5
Jojo:
الفصل الخامس
السمسار — ذاك الذي يُؤتمن على إنجاز ما يعجز الآخرون عن فعله بأنفسهم.
غير أنّ الأمور التي يتعذر على المرء مباشرتها بيده، تكون عادة من النوع الذي لا ينبغي لأحد أن يباشره أصلًا. أليست الفوضى التي أحدثتها ريانا في ذلك الزفاف خير دليل على ذلك؟
ومع أن حيازتها لبطاقة هوية مزوّرة قد أنقذتها من التورط في تلك الفضيحة، فإن تلك الحيلة لم تعد مجدية اليوم.
“يمكنني الاستمرار في عملي كسمسارة لو حصلت على هوية جديدة… لكن—”
قالت ذلك وهي تزفر بهدوء. فقد أنفقت عشرة أعوام وهي تجوب البلاد حتى حصلت على تلك الهوية السابقة، والحصول على أخرى الآن أمر مستحيل. الأنسب أن تتخلى عن الأمر مبكرًا.
ولذلك قررت هذه المرة أن تسلك طريقًا آخر.
الطريقة الأكثر شيوعًا وأمانًا في هذا العالم.
“سأجرّب أن أكون موظفة هذه المرة. أبحث عن عمل براتب خمسمئة غولد شهريًا.”
انكمش وجه القطّ في امتعاض واضح. كان له كل الحقّ في ذلك، إذ يعادل هذا الراتب تقريبًا دخل مدير كبير في شركة عملاقة في كوريا. أما هنا، فهو مبلغ لا يحلم به سوى النبلاء، لا عامة الناس.
لكن ريانا، بوجهها البريء وعينيها المغمزتين، تابعت دون خجل:
“لكن، بما أنني لا أعرف أحدًا في هذه المدينة، ولا جذور لي فيها، فالحصول على عمل لن يكون سهلًا، أليس كذلك؟”
لم يتكلف القط عناء الرد، واكتفى بالنظر إليها نظرة تُغني عن الكلام.
ومع ذلك، لم تتراجع ريانا، بل أخذت عصًا حديدية وحركت بها ما تبقى من رماد بطاقتها المشتعلة في المدفأة، وهي تتمتم بخفة:
“ليت هناك من يأتي بقائمة بأصحاب الأعمال الباحثين عن موظفين ويعرضها عليّ.”
توقفت لحظة ثم تمتمت بعبث:
“مثل موقع ‘سارام-إن’ أو ‘ألبا-تشونغوك’ مثلًا… لا شيء هنا سوى متاجر الفاكهة والمطاعم البائسة.”
ثم رفعت رأسها وسألت بجدّ مصطنع:
“يا ترى، هل يوجد أحد اسمه الأول ‘جوب’ ولقبه ‘كوريا’ يا قطّي؟”
أدار القطّ رأسه إليها بتعب:
“من يكون ذلك؟ ثم إن عرفته، فكيف أشرحه لك؟ أنتِ الإنسانة هنا، وليس أنا.”
ضحكت ريانا بخفة وهي تردّ:
“لكنّك أذكى من أي أحد آخر في محيطي.”
“ومَن غيري في محيطك أصلًا؟”
“هممم… معك حقّ.”
ما إن قالت ذلك حتى انقضّت نحوه محاولةً، للمرة الألف، أن تمسك بكفّه اللطيفة الصغيرة. لكن القطّ قفز بخفة مذهلة ونجا من قبضتها.
“تصبحين على خير، ريانا.”
تمطّى القطّ، ثم قفز فوق الأثاث العالي حيث لا تطاله يدها، وأغمض عينيه بطمأنينة.
ابتسمت له ريانا وهي تهمس بلطف مماثل:
“وأنت أيضًا… تصبح على خير.”
—
في صباح اليوم التالي، خرجت ريانا إلى شارع الحادي عشر، عاقدة العزم على استكشاف ماهية هذه القصة الجديدة التي وجدت نفسها داخلها.
