يكفي أن يلامس الورق ليقيم الدنيا ولا يقعدها، ويصرّ على الالتصاق به.
“يا إلهي، ما العمل الآن!”
كان هوليان أول من بادر.
الدموع التي ذرفها كانت غزيرة بالفعل.
“هنا أيضًا، وهنا أيضًا! كلها خدوش! على هذا الوجه الوسيم! أين الدواء، الدواء؟!”
“العلاج… لقد انتهيت منه بالفعل.”
أمسكت ديارين كتف سيريس بخفة وأدارت جسدها لتغطيه.
هي الأخرى كانت متوترة.
صحيح أن هوليان كان حليفًا نشطًا، لكنه في النهاية يبقى غريبًا.
رفع هوليان كلتا يديه بسرعة. “لن ألمسه، لن ألمسه.”
“لكن يبدو أنك وضعت دواءً فقط؟ أين القوة الإلهية؟ أين كاهن الشفاء؟”
“لا أثق بالكهنة. إن استخدموا القوة الإلهية فسيُنهك جسد ديارين، ولا أريد ذلك.”
“آه….”
لم يجد ما يقوله.
“كما تشاؤون.”
حتى في هذا الوضع، بقيت صداقتهما القوية على حالها.
“هالت هاجمني بقسوة شديدة.”
“يا للعجب، صحيح؟ لقد أساء هالت بالفعل.”
حتى ديارين، اليوم، دلّلته وتقبّلت كل شيء.
فهذا لم يكن دلالًا فارغًا كالعادة، بل لقد رأَت بأم عينها المعركة، ورأت حبيبها كاد أن يفقد حياته. كيف لا تغمره بالحنان؟
“صحيح، ذلك الرجل كان سيئًا منذ البداية.”
“حسنًا، بعد أن ننتهي من هذا الأمر، لنَدفعه بعيدًا حتى لا يجرؤ على النظر إلى القصر الإمبراطوري أبدًا.”
“نعم.”
ابتسم سيريس راضيًا أخيرًا بعد سماع مقترح ديارين.
“لكن… أليس من الضروري أن يظل حيًّا أولًا حتى نتمكّن من نفيه أو غير ذلك؟”
قال هوليان مقاطعًا وهو يرفع يده، بعدما صبر بصعوبة على حديث الاثنين الذي يكاد يُفسد الأسنان من شدّة الحلاوة.
وقد أومأ الحاضرون برؤوسهم مؤيدين كلامه.
كان هذا مجلسًا اجتمع فيه جميع أنصار وليّ العهد الأول.
وبعد أن تأكد موت الإمبراطور، صار الأمر حربًا شاملة.
لم يعد هناك وقت للتردد أو التريث لاختيار الجهة.
(هل اخترت الجانب الصحيح؟)
لقد شعر ببعض القلق وهو يراقب هذين الاثنين معًا.
لكن على الأقل، معظم الذين انضموا إلى هذا الجانب كانوا من أشد المعارضين لمكائد إندين.
ديكتاتور مجنون لا يرى الناس بشرًا، في مقابل كلب مسعور سابق لم يعد يهتم بالعرش.
لم يكن أي من الخيارين مرضيًا، لكن مع “الكلب المسعور” كانت فرص النجاة أكبر بكثير.
“لو تولّى وليّ العهد الثاني العرش، فلن يبقى أي من أفراد الفرقة الثامنة حيًا. إذا أردنا إنقاذهم، فعلينا أولًا أن نفكر في اعتلاء العرش.”
أومأ سيريس موافقًا على اقتراح أحد المقرّبين.
لقد وقعت الحادثة بالفعل.
لا يمكن لملفها أن يُطوى وكأن شيئًا لم يحدث.
“على الأرجح سيحاولون إلصاق تهمة اغتيال الإمبراطور بكم. حتى ولو كنتم وليّ العهد الأول، لن تتمكنوا من الإفلات منها. والأسهل لهم أن يضمّونا جميعًا تحت راية الخيانة ويقضوا علينا دفعة واحدة.”
“إذن، ستكون هناك محاكمة؟”
بدأت الآراء تتوالى من أفواه المتمرّسين بالسياسة.
اكتفى كل من ديارين وسيريس بالاستماع لهم في البداية.
“الأولوية هي معرفة ما هي الأوراق التي يملكها وليّ العهد الثاني.”
“ومن يقود جنازة جلالة الإمبراطور سيكون أمرًا حاسمًا أيضًا.”
