منذ ثلاثة أيام…
بينما كان إيشيد وثالتوس يهبطان من الجبل الصخري بحثاً عن شاتيريان التي اختطفها الويفرن، التقيا بفرسان القصر الإمبراطوري.
تحوّل وجه أورغون إلى اللون الرمادي عندما سمع أن شاتيريان أُخذت بواسطة الويفرن.
“إنها على قيد الحياة. لذلك سأذهب الآن للبحث عنها.”
“تذهب للبحث؟ هل تعني أنكَ ستدخل غابة هالتونيا؟”
تصرّف إيشيد كما لو أنه لا يمانع فعل أيّ شيءٍ يستطيعه ردًا على سؤال أورغون.
بل إنه حاول الدخول إلى الغابة على الفور قائلاً إنه لا وقت لهذا الحديث.
“قائد الفرسان!”
أمسك أورغون بإيشيد. بعد ترددٍ قصير، حاول ثنيه بحزم.
“الدخول إلى غابة هالتونيا الآن خطير.”
لسببٍ ما، أصبحت الوحوش أقوى. لذا فإن دخول الغابة المليئة بالوحوش بمفرده كان أشبه بالانتحار.
“شاتيريان هناك بالداخل.”
“لا، ربما تكون تيري … قد ماتت.”
كان من الصعب عليه قول ذلك. أن يتنبأ بموت أحد أفراد عائلته بفمه.
كأن أورغون لا يريد العثور على شاتيريان.
لكنه كان خياراً لا مفر منه. ففي الوقت الحالي، وضع الخطة كان أولويةً قبل التصرّف بتهور.
بغض النظر عن أنها مسألةٌ عائلية، كان أورغون صاحب سلطةٍ لا ينبغي أن ينجرف بالمشاعر الشخصية.
“من الأفضل أن تستعيد رباطة جأشكَ، أيها القائد.”
“رباطة جأشي؟ أنا هادئٌ جداً الآن. لأنني هادئ، سأذهب للبحث عن شاتيريان.”
كان إيشيد واثقاً.
أن شاتيريان لم تمت. لذا كان عليه العثور عليها بسرعة.
قبل أن تتعرّض شاتيريان، الوحيدة في الغابة، لخطرٍ أكبر.
لم يكن هناك مَن يستطيع إيقاف إيشيد بعد أن اتّخذ قراره.
لو كان ثالتوس في حالةٍ جيدةٍ لذهب معه، لكنه لم يستطع بسبب إصابته من معركة الويفرن.
دخل إيشيد الغابة قبل أن يتمكّن أورغون من إيقافه مرّةً أخرى.
بمساعدة سحر التتبع، وصل إلى مكانٍ لم يكن فيه سوى خاتم شاتيريان ملقىً وحيداً.
وهكذا، يومًا بعد يوم، مرّت ثلاثة أيامٍ وهو يبحث عنها.
قتل العديد من الوحوش لكنه لم يعثر على مَن كان يتوق لإيجادها.
* * *
شعرتُ بعقلي الضبابي يعود تدريجياً بسبب شيءٍ ما يدغدغ وجهي.
‘هل ما زلتُ على قيد الحياة …؟’
بمجرّد أن استعدتُ وعيي، انتابني ألمٌ خفيف، ليحبط شكوكي.
بالطبع، السقوط من ذلك الارتفاع.
في الواقع، من المدهش أنني ما زلتُ حية.
أتساءل لماذا لا يمكن استخدام القوة المقدسة هذه للشفاء الذاتي.
كانت القوة المقدسة تُستخدم فقط لمساعدة الآخرين.
‘ما هي القوة المقدسة؟… ليس الأمر وكأنني سأعيش حياتي كلها للخدمة والتضحية فقط.’
عندما فتحتُ عيني بصعوبةٍ متألمة، رأيتُ روحًا تطير أمامي.
كانت نفس الروح التي ظهرت تحت الأرض قبل أيام.
بعد أن اختفت منذ لقائي مع إيشيد، عادت الآن تطير حولي كما لو أنها تحثّني على النهوض.
مزعجٌ حقاً.
لا أملك حتى الطاقة لتحريك يدي، فكيف أقف فجأة؟
في تلك اللحظة، اقتربت الروح ودغدغت خدي.
ثم انتشر دفءٌ لحظيٌ واختفى الألم فجأة.
أصبح جسدي أخف، فنظرتُ إلى الروح في حيرة.
طارت الروح في الهواء. وكأنها تطلب مني اللحاق بها، فتبعتُها بشكلٍ طبيعي.
طان المكان الذي استعدت فيه وعيي كهفاً مظلماً بالكاد يمكن تمييز أيّ شيءٍ فيه.
