<التحكم في السرعة>
تشبّثت ديارين بطرف ثوب سيريس بإحكام، وتمتمت وكأنها تعلن حرباً:
“سيريس… لن تذهب بعد الآن إلى أي أحد.”
حتى زمجرت مثل سيريس نفسه:
“سيريس ملكي الآن. لن أعطيه لأحد آخر.”
“؟”
كان كلامها بديهياً جداً.
فأمال سيريس رأسه قليلاً قائلاً:
“لا أفهم لماذا تكررين ما هو بديهي، ديارين.”
“…….”
كالعادة، كان سيريس ينظر إليها بهدوء ووداعة.
وبدأت ديارين تدرك شيئاً فشيئاً أن المرتجفة الوحيدة كانت هي.
سيريس لا يتغير.
ومهما تغيّر الناس من حولهما، لا يمكن الجزم أن سيريس سيفعل.
“أنا فقط… أخشى أن يتغير قلبك في المستقبل. ولو حدث ذلك، لن أستطيع العيش.”
“ولماذا سيتغير قلبي؟”
“لا أحد يعرف ما في قلوب الناس.”
“هل قلب ديارين يمكن أن يتغير أيضاً؟”
“لا.”
“إذن أنا أيضاً، لا.”
ارتبكت ديارين وحكّت رأسها بخجل.
وفجأة هدأ عقلها المشتعل بالغيرة.
هل هذا ما شعر به سيريس عندما بثّت فيه قوتها المقدسة يوم فقد السيطرة؟
لو كان الأمر كذلك، فقد كان طبيعياً أن تشعر أنه لا حياة لها بدونه.
“… لكن، كيف عرفت أن تأتي مسرعاً إليّ؟”
“شعرت أن هالتك غير طبيعية، فجئت.”
“هالتي؟”
“كنتِ تبثّين قلقاً طوال الوقت.”
“… هل لاحظت ذلك؟”
حتى وهو منشغل وسط الناس؟
تساءلت إن كان قد نسي أنها كانت وحدها.
لكن سيريس هز كتفيه كأنه يسمع سؤالاً غريباً:
“أنا أشعر دوماً بهالة ديارين.”
“…….”
ظنّت أنه فقد تلك الحساسية وصار مثل الآخرين، لكنه لم يفعل.
“الهالات الأخرى لا أعيها… أما هالتك أنت فقط.”
لقد ركّز قدرته كلها عليها وحدها.
وكانت ظنونها أنه نسيها بسبب انشغاله مجرد وهم.
“لكنني لا أستطيع أن أشعر بك أنا.”
قالتها بمرارة.
فحتى إن لم يكن أمام عينيها، كان بخير… أما هي فلا.
“… لم تعودي تُحدثين مشاكل حتى عندما لا تكونين أمامي…”
اعترف مثل جرو متوجس.
لكن لا، لم يكن هذا ما قصده.
“كنت خائفاً أن أكون أنا من سيسبب المشاكل.”
“أنا؟”
أدار سيريس عينيه، وفكّر قليلاً، ثم قال الحل ببساطة:
“إذن فلنبقَ معاً دائماً، أليس كذلك؟”
“لكن الذي تركني كان أنت، سيريس.”
“… ذاك…”
ربما من وجهة نظره، ما دام يشعر بهالتها فهي قريبة، فلم يعتبر نفسه بعيداً.
أما بالنسبة لها، فكان ذلك انفصالاً حقيقياً.
ولأنه اعتاد أن تراوغه بالابتعاد، فقد ظن أن الأمر لا بأس به… لكنه كان مخطئاً.
والآن وقد أدرك، كان عليه الاعتذار، لكن ذلك يستلزم شرح السبب أولاً.
“كان هناك سبب لا أستطيع قوله.”
“… ماذا؟”
كانت هذه ضربة أقسى.
لم يكتف بالابتعاد، بل صنع سراً أيضاً؟
تبدلت ملامحها وكأنها ضُربت بمطرقة، وتصلب وجه سيريس كذلك.
“كان سبباً لا ينبغي أن أخبرك به…”
“وما هو السبب؟”
تردد لحظة، ثم حسم قراره.
كان يرى أن السر يفقد معناه إذا كشفه، لكن ما الفائدة إن جرح قلبها؟
“كنت أُحضّر مفاجأة… لطلب الزواج.”
