~15~
تألّقت عيناه الذهبيّتان بلمعانٍ ساحر تحت ضوء القمر.
دقّ، دقّ.
خَفَقَ قلبي كاشفًا وجوده.
‘إنّه مجرّد وَهْمٍ تصنعه ردّة فعل الدماغ للمؤثّرات البصريّة.’
حاولتُ جاهدًة ألّا أنجذب إلى فتنة ضوء القمر.
‘تماسكي يا كارولينا دياز.’
ولحسن الحظّ، عاد قلبي تدريجيًا إلى نبضه الطبيعي.
ولإخفاء ارتباكي اللحظيّ، سألتُه بنبرة عاديّة.
“ولكن… ما الذي جاء بسير روجاس إلى هنا؟”
كان اليوم هو يوم حفلة عيد ميلاد الإمبراطور.
ولم يكن ثمّة سبب لوجود إيفريت هنا في هذا الوقت.
“حسنًا…”
بدا إيفريت متردّدًا وهو ينتقي كلماته.
“لم أرغب في البقاء في الحفلة…”
وفي اللحظة نفسها التي كان إيفريت على وشك أن يشرح فيها شيئًا، بدأ صخبٌ يتردّد من بعيد.
“ماذا؟ ماذا قلت؟”
رمق إيفريت جهة الضوضاء، ثم عضّ شفته بقلق وعبث بشعره الخَصِل عبثًا.
وبعد أن تمتم بلعنة خافتة، قال لي:
“آنسة دياز، أريد أن أطلب منكِ خدمةً.”
˖𓍢ִ໋🍃✧
شتم إدوين بين أنفاسه وهو يشعر بأنّ الملاحقين يقتربون.
‘لو أُمسكتُ الآن، فسيكون هذا عارًا لا يُغتفر.’
كان باستطاعته أن يراهن بتابوت الإمبراطور نفسه على أن البقاء في الحفلة والتصرّف كمهرّج كان أفضل مئة مرّة ممّا يواجهه الآن.
رمق إدوين رينا بنظرة يائسة دون قصد.
“آنسة دياز، أريد أن أطلب منكِ خدمة.”
ظهر في عيني رينا البنفسجيّتين لمحةُ حذر.
“إنّها ليست صعبة.”
قال ذلك إدوين بسرعة.
فالطلب حقًّا لم يكن صعبًا. لم يحتج سوى القليل من المساعدة للتخلّص من الحرس.
“سأستمع أوّلًا.”
لم يتلاشَ الحذر في عيني رينا، لكنّها منحته الإذن.
ارتسمت على وجه إدوين أطيب تعابير استطاع تجميعها وهو يشرح الوضع.
“أنتِ تعلمين أنّ هناك حفلة تنكّرية في القصر الفرعي اليوم، أليس كذلك؟”
“سمعتُ بذلك.”
أجابته رينا وهي تنظر إليه بصرامة، كما لو أنّها تؤنّب شقيقًا أصغر منها كثير الشقاوة.
متجنّبًا نظراتها، تابع إدوين:
“كان من المفترض أن أحضرها أيضًا.”
‘لأنّه عيد ميلادي.’
“ولكنني لستُ من النوع الذي يستمتع بمثل هذه الحفلات.”
ففي كلّ مرّة يظهر فيها في حفلة، كانت السيّدات الشابّات يُسقِطن مناديلهنّ أو مراوحهنّ عمدًا أمامه.
والأكثر جرأةً كنّ يتظاهرن بالإغماء نحوه.
أمّا الأكثر تهوّرًا بينهنّ…
تنفّس إدوين بعمق متذكّرًا النبيذ الذي سُكِب على قميصه.
ولحسن الحظّ، بدا أنّ تعبه قد أثار تعاطف رينا.
“هناك مَن يفعلن ذلك، فيما يبدو.”
أومأت رينا، وقد فهمت معاناته لكن بطريقة مختلفة قليلًا، وكأنّها تُقرّ بصعوبة موقفه.
لم يكن هذا سيّئًا بالنسبة إلى إدوين، الذي كان يُعامَل كفارس خجول.
“لذا، أظهرتُ وجهي للحظة ثم تسلّلتُ إلى الخارج، ولكن حدثت مشكلة…”
شرح إدوين الموقف لرينا محاولًا تجاوز التفاصيل الأكثر حساسيّة.