صدى صوت قطرات الماء، ورائحة الطحالب الرطبة.
بما أنني سقطتُ أثناء الطيران فوق غابة هالتونيا، فلا بد أنني فيها الآن.
على ما يبدو سقطتُ تحت الأرض بطريقةٍ ما.
على الأقل لا توجد وحوشٌ حولي، مما جعلني أشعر بالارتياح.
بينما تابعتُ الروح، ظهر فجأةً مذبحٌ حجريٌّ أمامي.
على المذبح الدائري، أحاطه مواقد نارٍ على الجانبين، وفي الوسط، كان هناك تابوتٌ حجريٌّ مربع.
وكأنه مكانٌ لحفظ جثة شخصٍ ما بوقار.
بدا أن غطاء التابوت قد فُتح من قبل، حيث كان مائلاً قليلاً.
أشارت الطحالب في الفجوات إلى أنه لم يُفتح مؤخراً.
بينما فحصتُ التابوت ببطء، لاحظتُ النقش الغريب على الغطاء. كان النقش الذي يشبه عين الإنسان بالتأكيد مرتبطاً بقوة السحر الأسود.
عرفتُ غريزياً.
أن صاحب هذا التابوت هو الساحر الأسود الذي قيل إنه مات منذ 300 عام.
من خلال فجوة الغطاء المفتوح، رأيتُ أن التابوت كان فارغاً من الداخل.
لقد أخذ شخصٌ ما جثة الساحر الأسود بالفعل.
مَن يمكنه دخول غابة الوحوش وسرقة جثة الساحر؟
مَن سيكون قويًّا بما يكفي لفعل ذلك؟
على الرغم من أنها لا تنطبق عليه صفة ‘قوي’، إلّا أنه كان هناك شخصٌ واحدٌ فقط قد يسرق جثة الساحر.
“ماسيتيكي…”
المشتبه به الرئيسي بين أتباع السحر الأسود الذين أعرفهم حالياً. عضضتُ شفتي عندما تذكّرتُ وجه ماسيتيكي فجأة.
إذا فحصتُ هذا المذبح الذي يبدو مخصّصاً للساحر الأسود، فقد أجد بعض الأدلة.
ومع ذلك، كانت هذه غابة وحوشٍ بكل ما تعنيه الكلمة.
قبل أن أفكّر في إحضار شخصٍ لفحص هذا المكان، تسائلتُ إن كان يمكنني الخروج من هنا بأمان.
يقال أن الحرفي الجيد لا يلوم أدواته، لكنني لستُ ذلك الحرفي.
مع ذلك، بحثتُ حولي عما قد يكون سلاحاً مفيداً، لكن لم أجد سوى الحجارة. في النهاية، هذا يعني أنه عليّ الخروج من الغابة بينما أضرب الوحوش بيدي العاريتين.
“هذا مروّعٌ حقاً…”
يمكنني الاعتماد على قوة المقدسة إلى حدٍّ ما. لكن هذا أيضاً مجرّد حظ. ليس حلّاً أكيداً. كان لديّ حدسٌ لمستقبلي.
كانت هذه نهايةً مميتةً تمامًا.
لكن هل سأجلس هنا بغباءٍ حتى يأتي أحد؟
من السذاجة الجلوس مكتوفة الأيدي في موقفٍ قد لا يأتي فيه أحدٌ لإنقاذي.
حتى أنا تفاجأتُ أنني ما زلت على قيد الحياة، فمدكيف سيكون رد فعل الآخرين؟
‘مع ذلك، ربما سيأتي إيشيد للبحث عني…’
نعم، ربما إيشيد…
ثم فجأة خطرت لي فكرة أنني بحاجةٍ للخروج من هنا بسرعة.
كان علي العودة قبل أن تصبح حياة ذلك الرجل العنيد في خطر.
إلى حضن إيشيد.
عادت الروح ترفرف مرّةً أخرى.
بدا أنها تريد أن تريني شيئاً آخر.
إحضاري إلى هنا، وإرشادي…
من الواضح أن للروح هدفٌ بالتأكيد.
لكن الطريقة الوحيدة للتواصل كانت من خلال جسدها المُحلق في الهواء.
في اللحظة التي تبعتُ فيها الروح.
تغيّر العالم بنورٍ هائل. اختفى المشهد المُظلم تحت الأرض، وفجأةً وجدتُ نفسي واقفًا في كومةٍ من الضوء الذهبيّ الساطع.
بريقٌ ذهبيّ يُشعّ في كل مكان، ومسارٌ ذهبيّ يقودني إلى الأمام.
شعورٌ دافئٌّ ومريحٌ في آنٍ واحد.
كان مسارًا غير مألوفٍ بالتأكيد، لكنني كنتُ أعرف هذا المكان.
