<قبلة أعمق>
رفع سيريس عينيه اللامعتين ونظر إلى ديارين.
وهنا يكمن الجانب المخيف في سيريس.
فهو لا ينطق بكلمة إلا ويقصدها بكل صدق.
كل ما يخرج من فمه يكون حقيقة من قلبه.
“آه… حقاً…”
تنهدت ديارين متذمرة، فما كان منه إلا أن أخرج شفتيه للأمام طالباً منها قبلة.
(حسناً، خذها، خذ.)
أمسكت ديارين وجنتيه بكلتا يديها وضغطت شفتيها بقوة على وجهه.
على جبينه، جفونه، أرنبة أنفه، وجنتيه، شفتيه، في كل مكان بلا استثناء.
ضغط، ضغط، قبلات متلاحقة.
كان هو من طلب أن يتذوق شفتيها، لكن الصورة انقلبت.
فقد بدت ديارين وكأنها هي التي تلتهمه، تمتص وجهه كله بشراهة.
وترك وجه سيريس وقد غطته آثار القُبل الحمراء، على وجنتيه وجبينه.
“هاهاها…”
ومع ذلك، كان يضحك راضياً، وكأن هذا أمر عظيم.
وهذا الرجل هو من سيصبح الإمبراطور القادم لهذه البلاد!
(ما الذي أفعله أنا الآن؟)
فكرت ديارين وهي تتوقف وقد شعرت وكأن عقلها تلقى صدمة.
أما سيريس، فلم يكن عليه أي أثر من ذلك.
“أكثر.”
“أي أكثر؟!”
“أكثر، رجاءً.”
“إن أكملت فسيصير وجهك أشبه بتفاحة!”
“حتى لو صار كذلك، فلا بأس.”
ضحكت ديارين ضحكة خفيفة خرج معها النفس.
كان دائماً هكذا، ومع أنه لم يتغير قط، إلا أنها كل مرة تستغرب من ذلك من جديد.
“إلى متى، وكم عليّ أن أعطيك حتى لا تقول إنه لا يكفي؟”
الأرجح: إلى الأبد.
فهو سيظل عطشاناً لها إلى الأبد، وسيظل يشعر بالنقص.
سألت ديارين وهي تدرك تماماً أن هذا السؤال جوابه واضح.
كانت تعلم أن هذا النقص الذي لا يُملأ هو نفسه ما يربط رغباته بها.
“هممم…”
حتى على هذا السؤال الواضح، بدأ سيريس يفكر بجدية.
(ماذا؟ هل هو يفكر فعلاً؟ بجدية؟ وهل التفكير يخرج له جواباً؟)
“لا أعلم.”
(كما توقعت.)
ابتسمت ديارين للجواب الذي لم يخرج عن توقعاتها، وطبعَت قبلة على جبينه.
وإن كان لا يُشبع أبداً، فلتُغدق عليه بقدر ما تستطيع.
ابتسم سيريس وهو يرخى جبهته التي تجعدت بالتفكير.
وكان وجهه وهو ينظر إليها مشرقاً.
“لكن قولكِ إنه لا يكفي يعني أنكِ تعطينني القليل.”
“وهل هذا لا يكفي؟”
قبّلت ديارين شفتيه بصوت مسموع لتُثبت له.
ابتسم سيريس من جديد بارتياح، وابتسامة كهذه تدعو الآخر للابتسام رغماً عنه.
“ديارين تعطيني الكثير، لكن رغبتي بالمزيد… ما يُسمى ذلك؟”
مد يده فجذبها من عنقها وخصرها نحوه.
كانت قوة جذب خفيفة، تكفي لأن ترفض إن أرادت.
فترددت ديارين للحظة وقاومت.
(إلى أين يريد أن يصل بعد أن سايرته قليلاً؟)
“طمع.”
وبنبرة تأديب، نكزت ديارين أنفه بطرف إصبعها كما يؤدَّب الجرو.
(ابقَ هادئاً، وسأُشبعك من تلقاء نفسي.)
“…طمع.”
رفع سيريس حاجبيه، وكأنه اكتشف جانباً جديداً من نفسه لم يكن يعرفه.
“كلما نظرت إلى ديارين شعرت بالطمع.”
وسرعان ما طبّق ما تعلمه لتوه.