˖𓍢ִ໋🍃✧
قبل نحو ثلاثين دقيقة.
كان إدوين قد هرب إلى الردهة بعد أن ادّعى أنّه لا يستطيع البقاء بملابس ملطّخة بالنبيذ، وذلك لتجنّب سيّدة كانت تحاول التحدّث معه مرارًا بذريعة الاعتذار.
وبينما كان يطيل الوقت على أمل أن تيأس وتغادر، بدأت الحركة خارج الردهة تزداد.
‘قد تُلقى عليّ كؤوس الشمبانيا في المرّة القادمة.’
شعر وكأنّه مُحاصر بالأعداء، بل بأعداء يصعب التصرّف معهم.
فحتى لو كان الإمبراطور نفسه، لا يستطيع أن يكون فظًّا مع سيّدات صغيرات لم يبلغن سنّ الرشد إلا حديثًا، خصوصًا اللواتي لا يفعلن سوى المغازلة.
وفي النهاية، قرّر إدوين المغادرة مبكرًا قليلًا لتجنّب “مخيّم” النساء خارج الردهة.
فاستبدل ثيابه بثياب خادم وارتدى قناعًا مؤقّتًا.
وأعطى قناعه الحقيقي لمساعده، الذي كان ذا بُنية مشابهة له، ويمثّل دور “إيفريت روجاس الحقيقي”.
وقد حذّره مساعده—الذي كان يلعب فجأة دور بديله في العاصمة—من أنّ شيئًا مقلقًا قد يحدث، لكنّ إدوين لم يُعر الأمر اهتمامًا.
“ولكنّني، بينما كنت أتسلّل خارج الحفلة، رآني الحرس.”
‘أكان تحذير المساعد نذير شؤم؟’
تنفّس إدوين بعمق، ثم تابع:
“لقد ظنّ الحرس أنّني متسلّل، وأنا الآن مطارد.”
ولو فكّر قليلاً، لكان قد أخبر الحرس بهويّته منذ اللحظة الأولى وأعادوه ببساطة إلى الحفلة.
‘ولكنني لم أرد ذلك، فاختبأتُ… وها أنا هنا.’
ولأنّه يعرف أمن القصر جيّدًا، لم يكن التخلّص من الحرس أمرًا صعبًا.
ولكن ما غفل عنه هو ما سيحدث لو تمكّن “متسلّل” من النجاة من قبضة أمن القصر المشدّدة.
فقد أُعلن إنذارٌ من أعلى مستوى، وصار معظم حرس القصر يبحثون عن المتسلّل.
‘لقد درّبتهم جيّدًا أكثر من اللازم.’
ولو كان المتسلّل شخصًا آخر غيره، لكان ردّ فعل الحرس مدعاة للفخر.
“أليس الأمر مجرّد توضيحٍ بأنّ ما حدث كان سوء فهم؟”
قالت رينا، التي كانت تستمع بانتباه.
“لقد أصبح الأمر كبيرًا الآن بحيث لا يمكنني القول ببساطة إنّه أنا.”
غطّى إدوين وجهه بيده.
ويبدو أنّ رينا قد فهمت الكلمات التي لم يستطع قولها صراحة.
“آه…”
وأخيرًا خفّ حذرها قليلًا.
“وماذا تريد منّي تحديدًا؟”
كان جواب رينا مُشجّعًا للغاية.
“أريد أن أخرج من القصر.”
شرح إدوين خطّته للتعامل مع الوضع أثناء تفادي الجنود.
فأولًا، كان ينوي الذهاب إلى نقابة المعلومات التابعة لكايل.
ثم يُرسل من خلالها رسالة إلى القصر لتخفيض حالة التأهّب.
‘بأنّ أحد أفراد وحدة الاستخبارات كان في مهمّة، وليس متسلّلًا.’
فالهويّات الخاصّة بأفراد الوحدة الاستخبارية سريّة بالكامل.
وبإمكانه تبرير هروبه من الحرس بأنّه حاول الحفاظ على سرّيّة هويّته، وهو أفضل حلّ استطاع ابتكاره.
بالطبع، كان كايل سيسخر منه بتظاهر الجهل.
“أفهم ذلك. ولكن يبدو أنّه ليست لديك بطاقة دخول؟”
استنتجت رينا بسرعة ما كان يقصده إدوين.
“نعم.”
أجاب إدوين بصوت منخفض.
