مدحتُ سيدريك قائلة:
“أحسنت.”
كنتُ دائمًا ما أنزعج من طريقة جيفري في معاملتي كما لو كنت خطيبته كلما التقينا، لكن في هذا المكان المزدحم لن يجرؤ على إمساك يدي أو ملامسة خدي كما يفعل عادةً.
بمجرد أن جلسنا، امتلأ المطعم بالزبائن.
أخرج النُدُل الطاولات والكراسي من المخزن حتى امتلأت القاعة عن آخرها، واضطررنا للجلوس متلاصقين مع الجالسين بجوارنا.
أصبح الجو خانقًا إلى درجة أننا فتحنا كل النوافذ لنتنفس بالكاد.
قلتُ:
“الزبائن كثيرون جدًا هنا.”
فأجاب سيدريك:
“صحيح. سمعتُ أنه مطعم مشهور، لكن لم أظن أنه مزدحم إلى هذا الحد.”
قلت:
“من الطاهي؟ إذا كان الطعام لذيذًا اليوم فلنحاول توظيفه في مطعمنا الداخلي. أطباقنا الحالية لا تُطاق.”
ما مدى أهمية وجبة الغداء للموظفين! لكن طعام مطعمنا في متجر ليڤ كان يومًا لذيذًا وآخر كارثيًا.
إن أردنا رفع معنويات الموظفين وزيادة المبيعات، فعلينا تحسين طعامهم أولًا.
فكّر سيدريك بصوت منخفض:
“أظن أن الطاهي يختلس جزءًا من ثمن المكونات.”
ثم قال محتجًا بلطف:
“برأيي الطاهي الحالي ليس سيئًا. جلب طاهٍ جديد براتب مرتفع سيزيد من النفقات الثابتة فقط.”
حين حلّ الظلام، بدا أن المصابيح غير كافية، فوضع النادل شمعة على طاولتنا.
مرّت أربعون دقيقة على الموعد المتفق عليه قبل أن يظهر جيفري متبخترًا كأنه بطل المكان.
خلال ذلك كنا أنا وسيدريك قد انتهينا من تنتول كأس مشروب لكل منا ونحن نناقش أسماء الموظفين الذين سنرقيهم.
وما أن رأى جيفري سيدريك حتى ضيّق عينيه وقال بتعجرف:
“ما الذي تفعله هنا؟”
رفع سيدريك كتفيه بلا مبالاة، فبادرتُ إلى الدفاع عن موظفي حتى لا يتطاول عليه جيفري.
قلت بحدة:
“جيفري، ألا يجدر بك أن تعتذر أولًا ما دمتَ أنت من تأخّر؟”
مرّر جيفري أصابعه في شعره الأحمر النحاسي وقال متباهياً:
“آسف، كنت أنزل من العربة فصادفت امرأة أعرفها. كانت من أولئك اللواتي لاحقنني قديمًا، توسّلت إلي أن أعود إليها. ماذا أقول؟ أنا رجل محبوب يا شارلوت.”
يا للسخافة.
لماذا يحب هذا الرجل التفاخر أمامي هكذا؟ لا يهمني الأمر أصلًا.
خلع قبعته وجلس وهو يزحف بمقعده حتى صار بجانبي.
كان يفترض أن يجلس أمامي، لكنني الآن أصبحت محصورة بين رجلين.
تمتم سيدريك بصوت يسمعه الجميع:
“كان علينا أن نحضر شخصًا آخر.”
الريح التي دخلت من النافذة جعلت الشمعة تتراقص، وانعكس نورها على وجه سيدريك فبدا أكثر جاذبية.
لم أكن الوحيدة التي لاحظت ذلك؛ نظرات النساء حولنا كانت تتجه نحوه بإعجاب واضح.
ظن جيفري أن النظرات موجّهة إليه، فسعل متصنّعًا وقال:
“معذرةً، يبدو أنني لا أستطيع إخفاء جاذبيتي أينما ذهبت.”
ثم رمق النساء على الطاولات الأخرى وأومأ لهن بعينه.
فقابلنه بوجوه متجهمة، وبعضهن تمتمت بكلمات بذيئة.
كانت إحدى الشتائم مبتكرة لدرجة أنني فكرت في حفظها لاستخدامها لاحقًا.
