3
Jojo:
الفصل الثالث
في اليوم التالي، ساعدها ذلك الرجل بكل طيبة على الخروج من الغابة.
قالت له ريانا بهدوءٍ فيه رجاء:
“أريد أن أعود إلى ميتم إفندور في مملكة ديارِس، حيث كنت أعيش من قبل.”
فوافق دون تردد، بل وساعدها على تدبير الطريق أيضًا.
قال عند الوداع، صوته يغوص في حنينٍ ثقيل:
“إن تذكّرتِ أي شيء… تعالي إليّ. لا بدّ أن تفعلِي.”
كان تعلقه مثيراً للشفقة حقًا.
(يقتل من ينتحل شخصيتها، ثم يتوسل لي أن أكون تلك المنتحلة…؟)
كم هو منافق بلا ضمير! يطلب منها أن تكذب، وكأنه يناشدها أن تفعل.
هزّت ريانا رأسها وهي تتذكر ذلك الخالد ذو الشعر الأحمر الذي قابلته في الغابة، ثم عبرت عتبة الميتم بخطواتٍ حذرة.
“ها قد عدتِ في النهاية.”
استقبلتها رئيسة الميتم بنظرةٍ جامدة.
هناك مثلٌ قديم يقول: حتى الشيطان الذي تعرفه، خير من الشيطان الذي لا تعرفه.
(ما دمت عالقة في الجحيم، فليكن الجحيم الذي اعتدت عليه على الأقل.)
الأهم من ذلك أن القصة الحقيقية لهذا العالم لم تبدأ بعد، أي أن هذه الفترة كانت –بالمقارنة– الأكثر أمانًا في حياتها كلها.
“آه، يا لي من حمقاء…”
وبهذا انتهت مغامرة هروب ريانا بعد ثلاثة أيامٍ فقط.
لكن خلال تلك الأيام الثلاثة القصيرة، اكتشفت ما هي طبيعة هذا العالم الذي تجسدت فيه. ومنذ تلك اللحظة، وضعت لنفسها هدفًا واحدًا لا رجعة فيه: لن تموت شريرةً أبدًا.
ولهذا كانت تنفر من الحب كما لو كان مرضًا مميتًا.
فغالبًا ما يكون موت “الشريرة” في القصص نابعًا من عشقٍ ميؤوسٍ منه لبطل الرواية.
***
بعد أحد عشر عامًا —
في مدينةٍ تقع على أبعد نقطةٍ ممكنة عن إقليم دوقية فيلوسي، حيث يقع الميتم القديم.
وقفت ريانا أمام نافذة مكتبها، تتأمل أفق مدينة بيونغيونغ النائية، حين غمرها إحساسٌ غامض بالحنين.
(هل بلغت الآن السنّ التي كنت فيها في حياتي السابقة؟)
حدقت في انعكاس وجهها على زجاج النافذة.
لم يعد هناك أثرٌ لتلك الخصلات الوردية المتموجة التي كانت تميزها في صباها. الآن تلتف خصلات شعرٍ أسود قاتم –يصلح أن ينافس أي فتاةٍ كورية في لونه– في عقدةٍ مشدودة خلف رأسها.
أما الشيء الأكثر بروزًا فكان نظاراتها ذات الإطار السميك والفخم، تخفي خلفها عينيها المألوفتين حتى لا يلتقط أحد هويتها الحقيقية.
لقد أعدّت هذا التنكر بعناية كي تتمكن من الفرار في أي لحظة إن تشابك قدرها مع أي قصةٍ من قصص هذا العالم الغريب. حتى في جيبها، خبّأت بطاقة هويةٍ مزورة تحسبًا للطوارئ.
أدارت نظرها بعيدًا عن النافذة، ثم شبكت يديها فوق الطاولة في وقار.
على الجانب المقابل جلس زبونها الجديد.
“هلّا شرحتِ لي تفاصيل طلبك، سيدتي؟”
قالت ذلك بابتسامةٍ احترافية تحمل طابع سيدةٍ عملت في التسويق في القرن الحادي والعشرين.