لكن حصيلة بحثها كانت مخيبة.
“ما هذا المكان فعلًا؟”
لم تجد أثرًا لأي حبكة أو خيطٍ روائي يدلها على نوع القصة، وكل ما رأته لافتات مكتوب عليها “مكتب المحاسب رومي كيوب”، وأسماء محلات غريبة كهذه.
لم تستطع أن تحدد طبيعة هذا العالم من ذوق الكاتب في الأسماء فحسب.
“هل عليّ أن أواصل البحث؟ ما رأيك— آه.”
توقفت فجأة حين أدركت أن القط لم يكن معها اليوم أيضًا.
كالعادة، اختفى منذ الصباح من غير كلمة، كما يفعل دائمًا. لكنها لم تقلق، فقد كان ذلك الكائن الغامض يعرف كيف يعود في الوقت المناسب.
ما يهم الآن هو أمران فقط: معرفة أصل هذه القصة… والعثور على عمل.
كانت تفكر في ذلك حين دخلت ساحة المدينة، وهناك لفت نظرها إعلان كبير على لوحة الإعلانات العامة.
“دعوة للمشاركة في مزاد جزيرة ’سبِس‘ — الفردوس الصغير على الساحل الشرقي!
إن كنت تحلم بحياة هادئة وسط أرض خصبة صالحة للزراعة، فانضم إلى مزاد اللورد غيلون في الأول من ديسمبر!
يُشمل في البيع بيت صيفي، والسفينة تباع منفصلة.”
كانت المنشورات تشير إلى موعد المزاد بعد نحو شهرين.
رمقت ريانا ما حولها، ثم اقتربت بخفة وسحبت الورقة من اللوحة، ولفّتها بعناية وأخفتها في صدرها.
لم تفعل ذلك لأنها بحاجة إلى المنشور، بل لأن محتواه كان محفورًا في ذاكرتها أصلاً—حتى تفاصيل تضاريس الجزيرة المرسومة على الملصق كانت قادرة على استرجاعها عن ظهر قلب.
لكن…
“ليس سيئًا أن يقلّ عدد المنافسين.”
ما إن خطرت لها تلك الفكرة حتى شعرت بحرقة صغيرة في صدرها. فالقدر الأكبر من المال الذي جمعته بشق الأنفس من أجل شراء جزيرة سبِس كان قد تلاشى في مشروع ترميم الآثار. غصّ حلقها وهي تتذكّر ذلك، وامتلأت عيناها بالدموع دون إرادة منها.
خشية أن يلاحظ أحد ضعفها، ضمّت ياقة معطفها بإحكام وأطلقت زفرة طويلة، ثم تابعت سيرها.
غير أن فكرة لامعة ضربت ذهنها فجأة قبل أن تغادر المنطقة التي تتوسطها لوحة الإعلانات.
“أظنني أستطيع جعلهم يجلبون إليّ قوائم الوظائف بأنفسهم.”
تألقت عيناها وهي تحدّق في اللوحة المزدحمة بالملصقات والإعلانات.
حتى من دون أن تعرف القصة الأصلية التي سقطت فيها هذه المرة، بدا لها أنها وجدت طريقها إلى وظيفة.
“نعم… يمكنني ببساطة أن أُعلنها بطريقة تجعل الناس هم من يسعون إليّ!”
ومن دون تردّد، اتجهت إلى مكتبة قريبة واشترت الورق والحبر والأقلام. كانت عازمة على صنع إعلان لا يستطيع أحد من سكان المدينة تجاهله أو المرور به مرور الكرام.
أما القط، الذي لا يقتصر تميّزه على كونه يتحدث بل ويملك حدسًا عجيبًا في معرفة مكان ريانا دائمًا، فقد وجدها هذه المرة في مكانٍ لم يكن نُزلًا كما اعتاد.
رفع رأسه متسائلًا وهو يدخل عبر النافذة:
“ما هذا المكان؟”
كان الطابق الثاني من مبنى على زاوية شارع الحادي عشر — مساحة مربّعة خالية من الأثاث، تعجّ بالفوضى.
