10
Jojo:
الفصل العاشر : حياتي التي جاء هذا الوسيم ليُفسدها (5)
من المستحيل أنه جاء إلى هنا لمجرد إلقاء تحيةٍ ودّية. إن كان هذا ما يخطط له، فنيّاته واضحة كالشمس.
حتى بعد اعتراف ريانا الصادم، ما زال مصرًّا على ألا يتراجع، بل على أن يواصل ألاعيبه الوقحة بلا خجل!
“آنسة ريانا. وباستيان.”
ناداهما واحدًا تلو الآخر، ثم التقت عيناه بعينيها. رمش بجفنيه الطويلين في تحيةٍ خفيفة بدت أكثر إغراءً مما يجب.
“د-دوقي، ما الذي أتى بكم إلى الجناح الرئيس في مثل هذا الوقت؟”
سارع باستيان بخطوةٍ للأمام، مزاحمًا ريانا ليحجبها خلف جسده الكبير، في محاولةٍ بائسة منه لإبعادها عن نوايا الدوق المريبة.
“وهل لي أن أسأل ما الذي جاء بك أنت إلى هنا، أيها الخادم الأمين؟”
“أوه، لقد كنتُ أرافق الآنسة ريانا لتعرّف على غرفتها”
أومأ كيليان برأسه ببطء، كمن يمنح عفوًا مهيبًا عن ذنبٍ تافه.
“إذن، أكمل مهمتك.”
“ن-نعم! حسنًا، الآنسة ريانا، هذه هي غرفتك.”
وأشار باستيان إلى أول بابٍ في الممر الطويل بالطابق الرابع.
لكن قبل أن تتمكن ريانا من شكره على لطفه، قطع كيليان كلامها بصوتٍ منخفضٍ وواثق:
“هذا كل شيء إذن. أحسنتَ، باستيان.”
“حسنًا، لكن…”
تردّد الخادم قليلاً، متوجسًا، فما كان من كيليان إلا أن أضاف بنبرةٍ حاسمة:
“يمكنك الانصراف الآن.”
“نعم، سيدي.”
وبسرعةٍ لا تليق بجسده الضخم، اختفى باستيان من أمامهما، وكأنه تبخر من الهواء.
هل استخدم كيليان سحرًا لطرده؟ فكرت ريانا بخوف، وهي تبتلع ريقها بصوتٍ مسموع، وكأنها تجهز نفسها لمعركةٍ داخلية.
مهما قال هذا الرجل، لا بد من الحذر. الجدار، ثم الجدار، ثم الجدار! لا انفتاح، لا ضعف، لا شيء!
شدّت أسنانها وهي تردد هذا الشعار في نفسها.
أما كيليان فابتسم بابتسامةٍ ناعمةٍ لا يُفهم منها سوى الخطر.
“كما قال الخادم، هذه غرفتك، آنسة ريانا.”
فتح الباب بخفةٍ ودخل إلى الداخل بخطوةٍ واثقة، كما لو كان يدخل جناحه الخاص لا غرفة غيره.
في الحقيقة، هذا القصر كله ملكه، لذا أياً يكن المكان الذي يذهب إليه، فهو في منطقته.
تبعته ريانا على مضض، وجهها مشدود وملامحها مشوبة بعدم الارتياح،
لكن ما إن خطت إلى الداخل حتى اتسعت عيناها بذهولٍ تام.
“ما هذا…؟”
كانت الغرفة مغمورة بالزهور.
كل زاويةٍ وكل سطحٍ وكل ظلٍّ في المكان كان يحمل ألوان الورد، وكأنها دخلت بستانًا متفجّرًا داخل الجدران.
“كيف… كيف يوجد كل هذا الكم من الزهور؟!”
تمتمت مذهولة، تدور بعينيها في الأرجاء، قبل أن يهبط صوته على أذنها، منخفضًا، عميقًا، لا يحمل نبرة سؤالٍ بقدر ما يحمل نبرةَ إغواء.
“هل تُعجبك؟”
طَقطَقة.
صوت الباب وهو يُغلق خلفها أوقع في صدرها صدىً ثقيلاً.
لمحته من زاوية عينيها يرسل نظرةً خاطفة نحو الباب المغلق، وكأن الأمر محسوم.
