تراجعت ديارين خطوة للخلف وكأنها تصنع المسرح لسيريس.
سيريس التقت عيناه بعيني ديارين.
رغم أنه تحدث عن مصير الاثنين بنبرة أقرب إلى المزاح، إلا أن هذه كانت لحظة مهمة.
لحظة نهاية الصراع الطويل مع إندين، ولحظة حسم العرش.
لكن المدهش أنه لم يشعر بأي فكرة أو إحساس.
سيريس ظل يحدق بصمت في الاثنين الممددين على الأرض.
“النهاية.”
لقد كان صراعاً طويلاً حقاً.
بقتل إندين فقط، سينتهي كل شيء.
سيتحرر من القيود التي لازمته طوال حياته.
لكن يده لم تتحرك.
لا، لم يكن يعرف حتى إن كان عليه أن يتحرك.
“سيريس؟”
بنداء ديارين، استفاق سيريس فجأة.
أعاد تثبيت عينيه على الهدف أمامه. المهمة التي يجب أن يقوم بها.
“أقتله، أليس كذلك؟”
“هذا ما يجب أن تقرره أنت. افعل ما تريده يا سيريس، ولا تفكر بما بعد ذلك.”
كان قصد ديارين تشجيعه، لكن كلماتها جعلت ارتباكه يزداد.
أن يقرر بنفسه؟ أن يفعل ما يشاء؟
“إن لم ترغب في قتله حالاً، يمكنك أن تتركه وتموته ببطء. أو تحبسه فلا يموت ولا يعيش، وتظل تعذبه حتى نهاية عمرك. وإن كان سيموت، فسأبقيه حيّاً مجدداً. أو إن أردت أن تُنهي الأمر وفق القانون، أستطيع إبقاءه حياً لأجلك… مع أني لا أحب ذلك.”
ديارين، وقد أساءت فهم تردده، راحت تطرح خيارات أخرى.
لكن حتى بسماعها، قلب سيريس لم يتحرك.
“الأكثر عقلانية هو التخلص منه.”
حتى إن لم تتحرك المشاعر، عقله ظل يعمل.
بجعله في عداد المفقودين وجلوسه على العرش، سيكون الأمر أنظف وأبسط.
كلما طال الوقت، ازدادت المخاطر.
إندين هو العائق الأكبر أمام حياة هادئة مع ديارين.
فاتخذ سيريس القرار العقلاني.
“لم أقصد هذا تماماً…”
تجعدت ملامح ديارين مع رد سيريس المخالف لتوقعاتها.
لقد جلبت الاثنين بنفسها مستخدمة هوليان كـ “ساعي توصيل”، فقط لتمنح سيريس فرصة لتفريغ ماضيه.
“أليس هؤلاء هم السبب في انحراف حياتك؟ إندين هو أصل كل البلاء، حتى لو استثنينا ميرِيّان الكاهن الأعظم… ألا تشعر بالغضب؟”
لكنها أدركت فجأة—هل سبق لسيريس أن عبّر عن غضبه تجاه إندين؟
رغم أنه كرر دائماً أنه سيقتله، إلا أنه لم يقل قط إنه غاضب منه.
ولا حتى تجاه الإمبراطورة فينليا، ولا تجاه الحاكم نفسه. لم يُبدِ غضباً قط تجاه أحد.
“…نعم.”
وكأن سيريس قد نسي كيف يشعر بالغضب أصلاً.
وجهه بدا هادئاً وهو ينظر في عيني ديارين.
لكن ديارين قرأت بوضوح أن هذا الهدوء لم يكن إلا قيداً وقمعاً.
الذكريات المقيدة يمكن أن تفك بالسحر المقدس.
لكن المشاعر المكبوتة، لا سلطان حتى للقوة المقدسة عليها.
“…ما الذي يجب أن أفعل بك؟”
أمسكت ديارين وجه سيريس بكلتا يديها.
وسيريس ظل ينظر إليها بصمت.
