<أدركت ذلك للتو.>
رفع سيريس شفتيه، وحدّق مطولاً في دِيارين.
“القبلة على الشفاه مسموحة.”
أصبح حتى لفظ كلمة “قبلة” محرجًا الآن.
لم تستطع دِيارين مواجهة نظرته، فخفضت عينيها.
لكن، صحيح أن القبلة على الشفاه كانت مسموحة.
ضغط سيريس بشفتيه على جبينها.
“والقبلة على الجبين أيضًا مسموحة.”
ثم على جسر الأنف، وعلى الخد، وعلى الذقن، كلها كانت ممكنة.
الأماكن التي سبق أن قبلت فيها دِيارين وجه سيريس، كانت بمثابة إذن واضح.
لكن عند عنقها، وعند شحمة أذنها، تجمّد جسدها.
كانت تلك المواضع تحمل معنى مختلفًا عن المواضع السابقة.
“……ولماذا هنا بالذات؟”
شعر سيريس بذلك أيضًا. كان صوته وهو يسأل، خافتًا وموحيًا.
“…….”
ابتلعت دِيارين كلماتها وأنفاسها، وأدارت رأسها بعيدًا.
في الحقيقة، شعرت أنها على وشك أن تستسلم لإغواء سيريس العميق.
‘وإن استسلمت؟’
وإن استسلمت، ماذا سيحدث؟
لن يكون هناك من يلوم علاقتهما، ولن تكون هناك مشكلة.
بل على العكس، الجميع سيرحب بذلك.
إذن، أليس هذا كافيًا؟
“……همم. فهمت.”
عندها رفع سيريس جسده بعيدًا عنها.
كان هو نفسه لا يعرف السبب، لكنه اكتشفه.
“ما زلتُ لم أنتزعك تمامًا من يد الحاكم.”
“هاه؟”
كان واثقًا أن جوابه صحيح.
“أنتِ ما زلتِ كاهنة.”
“…….”
تذكرت دِيارين الحقيقة التي كانت قد نسيتها تمامًا.
فهي، رغم كونها “ابنة الحاكم” والوصية على أراضي آريانت، لم تتوقف رسميًا عن كونها كاهنة.
بل وحتى بعد أن عقدت زواجها مع سيريس بطقوس خاصة، ظل اسمها في السجلات الرسمية ضمن الكهنة.
“علينا أن ننهي ذلك أولاً، ثم نعلن زواجنا أمام الجميع. صحيح؟”
“آه؟ آه…… ن-نعم.”
صحيح…… نعم، صحيح.
كلام سيريس كان الترتيب المنطقي للأمور.
لكن، لماذا بدا دفء جسده وهو يبتعد عنها قاسيًا إلى هذا الحد؟
لم تستطع دِيارين أن تمسك به، وظلت مذهولة تردد: “آه… آه…”
“جيد. سأحلّ الأمر حالًا وأعود.”
“……هاه؟”
بدا أن سيريس عازم على إنهاء المسألة فورًا.
نعم، كان ذلك أمرًا لا بدّ منه على أي حال.
لكن في تلك اللحظة، اجتاحها خاطر سريع: “وما أهمية ذلك الآن!”
لا، هذا خطأ. لا يجوز أن أفكر هكذا. حتى سيريس، الوحش الحقيقي، يلتزم بالترتيب والإجراءات… فكيف بي أنا إن تجاوزت ذلك؟
حينها سأكون أسوأ من الوحش نفسه.
ورغم أنها شعرت بأنها بالفعل نصفُ “تلك الإنسانة” الآن، فقد أقنعت نفسها بأنها لا يجب أن تتخطى الحدود.
طمأنت قلبها، وهدّأت مشاعرها.
هي تحتاج وقتًا لتتأقلم مع هذه الأحاسيس الجديدة.
ولذلك، لم يكن عبثًا أن يوجد ما يُسمّى “ليلة الزفاف الأولى”.