“الزهور.”
قال الكلمة كما لو كانت تعويذة. صوته انساب على مسمعها ناعمًا، دافئًا، كريشٍ يتهادى.
حقًا… لم يبالغوا حين وصفوه بالساحر.
الهواء في الغرفة كان مشبعًا بعطر الورد،
والربيع، في عزّ الخريف، قد أُجبر على العودة.
مجرد نظرةٍ منه كانت كافيةً ليغمر المكان سحرٌ حارّ، حبس أنفاسها وأذاب الحدود بين الواقع والوهم.
حدّقت به، بملامحه التي بدت كأنها صُنعت لتكون بين الأزهار.
كان المشهد كله لوحةً نابضة، وهو مركزها البهيّ.
“آنسة ريانا؟”
“لا.”
انفجرت الكلمة من شفتيها قبل أن تدرك ما قالت، أشبه بردٍّ آلي صادرٍ من جهاز إنذار داخلي.
هزّت رأسها سريعًا وأضافت متلعثمة:
“أعني… لا، لا أحبها. لا أحب الزهور.”
قطّبت حاجبيها باشمئزازٍ واضح، وكأنها تتحدث عن شيءٍ كريه الرائحة.
“أوه، رجاءً! لست نحلةً حتى أهوى الزهور، أليس كذلك؟”
اهتزت نظرات كيليان للحظة، تزلزل فيها الاتزان خلف عينيه.
هو، الذي لم يكن نحلةً، كان يعشق الزهور.
أحسّت ريانا بأنها حققت إصابةً مباشرة، فزادتها تأكيدًا وهي تلوّح بيديها بانفعالٍ مصطنع:
“لا تقل لي إن كل هذه الزهور من أجلي؟ إن كان الأمر كذلك، فحقًا هذا محرج للغاية.”
“بالطبع ليست كذلك.”
قالها ببرودٍ خفيف، يخفي تحته شيئًا يشبه الخيبة.
في الحقيقة، كان قد اختار كل زهرةٍ بنفسه، بل وجعلها جميعًا بلونٍ ورديٍّ يشبه لون عينيها.
لكن الآن…
طنين خفيف.
نقر بإصبعه. وفي لحظةٍ واحدة، اختفت كل الزهور من حولها كما لو أن الأرض ابتلعتها،
ولم يتبقَّ سوى زهرةٍ واحدة بين أصابعه — زهرةُ الفاوانيا، ورديةُ اللون، ناعمةُ الحواف، تشبه ابتسامةً لم تُكتمل.
“لكن زهرةً واحدة فقط… لا بأس بها، أليس كذلك؟”
“بالطبع. تفضّل، ها قد أخذتها. راضٍ الآن؟”
ابتسمت ريانا ابتسامةً رقيقة وهي تتناول الزهرة، ثم، دون لحظة تردّد، ألقتها بكل لطفٍ فوق أقرب طاولة إلى جانبها، وكأنها تتخلّص من عبءٍ مزعج.
“…ألستِ تتخلّصين منها بسرعةٍ بالغة؟”
“زهور الفاوانيا ليست على ذوقي.”
“إذن، ما نوع الزهور التي تفضّلها الآنسة ريانا؟”
“همم… تلك الورود التي كانت تزيّن النافذة قبل أن تختفي. لكن، يا للأسف، لقد ذهبت.”
رفعت كتفيها بتنهيدةٍ مصطنعة، كمن يتحسّر ببالغ الدراما على ما فاته، وكان تمثيلها متقنًا لدرجةٍ تكفي لإغاظته.
“حسنًا، إذن، المرة القادمة التي نلتقي فيها سأقدّمها لك.”
المرة القادمة؟ لا تقل لي أنه ينوي ملاحقتي الآن؟!
كتمت ريانا توترها بابتسامةٍ لطيفة، وانتقت كلماتها بعناية لتبدو مهذبة قدر الإمكان.
“لا داعي لذلك، حقًا.”
“بل سأفعل، عن طيب خاطر. من أجل الآنسة ريانا.”
ثم أضاف، بعد لحظة صمتٍ قصيرة، وهو ينحني قليلاً ليلتقط زهرة الفاوانيا التي نبذتها:
“ثم إنني أكره أن تُترك الأشياء الجميلة وحيدة.”