قلت ببرود:
“الوقت ضيّق، فلننتهِ من الحديث بسرعة. المكان مزدحم جدًا.”
قال جيفري:
“دعينا نطلب أولًا. أيها النادل! أحضر لنا شرابًا قويًا!”
قلت:
“أنا لن أشرب. أقلعت عن الكحول.”
حدّق جيفري في كأس النبيذ أمامي وسأل ساخرًا:
“وماذا عن هذا إذًا؟”
فرد سيدريك بسرعة:
“أنا من شربهما.”
قلت:
“موظفي يحب الكحول كثيرًا. على كل حال، لندخل في صلب الموضوع. جيفري، أريد شراء حصتك من الأسهم. بِعها لي.”
ضحك باستهزاء وقال:
“ولماذا أبيعها؟ الأرباح تأتي إليّ بانتظام. لا أرى سببًا يجعلني أتنازل عنها.”
فقلت:
“سأدفع لك ثلاثة أضعاف ما استثمرته في البداية.”
فقال متململاً:
“كلام ممل. إن كنتِ تنوين الحديث في أمور مالية معقّدة، فأنا سأرحل. ولماذا دعوتِني للعشاء أصلًا إن كنتِ لا تريدين الشرب؟ أنا رجل مشغول.”
يبدو أن الإقناع بالكلام لن ينفع معه.
حان وقت الخطة ب.
نظرتُ إلى سيدريك نظرة متفاهمة ثم ناديت النادل:
“كنتُ قد طلبت أقوى مشروب عندكم. أين هو؟”
إن أردت التفاهم مع جيفري، فعليّ أن أُسكره أولًا.
ابتسم ابتسامة خبيثة وقال:
“قبل قليل قلتِ أنك أقلعتِ عن الشرب.”
فأجبته:
“بسببك فقط قررت أن أعود اليوم.”
ضحك وقال:
“إذًا اطردي هذا الرجل، ولنشرب أنا وأنتِ وحدنا في مكان أهدأ أعرفه جيدًا.”
قلت بابتسامة مصطنعة:
“يا للأسف، أنا مرتاحة هنا جدًا. والمشروب يبدو رائعًا أيضًا.”
وصل النادل ومعه أغلى وأقوى زجاجة في المطعم، فسقيت جيفري كأسًا وبدأت أمطره بالمديح:
“واو، لطالما أعجبتُ بالرجال الذين يشربون الكحول بشجاعة. أرِني رجولتك، اشربها دفعة واحدة! بصحتك!”
وبغباء غروره رفع الكأس وشربها دفعة واحدة.
وسارع سيدريك إلى مجاملته أيضًا:
“السيد جيفري يملك قدرة مذهلة على الشرب، على عكسي تمامًا.”
ضحك جيفري وقال مزهوًا:
“هاه، أنتما الاثنان انظرا وتعلّما.”
واصلنا الاصطدام بالكؤوس حتى فرغت الزجاجة، وحين بدا عليه أثر الشراب، أخذ سيدريك يتصنّع الثمالة ويتحدث بلسان متثاقل وهو يمدحه:
“السيد جيفري، من أين تعتني بهذه اللحية الجميلة؟ حاولتُ تقليدك لأبدو جذّابًا للنساء، لكن لحيتي لم تخرج بهذا الشكل الرائع!”
قال جيفري متباهيًا:
“هاه، هذه لا تليق بأي رجل، إنها موهبة فطرية يا هذا!”
ابتسم سيدريك وقال:
“صحيح، أودّ أن أتعلم منك رجولتك، اشرب كأسًا آخر لأجلي!”
بدأنا أنا وسيدريك نسقي جيفري الكحول القوي بالتناوب.
كان يحب المديح والتملّق، فوقع في فخّنا بسهولة، وبدأ بريق عينيه يخفت شيئًا فشيئًا.
قالت نظراتنا المتبادلة دون كلام:
“الآن هو الوقت المناسب، أليس كذلك؟”
“لو شرب أكثر سيفقد وعيه تمامًا.”
أخرج سيدريك بسرعة ملفًا من حقيبته، بينما وضعت أنا قلمًا في يد جيفري.
قال مترنّحًا وهو يضحك بسخف:
“هاه؟ ما هذا؟ ولماذا تمسكين بيدي فجأة؟ تجعلين قلب الرجل يخفق هكذا!”