وشعر بحرارة الحرج تكسو وجهه.
ولحسن الحظّ أنّه فكّر في بطاقة الدخول أثناء تقدّمه نحو أطراف القصر للوصول إلى مقهى كايل.
‘ولو أنّني حاولت الخروج بالقوّة، واصطدمتُ بحاجز القصر عند البوّابة… لكان ذلك أسوأ سيناريو ممكن.’
ارتجف بردًا عند هذه الفكرة.
ولأنّه كان قريبًا من القصر الخارجي حيث تقع إدارة المالية، وظهرت رينا—التي تعرفه—بالصدفة تتجوّل هناك، كان هذا حظًّا كبيرًا آخر.
وبما أنّ رينا مديرة في القصر، فلا بدّ أنّ لديها بطاقة دخول.
عقدت رينا ذراعيها ونظرت إليه بتمعّن.
كانت خطوات الحرس الباحثين عنه تقترب.
“آنسة دياز؟”
ناداها إدوين بنبرة تحمل استعجالًا واضحًا.
ولحسن الحظّ لم تُطِل التفكير.
“حسنًا، لكن انتظر قليلًا. لقد خرجتُ وكنتُ في وسط العمل، لذا عليّ العودة إلى مكتبي أولًا.”
˖𓍢ִ໋🍃✧
وما إن قلتُ إنّي سأساعد، حتى أشرق وجه إيفريت.
‘في النهاية نحن زملاء في المكان نفسه، فلنساعد بعضنا.’
تركتُ إيفريت وعدتُ إلى مكتبي.
‘لكنّني لم أنهِ عملي بعد.’
ولإخراج إيفريت دون بطاقة دخول، كان عليّ أن أرافقه.
‘ولا أرغب في العودة بعد أن أخرج.’
وفي النهاية، تركتُ عملي ليوم الغد ورتّبتُ مكتبّي.
ثم أسرعتُ بالعودة إلى الحديقة حيث كان إيفريت ينتظر.
تقدّم إيفريت خطوة أو خطوتين استقبالًا لي.
“آنسة دياز.”
وضعتُ يدي على يده، كسيّدة نبيلة تقبل مرافقة أحدهم لها.
“هل نذهب؟”
توجّهنا نحو بوّابة القصر الأقل ازدحامًا.
“هل يمكنني رؤية بطاقة الدخول؟”
مدّ الحارس يده وهو يبدو مُتعَبًا.
تدخّلتُ في اللحظة المناسبة.
“هذا زميلي، لكنّه نسي بطاقة الدخول في المنزل.
“
وكان هذا أمرًا نادرًا بين موظّفي القصر.
“لقد رافقته حين دخلنا.”
“أهكذا؟”
حاول الحارس التحقّق من سجلات الدخول.
“ولكن… لم تدخلا من هذه البوّابة في الصباح…”
تمتمتُ متظاهرةً بالحيرة.
“ألم تعلم أنّه حين يدخل شخص دون بطاقة، يجب أن يغادر من البوّابة نفسها؟”
سألنا الحارس بنبرة صارمة.
“حسنًا… اليوم مهرجان. ونريد الذهاب إلى السوق الليلي، لكنّ العودة إلى البوّابة التي دخلنا منها ستجعل الطريق طويلًا جدًا.”
خفضتُ رأسي، مؤدّيةً دور الموظّفة المتعبة التي عملت لساعات إضافيّة لعدّة أيّام كي تتمكّن من حضور المهرجان.
“رجاءً… لا تفعلا هذا مجددًا. سأسمح لكما هذه المرّة فقط.”
ولحسن الحظّ، كان الحارس مرنًا نسبيًّا.
فقد تذمّر كثيرًا، لكنّه سمح لنا بالمرور.
ومضينا بسرعة حتى أصبحت بوّابة القصر نقطة بعيدة.
وعندها فقط تنفّسنا الصعداء.
“لقد أصبحتُ مدينًا لكِ بالكثير.”
ابتسم إيفريت شاكرًا.
“ولكن… هل صحيح أنّكِ عملتِ لساعات إضافيّة لكي تذهبي إلى المهرجان؟”
“نعم.”
أجبته على سؤاله المرح، وأنا أضمر قليلًا من الضيق تجاه نفسي المستقبليّة التي ستتولّى العمل في صباح الغد.
A l i n o r❦
التعليقات لهذا الفصل " 15"