4
Jojo:
الفصل الرابع
“لـ، لا… ما هذا الهراء؟!”
همس العريس بصوتٍ مبحوح، بينما تجمّدت القاعة على وقع تلك الفضيحة التي دوّت كالرعد.
“كاذب.”
قالتها المرأة بابتسامةٍ تلمع فوق دموعها، وكأنها تختم المشهد بخطٍّ أخير من سخريةٍ مأساوية.
ثم مدّت يدها إلى حقيبتها وأخرجت منها زجاجة صغيرة غريبة الشكل، فيها سائلٌ أخضر يلمع بلزوجةٍ مشبوهة.
“قلتُ إنني جئت لأبارككم، أليس كذلك؟ صحيح أن الماركيز عاجز، لكن هذه ماء الحياة! إنه يعيد الحيوية لِـ… ذلك الصغير النائم!”
كان من الواضح أن الزجاجة أقرب إلى وصفات المشعوذين أو طبّ العجائز منها إلى أي علاجٍ طبي.
انعقد وجه العروس اشمئزازًا وهي تهمس:
“إذن كنتَ حقًا عاجزًا؟”
الخيانة أمر يمكن غفرانه إن توافرت المصلحة،
أما العجز… فلا.
رمَت العروس باقة الزهور أرضًا بعنف، ورفعت تنورتها بيدين حرتين لأول مرة ذلك اليوم.
الضوء انكسر على حذائها المرصّع بالألماس، يتلألأ كحدّ سكين.
“اذهب إلى الجحيم، أيها العاجز الحقير!”
وانطلقت قدمها بكل ما أوتيت من غضب نحو أسفل جسده.
“آااخ!”
صرخةً خرجت من أعماق روحه أكثر منها من حلقه، وسقط العريس أرضًا يتلوّى، بينما المرأة الغريبة تحدّق فيه من علٍ بابتسامةٍ ملتوية، تمتمت بشيءٍ لم يسمعه أحد…
لكنّ شفتيها قالتا بوضوحٍ كافٍ له وحده:
“مت… لست عاجزًا اليوم… لكنك ستكون غدًا.”
انفجر صوته من جديد، هذه المرة بالهستيريا:
“أمسكوها! أمسِكوا تلك المجنونة فورًا!”
لكن قبل أن يقترب أحدٌ منها، كانت المرأة قد التقطت حقيبتها وزجاجة “ماء الحياة”، وأطلقت ساقيها للريح.
تحطّم!
قفزت من خلال نافذة الزجاج الملوّن، شظايا الضوء تتناثر حولها كأزهارٍ نارية.
صرخ العريس بصوتٍ مبحوحٍ يائس:
“على الأقل… اتركي ماء الحياة هناااااا!”
***
“واااه… هذه المرة بالكاد نجوت.”
كانت صاحبة الشعر الأسود —ريانا، بطلة حفلات الفوضى— تلهث وهي تختبئ بين أزقة المدينة الخلفية.
(لابد أن الزبونة كانت تراقب من بعيد… أتمنى فقط أن تُضاعف الأجر بعد هذا الأداء الملحمي.)
جلست على الأرض، أزاحت عن رأسها الباروكة السوداء الثقيلة، فانهمرت خصلات شعرها الوردي المتموّج بحريةٍ على كتفيها.
نزعت نظارتها السميكة، ومسحت الشامة المزيفة عن أنفها، ثم خلعت المريلة والياقة المزيّفة التي كانت تكمل تنكّرها.
اختفت المرأة الهستيرية تمامًا، وحلّت محلّها شابة أنيقة ترتدي فستانًا أسود بسيطًا، وملامحها عادت إلى هدوئها المعتاد.
بقي شيءٌ واحد فقط.
أخرجت من حقيبتها قبعة بيريه حمراء صغيرة، وضعتها على رأسها باعتزازٍ طفولي.
(كانت القبعة مجرد أداة لتشتيت الانتباه… حتى تُركز العروس على فكرة الطفل لا غير.)