ذاك البريق الثابت في عينيه، الذي كان يبدو لطيفاً ومحبوباً من قبل، أصبح الآن يثير الشفقة والحزن.
دموعها انهمرت.
“كلبي المسكين.”
ظننتك رجلاً، لكنك عدت كالجرو.
جرو مسكين، مثخن بالجراح، عاجز حتى عن البكاء.
مجرد كائن ينظر بعينين بريئتين، غير مدرك أن الآخرين يشفقون عليه.
“أنا غاضبة.”
“أنتِ، ديارين؟”
“نعم، منهم. لأنهم سرقوا كل ما هو ثمين بالنسبة إليّ… سرقوا منك حياة الأمير الأول المترفة التي كان يجب أن تعيشها، طفولة كان يجب أن تُغمر فيها بالحب، المجد الذي كان يجب أن يسطع أمام الجميع… كل ذلك، سلبوه منك.”
ديارين صرّت أسنانها وهي تردد.
لو كان الأمر يخص شخصاً بعيداً، لكانت اكتفت بقول: “يا له من أمر مؤسف”، ثم تجاهلته.
لكن لأنه يخص سيريس—الذي صار أثمن من العائلة نفسها—فقد كان كأنه شأنها هي، فأحست بالغضب وكأن قلبها يحترق.
“في الحقيقة، لا أريد قتله قتلة سهلة. أريد أن يموت أقسى موت. أن يتوسل الموت ولا يجده. لقد عشت حياتك تعاني بهذا القدر، أليس كذلك؟”
حتى إن لم يكن له “ذات” آنذاك، فقد كان يقفز دائماً على حافة الموت.
عدم خوفه من الموت لم يكن شجاعة، بل كان دليلاً على أن حياته صارت بلا قيمة، مثقلة بالآلام.
دموع ديارين تساقطت بغزارة.
وسيريس ظل يحدق فيها بعينين شاردتين، مأخوذاً بتلك الدموع.
لقد عاش فحسب.
بلا وقت للتفكير. محاطاً دائماً بالعواصف.
لكن الآن، كل ذلك توقف ببطء.
تماماً كما تسقط الدموع.
بدأت مشاعره تهبط داخله واحدة تلو الأخرى، وتغوص عميقاً في روحه.
المشاعر التي أُزيلت نادراً ما تعود.
حتى عندما عاد للقصر وواجه إندين، لم يشعر بشيء.
حتى الصراع على العرش لم يكن سوى وسيلة لحماية نفسه وديارين.
أما كره شخصي أو رغبة انتقام، فلم تخطر له قط.
كان كل شيء باهتاً، بلا لون، بلا طعم.
لكنه أدرك الآن: لم يكن انعداماً، بل كان ختماً.
عاش بلا حرية حتى في أن يشعر.
“أنا…”
تحركت شفتا سيريس بثقل.
وما رآه في عيني ديارين من مشاعر كان واضحاً.
حتى لو كان كل شيء آخر بلا لون، فإن ديارين وحدها كانت لها ألوان. هي فقط جعلت قلبه ينبض.
والآن بدأ يرى ألوان مشاعرها بوضوح—الحزن، الغضب، الشفقة…
دموعها انهمرت مثل المطر، وأيقظت بذور المشاعر المدفونة في صدره.
“أنا…”
لأول مرة في حياته، واجه سيريس مشاعره بصدق.
والمشاعر التي وجدها بداخله كانت الغضب.
الغضب لفقدان أمه، الغضب للسنين المسروقة، الغضب لأنه اضطر بيديه أن يقتل العديد من الأرواح.
كان يجب أن يغضب منذ زمن.
حين بيع كعبد، حين تلقى تدريبات قاسية في الوحدة الثامنة، حين أُجبر على القتل مراراً.
ظن أنه لم يتأثر، لكنه كان يتراكم في داخله.
الحزن، الظلم، والغضب.
والآن، أخيراً، استطاع أن يغضب.
الغضب انفجر كبركان كان مكبوتاً منذ زمن.
سيريس سحب سيفه وتقدم نحو الاثنين.