راقبت ريانا بحذرٍ حركاته الدقيقة وهو يعيد الزهرة إلى الحياة بوضعها في مزهريةٍ على حافة النافذة.
انعكست أنوار الشمس على بتلاتها، فبدت كأنها تنتمي إلى المشهد معه، وكأنها جزء من كيانه.
قال بهدوءٍ مائلٍ إلى الصدق:
“كانت مجرد بادرة طيبة. لا حاجة لأن تشعري بالعبء.”
“عبء؟ عن أيّ عبءٍ تتحدث؟ لأن ما يخطر في بالي الآن كثير.”
ابتسمت بسخريةٍ خفيفة، بينما أجاب هو بثباتٍ لا يخلو من جدية:
“أتحدث عن مشاعري تجاهك، آنسة ريانا.”
“…عن تلك المشاعر التي قلتَ إنها وُلدت من النظرة الأولى؟”
نظر إليها بعينين متّزنتين، عميقتين كأنهما لا تعرفان الارتباك، ثم أومأ بثقة.
“بالضبط.”
“لكن، ألم تسمع ما قلته لك البارحة؟”
“ظننتُ أن مشاعري قد تتبدّل، ولكن…”
ابتسمت ابتسامة صغيرة، متوقعة أن يكمل بالمنطق الطبيعي.
“بالطبع، فقد قلت لك إنني رجل، أليس كذلك؟”
لكنه قالها ببرودٍ لا يحتمل سوء الفهم:
“لم تتبدّل.”
يا إلهي… قلتُ له إنني رجل! أليس هذا كافيًا ليرتدع؟!
كانت الصدمة تتصاعد في داخلها، لكنها كتمتها بابتسامةٍ جامدة.
“إذن لا تقلق،” تابع كيليان بصوته الهادئ الذي صار يشبه العسل المذاب،
“لستُ أطلب منك أن تبادلي الشعور الآن. إن لم يكن في قلبك مكانٌ لي بعد، فذلك لا بأس به.”
“…؟”
اقترب قليلًا، حتى صار صوته ينساب كهمسٍ حارّ في هواء الغرفة.
“لأن أمامنا لياليَ كثيرة بعد.”
كانت طريقته في النطق ناعمة، لكنها محمّلة بوعودٍ خفية؛
كأنه يقول: سواء أحببتِني أم لا، سواء كان ذوقك هذا أو ذاك، حين تنتهي تلك الليالي… ستكونين قد وقعتِ في الحب.
—
هل أنا في رواية رومانسية فعلًا؟ أم أنني تورّطت في شيءٍ آخر تمامًا؟
لم تستطع ريانا النوم تلك الليلة، فخرجت من الجناح الرئيسي وعينيها نصف مغمضتين من الإرهاق.
لم يكن الوقت وقت نومها المعتاد أصلًا، ومع تداخل الأفكار في رأسها، بدا النوم ضربًا من المستحيل.
قررت أن تتجوّل قليلًا داخل قصر الدوق لتصفّي ذهنها.
إن لم تكن هذه قصة رومانسية خالصة… فربما وقعت في مصيبة كبرى.
تابعت السير ببطءٍ على الممر المرصوف الممتد في الحديقة، تتأمل بخطواتٍ متردّدة ما حدث.
إن كان كيليان من النوع الذي ينجذب إلى الرجال… فاستمرارها في الادعاء بأنها رجل متنكر لن يؤدي إلا إلى كارثة.
إذن، الحلّ هو أن أفهم نوع القصة أولاً.
إن لم أتمكّن من تمييز البطل، فالتالي هو أن أبحث عن البطلة.
أغمضت عينيها لحظة وتنفّست بعمق،
آمل فقط أن تكون هناك بطلة أصلًا.
ولدهشتها، كان العثور عليها أسهل مما توقّعت.
في الجهة الغربية من القصر، داخل حديقةٍ صغيرة مفعمة بالأزهار المتفتّحة بفضل السحر،
تجمّع عدد من الخدم والساحرات وبعض زوّار القصر، يشاهدون مشهدًا دراميًّا بكل ما في الكلمة من معنى.