كل شيء يحتاج إلى ترتيب.
“حسنًا…… عدْ بعد أن تنهي الأمر جيدًا.”
تركت دِيارين سيريس يذهب بهدوء.
✦✦✦
حدقت دِيارين بالباب المغلق.
“……اليوم أيضًا؟”
حلّ الليل.
لكن سيريس لم يأتِ إليها.
خلال الأيام الماضية، تراكمت الأحداث بشكل خانق.
مجرد التحضير لجنازة الإمبراطور وزوجته كان كافيًا لإرهاق الجميع.
حتى وإن جرت بأبسط شكل، فجنازة الإمبراطور لا يمكن أن تكون صغيرة.
صحيح أن من يقوم بالترتيبات فعليًا هم الوزراء، لكن سيريس أيضًا كان مضطرًا للانشغال بأمور عديدة:
ملابس الجنازة، ترتيب خطوات الموكب، قراءة كلمات الرثاء، وإرسال رسائل العزاء للشعب، إلخ.
أما دِيارين، فلم تستطع أن تتخلف عن الحضور بوصفها “ابنة الحاكم”، لذلك كلاهما كانا منشغلين تمامًا.
وهكذا، اختفى أثر تلك اللحظة الحارّة التي جمعتهما، وترك مكانها وقتًا بارداً وجافًا.
“ليس هذا وقت الانهماك بتلك الأمور.”
فقد حان وقت التحضير الجدي لتتويج سيريس كإمبراطور.
وبحسب قانون الإمبراطورية، إذ لا وجود لولي عهد رسمي، يُحدد الوريث بعد أسبوع من وفاة الإمبراطور.
سيبِيان قد تخلى رسميًا عن حقه في الخلافة، وإندين في حكم الميت وقد اختفى.
وبما أن السماء لن تُنزل فجأة ابنًا سريًا للإمبراطور، فإن بعد أسبوع سيُصبح سيريس الإمبراطور الجديد.
بل إن تتويجه كان محسومًا لدرجة أن الاحتفال بالتنصيب كان مقررًا في اليوم نفسه لإعلان الوريث.
وبالطبع، أُضيفت مهام أخرى: الاستعداد لأي محاولة تمرد، أو ظهور منافس غير متوقع للخلافة.
لكن ذلك لم يكن مما تستطيع دِيارين التدخل فيه.
تخلت عن التحديق في الباب المغلق، واستلقت على الفراش بتعب.
“الأمر غريب.”
حتى الآن، إن كان سيريس منشغلًا، كانت هي تنشغل معه.
لطالما التصقا ببعضهما وكأنهما جسد واحد.
سواء في القصر أو في قصرهما الخاص، نادرًا ما ابتعدا عن بعضهما.
حتى عندما أرادت ذات مرة أن يناما في غرف منفصلة بدافع الحياء، كان سيريس يتسلل إليها ليلًا، لينتهي الأمر بأن يمضيا تقريبًا كل ليلة معًا.
لكن الآن، لعدة أيام متواصلة، لم يعد سيريس إلى غرفتها.
هذه أول مرة يبتعدان هكذا، وكان الأمر غريبًا عليها.
شعرت أن السرير صار واسعًا على غير العادة.
مدّت أطرافها، وأخذت تحركها كما لو كانت تسبح، ورغم ذلك لم تلمس حافة السرير.
“هل كان السرير واسعًا هكذا من قبل……؟”
اختارت سريرًا كبيرًا خصيصًا لأنها كانت تتوقع أن يزاحمها سيريس فيه.
لكن عندما كان يرقد بجانبها بجسده العريض، لم يكن هناك شعور بالاتساع أبدًا.
أما الآن، ومع غيابه، كان السرير فارغًا أكثر من اللازم، والهواء الليلي بدا باردًا بشكل استثنائي.
لفّت جسدها بالغطاء بإحكام، وانكمشت داخله.
