لأنه لا حاجة للتفكير في نظرات من حولك ولا في العواقب.
لكن بالنسبة لِديارين، التي كان عليها دائمًا أن تعيش وفق ما يريده الآخرون، كان ذلك تحديًا صعبًا قليلًا.
غير أنه يبدو أن العيش محاطة بالمجانين قد جعل الجنون مُعديًا.
“أنقذني يا صاحب السمو ولي العهد الثاني!”
اندفعت ديارين مباشرة نحو إندين، أمسكت بأطراف ثوبه ووقعت على الأرض.
“؟!”
كادت عيون الناس الذين كانوا يراقبون المشهد أن تخرج من أماكنها.
ابنة الحاكم هي أكثر من يتمنى موت ولي العهد الثاني، فما الذي تفعله الآن؟
حتى إندين نفسه نظر إلى ديارين وكأنه يتساءل: هل هذه المرأة جُنّت فعلًا؟
لكن بريق الجنون الطاغي في عينيها كان قويًا لدرجة أنه لم يستطع إخراج كلمة واحدة.
كان جنونًا ساحقًا.
“إن تركتم الأمر هكذا فسيموت سيريس! لا! كلنا سنموت!”
أشارت ديارين بإصبعها نحو الناس الذين وقفوا مكتوفي الأيدي يراقبون فقط.
“أتظنون أن حياتكم مطلية بالحديد؟! الأرواح كلها متساوية! من سيوقف هؤلاء الكلاب المسعورة بعد موت سيريس؟!”
“ا.. ل.. لندعو المزيد من الحراس…”
“ألا يمكن أن تستخدم ابنة الحاكم قوتها المقدسة لإيقافهم؟”
أجل، كانت تعلم أن هذا الكلام سيقال.
الذين يظنون أن العالم سينهار إذا رفعوا السيف بأيديهم، يؤمنون أن غيرهم ملزم بالقيام بما يجب، ويعتبرون ذلك أمرًا بديهيًا.
عادة ما كان هذا يثير نفور ديارين، لكن في هذه اللحظة تحديدًا كان السؤال الذي تنتظره.
“أتظنون أن القوة المقدسة؟! ثم إنني لو استخدمت قوتي المقدسة هنا ونجحت، ألن يقال إنني أنا التي سيطرت على جنود الكتيبة الثامنة؟! ألن يُلصقوا بي تهمة حرق القصر الإمبراطوري؟!”
في المكان كان هناك الكثير من رجال ولي العهد الأول.
وقد كانت ملامح بعضهم تدل على أنهم بالفعل كانوا يفكرون بذلك. لكن الآن، بعد أن نطقت ديارين بهذه الكلمات، صار الطريق مسدودًا أمامهم.
لقد قُطع الطريق من جذوره.
“كُه!”
في هذه الأثناء كان قتال سيريس ما يزال مستمرًا.
وسقط عدد إضافي من الحراس.
“آه! أميرنا سيموت! آه، يا سيريس!”
بدأت ديارين تتدحرج على الأرض صارخة بألم.
وكان الموقف خطيرًا حقًا، لدرجة أنه لم يكن بوسع أحد أن يلومها على المبالغة.
“أليس ولي العهد الثاني هو من أنشأ الكتيبة الثامنة؟ في الحفلة الماضية تظاهر وكأنه صديق حميم لهم، فلماذا الآن يتظاهر بالجهل؟ أتظنون أن جنود الكتيبة الثامنة سيستمعون إلى رفاقهم أم إلى قائدهم الأعلى؟!”
وبهذا قطعت الطريق أمام محاولة إلصاق التهمة بسيريس بأنه جَرَّ جنود الكتيبة الثامنة.
“أسرعوا وفعلوا شيئًا! حتى أنت أيها الكاهن الأعظم ماريان! أهناك غيركما ممن تعامل مع الكتيبة الثامنة في ساحة الحرب؟!”
كان معروفًا أن ديارين كانت في الحرب لكنها خدمت في وحدة أخرى.
لذلك فالمسؤولية النهائية عن الكتيبة الثامنة تقع على عاتق هذين الرجلين فقط.
“لـ.. لكن السيد روبن موجود أيضًا!”
عندها صرخ أحد رجال ولي العهد الثاني.
مخلص حقيقي ظل يحاول الدفاع عن إندين حتى النهاية.
لكن ذلك أيضًا كان ما خططت له ديارين.