بادلته ابتسامة دافئة مصطنعة وقلت بلطف مصطنع:
“لأنني حزينة يا سيد جيفري، فأنت لم توقّع هنا بعد. العمل صعب جدًا، وإن لم أجمع الحصص الكافية فالمستثمرون لن يحترموني كمديرة. هل تريد أن يراني الناس وأنا أُهان أمامهم؟”
أطلقت صوتًا رقيقًا متدللًا، فارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة كاد فمه يتمزق من شدتها.
أما سيدريك فكانت ملامحه تزداد اشمئزازًا كلما نظر إليّ وأنا أتصنّع اللطافة.
ضحك جيفري بصوت مبحوح وقال:
“ههه! من الذي يجرؤ على إهانة حبيبتي؟ من هو؟ أنت؟”
وأشار بإصبعه نحو سيدريك، لكن الأخير أمسك يده بلطف ووجّهها نحو الملف:
“بالطبع لا، يا سيدي. بل إنّ الماركيز فاين قد استثمر مؤخرًا مبلغًا ضخمًا، ويبدو أنه يكنّ نوايا سيئة تجاه مديرتنا شارلوت. لذا نحتاج إلى مساعدتك هذه المرة، سيد جيفري.”
“أنا؟ أنا أساعدها؟”
يا إلهي… لقد أفرط في الشرب.
صوته بدأ يعلو ويتضخم.
لو شرب أكثر فسيتقيأ على الطاولة.
‘أرجوك، لا تفعلها هنا.’
قلت بسرعة وأنا أدفع الملف نحوه:
“رجاءً وقّع هنا. سمعت أن مصنع والدك للنسيج يمرّ بأوقات صعبة. خذ هذا المبلغ الكبير وساعده به. وجود حصتك معي سيجعلني أقف في وجه الماركيز فاين بثقة. انظر، سأشتريها منك بثلاثة أضعاف السعر الأصلي. بِعني إياها، أرجوك.”
تلعثم وهو يبتسم كالأبله:
“هـ، هكذا إذن… تريدين مساعدة من حبيبك؟”
‘أنا لست حبيبتك يا هذا…’
لكنني ابتسمت ابتسامة مشرقة وأنا أكتم اشمئزازي.
ربّت جيفري على يدي بحنان مصطنع ثم أمسك القلم ووقّع على العقد بجرأة.
وقال بفخر وسُكر واضح:
“هاه! من الغد، سأكرّس نفسي لكِ تمامًا! سأقطع علاقتي بكل النساء الأخريات، لا تقلقي!”
‘لا داعي لذلك إطلاقًا، صدقني.’
ما أن أنهى كلماته حتى ترنّح جسده وسقط رأسه على الطاولة.
اهتزّت الطاولة وانسكب الشمع من الشمعة على مفرشها المتسخ.
أسرعنا أنا وسيدريك بإزاحة وجهه وانتشال العقد من تحته قبل أن يتلف.
آه، كم هو مقزز، لقد التصق بعض الزيت من وجهه بالعقد! كم هذا مقرف.
تمتمتُ بتنهيدة تعب:
“يا إلهي، إدارة الأعمال ليست سهلة أبدًا.”
فأجاب سيدريك بابتسامة فخر هادئة:
“لكننا نجحنا في النهاية.”
قلت وأنا أبتسم له:
“حقًا، أحسنت العمل يا سيدريك.”
كنت أعلم أن جيفري، حين يستعيد وعيه غدًا، سيأتي إلى المتجر ويثير الفوضى.
بينما كنت أفكر في زيادة عدد الحراس الأمنيين، قال سيدريك بنبرة حازمة:
“سأضاعف عدد رجال الأمن مؤقتًا. وبما أنه وقّع العقد بالفعل، فلن يستطيع فعل أي شيء حتى لو حاول.”
ضحكت قائلة:
“يا لك من رائع، تعرف حتى ما سأقوله قبل أن أنطقه.”
فرد بابتسامة خفيفة:
“لذا، دعيني أبقى بجانبك دائمًا.”
غمزت له وأنا أرفع حاجبيّ بدعابة ثم أشرت إليه أن نغادر المكان.
♤♧♤♧♤♧♤
*قولولي بنات وش رأيكم؟ أخلي الخط كبير كذا و لا أرجعه صغير عادي زي العادة؟*
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"