0
المتطفلة على عالمٍ غريب (1)
أيّ عاقلٍ في الدنيا قد ينهار كما لو أنّ العالم قد فني، لمجرّد أنّه بدأ قصة حبّ من طرف واحد؟
ريانا كانت تدرك أنّ التجرّع من قارورة دواء، لمجرّد أنها لا تريد الاستمرار في حبٍّ بلا جدوى وتفضّل أن تُحبّ شخصًا آخر، يبدو فعلًا أقرب إلى الجنون.
لكنها همست لنفسها:
“ومع ذلك…”
الجرعة السحرية التي تجعل من أوّل من تراه بعد شربها هدفًا لعشقها الأبدي—تلك كانت حقيقة الزجاجة التي لا تستطيع أن تُزيح عنها بصرها.
“سأشربها.”
لم يأتِها ردّ. وكيف يأتي وهي تُخاطب تمثالًا في حديقة عامة، لا إنسانًا حيًّا؟
ومع ذلك جلست ريانا على العشب تحت ضوء القمر، تتخذ منه بساطًا، وأكملت كلامها بصوت خافت:
“لقد أقسمت أن لا أمنح قلبي لأحد… لكنني خسرت.”
بونغ—انفتح غطاؤها الفليني، وانبعث من كأس المهزومين عبقٌ حلو، مُسكر، يُغوي النفس.
هي تحبّ الدوق. لكنّها لم تعد تريد أن تحبّه.
لم يكن ثمّة حلّ لإنهاء هذا العشق المستحيل سوى شرب جرعة الحب.
“آن الأوان أن أحبّ شخصًا آخر.”
دون تردّد رفعت الزجاجة إلى فمها.
غُلوووب.
تدفّقت الحلاوة إلى فمها، تنفّستها أعماقها.
في تلك اللحظة، دقّ جرس ساعة الحديقة مُعلِنًا حلول منتصف الليل.
دَانغ—
وفي الوقت نفسه، خطا أحدهم على العشب. اقترب صاحب الحذاء الرجالي في صمت، ثم فتح شفتيه:
“ريانا.”
ها قد جاء. “الشخص الآخر” الخاص بي.
التفتت ببطء.
ثم التقت عيناها بمن سيكون الرجل الذي ستُحبّه من الآن فصاعدًا.
—
لم تكن ريانا، في أصلها، إنسانة تبغض الحبّ من طرف واحد إلى حدّ المرض.
إنما صار الأمر كذلك منذ أحد عشر عامًا، يوم عرفت حقيقة هذا العالم.
حتى ذلك الحين، لم تكن تدري أنها “اندمجت” داخل رواية رومانسية. ظنّت أنّها مجرّد روح أُعيد تجسيدها.
“إلى أيّ جهة تنتمين؟”
سألها الحارس وهي بعدُ طفلة في العاشرة، بشَعرٍ ورديّ. مدت له بطاقة الدعوة قائلة:
“جئتُ ممثلةً عن ميتم إفندور.”
فتح لها الطريق وتمتم:
“حظًا سعيدًا.”
وبالفعل، اليتيمة لا تدخل قصر اللورد من دون أن تحمل قدرًا من الحظ معها.
ومن السياق ذاته، أيقنت ريانا أن حياتها الثانية لم تكن اندماجًا براقًا في رواية رومانسية.
فأيّ رواية تجعل البطلة تستيقظ داخل جسد طفلة يتيمة عديمة الشأن؟
ولم يكن من كشف لها أنّها لم تعد على الأرض “وصيفةً مخلصة” أو “خادمة مربية”، بل رفاقها في الميتم.
لم تكن حياتها صراعًا في حفلات النبلاء اللامعة، بل نزاعًا يوميًا على الأسرة الضيقة في غرفة خانقة.
أما هي، فلم تفز حتى بمكان قرب النافذة. لكنّها امتلكت شيئًا آخر يُميزها.
جمالها.
“أنتِ الأجمل بين أقرانك. لذا اذهبي إلى حفل اللورد الخيري، وابحثي عن مَن يكفل الميتم.”
هكذا قال مدير الميتم وهو يدفعها دفعًا.
“أوه… ما داموا يطعموننا ويؤووننا، فلا بدّ من الطاعة.”
تمتمت ريانا وهي تتجه إلى قاعة الحفل متذمّرة.
حينها لم يكن في بالها سوى الاستمتاع بمربّى الخوخ حتى الشبع.
لكن كل شيء تبدّل لحظة أبصرت عائلة اللورد على المقاعد العليا.