أزاح الغطاء عن جسديهما.
فرأى هيئتهما البائسة، منحنيين ألماً.
“إندين.”
كان الصدى صمتًا.
ركل سيريس جسد إندين بقوة.
“كككك…”
عندها فقط، حتى وهو في غيبوبة، أطلق أنينًا ضعيفًا.
زفر سيريس نفسه الساخن من فمه.
كان السؤال “لماذا فعلت بي هذا؟” بلا معنى.
لأن مجرد وجوده كان سببًا كافيًا.
لم يكن هناك أي نقطة التقاء بين شخصين يتصارعان على العرش.
حتى لو وُلدا من جديد مئة مرة، ألف مرة، لكان إندين فعل الشيء نفسه به.
في هذا الموت لم يكن هناك حاجة لذرة من الشفقة.
اخترق نصل سيريس جسد إندين.
كان ذلك في لحظة.
لم يستطع إندين حتى أن يصرخ، وفارق الحياة على الفور.
سحب سيريس السيف من جسد إندين وتراجع إلى الخلف.
“هَه… هَه…”
تدفقت بقايا الغضب غير المروي من فمه.
قتله.
أنهى الأمر.
الآن لم يعد هناك شيء يهدد أمنه وأمن ديارين.
لم تخطر في باله فكرة المساس بماريان الكاهنة العظمى.
“الكاهنة العظمى ماريان… يجب أن تتلقى عقاب الإله.”
لأنها خلقت كل تلك التضحيات باسم الإله.
ذلك كان العدل.
“صحيح.”
اقتربت ديارين وأمسكت بيد سيريس التي كانت تشد على السيف.
كان سيريس يرتجف بشدة، بشكل لم تره من قبل.
“سيريس. انتهى الأمر. كل شيء انتهى الآن.”
“ديارين…”
ضغط سيريس على أسنانه بقوة محاولًا إيقاف ارتجاف فكّه. لكن الارتجاف انتقل من الفك إلى العنق، ومن العنق إلى الصدر.
شعر بحرارة كتلة من النار تنتشر داخله، وفجأة انهمرت دموعه.
“آه…”
لم يعرف حتى ما هذا، وفتح عينيه بدهشة.
كانت دموعًا تتساقط بلا صوت، لكنها كانت بكاء.
بكى سيريس.
احتضنته ديارين من خصره بصمت.
“…كك.”
عندها فقط خرجت من فمه صرخة باكية تشبه الأنين.
تحولت أولى مشاعر الغضب إلى دموع متفجرة.
“أه… ككك… آه!”
كان صراخًا يطلقه وحش مجروح ظل يخزن آلامه لوقت طويل.
عانقت ديارين جسده بكل قوتها.
تساقطت القشور المتقيحة، وانفجر الدم.
“دي… آرين… ديارين!”
“نعم، نعم. أنا هنا. لا بأس… أنت تفعل جيدًا.”
“أنا… غاضب جدًا… أشعر بظلم شديد!”
ضمّت ديارين جسده الصارخ المتألم بقوة أكبر.
لتتحمل معه الألم الجارف الذي ينهشه.
ومن بين خيوط الدم التي سالت ظهرت بشرته الضعيفة.
لم يكبر سيريس حقًا، بل كان فقط يصمد أمام السنين.
احتضنت ديارين ذلك الطفل الهش في داخله.
كما كان هو قد احتضن يومًا الطفل الذي كان يختبئ داخلها.
“ديارين… ديارين…!”
كان سيريس يبكي بحرقة وهو يتعلق بها بجنون.
لكن ديارين لم تختفِ.
كانت بجانبه، كأنها تقسم له بالخلود.
الطفل الساقط لا يبدأ بالبكاء إلا حين يرى وجه من يعتني به.
وكذلك كان سيريس.
لم يستطع استعادة مشاعره إلا بعدما التقى بمنقذته.
تنهدت ديارين بعمق.
لقد أنقذت سيريس أخيرًا.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 195"