<ذلك الجرو.>
“مـ، ما هذا! ماذا تفعلون أيها الجميع… أُغ!”
لقد كان روبين.
لكن… لم يكن مجرد روبين.
“…بهيئة شحاذ؟”
إنها هيئة الشحاذ المألوفة.
كنت أظنه وقد عاد إلى القصر الإمبراطوري سيعود متلألئًا متأنقًا كما كان، لكن ما بال شكله هكذا؟
ثيابه ممزقة هنا وهناك، وجسده مليء بالكدمات، بل إن الدماء ظهرت في بعض المواضع.
لم يكن الطريق من قصر ولي العهد الثاني إلى هنا وعرًا إلى هذا الحد. من المؤكد أن شيئًا قد جرى في الداخل.
“آآآخ! ما بكم جميعًا! اهدأوا!”
صرخ روبين في وجه أفراد الكتيبة الثامنة الذين كانوا يثورون بعنف.
ربما لأن صوته كان الأعلى في المكان.
التفت بعض أفراد الكتيبة الثامنة نحوه، فيما تباطأت حركة البعض الآخر قليلًا.
واستغلت ديارين تلك اللحظة لتفرّ هاربة.
(استمر في الصراخ فقط!)
صرخت ديارين في نفسها وهي تركض.
لأن أفراد الكتيبة الثامنة يملكون حاسة سمع حادة، فلو استمر روبين بالصراخ فسينشغلون به.
“هل جننت؟! بالكاد صرت تشبه البشر، والآن هكذا! آه يا قلبي!”
راح روبين يضرب صدره ويصرخ كوالد يندب حاله.
أمالت ديارين رأسها وهي تركض.
…هل هو والد؟
لقد بدا كأب يتحسر على ولده الجامح الذي لا يسيطر عليه.
“توقفوا جميعًا! ارموا السيوف! قلت توقفوا!”
لكن كم من الأبناء يستمعون لكلام والديهم؟
خصوصًا وأفراد الكتيبة الثامنة الآن لم يعودوا يميزون بين والد وروبين.
“هفهف… هووف…”
“غغغغ…”
أخذ أفراد الكتيبة الثامنة يلهثون كوحوش، والتفتوا واحدًا تلو الآخر باتجاه روبين.
توقف هجومهم على الجنود، لكن الجنود لم يجرؤوا على استغلال الفرصة للهجوم أولًا. كانوا يخشون أن يصبحوا هدفًا للغضب إن فعلوا.
ولم يجرؤ أحد أن يلوم الجنود المنسحبين. فكل من فتح فمه شعر أن دوره سيأتي.
لم يكن أمامهم إلا أن يتركوا الأمر لروبين، ولو على مضض.
“أ… انتظروا لحظة. أيها الجميع.”
مد روبين يديه محاولًا تهدئتهم.
لكنهم وقد بلغوا أقصى الانفعال لم يسمعوا صوته أصلًا.
“تبا! إن هاجمتموني حقًا فسأستعمل ذلك!”
صرخ روبين مهددًا وهو يرتجف.
لكن حتى ذلك لم يصل إلى آذانهم.
“آآآخ! لا! أُغ!”
انهمر هجومهم العنيف على روبين.
ومع أن الهجمات كانت كلها موجهة لشخص واحد، فقد غدت أشد عدة أضعاف من ذي قبل.
لكن المدهش أن روبين كان يتفاداها جميعًا.
لم تكن حركاته كحركات شخص مدرّب، لكنه توقع مسارات الهجمات بشكل أشبه بالحدس الغريب وتحرك تبعًا لها.
لقد كانت حركات رجل صقلته المعارك الحقيقية.
(أوه؟)
انبهرَت ديارين.
لم يذهب الوقت الذي قضياه معًا سدًى إذن!
لكن سرعان ما وصل إلى حدوده.
حُشر روبين إلى زاوية مسدودة لم يعد بوسعه التراجع أكثر.
“أيها الجميع! إن لم تهدأوا فسأستعمله! سأستعمله! هل تسمعون؟!”
حتى وهو محشور كان صوته قويًا هادرًا.
تدريبات أفراد الكتيبة الثامنة لم تكن عبثًا.