“لكن هذا من البديهي أن يقوده وليّ العهد الأول…”
“ألا يمكن أن يستغلّوا ذريعة اغتيال الإمبراطور لينتزعوا زمام الأمور؟”
“لهذا، جمع المعلومات حول ما يخططون له أمر أساسي…”
ظل الحوار يدور في نفس الحلقة.
كل ما يُقال كان يعود في النهاية إلى نقطة واحدة: يجب معرفة الحيلة التي سيستخدمها إندين.
“لكن… كيف سنفعل ذلك؟”
“بأي وسيلة كانت.”
“قلت بأي وسيلة، لكن ما هي الوسيلة تحديدًا؟”
جفنا ديارين، التي كانت تُصغي بجدية، أخذ يثقل شيئًا فشيئًا.
لقد تجاوز الوقت الفجر، واقتربت الشمس من الشروق.
بعد أن جرى جمع جثتي الإمبراطور والإمبراطورة، والانتهاء من ترتيب القصر الإمبراطوري الذي صار في فوضى، عادت ديارين إلى قصر ولي العهد الأول، فإذا بالوقت قد بلغ هذا الحد.
كان وقتًا يكفي لتتراكم فيه مشقة تفوق الرأس وتفيض.
بفضل التوتر ظل عقلها متيقظًا، غير أنّ الاستماع إلى أحاديث الناس المتكرّرة جلب عليها النعاس دون إرادة.
(ليتني أسمع خبرًا أن إندين أيضًا قد نام).
حينها يمكن على الأقل أن أستريح بطمأنينة.
الأوغاد دائمًا ما يكونون أذكياء ومجتهدين أيضًا.
ولكي يواجه المرء مثل هذا الوغد، فلا بد أن يُنقص من نومه ويُجهد رأسه في التفكير.
“……آه.”
رفعت ديارين رأسها بعدما كانت متكئة على ذقنها غارقة في التفكير.
الناس، الذين كانوا يواصلون نقاشًا محتدمًا فيما بينهم بعيدًا عنها وعن شخص آخر، صمتوا دفعة واحدة والتفتوا إليها.
“روبين.”
ذلك الرجل الذي صار في وضع مخزٍ وهو ينفخ عاريًا على صفارة، نُقل إلى قصر ولي العهد الأول.
قبل أن ينطق إندين بكلمة أنه ينبغي إعادته إلى قصر ولي العهد الثاني باعتباره ضيفًا فيه، جرى نقله مسرعًا إلى هنا.
كان في الأمر شعور بالإنقاذ الإنساني، خشية أن يُقتل لو جُرّ حقًا إلى قصر ولي العهد الثاني، وها هو ذا الآن صار له نفع.
“ذلك الرجل هو آخر من مكث في قصر ولي العهد الأول، أليس كذلك؟”
ولم يخن هذه المرة أيضًا.
فلعلهم يتمكنون من انتزاع معلومات يُعوّل عليها.
“أوهه…… لقد استدعيتني؟”
دخل روبين إلى الغرفة، وقد بدا من الخارج إلى الداخل بلا موضع سليم فيه.
نال ثيابًا فارتداها، فلم يعد عاريًا مخزيًا، لكن جسده الممزّق لا يمكن أن يعود سليمًا.
“آه يا ظهري، آه يا جسدي كله…”
“لماذا؟”
“كيف تقولين لماذا؟! أَمَا شاهدتِ كيف ضُربتُ قبل قليل، ثم تسألين: لماذا؟!”
صرخ روبين وقد ضاق ذرعًا بظلمه.
لقد تفادى السيوف بإخلاص، لكنه لم يستطع تفادي كل اللكمات والركلات.
وحين بدّل ثيابه، وجد جسده مغطّى بالكدمات. بل كان يشعر أن ضلوعه تصدر صريرًا كلما تنفّس…
“وفوق ذلك، عانيت الويلات وأنا محبوس في قصر ولي العهد الثاني.”
“كنتَ محبوسًا؟”
منذ أن لجأوا إلى القصر للإحساس بالأمان، لم يتواصلوا أبدًا.
إذ كان القصد قطع أي احتمال لإثارة الشبهات.
“قالوا: كيف نثق بخائن…”
“هذا صحيح.”
“لكنني لم أخن هذه المرة! حقًا!”
“ومن قال العكس؟”
تداركت ديارين الموقف بخجل.
لكن ردّها ذاك فجّر غيظ روبين.
“لو كنتُ فعلاً لا أبالي إلا بسلامة نفسي، لكنتُ باحتُ بكل شيء وفررتُ منذ زمن!”
