ارتاع أحدهم بشدة، فما كان من البقية إلا أن استداروا بسرعة بدورهم وتملكهم الذعر.
صحيح أن الحديث لم يتضمن شيئًا سيئًا بحق ولي العهد، لكن مستوى الجرأة في المزاح كان عاليًا جدًا. بل كان كافيًا ليساقوا جميعًا بتهمة إهانة العائلة الإمبراطورية.
وفوق ذلك، أهو مجرد أمير عادي ذاك الذي يتحدثون عنه؟
إنه سيريس. يستطيع، إن أراد، أن يبيد كتيبة فرسان كاملة بيديه. ثم إن طبيعته الجادة والصلبة كانت مشهورة، فلا يعرف المجاملات ولا يتفوه بكلمات فارغة، ولا يشارك قط في أحاديث خفيفة.
صحيح أن الكونتيسة أريانتي كانت أحيانًا تناديه بلا مبالاة “جروُنا”، لكن الناس وجدوا أن هذا أقرب ما يكون إلى سبٍ مخفف لكلمة “ابن الكلب” الموجهة لرئيس. إلى هذا الحد كان ولي العهد الأول شخصًا جادًا ومرعبًا.
ومع ذلك، في حضرته، تجرأوا على المزاح بأنه قد يجتمع مع ثلاثٍ في آن، رجالًا ونساءً على السواء…
“إ… إننا ارتكبنا ذنبًا يستحق الموت! لكن أرجوكم، أمهلونا حياتنا!”
وقد شعروا للحظة أنّ جوابه سيكون: “إذن موتوا.” فراحوا يتوسلون بكل صدق، يندفعون جميعًا ويسجدون على الأرض.
“لا أنوي قتلكم.”
“ش، شكرًا لكم! شكرًا لكم! لم تكن لدينا أي نية للإساءة إلى سموكم…”
رفعوا رؤوسهم مرتاحين لأنهم نجوا بأرواحهم، لكن سرعان ما جمدت الكلمات في أفواههم عندما رأوا وجه سيريس.
لقد كان يبتسم بلطف.
“س، سيدي، لِمَ تبتسم…؟”
“هم؟ آه، هل كنت أبتسم؟”
رفع سيريس يده إلى فمه كأنه لم يدرك بنفسه أنه كان يبتسم.
ارتفع توتر الحاضرين إلى أقصاه.
ألم يكن ذلك ابتسامًا حقيقيًا، بل رفعًا لزاوية فمه وهو يتساءل في نفسه: “أيكم أقتل أولًا؟”
“هاها. ألا يحق لي أن أضحك؟”
لكن سرعان ما أطلق سيريس ضحكة حقيقية.
“آه، ن، نعم! بالطبع! لا بد أن حديثنا بدا مضحكًا جدًا لسموكم!”
“صحيح، صحيح! حتى نحن وجدنا كلامنا جنونيًا! هاهاها! من الطبيعي أن تجده مثيرًا للضحك!”
راحوا جميعًا يضحكون بتوترٍ معه، محاولين النجاة.
“ليس الأمر كذلك… هم؟ ماذا كنتم تقولون أصلًا؟”
“…عفوًا؟”
عندها فقط أدركوا أنه لم يسمع ما قالوه.
لكن هذا مستحيل…
فكل الناس يعرفون أن آذان سيريس حادة جدًا. كثيرون كادوا يموتون بعدما همسوا همسات ضد ديارين من خلف ظهره، فالتقطها. فلا يعقل أنه لم يسمع كلامًا قيل على هذا القرب.
(هل يتظاهر بأنه لم يسمع؟!)
ربما كان هذا كرمًا منه.
“آ… آه، لم يكن شيئًا مهمًا!”
اعتدلوا من وضعية سجودهم شيئًا فشيئًا، مبتسمين وكأن شيئًا لم يحدث، راغبين في تمرير الأمر.
“كنا فقط نقول إن ملامح سموكم تبدو مشرقة مؤخرًا. هل حصل أمر سار؟”
“أمر سار…”
أعاد سيريس الكلمة في ذهنه.
فما إن ترددت، حتى برزت أمامه صورة ذلك اليوم الجميل.
المروج البيضاء المزهرة، السماء الزرقاء، ديارين التي كانت تحدق إليه مباشرة. ثم اعترافها: “أحبك.”