لكن حتى ذلك لم يُبدّد البرد.
“نامي… نامي…”
حاولت دِيارين أن تُرغم نفسها على النوم.
لا أستطيع النوم لمجرد أن سيريس ليس هنا؟ هاها، يا لسخافة الأمر…
…لكنه لم يكن مضحكًا حقًا.
هبطت زوايا فمها بحزن.
شعرت فجأة وكأنها تُركت وحيدة في هذا العالم.
“أيها الأحمق، هل تتخلى عني الآن بعدما كبرت وصرتَ إمبراطورًا؟”
لقد حولتْ ذاك “الكلب المسعور” إلى رجل نبيل، بل إلى إمبراطور.
كانت حياتها قد اندمجت في حياة سيريس منذ زمن بعيد.
لكن بغيابه عن جانبها، بدأت تتساءل إن كانت قد ارتكبت حماقة.
“……لا أستطيع النوم.”
تدحرجت ديارين هنا وهناك، لكنها في النهاية جلست منتصبة من جديد.
لقد كان هذا يتكرر منذ عدة ليالٍ.
خرجت ديارين من السرير وأخذت تتمشى في أرجاء الغرفة.
كانت متوترة.
(لماذا أنا متوترة؟)
لم تعد مجرد “كاهنة تافهة لا قيمة لها”.
لقد اعترِف بها كابنة للحاكم، وخارج القصر الإمبراطوري يقف الناس في طوابير يوميًا طلبًا لرؤيتها.
حتى من دون سيريس، لم يكن في حياة ديارين ما يدعو للقلق.
(من دون سيريس؟)
عند هذا الخاطر الذي تبادر بلا وعي، توقفت خطوات ديارين فجأة.
“هل يمكن أن……، لا يكون سيريس موجودًا في حياتي…….”
نعم، يمكن.
حقًا؟
هل يعقل ذلك؟
…نعم، قد يعقل.
سيريس ليس كلبًا حقيقيًا.
الكلب لا يستطيع النجاة من دون مالكه. حياته كلها قائمة على الولاء المطلق.
لكن سيريس مختلف. إنه شخص مقدَّر له أن يصبح إمبراطورًا لدولة بأكملها. حتى لو اختفت ديارين، فبإمكانه أن يجد شيئًا آخر يحل مكانها.
الواقع أمر لا يمكن لأحد أن يتنبأ به.
حتى الأزواج المقيَّدين بعقد الزواج كثيرًا ما ينفصلون.
ولم يكن هناك ما يضمن أن الأمر سيكون مختلفًا بالنسبة لهما.
حتى الآن، كان الأمر واضحًا.
سيريس، الذي لم يكن يطيق الابتعاد عن جانب ديارين، لم يظهر لها منذ عدة أيام.
ذاك الذي بدا وكأنه يحترق شوقًا لرؤيتها دومًا، وكأنه لن يحتمل لحظة من دونها، صار الآن غائبًا، وكأن شيئًا من ذلك لم يكن.
لقد صار سيريس كيانًا مستقلًا، لا يحتاج بالضرورة أن تكون ديارين بقربه.
شعرت ديارين بدوار مفاجئ، فوضعت يدها على رأسها.
(أنا…….)
لقد كانت دائمًا تتوقع مجيء ذلك اليوم.
اليوم الذي يستطيع فيه سيريس أن يعيش جيدًا، ويصمد من دونها.
لكن حين بدا لها أن ذلك اليوم قد اقترب فعلًا، انقبض قلبها بشدة وسقط إلى القاع.
كانت تظن أنه حين يأتي ذلك اليوم، ستشعر وكأنها تخلصت من أعباء ثقيلة معلقة بها، وأن الأمر سيكون مريحًا.
لكنه لم يكن كذلك.
حتى وإن لم يكن سيريس قد رحل فعلًا، فإن مجرد تخيُّل الأمر جعل نصف قلبها وكأنه قُطِع فجأة.