هدأ عقلها، وتوقفت حياتها الثانية عن الجريان بهدوء. حتى وجنتاها اللتان كانت تضيئهما حمرة الشباب، جفّ منهما الدم.
ابن اللورد، الوارث الصغير.
ذلك الفتى الذي بدا في سنّها.
عيناه بلون العنبر الفارغ، ساكنتان إلى حدّ البرودة. شعره الفضيّ المرتّب، الذي انسدل على جبينه، بدا مألوفًا بشكل مقلق.
لكنّ العلامة المرسومة بخيط لعنة غامضة قرب عينيه كانت الفيصل.
لا يمكن أن تخطئه.
إنه بطل الويب-تون الذي قرأته قبل أن تندمج!
لقد اندمجتُ حقًّا داخل رواية رومانسية!
تفاصيل الحبكة اندفعت إلى ذهنها دفعة واحدة:
البطل الملعون… البطلة التي تفكّ لعنته… وريانا ذات الشعر الورديّ، الشريرة اليتيمة الخارجة من الميتم…
“اللعنة… هذه أنا؟”
وماذا كان مصير تلك الشريرة؟
آه، نعم. ماتت بعد أن شربت السمّ الذي قدّمه البطل بيديه.
“…!”
غُلووب. ابتلعت ريقها الجاف.
تذكّرت مشهد موت “ريانا” في الويب-تون وهي تنزف دمًا وتتلوّى… فاقشعرّ جسدها.
لقد ذقت الموت مرة، ولم يكن شيئًا أودّ اختباره ثانية!
جاء قرارها صارمًا وسريعًا:
سأهرب.
من هذه المقاطعة، من هذا “الأصل المكتوب”.
لم يكن لديها ما تتعلّق به. لا عائلة، ولا أصدقاء.
انتزعت منديلًا ضخمًا، وحوّلته إلى كيس، وملأته بالخبز والبسكويت. ثم تسللت خارج قاعة الحفل بخطوات سريعة.
في الخارج، كانت عربات فاخرة مصطفّة على مسافات متفرقة، تلمع تحت الأضواء.
أدارت ريانا عينيها الورديتين في أرجاء المكان، حتى وقع بصرها على عربةٍ إلى جوارها. كان السائس غارقًا في النوم.
“أيها العم… سامحني!”
مدّت ريانا يدها بخفة، وسرقت القبعة التي كانت تستقرّ على رُكبتي السائس النائم. ولمّا لم يكن معها ما تدفعه ثمنًا، وضعت قطعة بسكويت مكانها كتعويضٍ صبياني، ثم ولّت هاربة.
في الحقيقة، لم تكن تشبه تلك الشريرة في الرسوم كثيرًا.
” المظهر يمكن أن يتغيّر.”
لَفّت خصلات شعرها الطويلة المموجة وأخفتها تحت القبعة، فتحوّلت ملامحها إلى هيئة صبيّ صغير لا شبهة فيها. وساعدتها على ذلك تلك الأسمال البالية التي ألبسها لها مدير الميتم عمدًا لتبدو أكثر فقرًا وبؤسًا.
هكذا اكتملت الخطة: هيئة صبيّ، بعض الطعام يكفيها أيامًا قليلة… ها هي مستعدّة للهروب من النص الأصلي!
بقي السؤال: إلى أين؟
يُقال إنّ مملكة وِلسِن المجاورة تهتمّ برعاية عوام الناس.
هناك، في دور الفقراء، تستطيع أن تعيش حتى تبلغ سنّ الرشد.
وقد عقدت العزم، فبدأت تمسح بنظرات صقر عربات الحفل المركونة:
أيّها منها تعود لوِلسِن؟
كان الحفل من تنظيم الدوق بنفسه، وقد حضرته وفود من كل مكان، فلا بد أن تكون إحدى هذه العربات وجهتها هناك. لكنّ المشكلة أنها لم تستطع أن تفرّق بينها بمجرد النظر.
التقطت بعض الحصى من الأرض. ثم استقرّت خلف إحدى العربات الكبيرة، ورمت بها ظهر السائس.
“آه! ما هذا؟”
التفت السائس في ذهول، وتمتم بكلماتٍ بلغة مملكة ديارِس حيث تعيش ريانا.
ليس هذه.
انسلت بهدوء نحو أخرى.
“مَن هناك!”
ليست هي.
“أوه! ما الذي ضربني؟”
ليست هي أيضًا.
“تبًّا!”
هذه هي.