قالت الزبونة، وصوتها يقطر مرارةً باردة:
“أريدك أن تدمّري حفل زفاف زوجي السابق. هذا هو طلبي.”
“همم…”
رفعت ريانا يدها إلى ذقنها، تقلّب الفكرة في ذهنها بملامح المفكّرة الحاذقة.
لقد كانت بحق امرأةٌ ذات كفاءةٍ عالية. فمنذ أن بلغت سن الرشد وأنشأت مكتبها الصغير للخدمات الخاصة، لم تفشل في تنفيذ أي مهمةٍ طوال عامٍ كامل — مئة بالمئة من النجاح.
ولم يكن ذلك غريبًا. فالعالم من حولها كان مألوفًا جدًا؛ كل مدينةٍ وكل شارعٍ تقريبًا امتدادٌ لعالم الويب تون الذي تعرف قصصه مسبقًا.
وباستخدام معرفتها بمسار الأحداث الأصلية، كانت دائمًا تجد مخرجًا لأي مأزق، مهما بدا مستحيلًا.
(لكن يجب أن أكون حذرة… لو تشابكت مع أبطال القصة الأصليين، فقد أرفع على نفسي راية “الشريرة” دون أن أدري.)
ضاقت عيناها قليلًا وهي تتفحّص المرأة أمامها.
رغم أن جميع الزبائن يخفون هوياتهم عادة، أدركت ريانا من الوهلة الأولى من تكون هذه المرأة.
تلك العيون المتلألئة بألوان قوس قزح لا يمكن أن تخطئها العين — إنها بطلة إحدى روايات الويب تون الشهيرة في هذا العالم.
(بطلة القصة، إذًا…)
كان في الأمر خطرٌ لا شك فيه — التورط في مسار القصة الأصلية لم يكن فكرةً آمنة أبدًا — ومع ذلك، قالت ريانا بابتسامةٍ واثقة:
“سأقدّم لك نتيجة تُرضيك تمامًا.”
المال أولًا…
ارتسمت في ذهنها صورةٌ حالمة لكتلٍ من النقود مكدّسة في شكل هرمٍ أنيق، تشبه جزيرةً صغيرة وحيدة ترتفع من قلب المحيط.
(نعم… سأعمل حتى أنهك تمامًا، إلى أن أملك ما يكفي من المال لشراء جزيرةٍ أختفي فيها إلى الأبد!)
ذلك أهون ألف مرة من أن يُقتلها ذلك النبيل ذو الشعر الفضي الذي سمّمها في عالمٍ آخر، أو أن يقطع رأسها أميرٌ سرق منها فطيرة التفاح، أو أن تمزقها أوتاد الخالد المجنون الذي انتظر حبيبته مئتي عام.
(أنفي نفسي إلى جزيرةٍ مهجورة وأموت وحيدة هناك؟ هذا، والله، موتٌ كريم.)
ابتسمت ريانا بوجهٍ مضيء، وعيناها انحنتا في شكل هلالين لطيفين.
هكذا كانت ريانا ذات الحادية والعشرين من عمرها — تجمع المال لتشتري جزيرةً صغيرة، وتهرب من كل قصةٍ قد تُعاد كتابتها حولها.
وكان من حسن حظها أن نظاراتها ذات الإطار العريض أخفت الدموع التي تجمّعت بصمتٍ خلف عدستيها.
اتجهت ريانا إلى المكان الذي حدّدته الزبونة.
كانت قد تنكّرت بالفعل من قبل، لكنها هذه المرة بالغت في إخفاء ملامحها الحقيقية حتى آخر خيطٍ منها.
ألصقت على أنفها شامةً كبيرة لافتة، وغطّت شعرها المستعار الأسود المتشابك كخيوط النودلز، حتى كادت لا تُعرف.
هكذا، وصلت إلى وجهتها: أمام كاتدرائية عظيمة.