(لكن… ما الذي سيستعمله؟)
وبينما يتفادى الهجمات أخذ روبين يفتش بين ثيابه.
لكن مجرد تفادي الضربات كان مرهقًا بما يكفي، فلم يستطع مع ذلك أن يفتش جيدًا.
“آه! لماذا لا يخرج!”
ولمّا لم يجد ما يطلبه، كاد يمزق ثيابه تمزيقًا.
لكن أصابعه الضعيفة لم تستطع بعد أن تشق القماش.
“ماذا! ماذا تبحث عنه!”
صرخت ديارين في عجلة.
لم تستطع أن تهرع لتقاتل معه، لكن يمكنها على الأقل أن تساعده في شيء مثل ثوبه.
“الصفارة! الصفارة الطارئة! أخفيتها في الثوب وخطت عليها الخياطة… آه تبا! لا تخرج!”
الصفارة الطارئة!
ربما لم يكن أحد يدرك ذلك، لكن ديارين عرفت فورًا.
إنها تلك الصفارة التي استعملتها أول مرة ضد سيريس، ثم فزعت منها فلم تعد تستعملها بعدها أبدًا.
وقد دُفنت صفارتها مع القصر.
لكن بما أن من يسيطرون على الكتيبة الثامنة كُثر، فليست صفارة واحدة فقط التي كانت موجودة.
صحيح أن معظمها دُفن مع القصر، لكن بعضها ظلّ باقيًا.
وقد سرق روبين واحدة خفية، لأنه يعلم أن حياته غالية.
والمثير للدهشة أنه لم يحتج لاستخدامها حتى الآن. لكن الساعة قد حانت.
“أبعد يديك!”
بمجرد أن أمرته ديارين، رفع روبين يديه إلى فوق رأسه من غير وعي.
لم يعرف ما الذي ستفعله، لكن جسده استجاب للأمر قبل عقله.
وكان ذلك القرار الغريزي صحيحًا تمامًا.
فوش!
“آآآخ!”
احترقت ثياب روبين في لحظة واحدة تمامًا.
فارتاع روبين مذهولًا وهو ينظر إلى نفسه.
“شعرك بخير!”
طمأنته ديارين.
بدا وكأنها تسخر منه، لكنه كان تطمينًا صادقًا.
بل إن روبين شعر بالراحة في قلبه لذلك.
فأن يكون عاريًا خير له من أن يكون أصلع!
فالخزي عابر، أما الصلع فأبدي.
“الصفارة، أسرع بالصفارة!”
صرخت ديارين، فسارع روبين يبحث عنها.
سقطت الصفارة المعدنية التي كان يخفيها في ثوبه على الأرض وهي تتدحرج.
قفز روبين بجسده العاري والتقطها بسرعة.
لو كان لديه وقت للتفكير لتردد، لكن السيوف التي كانت تنهال عليه أزالت كل شعور بالذنب.
“أنتم من حاول قتلي أولًا، أليس كذلك؟ هاه؟”
قالها احتياطًا، تحسبًا لو اضطر لمقابلة أحدهم ثانية فيما بعد.
أما الآن فالأهم أن يبقى على قيد الحياة.
نفخ روبين الصفارة.
“سيريس!”
عانقت ديارين رأس سيريس وبدأت تستدعي قواها المقدسة.
فكّت أغلب التعويذات التي كانت معلقة على جسده. ولعل ذلك يجعل الصفارة بلا تأثير.
لكن جسده تحرك قبل رأسه.
كانت ردة فعل انعكاسية.
“كغغ!”
“آخ!”
انطرح أفراد الكتيبة الثامنة أرضًا دفعة واحدة، بلا صوت يخرج من الصفارة.
الذين كانوا يندفعون بوحشية قبل قليل صاروا فجأة كسمك يختنق خارج الماء، يتلوّون بألم.
“مـ، ما الذي يحدث؟ لماذا هكذا فجأة؟”
“يبدو أنهم يتألمون… ما الأمر؟”
ارتبك الناس، لا يعرفون ما الذي ينبغي فعله.
“ما الذي تنتظرونه! هؤلاء من جعلوا القصر الإمبراطوري في فوضى! اقتلوهم بسرعة!”
جاء صراخ إندين المدوي ليحفزهم.
“آ، آه… صـ، صحيح.”
“جـ، جنود الحرس…!”
لقد شهدوا قوة لا تُقاوم، وكادت حياتهم تزهق.
فشلوا حتى في التفكير.
وصاروا يتحركون كدمى على صرخة إندين.
بادر الحرس الذين وصلوا ومعهم بعض جنود الحامية إلى الإمساك بأسلحتهم من جديد، مرتبكين.
فأوامر سموّ ولي العهد الثاني تُطاع بلا نقاش. ولا حاجة للتفكير.
“لقد شُلّت حركتهم جميعًا! يكفي أن نقيّدهم!”
وقف روبين عاريًا في وجههم، غير عابئ بفضيحته.
“القتل أضمن وأأمن بكثير!”
“تنحَّ جانبًا! هل تحاول حمايتهم؟!”
أمام خطر الموت، لم يعد في قلوب الناس مكان للرحمة.
وقوف روبين وحده لم يكن كافيًا لردعهم.
“لقد أصدر سمو ولي العهد الثاني أمره! ألم تسمعوا؟!”
الموت المحدق، وأمر ولي العهد…
لقد كانت الدوافع واضحة أمامهم.
“لكن، مع ذلك…!”
ودفعوا روبين جانبًا واقتربوا من أفراد الكتيبة الثامنة.
“لا تقتلوهم!”
صرخت ديارين في يأس.
لكنهم تجاهلوا صوتها ورفعوا سيوفهم عاليًا.
لو غرسوا نصالهم الآن لانتهى أمر هذه الكائنات الخطرة، وصاروا في أمان…
أما كلمات ديارين، فقد مرّت على مسامعهم كأنها لا شيء.
“لـ، لا!”
في لهفتها تركت ديارين جسد سيريس وركضت إلى حيث كان هالت الأقرب إليها.
لم يستطع الناس أن يمنعوها من دفعهم جانبًا بجسدها، حتى لو لم يعيروا صراخها اهتمامًا.
ثم ارتمت على جسد هالت الملقى أرضًا، تغطيه بجسدها.
“هل نسيتم أن هؤلاء هم الأبطال الذين أنهوا الحرب؟!”
حين فعلت ذلك، تردد الناس.
فقتل من يحميهم ابن الحاكم بنفسه لم يكن أمرًا سهلًا.
تلعثموا محاولين تبرير أنفسهم.
“لكن… إنهم الآن المذنبون بقتل جلالة الإمبراطور والإمبراطورة. هم من جعلوا القصر بهذا الحال، فكيف…!”
“لقد استُخدموا! ألا ترون ذلك؟!”
صرخت ديارين بغضب، وهي تنظر إلى وجه هالت.
كان وجهه شاحبًا، وأسنانُه تطحن من شدة الألم وهو يئن.
“أغغ، أغ…”
“هالت! أفق!”
“أغغ…”
احتضنت ديارين رأسه وبثّت فيه قواها المقدسة كما فعلت مع سيريس.
لم تكن واثقة من جدوى ذلك، لكنها لم تستطع أن تقف مكتوفة الأيدي وهي تراه يتعذب.
“أغ… مـن… سيدي؟”
وبعد لحظات ثقيلة، خرج من فمه كلام بشري أخيرًا.
“هالت! هل عدت إلى وعيك؟!”
“أغغ… يؤلمني… سأغيب عن الوعي…”
“نعم، أغـمُ عليك إذن!”
“؟!”
نظر إليها بدهشة حتى وهو نصف غائب عن الوعي.
لكنه أحس بالوضع المتوتر من حوله.
ماذا يمكنه أن يفعل هنا؟
لا شيء.
“…نعم.”
وبفضل قوى ديارين المقدسة، تلاشى الكثير من ألمه.
كما أن جسده وروحه بلغا حدهما بعد أن أُجبرا على الحركة بفعل التعويذة. لم يعد في طاقته أن يصمد.
فاستسلم بهدوء وفقد وعيه.
لقد كان “كلبًا” مطيعًا حسن الاستجابة.
وبفضل فقدانه الوعي، لم يشعر بالكلب الآخر الذي كان يرمقه بنظرات تكاد تقتله.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 188"