شكراً لكِ، أيتها “الشريرة الصديقة” التي ساعدتني من غير قصد.
والآن، بعد أن انتهى العرض… حان وقت الحساب.
قالت ريانا بصوتٍ منخفضٍ نحو الظلال التي تمتد في عمق الزقاق:
“هل أحضرت المال؟”
جاء الرد من العتمة، هادئًا وواثقًا:
“نعم.”
وطار من بين الظلال ظرفٌ بنّي اللون، حطّ أمام قدميها.
ثم انبثقت من الظلام عينان صفراوان تلمعان كالذهب تحت أشعة الشمس المتسللة بين الجدران.
تقدّمت بخفةٍ مخلوقٌ صغير، جسده مغطّى بفروٍ أبيض ناصع يعكس الضوء،
وعندما خرج بالكامل إلى النهار، تبين أنه… قط.
كان ذيله منتفخًا غضبًا وهو يتمتم ببرود:
“كان المبلغ ضعف ما اتفقنا عليه.”
صوته يحمل نبرة ضجرٍ واضحة، كأنه تذمّر من ثقل الظرف.
ضحكت ريانا وربّتت على ظهر مساعدها الوفي.
“شكرًا لأنك أحضرت المال بنفسك. أوه… يا للعجب، لقد دفعت أكثر مما توقعت فعلاً.”
فتحت الظرف بفضول، وعيناها لمعتا إعجابًا بما رأت.
(الزبونة راضية بالتأكيد… ربما أكثر مما ظننت.)
وبينما كانت تقلب الأوراق وتعدّها في ذهنها، لمعت فكرةٌ مفاجئة في رأسها.
(انتظر لحظة… هذا يعني أنني جمعت كل المبلغ أخيرًا؟)
حدّقت في السماء الزرقاء التي تلوح خلف الأبنية العالية، وشفتاها ترتسمان في ابتسامةٍ متّقدة بالأمل.
(نعم… أستطيع أخيرًا أن أشتري الجزيرة!)
رفعت الظرف إلى شفتيها وقبّلته بحماسٍ طفولي.
“أخيرًا…”
همست بصوتٍ مرتجفٍ بين الفرح والتعب،
“أخيرًا سأتحرر. آن الأوان لأن أهرب من هذه القصة اللعينة!”
…لكنّ الحياة —كما هي عادتها— لم تسر يومًا كما تشتهي النفس.
“مطلوبة: مجهولة الهوية، يُقدّر عمرها في أوائل العشرينات، أنثى.”
في صباح اليوم التالي، كانت ريانا تحدّق بصمتٍ في المنشورات المعلقة على جدران المدينة.
ثم تنهدت وقالت بهدوءٍ مستسلم:
“يبدو أنّ عليّ مغادرة هذه المدينة.”
منذ اللحظة التي وقعت فيها عيناها على الرسم التخطيطي المرفق —وجهٌ غريب يحمل شعراً مستعاراً أسود كخيوط تشاباغيتي وشامةً ضخمة على الأنف— تدهورت حالتها المزاجية فجأة.
قال القط الصغير بين ذراعيها بنبرةٍ توبيخ خفيفة:
“ألم أقل لك ألاّ تكسرِي النافذة؟”
“ومن كان يدري أن الكنيسة قطعة أثرية عمرها خمس مئة عام!”
كانت التهمة المسجّلة تحت صورتها: تخريب أثر تاريخي.
“على كل حال، كنت أنوي الرحيل. جمعت المال أخيرًا، ولا يليق بي أن أتسوّق لشراء جزيرة أحلامي في هذه القرية النائية.”
وفي تلك الليلة، أُفرغ مكتب “السمسارة” كما لو تبخّر في الهواء.
حملت ريانا في يدها رزم النقود، وفي اليد الأخرى قطّها، وغادرت تحت جنح الظلام — متجهة إلى العاصمة، المكان الذي لا ينافسه زمانٌ ولا مكان في متعة التسوّق.
استغرقت الرحلة بالعربة ثلاثة أيام.