“أي طمع؟”
“طمع بأن أجعلها ملكي وحدي. طمع بأن تنظر إليّ أنا فقط. طمع بأن ألمسها، وألمسها مرة أخرى.”
“…”
كان صوته يهبط شيئاً فشيئاً.
صوت ثقيل بدا وكأنه يستقر في أسفل بطنها.
واختفت تدريجياً الابتسامة المرحة من وجه ديارين أمام هذا الثقل.
كان شدّه على عنقها وخصرها يزداد شيئاً فشيئاً.
حتى بات دفع صدره بعيداً لم يعد ممكناً.
“طمعٌ بامتلاك ديارين كاملة.”
“…”
شعرت وكأن صخرة هائلة انقضّت عليها.
وانقطع نفسها.
حدقت ديارين فيه بوجه جاد صارم.
وكانت ابتسامته قد اختفت من وجهه هو أيضاً دون أن تدري.
وببطء أخذ وجهه يقترب منها.
لم تعرف إن كان هو الذي يعلو نحوها أم هي التي تنحني نحوه.
لم يبقَ في العالم شيء سوى سيريس.
فقد غرق كل شيء في الظلام، ولم يبقَ واضحاً سوى ملامحه.
عينيه المحدقتين فيها، أنفه البارز، شفتيه المتوردتين.
كل تفصيلة صغيرة في شفتيه رأتها كما لو كانت منقوشة أمام عينيها.
(قريب جداً!)
دقات قلبه انتقلت عبر جسديهما المتلاصقين.
حتى التبست عليها: أهذا قلبها الذي يخفق، أم قلبه؟
امتلأت أذناها بدقات القلب.
وكأن قلبين أصبحا في صدرها.
شعرت وكأن صدرها سينفجر.
“…ديارين.”
كان نداءً أجشًّا، يختلط فيه الصدأ بالصوت كأنه قد بُحّ.
ديارين لم يُجب، بل استنشق نَفَسًا عميقًا، كما لو كان يستعد للغوص في أعماق الماء.
أصابع سيريس التي كانت ممسكة بعنقها انزلقت بين خصلات شعرها، نحيلة وطويلة لكنها متينة.
لم تكن قوة لا تُقاوَم، ومع ذلك لم تستطع أن تتجاهل الشهوة المتدلية من أطراف تلك الأصابع.
شهوات متدلية كالعناقيد كبّلت جسدها كلها.
لم تعد ترى وجه سيريس كاملًا، بل صارت تركز فقط على حدّ الأنف الحاد، والرموش الطويلة، والعيون العميقة.
ثم شيئًا فشيئًا امتلأت رؤيته بالكامل بعينيه الساحرتين.
في تلك اللحظة التي لمح فيها انعكاس عينيها الواسعتين داخل عيني سيريس، أُسدلت جفونها فجأة.
“هُب…!”
ما إن تلامست الشفاه حتى ابتلعت ديارين نفسها دون وعي.
القبلة لم تكن غريبة عليها، لكنها شعرت أن هذه مختلفة.
بمجرد أن لامسته، انسكبت كتلة من النار على امتداد عموده الفقري، فأضرمت جسدها كله.
تلك الشفاه التي كانت تعرفها دائمًا… لم تكن مجرد شفاه.
بل حرارة قادرة على إذابة الجسد.
‘هل كانت شفتا سيريس هكذا دائمًا؟ هل بهذا الدفء؟’
سيريس جذبه أكثر، فأصبح جسداهما ملتصقين من الشفاه حتى أسفل البطن، دون أن تترك إبرة مجالًا بينهما.
“ممف… مم!”
ديارين انكمشت بحيرة أمام الإحساس الغريب.
كمن يدخل الماء لأول مرة في حياته، ارتبكت.
ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟
دقات قلبها ارتفعت، كأنها طبول حرب تُعلن الهجوم.
ومع ذلك، كانت هناك قشعريرة رقيقة كزغب يلامس أطراف أصابعها.
ركبتاها تقاربتا بلا إرادة.
فخذ سيريس القوي شق طريقه بين ساقيها واتخذ مكانه كما لو تشابك معهما.
حاولت أن تتراجع، لكن راحة يد سيريس الكبيرة التي أحاطت ظهرها كله ضغطت عليها، فلم تستطع الحركة.
