لم يذُب بنطاله فحسب، بل كان يعاني من حروقٍ شديدة.
كنتُ أفكر في إبعاده عن مكان السم أولًا لعلاجه، لكن هذه الوحوش اللعينة رفضت إفساح المجال لنا بأيّ شكل.
يبدو أن الضجة التي حدثت أيقظت الوحوش من سباتها.
هاجمتنا الوحوش ذات الرؤية الليلية الحادة دون رحمة. قضيتُ على الوحوش التي ظلت تندفع نحونا بلا توقف.
كلّما تكدّست جثث الوحوش حولنا، زاد إنهاك قوتنا.
أصبح تنفّس إيشيد أكثر صعوبة، بدا أنه يكافح أكثر بسبب إصابته.
تابعتُ التعامل مع الوحوش بينما ألقي نظراتٍ خاطفةٍ على إيشيد.
أتمنى أن يستطيع الصمود قليلًا أكثر …
“آه!”
في تلك اللحظة، صدح صوت صرخة إيشيد.
أدرتُ رأسي بسرعةٍ نحو مكانه، ورأيتُ وحشًا حيوانيًا قد تسلّق فوقه، كاشفًا عن أنيابه الحادة.
يبدو أن ساق إيشيد المصابة لم تعد تتحمّل أيّ قوة.
بعد أن هزمتُ الوحش الذي كان يهاجمني، أسرعتُ نحو إيشيد وقطعت الوحش الذي فوقه.
لم يكن هناك وقتٌ لالتقاط الأنفاس.
حميته بينما كنتُ أتصدّى للوحوش التي تتقدّم دون توقف، دون حتى فرصةٍ لسؤاله إن كان بخير.
عندما شعرتُ أنني لم أعد أتحمّل أكثر…
تمكّنتُ أخيرًا من قتل آخر وحش.
“هاه… هاه…”
انتهى الأمر.
بالطبع، لن يمضي وقتٌ طويلٌ قبل ظهور مجموعةٍ جديدةٍ من الوحوش، لكننا حصلنا على فترةٍ قصيرةٍ للراحة.
تفحصت جروح إيشيد على الفور.
ربما تسلّل السم أكثر، لأن الجرح أصبح بشعًا لدرجةٍ لا تُحتَمل.
بدأتُ فورًا في علاج إيشيد بالقوة المقدسة.
على الرغم من أن لعنة الساحر الأسود أبطأت الشفاء، إلّا أنه تحسّن بما يكفي لعدم القلق.
تحت ضوء القمر، بدا وجه إيشيد أكثر شحوبًا.
مسحتُ العرق المتدفق على صدغه وتنهّدتُ بصوتٍ خافت.
“إيشيد، هل أنتَ بخير؟”
بدا أنه بالكاد يستطيع الكلام، فأومأ برأسه قليلًا.
“أنا بخير…”
“أنتَ بخير؟!”
كان إيشيد، الذي كذب بمجرّد أن فتح فمه، يحتاج إلى الراحة الآن.
‘ولكن ليس هنا.’
كان المنطقة المليئة بجثث الوحوش ليست مكانًا مناسبًا للاستراحة.
ولا يمكن استبعاد احتمال أن تجذب رائحة الجثث وحوشًا أخرى.
“لننتقل إلى مكانٍ آخر.”
بالطبع، قد يكون هناك وحوشٍ في أيّ مكانٍ آخر، لكن أيّ مكانٍ سيكون أفضل من هنا.
دعمتُ إيشيد، الذي كان منهكًا تمامًا.
مشيتُ في الغابة، متجنبًا رائحة الدم الكريهة والطاقة السوداء النتنة المنبعثة من جثث الوحوش المتناثرة.
أين يمكن أن نكون آمنين؟
مكانٌ مغلقٌ من جميع الجهات سيكون مثاليًا.
‘مثل كهف… كهف…’
لا يسعني إلّا أن أشتاق للكهف الذي بقيتُ فيه مع إيشيد في جبال سورون.
كان الكهف سلاحًا ذا حدين، لكنني أردتُ أن أنام براحةٍ لبعض الوقت.