“ديبورا ميليسنت! جئتُ لأطلب يدك!”
“أرفض.”
كانت صاحبة الرد فتاةً ذات شعرٍ ذهبي فاتح وعينين بنفسجيتين لامعتين تشبهان زهرتي البنفسج.
أجابت بثباتٍ مذهل جعل الحاضرين يتهامسون بانبهار.
“يا إلهي، لقد رفضته مجددًا!”
“الأمير حقًا لا يتعلم! ما الذي يراه فيها؟!”
لكن الذهول لم يكن من نصيبهم وحدهم،
فريانا التي كانت تقف بين المتفرجين تجمّدت ملامحها لحظة، واتسعت عيناها كمن رآى شبحًا مألوفًا.
يا للعجب… وجدتها.
وجدت البطلة.
وفي اللحظة نفسها، عاد إلى ذهنها عنوان الرواية الأصلية:
“سيدي الرئيس، من فضلك اجعلني موظفتك.”
كانت رواية تجمع بين الرومانسية والفانتازيا في قالبٍ لطيفٍ عن موظفةٍ مستقيلة تحاول البدء من جديد، وتقع في حب رئيسها.
والفتاة التي رفضت الأمير قبل لحظات، تلك الجمال البارد اللامتناهي، هي البطلة نفسها.
وهذا يعني أن البطل هو…
التفت ذهنها فورًا نحو الإجابة الوحيدة المنطقية.
كيليان! نعم، إنه هو!
أما الأمير المرفوض، فقد انسحب بلا أدنى حرج، وكأن الرفض أمرٌ معتاد عليه.
أما ديبورا، فابتعدت بخطواتٍ رشيقة لا تعبّر عن أي انفعال، تاركة وراءها همسات الناس.
وبينما كان الجميع يتفرق، بقيت ريانا جامدة في مكانها، تتأمل كل شيء بعينين زجاجيتين.
إذن، الحبكة هي…
بطلة موهوبة تعمل في شركة، تسلب عقل مديرها وتتعلم منه حتى تغادر لتبدأ حلمها الخاص.
لكن أين الشريرة؟ أين خصمتها؟
أغمضت عينيها بقوة واستجمعت ذاكرتها.
“…لا توجد!”
لم يكن هناك شريرة. لا امرأة غيورة، ولا خيانة، ولا موتٍ مأساوي.
لا أحد يُنفى أو يُعدم أو يُسمّم!
“يا إلهي… كم هو نقي هذا العمل!”
تنفّست الصعداء بانفعالٍ واضح.
إنها أول مرة أجد نفسي في روايةٍ لا تطاردني فيها سيوف ولا مؤامرات!
“نجوتُ أخيرًا…”
قالتها همسًا وهي تبتسم بتعبٍ مريح.
للمرة الأولى منذ زمنٍ بعيد، لم تشعر أن الموت يترصّدها خلف كل زاوية.
خلال الشهرين اللذين تنوي البقاء فيهما هنا، تستطيع أخيرًا أن تنعم بالسلام.
بخطواتٍ خفيفة تابعت السير،
شاعرةً بأن المكان صار أكثر دفئًا، وأكثر ودًّا مما بدا حين وصلت إليه أول مرة.
ولأن قلبها بدأ يهدأ، عادت إليها رغبةٌ صغيرة في الاستكشاف.
فهذا القصر، قصر دروش، لم يكن مجرد منزلٍ للدوق — بل كان أقرب إلى مدينةٍ كاملة.
في الشرق برج العزل وبعض مباني العائلة النبيلة،
وفي الوسط الجناح الرئيسي،
أما في الغرب، فكانت تقع الشركة السحرية التي يديرها الدوق بنفسه.
وكان القسم الغربي هو الأكثر ازدحامًا على الإطلاق.
نساءٌ بأثوابٍ راقية، ورجالٌ أنيقو المظهر يخطون بخطواتٍ واثقة بين الأبنية،
سحرة من أسرٍ نبيلة، يعملون في شركةٍ تجمع بين العلم والسحر والترف.
راقبتهم ريانا بفضولٍ لا يخلو من الإعجاب،
وهي تهمس في نفسها مبتسمة:
“حتى السحرة هنا يرتدون وكأنهم في عرض أزياء…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 10"