من خلف الزجاج الملوّن كانت ترى مراسم الزفاف جارية في الداخل.
العريس، رجل وسيم بملامح متعجرفة بعض الشيء، يقف أمام المذبح بثقةٍ مفرطة، مرتديًا أبهى ثيابه.
إنه ماركيز حدود المدينة—أحد الشخصيات الثانوية في الرواية الأصلية.
(ذاك الأحمق… الذي خان البطلة رغم زواجه السياسي منها، ليتزوج من عشيقته في النهاية.
ثم يقضي عمره نادمًا حتى الموت.)
أما تلك العشيقة السابقة، فقد أصبحت اليوم عروسًا حقيقية تخطو على الممرّ المزدان بالورود نحو العريس، بثوبٍ أبيض فخم تقليدي، تحت وابلٍ من بتلات الزهور المتطايرة.
(نعم، كانت شريرةً طموحة، حلمها أن تنجب وريثًا للماركيز وتصبح السيدة الحاكمة في المقاطعة…)
زواج كهذا كان محكومًا بالفشل منذ البداية.
لكن ما بالهم محظوظون في اختيار اليوم؟
الطقس بديع، والشمس تلمع كالعسل فوق الزجاج، والنسيم يرقص برفق بين الممرات… يوم مثالي تمامًا لإفساد حفل زفاف!
وضعت ريانا نظارتها ذات العدسة المكبّرة فوق أنفها بابتسامةٍ خبيثة، واستعدّت للدور.
***
كانت المراسم تسير بأبهى صورة، غارقة في ألوان الضوء المنسكبة من النوافذ المعشّقة، والموسيقى الأوركسترالية تملأ الفضاء بجلالٍ احتفالي.
قال الكاردينال، الذي تولّى مراسم الزواج، بصوتٍ مهيب بعد أن تنفّس بعمق:
“وبهذا… يكتمل عقد الزواج بين العروسين.”
ثم أضاف ببطءٍ طقسي:
“إن كان بين الحاضرين من يعترض على هذا الاتحاد، فليتكلم الآن… أو ليصمت إلى الأبد.”
ساد السكون.
حتى أنفاس الحاضرين تجمّدت في الهواء.
لم يبقَ سوى قبلةٍ واحدة، وإعلانٌ رسميّ بسيط، وتنتهي المراسم.
قال الكاردينال أخيرًا، بصوتٍ منخفضٍ مهيب:
“والآن—”
لكن لم يُكمل كلمته.
دوّى صوت ارتطامٍ عنيف.
باب القاعة انفتح فجأة بصفقةٍ هزّت الصرح كله.
التفت جميع الحاضرين إلى الخلف، مذعورين.
ومن بين وهج الضوء المتسلل عبر الأبواب، ظهرت امرأةٌ تقف مائلةً قليلاً، كأنها بطلة مشهدٍ مأساوي.
صرخت بصوتٍ يخترق الصمت:
“أيها الـ—!”
ثم اندفعت راكضةً على طول ممر العروسين، تنورة فستانها المهلهلة تتطاير خلفها.
“—أيها الحقير!”
ركضت مباشرة نحو العريس، والدهشة تشلّ الجميع في مقاعدهم.
وقبل أن يستعيد أحدٌ وعيه، كانت المرأة تصفعه بحقيبتها الجلدية، مرة بعد أخرى، وهي تبكي بعنفٍ يكسر القلب.
“كيف تجرؤ على فعل هذا بي؟! صحيح أنني لم أكن حبيبتك الأولى ولا الثانية، بل الرابعة! لكن ألا يجدر بك على الأقل دعوتي إلى زفافك؟!”
مدّت يدها إلى شعرها المستعار الأسود، وشدّته بعشوائية، حتى صار رأسها يبدو أشدّ فوضى وقبحًا.
“ومع ذلك… جئت لأبارك لك! لأنني… لأنني أحبك!”