كان الأمر أشبه بمسرحية، وكل شخص يؤدي السطور التي يحتاجها الموقف بالضبط. حتى أن ديارين شعرت بأن هذا الحظ العظيم لا يقل عن معجزة إمبراطورية.
فقد وفّر عليها عناء أن تقول بنفسها: “صحيح أن روبن موجود، لكنه ليس هنا الآن! ولكن، أين يكون يا ترى؟ سمعت إشاعة أنه شوهد مؤخرًا في مكان ما من قصر ولي العهد الثاني!”
لكنها لم تعد بحاجة لذلك.
“السيد روبن! صحيح! لقد اختفى مع جنود الكتيبة الثامنة بعد الحفل السابق! إن كانوا قد عادوا فهذا يعني أنه موجود في مكان ما في القصر الإمبراطوري! أسرعوا! ابحثوا عنه فورًا!”
“أ.. أين بالضبط…؟”
“أين غير قصر ولي العهد الثاني! قد يكون مختبئًا في سجنٍ تحت الأرض أو مكان مشابه، فتأكدوا من البحث جيدًا!”
في الظروف العادية لم يكن أحد ليتجرأ على مداهمة قصر ولي العهد الثاني والبحث فيه.
لكنها كانت حالة طوارئ، والقصر يحترق.
ولا شيء أغلى من حياتهم.
فحتى أكثر المخلصين لا يلقون بأرواحهم إلى الموت طواعية.
ورغم وجود إندين أمامهم، اندفع الناس نحو قصر ولي العهد الثاني.
“أ.. أيها الأوغاد، كيف تجرؤون على…”
“إنها حالة طارئة يا صاحب السمو! علينا إنقاذ أنفسنا أولًا…! آهك!”
اندفع سيف أحد جنود الكتيبة الثامنة نحوهم.
تمكنوا من تفاديه بصعوبة، لكن الهجمات توالت.
وكانت ديارين قريبة من إندين أيضًا.
هل تستخدم قوتها المقدسة لتُغشيهم؟ ربما لو أحرقت بعض شعره سيعود إلى وعيه؟
لكن قبل أن تحسم أمرها، اندفع سيريس بجسده.
“ديارين!”
“سيريس!”
سيريس احتضن جسد ديارين وتدحرج بها على الأرض.
في المكان الذي تدهورا فيه انغرست سيوف أفراد الكتيبة الثامنة بعمق في الأرض.
انتهزت ديارين اللحظة التي غرز فيها السيف في الأرض، وأطلقت عليه نارًا حارة.
طَنين!
لم يحتمل السيف الحرارة وانكسر.
ومع انكساره، ظنت أن العدو على الأقل لن يستطيع توجيه ضربة قاتلة…
“آآااخ!”
صرخت ديارين عندما رأت النصل المكسور ينقضّ كالبرق نحوها.
الصانع لا يلوم أداته، وكذلك أفراد الكتيبة الثامنة لم يلوموا أسلحتهم.
فالأسلحة مجرد عون، أما أجسادهم كلها فكانت سلاحًا بحد ذاتها.
التقليل من شأن مقاتل كهذا كان خطأً فادحًا.
“كخ!”
لكن سيريس تصدى له بلكمة قوية.
الجسد الذي يعرف كيف يشنّ أقوى الهجمات، كان في الوقت ذاته أقوى وسيلة دفاع.
إلا أن جلد الإنسان لم يستطع احتمال حدّة النصل الذي انقض كالبرق، فتمزق.
وسالت الدماء من ظهر يد سيريس.
“سيريس!”
صرخت ديارين بخوف.
وبمجرد أن رأت دماءه، تلاشى ما تبقى من هدوئها.
(روبِن الحقير، هل خاننا فعلًا؟!)
وإلا كيف لا يظهر له أثر ولو للحظة؟
قوة أفراد الكتيبة الثامنة المسعورين كانت مرعبة.
وكانوا محيطين بهم كالظل الثقيل لملك الموت، حتى الهواء نفسه شعر بثقله وكأنه يظلم.
وفي وسط هذا، كان سيريس أشبه بشعاع نور يتألق وحيدًا.
(مهلًا؟)
خاطرت فكرة غابت عنها سابقًا ببال ديارين.
“سيريس!”
“نعم!”
رغم انشغاله الشديد بالقتال، أجابها بسرعة عندما نادته.
المجنون تمامًا لا يجيب بكلام آدمي، بل يزأر كالوحش فقط.