وعندما وصلت، رفعت رأسها تتأمل العاصمة بعينٍ تفيض دهشة.
كانت الشوارع تعجّ بالمباني المتلاصقة، وأفق الغروب يشتعل خلف الأسقف الشاهقة للقصر الملكي.
“حسنًا… فلنرَ أي حكايةٍ تنتظرني هنا هذه المرة.”
قالتها وكأنها تمزح، لكن في أعماقها لم ترغب أن تكون أي حكاية.
لقد سئمت القصص، وتاقت إلى مكانٍ يخلو من السرد، من القدر، من النصوص التي تكتب نفسها دون إذنٍ منها.
عيناها التقطتا لوحةً حمراء ترتفع عاليًا في الهواء، عليها سهم يشير نحو شارع جانبي كُتب عليه:
الطريق رقم 11.
“همم، يبدو مكانًا تُقدَّم فيه خصومات مجزية.”
ومضت بخطى خفيفة، لا تتردد لحظة.
كانت المدينة تضجّ بالحياة رغم اقتراب المغيب.
الناس يتنقّلون، الضحكات تتعالى، والهواء مفعم برائحة الخبز الطازج والفواكه الناضجة.
تجوّلت ريانا بين المحال، تنظر إلى كل شيء بعينٍ مندهشة وابتسامةٍ شبه خفية.
توقفت عند متجر فواكه، وقد شدّ انتباهها صفّ من الفراولة الحمراء اللامعة، مرتّبة بعناية كأنها جوهرات.
مدّت يدها دون وعي، لكن ضربةً حادّة على ظهر كفّها أوقفتها.
“هيه! قلت لا تلمسي إن لم تنوي الشراء!”
كان الألم حادًا لدرجة أن عينيها امتلأتا بالدموع.
قالت وهي تفرك يدها:
“مَن أنتِ بحق السماء؟…”
ردّت امرأة نحيلة في منتصف العمر بصوتٍ حادٍّ كالسوط:
“أنا؟ صاحبة هذا المتجر طبعًا! هولي غرلِدجي!”
“ماذا…؟!”
نظرت ريانا ثانية إلى الرفّ، حيث كانت الفواكه تُباع في مجموعاتٍ من خمس قطع.
الاسم… الألم… الفاكهة…
كل شيء بدا مألوفًا بشكلٍ مزعج.
تسعت عيناها فجأة، وبدأت تفاصيل المكان تتدفّق في ذهنها كوميضٍ خاطف:
اللافتة المقابلة على الجهة الأخرى من الشارع:
“مطعم آشلي كينغز”،
وقائمة الطعام الطويلة أسفله — ما يقارب مئتي صنف!
وعلى يسار متجر الفواكه، كشك صحف.
العنوان العريض على الصفحة الأولى:
“النبيل الثري بارون مونوبولي يُعلن تحالفه مع شركة البناء جينغا…”
أغمضت ريانا عينيها، ثم ابتسمت ابتسامةً هادئة، مزيج من سخرية واستسلام.
“نعم… لا مفاجأة. إنها قصة أخرى.”
***
مهما سافرت، كانت القصص تسبقها.
العوالم كلها —بشكلٍ ما— لا تتوقف عن إعادة إنتاج الدراما.
لكن ريانا حاولت أن ترى في الأمر جانبًا إيجابيًا هذه المرة.
(ربما يكون هذا في صالحي… سأجمع المال أسرع.)
تحسّست كيس نقودها.
كان يومًا ما ممتلئًا وثقيلًا، والآن بالكاد يحمل وزنه.
سألها القط وهو يتكور قرب الموقد، صوت النار يتطاير شررًا حوله:
“هل أنتِ نادمة؟”
كانت تنظر عبر النافذة إلى شوارع العاصمة المضيئة حين التفتت نحوه وقالت:
“على ماذا؟ على التبرع بنصف ما جمعته لإصلاح الأثر؟”
“كان مالًا جمعته بشقّ الأنفس.”
رفعت كتفيها بلا مبالاة.