شفاهها التي تذوقها، رائحتها، دفء جسدها.
“فوفوفو…”
انفلت منه ضحك خافت لا إراديًا. كان الأمر مثل العطس، إذ دغدغ كيانه وأطلق منه ضحكة رغماً عنه.
“… أجل، كان هناك أمر سار فعلًا.”
وبدا كأن الربيع قد تفتّح على وجه سيريس.
ظل شاردًا يبتسم بلطف وهو يحدق في الفراغ، فذهل الناس من المشهد.
(أهذا حقًا هو سيدنا؟!)
ذاك الذي كان يقود عواصف الدماء في ميادين القتال، فجأة غيّر نوع الرياح التي تحيط به.
نسيم وردي ربيعي يتلاعب بأنفه… شيء غريب جدًا عن سيريس.
لكن، لم يكن ذلك سيئًا على الإطلاق.
ابتسامة دافئة على وجهٍ وسيم، جعلته يبدو في غاية الروعة.
“يا إلهي…”
أطبقت بعض النساء على وجوههن ووجناتهن متوردةً.
“ما هذا الأمر السعيد الذي يجعله يبتسم بتلك الروعة؟”
“هممم…”
سيريس فكر قليلًا، ثم ابتسم برفق لمن وجه إليه السؤال.
“إنه سر.”
“يا إلهي، يا إلهي.”
“مهما سألتِ، فلن أخبرك أبدًا، فلا تسألي.”
عدم إجابته زاد الفضول أكثر. لكن سيريس بدا وكأنه لا ينوي مواصلة الحديث، فقفز بخفة فوق السور الخشبي وغاب عن أعين الناس.
“على ما يبدو… سيكون الاختيار في اتجاه الكونتيسة أريانتي…”
“لكن لا بد أن الكونتيسة أريانتي تقبل به أولًا ليذهب إليها…”
وسرعان ما تحولت أنظار الناس إلى الكونتيسة أريانتي، ديارين.
“كيف حال الكونتيسة أريانتي هذه الأيام؟ ما زالت ترفض كل عروض الزواج، صحيح؟”
“العلاقات بين الرجال والنساء يجب أن تُحسم عندما تكون المشاعر متقدة. إن تركتها هكذا، فغالبًا ما تنتهي بعلاقة غامضة: أكثر من مجرد صديق، وأقل من أن يكون حبيبًا.”
“تُرى، ماذا تفكر به الكونتيسة أريانتي؟”
في تلك اللحظة، كانت ديارين، محور الحديث، تمر بالقرب منهم.
بصفتها “ابن الحاكم”، كانت لها برنامج مستقل، وهذا جعلها تقلق لأنها تركت سيريس بمفرده، فأسرعت في خطواتها.
وفجأة، هبط سيريس الذي كان قد قفز فوق السور، وكأنه سقط من السماء.
“آه!”
ديارين صرخت من الدهشة بسبب ظهور سيريس غير المألوف.
لكن الصرخة لم تخرج من شفتيها.
قبل أن تلمس قدماه الأرض، كان سيريس قد احتضنه وضغط شفتيه على شفتيها.
بما أنهما متزوجان بالفعل، فإن قبلات سيريس لا تعترف بزمان ولا مكان.
“مم! م-مم! هوه!”
بدأت ديارين تضرب كتف سيريس بيدها كإنذار.
(أيها الأحمق! الناس قريبون جدًا!)
كان على ديارين دائمًا أن تكون من يضع حدود الزمان والمكان.
ابتعد سيريس أخيرًا عن شفتيها وهو يتذمر بلسانه وكأنه غير راضٍ، لكن قبل أن يتركها نهائيًا، طبع على خديها قبلة صغيرة من الجهتين ثم تراجع.
“ماذا لو اكتشفنا أحدهم هكذا؟”
ما زال خبر زواجهما غير معروف للعامة.
تحركات الأمير الثاني كانت مشبوهة. مؤخرًا، حبس نفسه في قصره ولم يظهر أبدًا.
حتى الإمبراطور لا يمكن الوثوق به كليًا.
“صحيح أننا تحدثنا عن ولي العهد، لكن هذا لا يعني أن جلالته قد تحالف معه تمامًا. سمعتَ أيضًا ما يُقال، أليس كذلك؟ إن زيارة ملك سورفين قد تحمل معها عرضًا لزواج سياسي.”