“… طلب الزواج؟”
“لأني في المرة السابقة لم أستعد له جيداً.”
“… آه. إذن لهذا السبب.”
هزّ رأسه بثبات.
“سمعت أن تجهيز طلب الزواج بسرية يسعد من يتلقاه.”
نعم… عادةً.
لكن المشكلة أن سيريس لم يكن حالة عادية.
وفوق ذلك، فقد أقاما بالفعل زفافهما الخاص، وزواجهما الرسمي مؤكد لا محالة. فلا مفاجأة ولا تأثير.
وحياتهما معاً كانت أصلاً مليئة بالمفاجآت. ولم تعد ديارين تريد المزيد.
“أنا أحب الاستقرار… الطمأنينة… والهدوء.”
قالت بإصرار.
“عندما لم أكن أعرف أنك أمير… كنت أفكر بعد ظهوري في الحفل أن أذهب لأعيش في قرية ريفية هادئة بعيدة عن كل شيء.”
تألقت عيناه فجأة:
“ذلك رائع جداً.”
“… ماذا؟”
“أعجبني. فلنفعل.”
“… أنت إمبراطور يا هذا.”
ظهر على وجهه أنه يريد أن يترك العرش حالاً.
أمسكت ديارين بذراعه وهزت رأسها:
“لا، انسَ هذه الفكرة.”
وأخيراً استعادت دورها الطبيعي بعد فترة طويلة.
لقد انقلبت الأدوار غريباً بينهما مؤخراً.
فحتى قبل قليل، هي التي كانت تزأر وهو يهدئها!
“… همم.”
“لقد غيرت هدفي. هدفي الآن أن أجعلك إمبراطوراً عظيماً. لن تساعدني في تحقيقه؟”
وعندها فقط انكسرت حماسته.
لماذا لم يفكر في هذا من قبل؟
مكان بعيد، لا أحد فيه، حيث يعيش مع ديارين وحدهما في قرية ريفية هادئة…
عضّ على شفته بحسرة.
“ربما عندما يكبر الوريث ويتسلم العرش، يمكننا ذلك.”
ربّتت ديارين على كتفه متأخرة.
فهما الآن شخصيتان عظيمتان جداً، لا يمكن أن يختفيا فجأة.
اختفاء سيريس مشكلة، واختفاء ديارين مشكلة، أما اختفاؤهما معاً فسيقلب البلاد.
“الوريث.”
نعم، انتهى الأمر عند كلمة واحدة.
“ديارين، إذن فلنبدأ بصنع الوريث من اليوم.”
“…….”
بات بوسعه الآن التحكم في شدة الإيقاع إلى حد ما، لكن ضبط السرعة ما زال صعبًا.
دفعت دِيارين سيريس الذي كان يقترب منها بعيدًا عنها، ثم رفعت بصرها إلى السماء البعيدة.
المشكلة أنها لم تكن تكره ذلك.
فهي بالكاد تستطيع كبح جماح قلبها، فكيف إذا كان عليها إيقاف سيريس أيضًا؟ كان الأمر مضاعف الصعوبة.
✦✦✦
تطورت عجلةُ سيريس إلى حلٍّ يُنهي حفلة التتويج وحفل الزواج معًا.
قال بحزم:
“بمعنى أنني لن أفلت يد دِيارين من البداية حتى النهاية، لأنني لا أريد أن أفترق عنها ولو للحظة واحدة.”
أومأت دِيارين برأسها بروح المستسلم.
فما دامت قد قررت الزواج، فبإمكانها احتمال قدر من الحرج الاجتماعي.
“لذلك عليك أن ترتدي نفس الملابس تمامًا مثلي.”
“… حسنًا، يمكنني ذلك.”
“لقد أمرتُ بأن يُصنَع تاج الإمبراطور وتاج الإمبراطورة بالشكل نفسه أيضًا.”
“… هل هذا مسموح حقًا؟”
هنا وضعت دِيارين أخيرًا حدًا لاندفاعه، بعدما تركت له كل شيء يسير على هواه.
فتاج الإمبراطور بذاته رمز لسلطته.
أما تاج الإمبراطورة، فمع أنه فخم وجميل، إلا أنه يُصنع دائمًا أقل قيمة من تاج الإمبراطور.