“……سيريس.”
وضعت ديارين كلتا يديها على فمها.
لم يكن مجرد فراغ في قلبها، بل كان ألمًا جسديًا حقيقيًا.
لقد سمعت أحدهم يقول يومًا: عندما تنتهي المحبة، تشعر وكأن قلبك قد تحطم.
هل كان هذا هو ما قصده؟
الآن فهمت.
حتى وإن لم يتحطم قلبها بعد، وحتى وإن كان مجرد احتمال أن يتركها سيريس يومًا، فمجرد الفكرة وحدها جعلت الألم لا يُحتمل، وكأن قلبها ينهار.
“……آه. ماذا أفعل؟”
أنَّت ديارين وهي جالسة القرفصاء.
حتى إن لم يكن سيريس سيرحل الآن، فإن حقيقة أنه لم يعد بحاجة ماسة إليها، ستؤدي مع الوقت إلى أن…….
في يوم من الأيام.
سيأتي الانفصال حقًا.
الانفصال العادي.
ذاك الذي يمر به كل البشر، مرة أو مرات عدة في حياتهم.
(إن كان الأمر كذلك…….)
فالأفضل أن تنهي الأمر الآن.
وهم ما زالوا في بدايته.
قبل أن يعرف أحد أنهما متزوجان.
لأنه إذا مضت الأمور حتى يصل زواج الدولة “الرسمي”، فلن يكون في مقدورهما التراجع.
وقد ينتهي بها الأمر إلى أن ترى سيريس يتوق للتخلص منها بأي شكل، وهذا سيكون اليوم الذي يتحطم فيه قلبها تمامًا.
إذن، الأفضل أن تنهي الأمر الآن.
فلم يتجاوزا بعد تبادل القبل.
حتى وإن أقاما زفافًا صغيرًا وحدهما، لم يكن ذلك مختلفًا كثيرًا عن الأطفال الذين يتبادلون خواتم الأزهار ويتعاهدون على الزواج.
إن أرادت الانسحاب، فالوقت الآن.
صحيح أن الأمر مؤلم بالفعل، لكنه الآن سيكون أقل ألمًا من المستقبل.
أما إذا انتظرت حتى يتزوجا رسميًا وتزداد مشاعرها عمقًا، فسيكون الأوان قد فات.
انتعلت ديارين نعليها فوق ثوب نومها، وركضت نحو الممر.
لم يكن هناك مجال لتضييع الوقت.
ففي أثناء ذلك، كان قلبها يزداد ثِقلاً ويغوص أكثر فأكثر.
حتى وهي تركض نحو سيريس لتقول له أن ينتهيا الآن، كانت عيناها تدمعان شوقًا لرؤيته.
“ديارين!”
وفجأة ظهر سيريس أمامها.
توقفت خطوات ديارين دفعة واحدة.
لكن سيريس، الذي كان يركض نحوها من آخر الممر، لم يتوقف.
“لماذا، لماذا…….”
(ليس الآن.)
لقد كانت تريد أن تهيئ نفسها حتى تجد سيريس، ثم تفتح قلبها بالكلمات.
لكن بما أنه ظهر فجأة، فإن وقت البوح تقدّم قبل أن تستعد.
“ديارين!”
وفي اندفاعه، عانقها سيريس بقوة.
وكأن عاصفة عاتية دفعتها، وجدت ديارين نفسها بين ذراعيه.
ذراعان دافئتان، عريضتان، قويتان.
كما لو أن حجرًا سقط في بحيرة، قفز سؤال في ذهنها:
(لكن، هل أستطيع حقًا أن أنفصل عنه؟)
……لا.
وضعت ديارين يديها على ظهر سيريس وأحاطته بقوة.
لقد صار من المستحيل أن تتركه.
ولم تدرك ذلك إلا الآن.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 201"