بينما كنتُ أتذمّر من هذا القدر اللعين، كأنها معجزة، ظهر كهفٌ أمامنا.
لم أهتم سواء كان ترتيبًا إلهيًا أم لا.
كلّ ما فكّرتُ فيه هو البقاء على قيد الحياة، فأسرعتُ نحو المكان.
سارعتُ بوضع إيشيد وأفحصتُ داخل الكهف.
كان نظيفًا جدًا، ولم يكن عشًا للوحوش.
أدخلتُ إيشيد وسندتُه داخل الكهف.
أخرجتُ عباءةً من حقيبتي وبسطتُها على الأرض، ثم وضعتُ إيشيد عليها.
شُفيت جروحه، واحتفى السم.
لكن جسد إيشيد المنهك لم يكن قادرًا على الاحتفاظ بالقوة المقدسة التي أعطيتُها إياه.
كان الأمر عديم الجدوى مثل صبّ الماء في وعاءٍ مثقوب.
بعد التأكد من أن جسده يحتفظ بالحد الأدنى من القوة المقدسة التي ستحمي جسده من الموت، توقفت.
“شا… تيريان…”
كانت رؤية إيشيد ضبابية، فأغمض عينيه ببطءٍ ليركّز عليّ.
كان بالكاد متمسّكًا بحواسه في تلك اللحظة.
لم تكن هناك حاجةٌ لبذل كل هذا الجهد.
وضعتُ يدي على وجه إيشيد وغطيتُ عينيه.
“استرِح قليلًا. هذا المكان آمن.”
على الرغم من قولي ذلك، لم أكن متأكدة.
كان جسدي يتوسّل للنوم، لكنني قررتُ أن أبقى مستيقظةً حتى أتأكد من أن المكان آمنٌ حقًا.
كان الأمر صعبًا، لكنه لا يهم.
دائمًا ما كان إيشيد هو مَن يعاني.
لذا هذه المرّة، سأتحمل أنا المعاناة.
‘هذه المرة، سأكون أنا مَن يحميك.’
شاركتُه دفئي لمساعدته على النوم بهدوء.
***
فتح إيشيد، الذي كان نائمًا نومًا عميقًا لفترةٍ طويلة، عينيه فجأة.
مرّت ريحٌ باردةٌ على أنفه.
نهض إيشيد ببطءٍ ونظر داخل الكهف الفارغ.
كيف انتهى به المطاف هنا؟
لقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ أن غرق في نومٍ عميقٍ كهذا لدرجة أنه لم يستطع أن يستعيد وعيه بسرعة.
لكنه سرعان ما أدرك أن الشخص الذي كان يمنحه الدفء قد اختفى.
عندما أدرك أن شاتيريان غير موجودة، استجمع تركيزه بسرعة.
وقف فجأة، فشعر بدوارٍ خفيف.
لكن سلامة شاتيريان كانت أكثر أهميةً من حالته الآن.
خرج من الكهف وتجوّل بين أعشاب الغابة المبلّلة بندى الصباح.
لم يهتم بملابسه المبتلّة، واستمر في البحث عن شاتيريان بلا نهاية.
عرف في قرارة نفسه أنه يبالغ في القلق.
لكن عدم رؤيتها جعله يشعر بالخوف.
‘ماذا لو تعرّضت شاتيريان للهجوم من قِبَل الوحوش؟’
بينما كان يتجوّل في الغابة، رسم في ذهنه أسوأ السيناريوهات.
فجأة، لاحظ علامةً منحوتةً على شجرة.
يبدو أنها نُقِشت بحجر، وكانت بمثابة دليلٍ نحو الكهف. لا يمكن أن يكون مَن صنع هذه العلامة سوى شاتريان.
عاد إيشيد أدراجه نحو الكهف.
من بعيد، رأى شاتيريان واقفًا أمام الكهف وهي تتلفّت.
كانت أشعة الشمس التي ارتفعت عالياً في السماء تسطع على شاتيريان.
لم يتوقّف إيشيد عن السير نحو شاتيريان.
ثم عانقها بشدة.
على الرغم من كلّ ما حدث الليلة الماضية، كان مرتاحًا لأن لقاءه بشاتيريان لم يكن مجرّد حلم.