لكنها لم تكن خالية تمامًا: أوراق متناثرة في كل اتجاه، بقع من الحبر تغطي الأرض، ووسطها ريانا، ممسكة بقلم وتكتب بحماس.
“ما… الذي يجري هنا؟”
رفعت رأسها ببهجة وقالت،
“آه، أتيتَ أخيرًا!”
ثم عادت تشرح بسرعة بينما عيناها لا تفارقان الأوراق:
“استأجرت مكتبًا صغيرًا. ما أعمل عليه الآن هو منشور دعائي للمشروع الجديد. احذر أن تدوس على الأوراق، لم يجفّ الحبر بعد.”
“منشور دعائي؟ لأي مشروع هذه المرة؟”
توقفت ريانا عن الكتابة، رفعت القلم، ثم التفتت إليه بعينين تلمعان بالعزم وكأنها على وشك إعلان ولادة إمبراطورية:
“لمشروعي!”
مشروع!
ومتى بدأ مشروع لريانا ولم يكن كارثيًا أو على الأقل… مدهشًا؟
كانت واثقة إلى حد أنها أنفقت قسطًا ضخمًا مما تبقّى من مالها على استئجار هذا المكان.
ارتسمت على وجه القطّ الصغير ملامح قلق صادق.
“ما الذي تنوين فعله هذه المرة…؟”
لكن ريانا لم تتفضل بتوضيح شيء، ولم يطل به الوقت حتى عرف الجواب بنفسه—
فما فعلته جعل العاصمة كلها تضجّ باسمها في غضون يومين.
—
“هل رأيتم ذلك المنشور الغريب المنتشر في كل مكان؟”
سأل أحد السادة بينما يجلس مع أصدقائه على شرفة مقهى أنيق في شارع الحادي عشر، يتناولون إفطارهم المتأخر.
أجابه رجل كان ينفث دخان سيجارته بتكاسل:
“تقصد ذاك المنشور الذي يتحدث عنه الجميع؟ لا، لم أره بنفسي. سمعت أنهم نزعوه من كل اللوحات.”
تدخّل آخر قائلاً:
“وأنا أيضًا لم أره إلا في الحديث. يبدو أنه أثار ضجة كبيرة.”
عندها رفع شاب في الطاولة يده بحماس:
“تصادف أنني حصلت على نسخة بصعوبة، هل ترغبون في رؤيتها؟”
تجمّع الرجال حول الورقة باهتمام، فقد صار الموضوع حديث المدينة. نشرها الشاب على الطاولة بكل فخر، فقرأوا:
> “اختيار مجلة فوسب رقم واحد!
أفضل وكالة توظيف في القارة!
للاستفسار، زوروا الطابق الثاني من المبنى رقم 18B، شارع الحادي عشر — وكالة السيدة ميداس للتوظيف!”
أطلق أحدهم صفير إعجاب.
“هوه، هذا هو المنشور المشهور إذن…”
وقال آخر مبتسمًا:
“مذهل، لا بد أن صاحبه عبقري في التسويق.”
وبينما كانوا يناقشون المنشور بحماس، مرت خلفهم امرأة بشَعرٍ وردي اللون، تخفي ابتسامة راضية خلف مروحتها وهي تمشي بخطوات هادئة.
كانت تلك هي ريانا نفسها، صانعة الضجة.
“كما توقعت… المنشور نجح نجاحًا باهرًا.”
تمتمت في سرّها بسعادة.
صحيح أنها لم تكتشف بعد طبيعة العالم القصصي الذي سقطت فيه، لكنّها تمكنت من استغلال إحدى قواعده الأساسية بذكاء.
هارلي غارلي، آشلي كينغز، مونوپولي، جينغا…
أسماء الشخصيات والأماكن هنا كلها تحمل معنى يطابق طبيعتها تمامًا.
“إذًا، هذا عالم من نوع الكاركتونيم… عالمٌ تتجسّد فيه الأسماء!”