كانت الشائعات منتشرة لدرجة أنها وصلت إلى أذن ديارين من دون أن تسعى إليها.
انتشارها بهذا الشكل يعني أن الإمبراطور لم يرفضها صراحة. أي لحظة قد تنقلب الأوضاع.
“لكنني متزوج بالفعل.”
“وهل يهم ذلك؟ لو أراد الإمبراطور، لزوّجك من مئة امرأة في وقت واحد.”
حتى سيريس لم ينكر أن الإمبراطور قادر على ذلك. لهذا ازداد شعوره بالضيق.
الزواج بامرأة غير ديارين؟ مجرد الفكرة كانت تثير غضبه.
“مجرد التفكير بالأمر مقزز.”
ولكي يُطهّر مزاجه، ضم ديارين إلى صدره وأخذ يفرك خدها بخده.
ديارين ارتبكت من جديد وألقت نظرة حولهت. لم يكن هناك أحد. حينها فقط تنفست بارتياح وأحاطت سيريس بذراعيها أيضًا.
لكن حتى ديارين شعرت بالانزعاج من فكرة زواج سياسي يخص سيريس.
“لكن هل حقًا سيأتون من أجل زواج سياسي؟”
قد تكون مجرد إشاعة فارغة. لكن ماذا لو كانت حقيقة؟ هل سيوافق الإمبراطور؟ بل وربما يدفعه إلى ذلك؟
“على أي حال، لن أفعل، فالأمر لا يهم.”
سيريس كان دائمًا حازمًا في موقفه. وهذا جعل ديارين تتوقف عن التفكير المرهق.
“صحيح، فالأمور تُحل عندما تواجهنا. القلق المسبق ووضع الخطط لا يفيد.”
“بالضبط، من الأفضل أن تستغلي ذلك الوقت للنظر إليّ أكثر.”
“أتعلم أنك تصبح أكثر وقاحة يومًا بعد يوم؟ أم أنك كنت هكذا منذ البداية؟”
أجاب سيريس بابتسامة ساحرة كانت تسلب ألباب الناس من حوله.
“يا لهذا.”
ضحكت ديارين أيضًا في النهاية. كانت ابتسامة تجعلك تشعر بالسعادة لمجرد رؤيتها.
“في البداية لم تكن تعرف حتى ما معنى أن تبتسم.”
“ديارين هي من منحتني ذلك.”
منحته الابتسامة، والسعادة، والحب.
الآن صار يعرف ما تعنيه تلك الأشياء.
“آه، هذا.”
سحب سيريس معصم ديارين نحوه.
كانت ديارين تعرف جيدًا ما الذي سيحدث بعدها، فمد يدها بخضوع وبسطت أصابعها متعاونة.
أخرج سيريس خاتمًا من جيبه وألبسه إصبع ديارين.
“بما أنك تحبين خواتم الزهور، صنعت لك واحدًا.”
كان الخاتم مصنوعًا من معدن أخضر تتلألأ فيه جوهرة شفافة بلون الحليب، تمامًا مثل الخاتم الذي أهداه لها يوم زفافهما الخاص.
الفرق الوحيد أن هذا الخاتم كان يتلألأ بألوان قوس قزح عند كل حركة.
أخذت ديارين تتأمل الخاتم وهي تديره بأصابعها، ثم أزالته ووضعته في جيبها.
“شكرًا لك.”
شاعت الأحاديث عن أن سيريس هو من صنع الخاتم، ولو ارتداته ديارين، فسيكون الأمر بمثابة إعلان قبوله بالزواج.
كم هو محزن أن يكون لها عشرة أصابع ومع ذلك لا تستطيع أن تضع خاتمًا واحدًا بحرية.
فكّر أن زواجه السري مع سيريس ليس بالأمر السيئ. لكن في هذه اللحظة فقط، أدركت لماذا يقيم الناس حفلات زفاف كبيرة، ولماذا يعلنون عهودهم أمام الجميع.
(هذا الشخص ملكي، لا تقتربوا منه.)
تلك كانت رسالة التحذير.
وكان هذا بالضبط ما كانت ديارين تتمنى أن تفعله الآن.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 182"