“إلى أين ذهبتِ…؟”
“هل فقدتَ عقلك! كيف تغادر مكانكَ وأنتَ مصاب؟”
قاطعت شاتيريان كلام إيشيد وهي تصرخ غاضبة.
بدت عيناها الخضراء أغمق من المعتاد، ممّا يدل على غضبها الشديد.
رمش إيشيد عدة مرّاتٍ وهو ينظر إلى شاتيريان التي حرّرت نفسها من حضنه وهي غاضبة.
“كنتُ أبحثُ عنكِ…”
عندما حاول الدفاع عن نفسه، عبست جبهة شاتيريان، لكنها لم تقل شيئًا، فقط ألقت عليه نظرةً مليئةً بالتوبيخ.
ابتسم إيشيد ابتسامةً خفيفة.
“يؤلمني رؤيتكِ تنظرين إليّ بهذه العيون.”
لذا، طلبها منها إيشيد ألّا تغضب كثيرًا.
تذمّرت شاتيريان، التي أبقت فمها مغلقًا للحظة، بهدوء.
“هل تعلم كم كنتُ متفاجئة؟ كنتُ سأتفقد المنطقة للحظة، لأرى إن كان هناك أيّ أثرٍ للفرسان، لكنكَ اختفيتَ في تلك الأثناء.”
“فهمت، آسفٌ لجعلكِ تقلقين… أنا سعيدٌ لأنكِ بخير.”
كان حقًا سعيدًا لأن شاتيريان كانت على قيد الحياة.
أمسك إيشيد بيد شاتيريان، التي ظلّت ممسكةً بيده طوال الليل، ووضع فيها الخاتم الذي لم يتمكّن من إعطائها إياه البارحة.
تسمّرت شاتيريان في مكانها عندما رأت الخاتم.
“ظننتُ أنني لن أجده أبدًا…”
انتشرت على وجهها ابتسامةٌ سعيدةٌ على الفور.
كان من الجميل كيف كانت قادرةً على التعبير عن مشاعرها بوضوحٍ في كلّ لحظة.
“أنتِ جميلة …”
لم يتردّد إيشيد في التعبير عن مشاعره.
كانت هذه الكلمات جديدةً عليه، لكنها جعلت قلبه ينبض بسعادة.
“هاه…؟”
أدارت شاتيريان عينيها، وتحوّل وجهها إلى اللون الوردي الخفيفكما لو كانت تشعر بالحرج.
بدت خجولة.
نظر إليها إيشيد بمحبّةٍ وسألها.
“هل وجدتِ ما كنتِ تبحثين عنه؟”
“لا…”
أطلقت شاتيريان تنهّدًا مليئًا بالقلق.
“لم أجد سوى آثار الوحوش.”
عدم وجود أيّ أثرٍ للآخرين كان أمرًا محبطًا.
كانت شاتيريان يائسةً في البحث عن أيّ علامةٍ على وجودٍ بشري. لهذا السبب تجوّلت بعيدًا وحدها.
“لكنني تركتُ علامات. استخدمتُ شعار العائلة الملكية ليتعرّفوا علينا.”
وحتى أنها وضعت تحتها رمزًا إمبراطوريًا يشير إلى الكهف.
كل ذلك ليسهّل على الفرسان العثور عليهم.
مرّت خمسة أيامٍ منذ دخول إيشيد إلى غابة هالتونيا.
عند هذه النقطة، بدا أن الوقت قد حان للقاء فريق الفرسان.
على الرغم من أن الغابة شاسعة، إلّا أن مدخلها واحد.
بالإضافة إلى العلامات التي تركتها شاتيريان، سيكون من السهل عليهم العثور عليهما.
علاوةً على ذلك، فإن طريقهم كان مرصوفًا بجثث الوحوش.
حتى
أكثر الأشخاص جهلاً يمكنهم العثور عليهم إذا اتبعوا جثث الوحوش.
“بما أن الأمر هكذا، سنستريح اليوم ونغادر غدًا…”
في تلك اللحظة…
كيونغ!
اهتزّت الأرض بضجةٍ قوية.
انتابني إحساسٌ مشؤوم.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 111"