ذلك الجسد الصلب الذي احتك بأسفل بطنها كان غريبًا. حتى لو رأت كل شيء من قبل، فالملامسة أمر مختلف تمامًا.
“أمف! ها… آه!”
“……ديارين.”
تمكّنت أخيرًا من إبعاد شفتيه قليلًا وهي تلف رأسها، تلهث، فيما كان سيريس يزأر محاولًا الانقضاض من جديد.
“انتظر… آ!”
احتاج إلى بعض الهواء. أدارت رأسها رافضة، دافعة سيريس بعيدًا.
لكن في تلك اللحظة انكشفت عنقها البيضاء بوضوح تحت عيني الوحش الغاضب.
وكما لو كان كلب صيد بارعًا، لم يتردد سيريس.
شفتاه التائهتان وجدت هدفًا آخر.
“آه! أَيها…!”
ارتجف جسد ديارين من الصدمة، وقلب سيريس قفز بقدر ارتعاشه.
كان كمن يتذوق أخيرًا وليمة لطالما حُرم منها.
امتلأ صدره شعورًا بالرضا حتى بدت أنفاسه كأنها تصعد من بطنه الممتلئ.
“…هاه.”
صوت أنينه جعل جسد ديارين يرتجف مجددًا.
شعرت أنه لن يُفلتها هذه المرة.
هذا اللعين… لقد اصطادني اليوم فعلًا.
“…ديارين.”
تمتم سيريس باسمه وهو يغرز أسنانه بخفة في عنقها.
حتى الشفاه لم تعد تكفيه.
“لا… لا تفعل…”
دفعت ديارين كتفه بغريزة، لكن ذراع سيريس التي أحاطت خصرها بشدة أكثر.
“لماذا؟ لماذا لا يا ديارين؟”
“لأن…”
“همم؟”
رفعت ديارين رأسها تلهث، محاصرة من كل الجهات.
لم يعد سيريس ممددًا في حضنها، بل صار الآن يغطيها بجسده كالسقف، ينظر إليها من فوق ويحتضنها بإحكام.
أي حركة بسيطة منه كانت تلامس جسدها.
وجهها شاحب من الحرج.
لا يوجد مجال للهروب.
“لماذا لا أقبّل أماكن أخرى من جسدك يا ديارين؟”
“هذا… أعني…”
“ألا يعجبك؟”
سأل وهو يحدق في عينيها مباشرة.
أخذت ديارين نفسًا عميقًا.
كانت تعرف أن كلمة “لا” صريحة ستجعل سيريس يبتعد فورًا.
ومهما كان جائعًا، فقد وثقت أنه سيحترم ذلك.
لكن المشكلة…
“الأمر ليس أنني لا أريد!”
لو لم ترغب، لكانت دفعته أو أشعلت النار فيه لتفلت.
المشكلة أنها لم تكره الأمر، بل العكس.
فماذا يُسمّى هذا؟
كانت تشعر أن الأمر خاطئ، لكنها لم تجربه من قبل لتعرف السبب.
“إنه… فقط…”
تعثرت في كلماتها غير قادرة على توضيح نفسها.
وفي تلك الأثناء، كان قلبها يضخ الدم بسرعة نحو وجهها.
ولم يغفل سيريس عن ذلك.
“ديارين… لا يبدو أنك ترفضين.”
“……”
“إذًا، ما المشكلة؟”
أسند جبهته إلى جبينها وبدأ يفكر جديًا.
لكن يديه كانتا ما تزالان تتحركان ببطء على خصرها.
“الأمر… غريب.”
“غريب؟”
“كلّه.”
رمش سيريس بدهشة كأنه لا يفهم.
“أتعنين هذا الإحساس؟”
ثم عضّ شفته برفق طويلًا وأفلتها.
الإحساس ديارين تقشعر.
“أه…!”
“إذن هذا هو.”
ابتسم سيريس وقد وجد جوابًا. ورأى كذلك الجواب الخفي خلفه.
“لكن لا يبدو أنك تكرهه، أليس كذلك يا ديارين؟”
ثم ضحك بعينيه وألصق شفتيه من جديد.
ارتعشت ديارين مرة أخرى، لكنها لم تستطع رفضه هذه المرة أيضًا.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 200"