(إنه بوعيه!)
وهذا ما أرادت ديارين التأكد منه.
سيريس تلقى نفس التدريب، وكان يجنّ في المعارك عند انفعاله مثلهم تمامًا.
لكن رغم أنه في نفس القتال، بل وهو في وضع أضعف بكثير، إلا أنه حافظ على وعيه سليمًا.
هذا يعني أن ماريان كبير الكهنة لم يكن يستخدم حاليًا أي تعويذة بسحره المقدس.
فلو كان تأثيرها ما يزال قائمًا، لتأثر بها سيريس أيضًا كما في المرة السابقة.
(إذن قد يمكنني فكّها!)
نظرت ديارين بعين باردة إلى ساحة القتال المشتتة.
لقد مرّ وقت طويل منذ البداية.
ومهما كان المقاتلون في حالة جنون بلا وعي، فلا بد أن تنهك قواهم بمرور الوقت.
“هاه… هاه…!”
بدأت أنفاس أحد أفراد الكتيبة الثامنة تخرج لاهثة من فمه كأنفاس الكلاب، وخفّت قوة ضرباته.
(فلنجرب.)
كانت محاولة خطيرة قد تودي بحياتها.
لكنها لم تستطع الانتظار حتى يظهر روبِن المجهول مكانه.
ولم تستطع التعويل على أن كبير الكهنة ماريان سيتكرم بإنهاء التعويذة.
صحيح أن صورة سيريس ينتصر وحده، ويُتوج كـ “بطل الجميع، ومنقذ ولي العهد الأول” ستكون رائعة، لكن الواقع أنه قد أنهكه القتال وتراكمت جراحه.
لم يكن أمامها خيار سوى التدخل بنفسها.
بحثت ديارين عن الهدف الأسهل: هالت.
“سيريس! نحو هالت!”
حتى وهو يقاتل، أطاع سيريس تعليماتها وتحرك كما أمرت.
وفي تلك الأثناء تلقى جروحًا سطحية جديدة في كتفه وفخذه.
عَضّت ديارين على شفتيها بألم وهي تراه يتأذى.
“كآآا!”
صرخ هالت، وهو ما يزال يفيض بالقوة، واندفع نحو سيريس الذي وقف في طريقه.
“أمسكه!”
“حسناً!”
كلاهما كان منهك القوى، لكن الفارق كان واضحًا:
هالت كان يتحرك مدفوعًا بغرائزه بلا وعي، بينما سيريس كان يقاتل مدفوعًا بتعليمات ديارين.
وأيهما أقوى؟ بلا شك أوامر ديارين.
فتصارعا على الأرض حتى أمسك سيريس بذراعي هالت وأحكم قبضته عليه.
لن يستطيع الصمود طويلًا، لكن كان يكفيه أن يثبت خصمه حتى تصل ديارين.
وذلك القدر من الوقت كان كافيًا.
اندفعت ديارين بجسدها بكل سرعتها وضربت ظهر هالت براحة يدها.
صفع!
ارتد صدى الضربة عاليًا، صوتًا لاذعًا وصافيًا، حتى إن المستمعين أحسوا بوخز في ظهورهم من شدته.
“باسم الحاكم، استعد لوعيك!”
سكبت ديارين قوتها المقدسة في كفها التي ضربته بها.
لم تكن تعلم التعويذة التي استخدمها ماريان بالضبط، لكن يكفي أن تضخ طاقة علاجية لتهدئة أعصابه المشتعلة.
ومن الآن فصاعدًا، الأمر معركة إرادة.
ديارين وضعت ثقتها في إرادة هالت.
“أه…”
أصدر هالت أنينًا منخفضًا وهو يدير رأسه ببطء.
“…….”
تدفقت عرقات من ظهر ديارين.
(هل كنتُ واثقة أكثر من اللازم من إرادة هالت؟)
ضربة باسم الحاكم، ثم عودة معجزة إلى وعيه…
تخيّلت أن المشهد سيكون مؤثرًا ومثاليًا، لكن الواقع لم يسر كما تمنّت.
(…ماذا الآن؟)
لم يكن هناك من يجيبها.
كانت شجاعتها جديرة بالثناء، لكنها انتهت بمغامرة متهورة.
“آآااه!”
وفجأة، دوى صراخ جديد من جهة أخرى.
والتفتت كل الأنظار نحو مصدر الصوت.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 187"