثائق طلب اللجوء وتأكّدتُ من صورة الرجل ومنزله.
‘١٣-٤، الجادة الخامسة.’
حفظتُ العنوان في ذهني ونظرتُ إلى المساعد.
“أين تقع الجادّة الخامسة من هنا؟”
“الجادّة الخامسة…؟”
عبس المساعد. بدا وكأنه لا يريد إخباري حقًا.
شرح المساعد على مضضٍ كما لو أنه لا خيار لديه.
“…إذا كانت الجادّة الخامسة، إذا غادرتِ منزل الماركيز واستدرتِ حول الساحة، فستجدينها مباشرة.”
كان أقرب مما توقعت، فأومأتُ برأسي.
مرّ وقتٌ طويلٌ بينما نفحص الملفات، لكن يبدو أننا نستطيع زيارة الجادّة الخامس قبل العشاء مع الماركيز.
قرّرنا التحقيق فورًا، وركبنا عربةً متّجهين بسرعةٍ إلى هناك.
مررنا بالطريق الطويل خارج القصر، ثم عبرنا أزقّة المدينة متّجهين إلى الداخل.
كلّما توغلنا، تغيّرت أجواء الشوارع.
قلّ عدد المارّة، وبدأت تظهر المباني القديمة المتهالكة، حتى توقّفت العربة في منطقةٍ مليئةٍ بالمباني المتداعية.
“عليكم السير من هنا.”
ترجّلنا من العربة عند سماعنا لكلمات السائق.
الجادّة الخامسة
صرير –
تمايلت اللافتة الصدئة أو المنفصلة في الريح الخفيفة.
شارعٌ مهجورٌ خالٍ من الناس. تأرجحت اللافتة القديمة فوقه، مما زاد من كآبة الشارع.
فهمتُ على الفور معنى سلوك المساعد عندما سألتُه عن موقع الجادّة الخامسة.
أحياء الفقراء موجودةٌ في كلّ إقطاعية، وهي أماكنٌ يريدون إخفاءها أو اقتلاعها، لذا كان منزعجًا من إطلاعنا عليها.
سرعان ما وجدنا المنزل رقم ١٣-٤.
كان منزلًا من الطوب على وشك الانهيار، دققتُ على الباب الخشبي المتشقّق.
“هل يوجد أحدٌ هنا؟”
لم يكن هناك أيّ صوتٍ من الداخل.
طرق.
“سيد ميلينان. جئتُ لأتحدّث إليك عن شيءٍ ما.”
كما هو متوقّع، لم يكن هناك أيّ أثرٍ للحياة في الداخل.
طرق.
“سيد ميلينان؟”
توقّفتُ عن طرق الباب في الداخل الهادئ واستدرت.
عندها.
انفتح باب المنزل المجاور بصوت صرير.
أخرج طفلٌ ذو شعرٍ بنيٍّ باهتٍ رأسه من خلال الشق في الباب المفتوح.
“إنه ليس هنا.”
بدا أنه يعرف شيئًا، لذت انحنيتُ إلى مستوى نظر الطفل، أنزلتُ ساقيّ وخصري.
“هل تعرف إلى أين ذهب؟”
“لا. لكنه قال إنه ذاهبٌ لمقابلة صديق!”
“صديق…؟”
“نعم! قال إنه صديقٌ يعرفه من حيث كان يعيش سابقًا.”
“… منذ متى توقّف عن التواجد في المنزل؟”
“همم… أعتقد أنها مرّت خمس ليالٍ، لا، ست ليالٍ!”
“حسنًا. شكرًا لك. يمكنكَ شراء شيءٍ لذيذٍ بهذا.”
ربتّتُ على رأس الطفل كما لو كنتُ أمدحه، وأعطيتُه عملةً ذهبيةً أخرجتُها من صدري.
“شكرًا لكِ!”
ابتسم الطفل بفرحٍ واختفى داخل المنزل وهو ينادي أمّه.
“حسنًا، والآن، أين أذهب لأجده …؟”
أطلقتُ تنهيدةً صغيرةً بسبب اختفاء الرجل الغامض.