بعبارة أخرى، إذا استخدمت بضعة أسماء مأخوذة من الأرض — أسماء ذات وقع قوي ومعنى واضح — يمكنها أن تصنع لنفسها سمعة لامعة في لمح البصر.
الآن، سيبدأ الناس في إرسال طلباتهم إلى “وكالة السيدة ميداس”، وكل من يبحث عن موظف سيتواصل معها.
وما إن تجمع تلك القوائم وتُنظمها…
ابتسمت بانتصار وهي ترفع مروحتها قليلًا عن شفتيها.
“هاه، ومن يحتاج إلى جوب كوريا بعد الآن؟”
مهما أطالت النظر، لم تكن لتجد في تلك الورقة الدعائية شيئًا يُصدر موجاتٍ كهربائية أو ضوءًا أزرق — وذلك وحده جعلها تشعر بالرضا، وكأنها اختارت الطريق الأقل ضررًا.
ربما عليّ أن أرى كيف يتفاعل الناس في أماكن أخرى أيضًا؟
وكما توقّعت تمامًا، كان مقهى الشارع المجاور يغلي بالحديث عن “وكالة ميداس للتوظيف”.
“يا للعجب! أن تُصنَّف كأفضل وكالة من قبل مجلة فوسب، أليس هذا مدهشًا؟”
“ممم… لا أريد أن أبدو جاهلة، لكن… ما هي فوسب بالضبط؟”
“إن كانت قد منحت وكالة ميداس الشهيرة لقب الأفضل، فلا بد أنها مجلة موثوقة للغاية!”
“حقًا! هذا يفسر كل شيء!”
وهكذا، وبدون أن تكون “فوسب” موجودة أصلًا في هذا العالم، تحوّلت إلى كيان حقيقي في أذهان الناس — ومعها ارتفع اسم “السيدة ميداس” إلى مصاف الأساطير.
لم يمضِ سوى ثلاثة أيام على توزيع المنشورات، حتى غصّ مكتبها في شارع الحادي عشر بأكوامٍ من الطرود والرسائل القادمة من كل صوب.
—
وفي تلك الأثناء، عند أطراف العاصمة — خلف أسوار قلعةٍ شاهقة تحيط بقصر فخم كأنها درع من الحجر — تصاعدت أصواتُ فوضى غريبة.
“انتظروا! أرجوكم، فقط اسمحوا لي بمقابلته ولو للحظة واحدة!”
كانت امرأة ترتدي زيّ الخدم تُسحب بعنف من ذراعيها، تصرخ والدموع تغمر وجهها.
“أحبّه! بحق السماء، أنا أحبّ الدوق!”
“تسك تسك… لقد جنّت تمامًا.”
قال أحد الحراس وهو يراقب المشهد بشفقةٍ باردة.
وحين أُغلِق الباب الضخم خلفها، أخذ الخدم الواقفون على مقربة يتبادلون النظرات.
“واحدة أخرى؟”
“كم وصل عددهن الآن؟”
“عدّ عدد الوصيفات اللواتي خَدَمنَ الدوق ليلًا، وستعرف العدد بالضبط.”
كان ذلك صحيحًا تمامًا — كل خادمة كُلِّفت بمرافقة الدوق في لياليه الطويلة انتهى بها الأمر بالطريقة نفسها: مطرودة، باكية، نصف مجنونة.
“ما الذي يجري في البرج الشرقي كل ليلة؟”
“هل تظن أن هناك حدثًا يحدث؟ أراهن أنها وقعت في غرامه لا أكثر.”
في تلك اللحظة، انفتح باب مكتب الدوق ببطء، وساد الصمت في الممر.
خطواتٌ رصينة، واضحة الإيقاع، تبعتها هالة من الهدوء الحادّ، كأن الهواء نفسه انكمش احترامًا.
رفع الجميع رؤوسهم — فقد ظهر الرجل الذي كانت تدور حوله كل تلك الفوضى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"