بخفةٍ اكتسبتها من سنوات العيش في الميتم وصِغَر جسدها، اندفعت ريانا كقطةٍ صغيرة، وتسللت إلى صندوق الأمتعة دون أن يلحظها أحد.
نجوت… كدت أن أُقبَض عليّ.
لم تسمح لنفسها بأن تسترخي إلا بعد أن انطلقت العربة فعلًا.
دَكّ… دَكّ…
كما توقّعت، تجاوزت العربة الحدود. وقد قررت أن تنزل حين تصل إلى مدينة مزدحمة.
هنا، عليّ أن أنزل…
لكنها لم تكن حافلة مدينة، ولا زرّ فيها للوقوف. لم يتبقَّ أمامها سوى خيار واحد.
“آااااه—!”
قفزت إلى الخارج.
وكانت النتيجة كارثية.
تدحرجت ريانا أرضًا وهي تعضّ على كتفها المتألم. تبًّا، ذراعي انخلعت!
الدموع انهمرت بلا توقف، لكنها مع ذلك زحفت متوجّعة حتى وجدت لنفسها زاوية مظلمة في سوق صاخب، واختبأت فيها.
يا لسوء الحظ! لو كان جسدي جسد الشريرة على الأقل، لكان أكثر صلابة.
رأت الدنيا تدور أمام عينيها، ثم أغمضتهما. ومع انغلاق بصرها، تضاعف سمعها، وبدأ يلتقط أصوات السوق:
“حزمة فجل بثلاثين كروت! خضروات طازجة وصلت هذا الصباح!”
“هل هذا خبز شعير؟ ألا يوجد قمح كامل؟”
“من هذه الجهة، يا زبون!”
كانت اللغة قريبة من لغتها، خَشنة الإيقاع لكنها مفهومة.
ضمّت ريانا صُرتها المليئة بالطعام إلى صدرها، وانكمشت مثل طائرٍ صغير. جسد طفلة في العاشرة… ضعيف إلى حدّ مخيف. النعاس أخذ يجرفها.
وقبل أن يغيب وعيها كليًا، سمعت آخر ما سمعت: صوتًا رقيقًا، طفوليًّا، يقول:
“يا إلهي، هل أنت بخير؟ يا أبي، فلنأخذ هذا الطفل معنا!”
وبين جفنيها المواربين، لاح لها طيف فتاة صغيرة.
ثم… ظلام.
* * *
وحين فتحت عينيها، لم تكن على الأرضية الباردة بعد الآن. بل أحاط ظهرها دفء سرير وثير.
كما لو أنها في افتتاحية إحدى الروايات الرومانسية—ذلك المشهد المألوف: “سقف غريب مزخرف”.
“هل استيقظت؟”
آه… الصوت الرقيق ذاته.
أدارت رأسها، فإذا بفتاة في مثل عمرها، متألقة الجمال، واقفة عند رأس السرير. كانت بملابسها الباذخة أشبه بدمية حيّة.
“لقد وجدناك مغشيًا عليك، فأحضرناكِ إلى قصرنا. لا تقلق، جراحك ستتعافى!”
حرّكت ريانا ذراعها بخوف. لقد شُفي بالفعل، لا بدّ أنّ أحدًا عالجها.
أخذت الفتاة تثرثر بجانبها، وريانا تكتفي بهزّ رأسها دون اكتراث. إلى أن قفز الكلام فجأة في اتجاه غريب:
“اسمعي… لقد أعجبتُ بك!”
اتسعت عينا ريانا، وقد صُدمت: أنا؟! بأيّ ذنب؟!
لكن الفتاة استدركت، ووجنتاها قد احمرّتا بخجل:
“سأطلب من والدي أن يتبناكِ. سنكون عائلة رائعة معًا!”
ريانا جحظت عيناها أكثر. ماذا تقول هذه؟!
ولم تلبث الفتاة أن أضافت:
“آه، طبعًا… إن كنت أيضًا تبادلينني الشعور. فالخطبة لا تتمّ إلا حين يكون الطرفان راضيين…”
يا للعجب! أيمكن أن تكون قد وقعت في غرامي؟!
اللعنة… هذه الملامح الملعونة!
تدفّق في ذهن ريانا تحذير داخلي: ينبغي أن تشكر هذه الطفلة على إنقاذها ثم ترحل بسرعة. من يدري؟ ربما هذا المكان وكر لتجّار الأعضاء… أو مخبأٌ للّصوص.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 0 - المتطفلة على عالمٍ غريب (1) 2025-08-25
التعليقات لهذا الفصل " 0"