الملابس يمكن تجاوزها… حسنًا، يمكن القول إنه زيٌّ متشابه كالأزواج الآخرين.
لكن التاج أيضًا؟
“لو كان الأمر بيدي لأعطيتُ عرش الإمبراطور نفسه إلى دِيارين…”
“سآخذ نصفه فقط.”
قاطعت دِيارين كلماته بسرعة قبل أن يُكمل.
فسيريس لم يسبق له أن تكلّم بكلمات فارغة قط.
وبما أنها تعرف صدقه، لم يكن مسموحًا أن تطلب شيئًا منه حتى ولو مزاحًا. وإلا لكان سيسلّم كل شيء حقًا ثم يرضى بالعودة إلى كلب صغير بجوارها.
حين حصل على المال والسلطة بالفعل، زال الطمع من قلبه.
وأدركت دِيارين في الآونة الأخيرة أنها إنسانة أبسط مما ظنت.
فلم تكن سوى كارهةٍ للفقر، قد أعماها حب المال في الماضي. لكن عندما أصبح لديها ما يكفي لشراء كل شيء، لم يعد هناك شيء ترغب به حقًا.
“لكن أتمنى أن تتقبلي هذا فقط.”
قال سيريس وكأنه أعدّ شيئًا مسبقًا. وكما توقعت، لم يكن ليمرر الأمر بهذه البساطة.
هزّت دِيارين رأسها ثم نظرت إليه.
“حسنًا، أنا مستعدة. أعطني.”
هيّأت نفسها لتلقي ما سيهديه. فبعد أن تزوجا بالفعل بينهما، لم يعد هناك ما يثير التوتر.
لم يخطر ببالها أنه سيقوم بعرض زواج منفصل من جديد، لكن سيريس كانت له زوايا عنيدة غير متوقعة.
“علينا الانتقال إلى مكان آخر.”
كانا وقتها في القاعة الكبرى. قد أنهيا للتو جولة التحقق من مسار حفل التتويج والزفاف معًا.
ومن حولهما كان الناس يملؤون المكان في صخب، منشغلين في التحضيرات.
حتى الخدم المكلّفين بخدمتهما كانوا واقفين بانتظار الإشارة. فالمكان بدا كسوق مزدحم أكثر منه قاعة فخمة.
“آه، نعم… هذا المكان لا يصلح.”
مهما كان العرض بسيطًا، إلا أن الأجواء هنا لم تكن مناسبة أبدًا.
“هيا بنا يا دِيارين.”
مدّ سيريس يده نحوها.
ومن ثقته في خطوته، بدا واضحًا أنه قد أعدّ شيئًا ما في مكان آخر.
تناولت دِيارين يده وهي تشعر وكأنها ذاهبة لحضور عرضٍ مرح للأطفال.
أبعد سيريس كل من حاول أن يتبعهما، ثم انطلق معها خارج المبنى ركضًا.
وبما أن الجميع يعلم أن الإمبراطور هو الأقوى في العالم، فقد أطاعوا أمره وبقوا خلفه بلا اعتراض.
كانا دومًا محاطَين بالناس، لذا كان هذا أول وقت ينفردان فيه معًا منذ مدة.
وما كان أجمل أن يحدث ذلك تحت أشعة شمس مشرقة.
امتلأ قلب دِيارين بالبهجة، فانطلقت تركض متقدمة على سيريس نفسه.
“دِيارين! هل تعرفين إلى أين تذهبين؟!” صاح سيريس بدهشة.
“لا؟ أنا فقط أجري لأنني سعيدة! أين هو المكان أصلًا؟”
ابتسم سيريس وهز رأسه.
“إن كان المكان يسرّ دِيارين، فأينما كان فهو جيد.”
مع أن لديه مكانًا محددًا في ذهنه، إلا أن ذلك لم يعد مهمًا.
ضحك هو أيضًا بوجه مشرق، وأمسك يدها مجددًا وركض معها بلا تفكير.
أشرقت الشمس بلمعان.
وكان الاثنان يلمعان مثلها، كأنهما شابان في عمرهما الحقيقي.
وأخيرًا، بعدما أنهكهما الجري فتوقفا لالتقاط أنفاسهما، وجدا نفسيهما في مكان مألوف.
“آه… هذا المكان…”
مسحت دِيارين العرق عن جبينها، وحدّقت إلى ما ظهر أمام عينيها.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات