استمتعوا 

لأغراض التبسيط، تُعرف الأراضي التي كانت تُسمى سابقًا بإقطاعية الدوق بالدوقية الكبرى، لكن في الواقع، كانت الأرض التي يحكمها إسكالانتي أوسع بكثير. ذلك لأن الإمبراطور قد ألقى بجميع أراضي الشمال المزعجة على عاتقه.

كانت تلك أماكن يفوق إدارتها المباشرة قيمتها منفعةً. مع مساحة أكبر يجب تحمل مسؤوليتها دون ربح، كان من الطبيعي أن يعاني الدوق الأكبر من صداع مستمر جراء تغطية الخسائر باستمرار.

“مرحبًا بك سموك!”

المكان الذي وصل إليه فريق الاستكشاف مع وميض من الضوء. إقليم ديراهين، الواقع في الطرف الشمالي الغربي لإمبراطورية سوبريا، كان واحدًا من تلك الأماكن. يحاذي غابة الشتاء، حيث تتدفق الوحوش سنويًا، مما يستلزم دعمًا عسكريًا وماديًا دوريًا.

“هل انتظرتم طويلاً؟“

“لا، تفضلوا بالدخول.”

استقبل الفيكونت ديراهين تاهيز باحترام بالغ. بما أن الإمبراطور قد تخلى عن هذه الأرض، كان مصير الفيكونتية يعتمد على الرجل أمامه.

“بدلاً من التأخير داخلًا، لننطلق فورًا.”

“نعم، سموك.”

بإشارة من الفيكونت، بدأت القوات المنتظرة في التحرك. تتابعت الأوامر من الرتب القائدة إلى الأدنى، مكونة موجة حركة عظيمة.

“افتحوا البوابات!”

كانت معظم قوات ديراهين من الجنود العاديين، لكن بعض الفرسان بدرعهم الصفائحي تحركوا بينهم بين حين وآخر. بسبب طبيعة الإقليم، كانت بوابة الانتقال مُركبة بالقرب من بوابات القلعة، فلم يستغرق خروج المجموعة الكبيرة وقتًا طويلاً.

من وسط الجيش، الذي أحاط بفريق الاستكشاف دائريًا، أمسكت كلوي بذراع تاهيز بخفة.

“ليس جميع من هنا سيدخلون غابة الشتاء، أليس كذلك؟“

“الخمسون المختارون فقط سيدخلون. الباقون قوات مرافقة لضمان عدم إرهاقهم قبل ذلك.”

“هذا مطمئن. من الصعب الاعتناء بأعداد كبيرة كهذه.”

نظر تاهيز إلى كلوي، التي تحدثت بطبيعية من منظور الحامي.

على الرغم من عدم اعتياده على سماع المرأة الأكثر رقة هنا تقول مثل هذا، شعر بالاطمئنان. كانت قد أنزلت غطاء رأسها، لكن رداء برج السحرة الذي يلف جسدها بدا موثوقًا للغاية.

“فريق الاستكشاف مكون من النخبة، فلا داعي للقلق. سنحرص على ألا نكون عبئًا.”

“إذن سأركز على تحديد السبب. مع مرافقة موثوقة كهذه، أنا مرتاحة.”

ابتسمت كلوي لتاهيز ونظرت بعيدًا. قالوا إن تواتر ظهور الوحوش ازداد بشكل ملحوظ، وحتى الآن، كانت هناك عدة وحوش متوسطة الحجم تخرج من غابة الشتاء لتهاجم الجنود.

‘عادةً، رؤية مجموعة كبيرة كهذه تجعلها حذرة.’

راقبت أورك الثلج يقاتل بشراسة كما لو لم ينوِ العودة إلى غابة الشتاء، ليموت في النهاية بمجد. على الرغم من أن الاستكشاف لم يبدأ رسميًا بعد، كان سلوك الوحوش واضحًا في غرابته.

“سموكم، سننسحب من هنا.”

“إذن سأراك عند عودتنا، فيكونت ديراهين.”

“نعم، سموكم. أتمنى لكم عودة آمنة.”

حوّل تاهيز نظره من النبيل المجامل إلى فريق الاستكشاف. أومأ لأعينهم الحادة المتجانسة، وبدأ يمشي أولاً.

تحرك فريق الاستكشاف عبر الجنود الذين تنحوا جانبًا دون عبور حدود غابة الشتاء.

لم تتقدم كلوي سوى خطوات قليلة بعد الحدود حتى شعرت بتدفق مانا غريب ومدت يدها.

‘إنها محظورة بالتأكيد.’

مسحت الغابة المغطاة بالثلج. الهواء المتصادم والمتقطع كان ينبعث منه برودة قارسة.

غابة الشتاء، إحدى المناطق الأربع المحظورة في القارة. وفقًا لسمعتها السيئة، لم تكن أنماط المانا التي رأتها لأول مرة خشنة فحسب، بل عنيفة، مما جعل التناغم معها غير مريح.

بهذا المستوى، كان واضحًا أن ليس فقط السحرة الرسميين، بل حتى بعض السحرة عاليي المستوى سيجدون صعوبة في التعامل مع المانا الطبيعية.

تاهيز، الذي التفت إلى كلوي التي توقفت للحظة، سأل بجدية.

“هل هناك مشكلة؟“

“لا، لنستمر.”

سحبت يدها وأجابت. عيناها البرتقاليتان، المتلألئتان كالجواهر، أدركتا تدفق المانا.

المرحلة الأولى من السحر، إدراك المانا. الثانية، التناغم مع المانا. الثالثة، التحكم بالمانا.

كانت كلوي تُعتبر في مستوى كبير في اثنتين من هذه الثلاث. كان ذلك يعني أن تناغمها وتحكمها وصل إلى حدود القدرة البشرية.

‘هذا يعني أنني أستطيع التعامل معه.’

لكن ذلك لم يكن كافيًا لإلقاء السحر دون تعويذة كالمعتاد، فتمتمت بالرون الأساسية.

[أيتها الرياح، اهدئي.]

كما لو كانت تستجيب للرنين الغريب الذي انتشر مع كلماتها، هدأت المانا التي كانت تتلفت حولها في تناغم.

أعضاء الفريق، الذين أصبح تنفسهم متعبًا في الهواء البارد والحاد، وجّهوا أنظارهم إلى الساحرة. تحدثت كلوي إليهم وهم يزفرون أنفاسًا مرتاحة، ملفوفين بنسيم ربيعي لطيف.

“الآن أفهم لماذا تُسمى غابة الشتاء. سنتحرك هكذا الآن، لذا من فضلكم تعاملوا مع الوحوش.

“نعم، أيتها الساحرة!”

أجاب رُقيب شاب بصوت مليء بالإعجاب. على الرغم من أنه لم يكن مكانه للإجابة، إذ كان الفرسان يتعاملون مع الوحوش بينما كان الرقباء مسؤولين عن الاستكشاف والمهام الأخرى.

نظرت كلوي بابتسامة وهي ترى الرجل، الذي بدا رئيسه، يوبخه بصوت منخفض، ثم التفتت إلى تاهيز.

“ما زلنا عند المدخل، لذا لا أستطيع تحديد اتجاه يبدو أنه السبب. لنتابع الرقباء ونراقب الآن.”

“نعم، كلوي. إذا لزم الأمر، يمكنكِ الراحة في أي وقت.”

شعرت الساحرة بالاطمئنان من مراعاة الدوق الأكبر، ونظرت إلى ظهور الرقباء المنتشرين على نطاق واسع. أولئك الذين خرجوا من نطاق سيطرتها تقلصوا عندما قطعتهم الريح الحادة لكن لم يكن هناك مفر. كان التحكم بجو غابة الشتاء بأكملها مستحيلاً، لذا كان الحد هو الحماية بقدر ما تراه عيناها.

“هل تعتقد أننا نستطيع الانتهاء خلال أسبوعين؟“

“علينا أن نبذل قصارى جهدنا لنحقق ذلك.”

تذكرت كلوي مغادرتها لقلعة ديراهين عند سماع صوت تاهيز الهادئ. لا بد أنهم كانوا يصدون هذا المكان لوقت طويل، ومع ذلك، كانت علامات الانهيار وآثار الموت التي لم تُعالج بالكامل واضحة. تركه لبضعة أشهر أخرى سيؤدي حتماً إلى اختراق خلال موجة الوحوش الشتوية.

‘ربما لهذا جاؤوا إلى برج السحرة.’

طلبات السحرة الكبار نادرة للغاية. ذلك لأن احتمال قبولهم لطلب ما يكون منخفضًا بشكل ملحوظ.

فوق الرتبة، كان نظام برج السحرة، الذي يوفر دعمًا إضافيًا لمواد البحث بناءً على مدى مساهمة الفرد في مخزن المعرفة، يعني أن الساحر الكبير ليس بحاجة لقبول طلبات خارجية.

في المقام الأول، لا يمكن الوصول إلى مرتبة الساحر الكبير إلا بالحصول على أطروحة رفيعة المستوى معترف بها.

باختصار، مثل هذه الطلبات نادرة جدًا، وأن يتوسط سيد برج السحرة وينقلها إليها كان أمرًا أكثر غرابة.

‘قال إنه ربطني بها لأنه بدا أنني سأحتاجها…’

فكرت كلوي في إيسريون، الذي التقت به في اليوم السابق. حتى بعد أكثر من عقد كتلميذة له، كان من الصعب استيعاب النوايا الحقيقية وراء ابتسامته اللطيفة الدائمة. مع علمها أنه شخص لن يتدخل ما لم تكن الإمبراطورية، وهي زبون كبير، على وشك الانهيار، أثارت فضولها نواياه.

بينما كانت تسير، غارقة في أفكار متشعبة، تحدث إليها تاهيز بلطف.

“كم يمكنكِ الحفاظ على هذا السحر؟“

“إذا لزم الأمر، يمكنني تحمله طوال اليوم. لكنني سأكون متعبة جدًا.”

“إذن لنهدف إلى التكيف اليوم. حتى مع التحضير، من الصعب صد الرياح بالداخل.”

“لهذا هي محظورة، أليس كذلك؟“

ألقت كلوي نظرة على رقيب تجاوز الحدود البعيدة وعاد ودماء تنزف من عينيه. بدا أن الفرسان الذين وصلوا إلى مستوى الخبراء يحملون أنفسهم إلى حد ما، لكن عدة رقباء، لم يتمكنوا من تعزيز أجسادهم بنفس القدر، بدأوا بالفعل يصابون.

لماذا يُعتبر شيئًا محظورًا؟ لماذا يحتاج ساحر بمستوى كبير لاستكشاف محظور؟

الإجابة بسيطة. البشر العاديون لا يستطيعون مواجهة الطبيعة.

حتى مجرد النظر إلى فريق الاستكشاف الملفوف بإحكام من الرأس إلى القدمين كان واضحًا. مجرد وجودهم هنا كانت الرياح تمزقهم وتجعلهم يسكبون الجرعات، لذا البقاء هنا طويلاً دون ساحر كان مستحيلاً.

“إذا كان التكيف هو الهدف، لنتحرك قليلاً أكثر ونقيم قاعدة مبكرًا. يمكننا البقاء في مكان واحد لنحو يوم.”

“سيكون ذلك أفضل. لنتحقق من مسارات تحرك الوحوش القريبة ونبدأ التحرك معًا من الغد.”

راجع تاهيز خطته في ذهنه وأشار إلى إعادة التنظيم. كان الهواء أقسى مما توقع، مما جعل نشر الرقباء صعبًا.

بدلاً من ذلك، بدا أن من الأفضل أن تقوم وحدة الرقباء بتفتيش دقيق بالقرب من كلوي وإرسال الفرسان لتأكيد مواقع واتجاهات تحرك الوحوش بشكل تقريبي.

‘من حسن الحظ أنه لا توجد وحوش كبيرة كثيرة.’

كانت هناك معارك عرضية، لكن حتى الآن، ظهرت فقط وحوش متوسطة الحجم يمكن للفرسان العاديين التعامل معها، فلم يكن بحاجة للتدخل شخصيًا.

مر تاهيز بجانب أولئك الذين يجمعون جثث الوحوش المُهزمة حديثًا في أكياس سحرية. مر الوقت بسرعة وهو يبادر لإيجاد مكان مناسب لقاعدة مؤقتة وترتيب المناطق المحيطة.

***

“سموك، الوجبة جاهزة.”

“أين كلوي؟“

“الساحرة تتفقد محيط القاعدة المؤقتة.”

عند كلمات برين، قائد الفرسان تحت إمرة إسكالانتي، أومأ تاهيز. بما أنه كان يخطط لتفقد المنطقة على أي حال، خرج من الخيمة بدلاً من أن يطلب استدعائها.

“اجمعوا الجميع للوجبة. لا حاجة لتقارير إضافية إذا تطابقت الأعداد.”

“نعم، سموك.”

ترك تاهيز برين، الذي أجاب بأدب، وذهب ليجد كلوي. بما أن القاعدة المؤقتة لم تكن كبيرة جدًا، وجدها بسرعة.

“كلوي.”

“لحظة فقط.”

كانت كلوي، التي تمسك بحجر مانا وتركز على شيء ما، قد رفعت يدها الأخرى لتوقف تاهيز. وقف إلى جانبها وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة بوجه جاد، وسرعان ما حدث اهتزاز طنين المانا.

من الدائرة السحرية التي انتشرت على الأرض، تماوج حاجز شفاف على شكل قبة، يغلف المقاصة.

   ( ( 

   („• ֊ •„) ♡ 

━━━━━━O━O━━━━━━

– تَـرجّمـة: ساتورا. 

~~~~~~

End of the chapter