بفضل تصريح شارلوت تغيّر جو قاعة الاجتماع فجأة، وتم حسم الموقف بلا رجعة.
لم يبقَ أمام الجميع سوى خيارين لا ثالث لهما:
إمّا البقاء هنا ومبايعة سيريس كأمبراطور، أو الاعتراض والخروج.
وقف دوق جيرن من مكانه وهو يدفع الطاولة أمامه، وصوت خشخشة مزعج دوّى في القاعة، يؤذي الآذان.
أخذ الدوق يتفحص وجوه الحاضرين واحداً تلو الآخر.
بعضهم نظر إليه بحدّة، وبعضهم خفَض رأسه متجنباً النظر. لكن أحداً لم ينهض ليلحق به.
“…….”
تنفّس دوق جيرن بعمق، ثم خرج من القاعة بخطوات بطيئة، كمن يحاول أن يتمسك بآخر ذرة من كبريائه.
لقد كانت هزيمة كاملة.
لم يعد هناك أي طريقة للمقاومة. كان هذا هو السقوط النهائي لبيت جيرن، البيت الذي كان في قمة السلطة حتى قبل أن تظهر الإمبراطورة السابقة.
“إذن، هل يمكننا الانتقال الآن إلى مناقشة مراسم جنازة الامبراطور الراحل؟”
عادت القاعة وكأن شيئاً لم يحدث. تلاشى وجود دوق جيرن من ذاكرة الجميع في لحظة.
“عادةً ما يتولى الكاهن الأكبر في معبد القصر مراسم جنازة الامبراطور…”
“لكن الكاهن مِيريان أيضاً اختفى، أليس كذلك؟”
“هُم، هممم.”
مع اختفاء إندين، انتشر خبر اختفاء الكاهن مِريان أيضاً. لكن لم يكن واضحاً هل كان ذلك هروباً أم اختفاءً غامضاً.
“الأصل أن يتولى المعبد التحقيق أولاً في شؤون الكهنة قبل أن يتدخل القصر.”
من المؤكد أن المعبد بدأ بالتحرك. وبما أن المعبد كيان منفصل عن القصر، لم يكن القصر قادراً على التحقيق بنفسه.
وهذا كان أمراً جيداً. لأن تدخل المعبد وحده سيجعل سيريس أكثر براءة في نظر الجميع.
“إذن، هل ستقام الجنازة خارج القصر…؟”
“ولِمَ نقيم جنازة فاخرة أصلاً؟ من الأفضل أن تكون بسيطة وهادئة داخل القصر.”
“صحيح، فالتتويج سيُقام قريباً، ولا داعي لكل مرة أن نقيم المراسم خارج القصر.”
الموتى لا يتكلمون. والسلطة الميتة لا تُحترم.
أُرسل الامبراطور الراحل ببرود قاسٍ من الجميع.
“وهل الأمر يقتصر على التتويج فقط؟”
قطع سيريس فجأة نقاشهم.
“ماذا تعني، يا مولاي؟”
“أعني بقية المراسم التي ستُقام في القصر.”
“أه… سيكون هناك حفل استقبال للكاهن الجديد…”
“غيره.”
“……؟”
بدأ الوزراء ينظر بعضهم إلى بعض بارتباك. من الواضح أن الامبراطور المنتظر يريد إجابة بعينها، لكن أحداً لم يعرف ما يقصده.
جنازة الحاكم السابق، حفل التتويج، الكاهن الجديد… ماذا بقي؟
“مراسم تأبين الامبراطور السابق؟”
“ولماذا نفعل ذلك الهراء؟”
“صدقت، يا مولاي.”
خاطئة أيضاً.
“ربما… مراسم خاصة بالأمير الثاني…؟”
“هل أنتم متأكدون أنه مات؟”
“… لا، يا مولاي.”
وهكذا ظهر وجه آخر لفائدة اعتباره “مفقوداً”. ما دام موته غير مؤكد، فلا حاجة لإقامة جنازة له.
ازدادت ملامح سيريس سواداً شيئاً فشيئاً. وكانت مهمة الوزراء تهدئة مزاجه.
لكن كل إجابة خاطئة جعلت التوتر يزداد أكثر.
“غيره.”
طالبهم سيريس مرة أخرى. هذه المرة بدا صوته وكأنه تهديد صريح بالقتل إن لم يأتِ الجواب الصحيح.