“على أي حال، حتى لو خنت، ما كانوا ليصدقوك. وفوق ذلك لم تمنع شيئًا! فقدتَ الكتيبة الثامنة كلها، بل واستُعملتَ أيضًا.”
كانت تنوي أن تتجاوز الأمر بخفّة لأنه، رغم ما لاقى، لم يخن. لكنّه يصرّ أن يمنح نفسه فضلًا، فلم يسعها إلا أن تهاجمه بلا رحمة.
كل كلمة رمتها أصابت روبين في مقتل، فراح يئنّ ويتألّم.
وما كان يزيد الألم أن كل ما قيل كان حقًا.
“لم أكن أعلم أنهم سيستعملونني هكذا! حين اتفقنا مسبقًا، كان الأمر أن أُظهر طاعة للأوامر أيًّا كانت، ثم أفرّ حالًا إلى قصر ولي العهد الأول!”
“هكذا إذن…… مؤثر فعلًا. لكن النتيجة؟ لا تشبه ذلك أبدًا.”
لو أنه كان أسرع حركة قليلًا، لما استُعملت الكتيبة الثامنة كلها بتلك الصورة المؤلمة.
كانت تأمل ألا يزجّ بنفسه في القتال مجددًا.
لكنّه تورّط ثانية، بل انتهى به الحال متهمًا بقتل الإمبراطور، ومحبوسًا أيضًا.
خرجت كلمات السخرية من فمها بمرارة.
فقفز روبين يضرب صدره بانفعال.
“كنت أظن أن كل التعويذات قد زالت عني وأنا أعيش معكم. بدوتُ وقد عدتُ طبيعيًا تمامًا… فلا بد أن نائب الكاهن ماريان قد دبر شيئًا! حقًا!”
“همم.”
نعم، كان صحيحًا أن نائب الكاهن ماريان دبّر أمرًا.
إذ إن إعادة الكتيبة الثامنة إلى حالة الحرب لا يقدر عليها سواه.
(لقد تهاونتُ).
لم يخطر ببالها أن يعود ليلعب بالخديعة على الكتيبة الثامنة.
كانت تظن أنه ما دام روبين يتحكّم، فسوف يستعملهم كما هم.
غير أنّ تصرفه بعد انكشاف أمر ديارين بأنها “ابنة الحاكم” أوحى وكأنه يقطع صلته تمامًا بإندين.
مرة ينحاز إلى إندين، ثم يلاطف ديارين، ثم يعود ليتلاعب بالكتيبة الثامنة لأجل إندين…
“لابد أنّك كنتَ مشغولًا تتأرجح بين هنا وهناك.”
“أنا لم أتأرجح! قلبي كان مع ديارين ومع ولي العهد الأول فقط!”
“كنتُ أقصد نائب الكاهن ماريان.”
“…….”
لقد اعترف مسبقًا بلا قصد.
ومع ذلك كان روبين هذه المرة واثقًا.
فلا خيانة ولا غيرها وقعت، بل بفضل صفارته نجا الجميع من انحدارٍ نحو كارثة أعظم.
لذلك، ألا يُمكن أن ينال كلمة ثناء واحدة…؟ هكذا أمل خفيف كان يلوح في داخله.
“أما عن نائب الكاهن ماريان، هل سمعتَ شيئًا بخصوصه؟”
لكن ديارين مرّت على كلامه مرور الكرام.
فأطرق روبين رأسه، وبسط شفته وأرخى كتفيه.
لم يجرؤ أن يقول: امدحيني.
كان يُعامل معاملة أسوأ من معاملة الكلاب.
“……نعم، في الفترة التي كنتُ موجودًا فيها لم أسمع شيئًا.”
“إذن على الأقل لم ينجح مخطط ولي العهد الثاني بالكامل.”
كان إندين قد جعل يلوم نائب الكاهن ماريان لتلاعبه مجددًا بالكتيبة الثامنة. لكن ما سبب أن يُفرّط في حلفائه الحقيقيين؟
هل لأنه نجح نجاحًا كاملًا فأراد أن يُنهي المسألة؟
(أم لأنه ارتبك بعدما لم تجرِ الأمور كما خطط لها؟)
والاحتمال الثاني أرجح.
فالنتيجة نصف نجاح.
إذ نجح في التخلص من الإمبراطور الذي كان يعبث بالعرش، وهذا نصف نجاح.
لكنّه لم يفلح في التخلص من سيريس وسيبيان.
فأضحى العرش شاغرًا، ولا أحد يمكنه اعتلاؤه فورًا.
وفي الحالتين، كان الوضع مزعجًا ومضطربًا.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 190"