مساحةٌ غريبةٌ جعلتني أشعر وكأن جسدي يطفو.
الوقوف في مكان شعرتُ به فقط في الأحلام كان غريباً جداً، لذا ترددتُ في المضي قدماً.
لكن مهما وقفتُ هناك، لم أجد جوابًا.
لا بد أن الروح تريد أن تُخبرني بشيءٍ في نهاية هذا الطريق.
مشيتُ في الطريق.
بعد أن تجاوزتُ الشعور الرقيق بالمشي على السحاب، وصلتُ إلى شجرة.
“شجرة العالم …”
لقد وجدتُ شجرة العالم التي كنتُ أبحث عنها.
كان الفضاء حيث توجد شجرة العالم مكاناً يتجاوز كل التصورات.
واسعٌ لكنه ضيق، بدا أنها تدعم العالم بقوّةٍ، لكنها في الوقت نفسه تبدو مهتزة.
اقتربتُ من شجرة العالم ببطء.
على الرغم من أنها بدت بعيدةً جداً، إلّا أنني استطعتُ الوصول إليها بمجرّد مد يدي، ووضعت راحتي على جذع شجرة العالم.
تدفّقت طاقة شجرة العالم إلى جسدي.
أرشدتني شجرة العالم إلى العالم. بينما كنتُ أطفو في العالم، مرّت بي أنفسٌ لا تُحصى.
الماضي، الحاضر، المستقبل.
روحي تتناسخ مراراً حتى تصل إلى الحياة الحالية، ثم تتناسخ مرّةً أخرى بعد موتي.
عجلةٌ تدور دون توقّف.
قيود شجرة العالم التي لم أستطع الفرار منها.
خيوط القدر التي لا تنقطع.
ألقيتُ نظرةً فاحصةً على واحدة من هذه الأرواح.
في عالمٍ حيث لم أستعد ذاكرتي بعد.
في ذلك العالم، كنتُ كما أعرف نفسي.
ما زلتُ وقحةً مع الآخرين، لساني حاد، وعلاقتي مع عائلتي سطحية.
لكن كان هناك اختلافٌ واحد.
لم تكن ‘شاتيريان’ في تلك الحياة تشعر بالغيرة.
وبسبب ذلك، لم تفكّر في إيذاء إيشيد، ولم تدخل السجن، ولم تُنهي حياتها فيه.
وبالطبع، لم تستيقظ روح الساحر الأسود.
لم يُستهلك السحر الاسود غوستو، ولم تنتشر الوحوش، ولم يمت الناس بسبب ذلك.
ولم يستَأ ماسيتيكي مني ومن إيشيد، ولم يشتَق إلى عائلته.
يبدو أن شجرة العالم أرادت أن تظهر أن هذا هو الجواب الصحيح.
هكذا كان يجب أن يسير العالم الأصلي.
لذا، بالنسبة لشجرة العالم، كنتُ جرثومةً وفيروساً عكًر صفو العالم.
يا له من ظلم!
كان إيشيد هو الذي أحضر روحي إلى هنا، والآلهة هي التي أعادت ذاكرتي.
لكنني الوحيدة التي يتم معاملتها كجرثومة.
في تلك اللحظة، صدح صوتٌ في الفضاء.
[لا تشعري بالظلم هكذا. أليس هذا كلّه نتيجة أفعال ماضيكِ؟]
عندما قالت الماضي، كانت تعني حياتي السابقة.
تذكّرتُ الذكريات التي مرّت بي سابقاً.
قبل موتي، كنتُ أتوسّل دائماً من أجل حياتي.
لذلك أنقذني إيشيد مخالفاً قانون العالم، وتراكمت العواقب.
[لكن إلقاء اللوم عليكِ في الحاضر على كلّ الذنب هو إجراءٌ قاسٍ جداً.]
قالت شجرة العالم وكأنها ملكٌ رحيم.
[لذا سأعطيكِ فرصةً لإصلاح كلً شيء.]
“كيف؟”
[تخلّصي من الساحر الأسود في هذا العالم تماماً وسأعطيكِ ما تريدين.]
“أتخلّص من الساحر الأسود في هذا العالم؟”
ابتسمت شجرة العالم بشكلٍ خافت.
انتشر الضوء. عدتُ من المكان الذي كنتُ فيه ووقفتُ مرّةً أخرى أم
ام شجرة العالم.
أعطتني شجرة العالم سيفاً.
سيفاً مقدّساً مصنوعاً من أحد أغصانها.
[هذا السلاح سيقتل الساحر الأسود ويعيد العالم إلى ما كان عليه.]
إعادة العالم إلى ما كان عليه…
[عالمٌ نقيٌّ بدون السحر الأسود.]
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 108"