بدأ الوزراء يرتجفون عجزاً. “لا نعلم” لم تكن إجابة مسموحة.
“عندما يتولى الامبراطور الجديد العرش، فعليه أيضاً أن يتزوج سريعاً. اختيار إمبراطورة جديدة أمر أساسي لاستمرار العرش.”
تدخلت شارلوت في اللحظة الحاسمة.
وفوراً، لانَت نظرات سيريس الحادة.
أما ديارين، التي جلست مترددة طوال الوقت، فقد شكرت شارلوت بعينيها.
وردت شارلوت بخفض بصرها بتواضع.
“لو استمر هذا الجو أكثر، لكانت ديارين في موقف صعب. لذا كان لا بد أن أتكلم!”
بالنسبة لشارلوت، لم يكن هذا صعباً.
وما إن سمع الوزراء جوابها، حتى بدا وكأنهم استيقظوا فجأة من غفلتهم.
“أهذا ما كان يقصده؟!”
الجميع كان يعرف أن العلاقة بين سيريس وديارين وثيقة.
ورغم أن الطرفين لم يعلنا ذلك رسمياً بعد، إلا أن أحداً لم يتخيّل وجود زوجة أخرى غير ديارين.
لكن لم يتوقع أحد أن يُطرح موضوع الزواج في وقت لم يُقم فيه حتى حفل جنازة الامبراطور السابق.
“نعم! بالطبع سيكون هناك زواج ملكي! إنه أبهى مراسم القصر!”
“صحيح! إنه أسعد مناسبة أيضاً، ويجب أن نكرّس كل الجهود لها!”
بدأ الوزراء يتسابقون في كلمات التملق.
أما سيريس فهزّ رأسه برضا.
“إذن، يجب أن نبدأ بالتحضير سريعاً.”
“… سيدي؟”
مهما حاولوا اللحاق بتمجيده، إلا أن حماسه تجاوز الجميع.
كان الأمر مبالغاً فيه… إلى درجة أن الوزراء خافوا أن يُقام حفل الزواج قبل أن يولد الوريث الأول!
وهكذا، بدأت خطة المراسم المستقبلية في القصر تتداخل بشكل مربك.
وكانت بطون الوزراء تلتوي قلقاً مع كل كلمة.
✦✦✦
“لم نرك منذ مدة طويلة.”
اختفاء الكاهن الأكبر كان حدثاً جللاً. لا يمكن التغاضي عنه ببساطة.
ولم يكن اختفاءه عادياً، بل رافق اختفاء الأمير الثاني.
فإن كان إندين قد مات، فلا شك أن مِريان مات معه. وإن كان قد هرب، فلا بد أن الكاهن هرب معه.
في كلتا الحالتين، كان من المستحيل العثور عليهما.
لكن المعبد بدأ فعلاً تحقيقاً جدياً.
“هل تقول إن لجنة تحقيق مقدسة ستتولى القضية؟”
المفاجأة أن بولين هو من ظهر رئيساً للجنة. ذلك الرجل نفسه الذي كان محقق القضايا المقدسة لحظة اختيار ديارين كـ “ابنة الحاكم”.
“لكن… أليست هذه الحادثة غير متعلقة بالقوة المقدسة؟”
المعبد مؤسسة ضخمة.
ورغم وجود قوانين الإمبراطورية، فإن للمعبد جهازه الخاص للتحقيق الداخلي.
كان هذا الجهاز مسؤولاً عن التحقيق في فساد الكهنة وجرائمهم.
وبما أن اختفاء الكاهن مِريان لم يكن بسبب قضية مقدسة،وفقد كان من المفترض أن يتولى التحقيق القسم الداخلي، لا لجنة التحقيق المقدسة.
“المعبد يعتقد أن هناك احتمالاً لتدخل القوة المقدسة في هذا الاختفاء المفاجئ.”
“آه…”
“لكن… لن يكون الأمر أنك أنتِ، يا ابنة الحاكم، من أحرقتَه، صحيح؟”
“……”
“لماذا لا يكون كذلك؟”
سؤال بولين وخز ضمير ديارين بعمق.
فهو شخص كان يستحق الحرق حقاً، وكل ما حدث كان حادثاً لا مفر منه وهي تحاول منع إندين من القتل، لكن الكذب بشأن ذلك ظل يثقل قلبها.