كونه تاجرًا، ربما سافر مؤقتًا، لكن كلام الطفل أثار شكوكي.
إذا كان صديقه من مكان سكنه القديم، فلم يتبادر إلى ذهني سوى شخصٍ واحد، ماسيتيكي.
إذا خرج لزيارة صديقه ولم يعد منذ أيام، فأين ذهب؟
“هل نذهب إلى مركز الشرطة؟”
سألتُ مقترحة، ربما تم الإبلاغ عن اختفائه.
هزّ أورغون رأسه.
“ليس له أقاربٌ هنا، لذا من غير المحتمل أن يكون هناك بلاغ. وحتى لو كان هناك، فمن الواضح أن التحقيق لم يكن جادًّا.”
وافقتُ على كلامه. من الواضح أن معاملة الفقراء في ماركيزية كولينس سيئةٌ للغاية.
كان حديثًا كهذا ليغضب المساعد لو سمعه. لحسن الحظ أنه لم يتابعنا، قائلًا إنه مشغول.
“مع ذلك، أعتقد أنه من الأفضل الذهاب. إذا استطعنا العثور على جثّةٍ مجهولة الهوية.”
كما هو متوقع، كان أورغون يفكّر في موت ميلينان.
مع ذلك، إذا كان ميلينان قد التقى ماسيتيكي وقُتل، فإن فرص العثور على جثّته ضئيلة.
لذا، لو كان قد مات، لكان من الأفضل لو كان حادثًا عرضيًا.
بهذه الأفكار، وصلنا إلى مركز الشرطة.
هناك، سمعنا أن حوادث الاختفاء في الماركيزية أصبحت متكررة مؤخرًا.
“هناك العديد من حوادث الاختفاء؟”
“……”
بدا أن الفارس أدرك حينها فقط أنه أخطأ في كلامه، وكان مرتبكًا.
كان من الخطأ إخبار شخصٍ غريبٍ تمامًا عن الوضع في المنطقة.
هززتُ كتفي.
“لكن يمكنكَ سماع قصصٍ كهذه حتى لو ذهبتَ إلى حانةٍ في وقتٍ متأخّرٍ من الليل.”
“كم عدد المفقودين حاليًا؟”
“حوالي 30 شخصًا…”
“هل عُثر على أيٍّ من جثثهم؟”
“لم يُعثر على معظمهم… لا أستطيع إخباركِ بمزيدٍ من التفاصيل.”
أغلق الفارس فمه بسرعة، لكنني كنتُ قد حصلتُ على إجاباتٍ كافيةٍ من الجزء الأول.
بما أن هناك بالفعل 30 شخصًا مفقودين، فلا بد أن الناس يعرفون بالأمر بالفعل.
لذا، لم تكن هناك حاجةٌ لإخفاء موضوع الاختفاء نفسه.
لو كان عددهم قليلًا، لكان قد عُثر على الجثث.
لذا، من المرجح أن الجثث التي تم العثور عليها لم يكونوا على صلةٍ بحالات الاختفاء.
ما خطر ببالي عند سماع اختفاء الناس في ماركيزية كولينس أنه شيءٌ مرتبطٌ بالتأكيد بالسحر الأسود.
لا تزال لديّ أسئلةٌ كثيرة، لكن الفارس لم يبدُ راغبًا في إخباري بالمزيد.
حتى لو استفززتُه أكثر، لكان سيتجنّبني بالتأكيد قائلاً إنه يُجري تحقيقًا.
لو كانت هذه العاصمة فقط.
قبل وصول التقرير إلى مركز الشرطة، لكان قد أُرسل إلى فرسان المعبد، وكنتُ سأتمكّن من معرفة المعلومات بسرعة.
“هل يجب أن أطلب التعاون من الماركيز؟
“
سألت أورغون ونحن أغادر مركز الشرطة.
تحدث أورغون بقلقٍ طفيف.
“حسنًا… بناءً على الوضع الحالي، فُقد 30 شخصًا، لكن الوضع هادئٌ جدًا. في هذه المرحلة، أعتقد أن الماركيز نفسه متورّطٌ في الحادث.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 114"