كانت كلماتها تخرج كالقيء، محمّلة بألمٍ صادقٍ ومحرج في آنٍ واحد. حتى العريس نفسه، للحظةٍ وجيزة، بدا وكأنه يتفكّر في حياته الغبية.
لكن لا! لقد خان زوجته السابقة، صحيح، لكنه لم يذهب إلى حدِّ أن تكون له أربع نساء في الوقت نفسه!
احمرّ وجهه وهو يصيح بغضبٍ متلعثم:
“ما… ما هذه المجنونة!؟ ماذا تنتظرون؟! أمسكوا بها فورًا! هذه النصابة أفسدت حفلي!”
غير أن المرأة، وبسرعةٍ لا تصدق، أخرجت من صدرها خاتمًا صغيرًا ولوّحت به عالياً.
“نصابة؟ تقول هذا أمام دليل حبّنا هذا؟!”
تلألأ الخاتم تحت أشعة الشمس التي تسللت عبر الزجاج، حتى إن كل من في القاعة رأى بوضوح شعار عائلة الماركيز محفورًا عليه.
“ه-هذا الخاتم…”
تجمد العريس، فقد كان يعرفه تمامًا — إنه خاتم العائلة، من بين مقتنياتهم الموروثة عبر الأجيال.
لم يتخيل لا هو ولا العروس أن زوجته السابقة ربما سرقته قبل طلاقهما.
وقبل أن ينقضّ الحرس على المرأة، رفعت العروس يدها وأوقفتهم.
“انتظروا.”
كانت نظراتها مليئة بالريبة، والغضب يعتصر فمها.
“هل يمكن أن تكون…؟”
تأملتها من أعلى إلى أسفل. كانت المرأة نحيلة الجسد، لكن بطنها بارز قليلًا.
في البداية لم تهتم العروس كثيرًا بفكرة خيانة العريس — فهي نفسها من أغوته أول مرة —
لكن فكرة أن تكون تلك المرأة حاملةً بـ”الابن الأول للماركيز” كانت كفيلةً بإشعال الجحيم في عينيها.
حين لاحظت المرأة شكوكها، بادرت بالبكاء، صوتها يرتعش بين الجمل:
“لـ… لا! نعم، أمضينا الليل معًا، لكنني لم أحمل منه! أقسم أنني لم أحمل!”
(إذن ذلك البروز ليس إلا دهونًا؟) فكرت العروس، تضيق عينيها بحدة.
ثم قالت ببرودٍ لاذع:
“وهل يُعقل أن يهبك خاتم العائلة من دون أن تحملي منه طفلًا؟”
“قلت لك إنه رمز حبّنا! وما شأن الطفل في هذا؟!”
“…ماذا؟”
“ثم إنك تعرفين ذلك جيدًا… الماركيز عاجز!”
حلّ صمتٌ ثقيل، قبل أن تنفجر القاعة بآهاتٍ متصادمةٍ وهمساتٍ مذهولة.
أمسك العريس رقبته من الصدمة، وجهه يشتعل غضبًا وذلًّا.
لكن حتى في هذه الفوضى، لم يكن يهمه شيء بقدر ما كان يهمه إنقاذ زواجه قبل أن ينهار أمام الجميع.
“كذب! هذا كله كذب! لم أرَ هذه المرأة في حياتي!”
غير أن صوتها الجارح اخترق نفيه:
“آه، لم ترَني؟ غريب… وأنا التي رأيت الشامة خلف فخذك الأيسر، وتلك الموجودة في منتصف ظهرك عند الفقرة السابعة تمامًا!”
تجمد وجه العروس.
صحيح أنها لم تنم معه يومًا، لكنها لم تكن بحاجة لذلك لتعرف إن كان يكذب.
كانت تملك تلك القدرة الغريزية التي تكشف الرجال الكاذبين كما تكشف النار الزيت.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 منذ 4 ساعات
- 3 منذ 4 ساعات
- 2 منذ 4 ساعات
- 0 - المتطفلة على عالمٍ غريب (1) 2025-08-25
التعليقات لهذا الفصل " 3"