“هاهاها… أنا؟ مستحيل طبعاً، ولماذا أفعل ذلك؟”
“لأن الكاهن مِريان كان متواطئاً مع الأمير الثاني.”
“……!”
اتسعت عينا ديارين بدهشة.
“أكنتَ تعلم؟”
“ومن في القصر لا يعلم؟”
ابتسم بولين باستخفاف.
بينما انطفأ كل أثر للابتسامة عن وجه ديارين.
هل من الممكن أن يكون حتى محقق القضايا الخاصة بالحاكم متواطئاً مع الأمير الثاني؟
‘إذن، لماذا لم يبدأ التحقيق من قبل؟’
فكرت ديارين بقلق أنها قد تضطر لمواجهة المعبد حقاً هذه المرة.
فاشتد توترها.
“المعبد لم يكن يرغب بخوض صراع مع القصر إلا عند الضرورة.”
“!”
لكن بولين أجاب بإجابة عادية جداً.
“التعرض للأمير الثاني أمر محفوف بالمخاطر حتى بالنسبة للمعبد. ثم إن الكاهن الأكبر لمعبد القصر يكاد يُعد قوة مستقلة بذاتها.”
لو أن مِريان حاول مد نفوذه خارج المعبد، لكان المعبد تصدى له فوراً. لكنه كان شديد الحذر، فلم يمد يده خارجه أبداً.
وبذلك تركه المعبد يتصرف سنوات طويلة، وكأنه لم يره.
“إذن لو أن الأمير الثاني أصبح الامبراطور، لاستمر كل شيء كما هو؟”
رغم أنها الآن في موضع المتهمة، إلا أن صدر ديارين امتلأ غصة. فقد كان ممكناً لذلك المجرم الكبير أن يعيش حياته كلها آمناً مرفهاً.
فأطلقت كلماتها بسخرية:
“……نحن نخدم الحاكم، لكن البشر ليسوا بلا خطايا.”
اعترف بولين بصراحة.
إن كان هذا هو توجه المعبد، فلن يكون بوسع محقق واحد أن يغير شيئاً.
“وهل تنوون الآن إجراء تحقيق جاد؟”
“سنبدأ بالتركيز على قضية الاختفاء أولاً.”
“أتمنى أن تنجحوا في العثور على الحقيقة.”
قالت ديارين ذلك ببرود، متظاهرة بعدم معرفتها.
لكنها كانت واثقة أن ما سيبحث فيه بولين فعلياً هو الصفقات والعلاقات المشبوهة بين إندين والكاهن مِريان.
أما التحقيق في قضية الاختفاء، فحتى لو بدأ بشكل جدي، لم تكن تخشى شيئاً. فهي كانت قد أخفت الأدلة بإحكام شديد.
“لكن… هل حقاً لم تحرقيه؟ لقد وجدنا بقايا طاقة نارية ناتجة عن قوة الحاكم في أحد أركان المعبد.”
آثار الحريق يومها صارت رماداً وتلاشت.
لكن أثر القوة ظل باقياً قليلاً.
لم يكن هناك كثير من الكهنة يمتلكون قوة الحاكم، لذلك لم ينتبه أحد، لكن بولين بحساسيته التقط ذلك.
فأشعلت ديارين ناراً صغيرة فوق يد بولين.
لم تحرق جلده، بل ظهرت في الهواء فوق يده.
ارتبك بولين ونظر إلى يده متفاجئاً.
لكنه لم يثر ضجة، ربما لأنه يمتلك بدوره قوة الحاكم.
وانطفأت النار بعد لحظة.
“أرأيت؟ قوة الحاكم لا تؤذي البريء. وحتى لو كنتُ أنا من حرق الكاهن مِريان، فذلك لأن لديه خطيئة استحقت أن يحرقه الحاكم.”
قالت ديارين بثقة وهي تخدع ببراعة.
بولين حدّق في يده لحظة ثم قال:
“……شعرت بالحرارة فعلاً.”
“…….”
“لكنها لم تحرقني.”
ماذا كان يقصد؟
نظرت إليه ديارين بقلق، لكنه بادلها بابتسامة هادئة.
“يبدو أنني بلا خطايا إذن.”
لقد اختار بولين أن يتظاهر بتصديق كذبتها.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 198"