“لقد تسببتُ بالضرر، ومن الطبيعي أن أتحمّل المسؤولية. لن أُسلّم نفسي طبعًا، لكن التبرع المجهول أقل ما يمكن فعله.”
هزّ القط ذيله وقال بتهكّم:
“منذ متى أصبحتِ صاحبة ضمير؟”
ضحكت وهي تردّ بخفة:
“ضربة موفقة… مؤلمة، لكن موفقة.”
نعم، كانت تعرف نفسها جيدًا.
ريانا من النوع الذي يمكنه أن يبيع ضميره طالما أن السعر مناسب.
ولهذا لم تجد غرابة في اقتحامها زفافًا وتحويله إلى عرضٍ فوضويّ كامل.
لكنها لم تقل كل شيء.
كتمت السر في صدرها وهمست في ذهنها:
(ماذا يفهم قطٌ مثلك عن حسّ الأخلاق عند إنسانٍ من القرن الحادي والعشرين؟)
إفساد زيجة زائفين؟ لا بأس.
لكن تخريب أثرٍ تاريخي؟ ذلك ما لا يُغتفر.
العيش كـ”روحٍ حالّة” في هذا العالم له مزاياه، نعم، لكنه يحمل قيودًا ثقيلة أيضًا.
كان بإمكانها أن تربح ثروةً طائلة لو قررت القفز إلى القتل المأجور أو صفقات الدم، لكنها لم تستطع.
قيَمها القديمة كانت كالسلاسل حول عنقها — مزعجة، لكنها تمنعها من السقوط التام.
والنتيجة؟ تعثّر خطة “جزيرة الأحلام”.
ومع ذلك، لم تكن حزينة كما ظنّ القط.
“لا تقلق، سأعوّض الخسارة خلال شهرين على الأكثر.”
“وبأي وسيلة؟”
ابتسمت بثقةٍ مطمئنة:
“لا أعلم بعد. لكنني سأجد الطريقة.”
لم تكن مجرد ثقةٍ فارغة.
فأن تكون حالّة من عالمٍ آخر يعني أن لديك امتيازاتٍ لا تُحصى.
هل وُجد يومًا روحٌ فقيرة؟
في العوالم التي تتشابك بين الواقع والخيال، المعرفة تساوي الذهب.
في عالمٍ آخر، يسمّون ذلك “تداول المعلومات الداخلية” — جريمة خطيرة لأنها ببساطة سحر تحويل المعرفة إلى ثروة.
والحالّة، مثلها مثل المحتال العبقري، لا تحتاج سوى إلى أن تفتح عينيها.
(أمرٌ سهل… كتناول العلكة.)
ابتسمت ريانا بخفة وهي تلقي شيئًا في النار.
اشتعل اللهب فجأة، والتهم الورق حتى التفّ على نفسه واسودّ كالفحم.
سألها القط بعد أن شمّ رائحة الحرق:
“بطاقتك المزيفة؟”
أومأت.
“كانت تلك التي أستخدمها في عملي كسمسارة. يجب أن تختفي الآن.”
“صحيح… إذا تابعوا التحقيق في قضية تخريب الأثر، فسيكشفون هوية السمسارة عاجلاً أم آجلاً.”
ضحكت ريانا بخفوت، وهي تراقب نيران الورقة تتلاشى.
القط، الذي عاش معها عامًا كاملًا، بات يقرأ المواقف بذكاءٍ ملحوظ — ليس غريبًا على مخلوقٍ يتكلّم لغة البشر.
مدّت يدها تمسح ظهره بحنانٍ عابر وقالت:
“نعم… من الآن فصاعدًا، سأعيش بصفتي ريانا فقط.”
“أي أنكِ ستتخلين عن حياة السمسارة؟”
ابتسمت، والوهج الذهبي من الموقد يرقص في عينيها.
القط —كما العادة— أصاب كبد الحقيقة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 منذ 4 ساعات
- 3 منذ 4 ساعات
- 2 منذ 4 ساعات
- 0 - المتطفلة على عالمٍ غريب (1) 2025-08-25
التعليقات لهذا الفصل " 4"