<الفخ نحن أيضًا نعرف كيف ننصبه.>

 

 

“إنه أنا!”

 

شَقَّ العشب وظهر روبن، ولم يكن ظهوره مفرحًا إطلاقًا.

 

تظاهرت ديارين بأنها أخطأت وأشعلت النار.

 

فوووش!

 

النار التي أطلقتها “عن طريق الخطأ” اشتعلت في قمة رأس روبن. كانت حقًا صغيرة ولطيفة، لكن النار على رأس إنسان لا يمكن أن تكون لطيفة أبدًا.

 

“آآآخ! حار! أنا لستُ قاتلًا! إنه أنا! أنا!”

 

“أوه، خطأ.”

 

قالتها ديارين بصوت لا يشبه صوت من ارتكب خطأ، بل كأنها تقرأ كتابًا. شعر روبن بالخطر من نبرة صوتها، فمد يده ليمس قمة رأسه.

 

النار انطفأت بسرعة، لكن مكان الغُرّة التي بالكاد بدأت تنمو بعد أن تضررت سابقًا، أصبح الآن أصلع تمامًا.

 

“ككككك.”

 

ضحك هالت بلا خجل.

 

لقد كان مشهدًا مأساويًا، لكن في ظل الجو المشحون الذي تنشره ديارين لم يكن أحد يجرؤ على البكاء.

 

“أنا بالتأكيد قلت لك أن تأتي إلى العاصمة وتتواصل معي.”

 

“كنت سأفعل! لكنني في الطريق شممت رائحة فمررت لأتفقد الأمر فقط! أليس كذلك؟ إنها رائحة، صحيح؟”

 

“صحيح. أصبحت جيدًا الآن.”

 

خلف روبن، اقترب أفراد الفرقة الثامنة وتجمعوا. أجسادهم جميعًا قوية وحركاتهم مهددة، لكن لم تكن بنفس الحدة السابقة.

 

مع روبن بينهم، بدا المشهد كقطيع من الكلاب البرية يجوب المكان.

 

كانت تلك الكلاب البرية التي استدعتها ديارين بنفسها. وسيلة لمراقبة إندين، وفكرة أن تستخدم الوحوش التي صنعها هو نفسه ستكون انتقامًا شديد الروعة.

 

لكنها كانت قلقة قليلًا إن كانوا سيؤدون دورهم جيدًا، إلا أن الأمر بدا مطمئنًا الآن.

 

“هكذا يظهر أثر التدريب!”

 

“كنت محبطًا لأني لم أتمكن من التشمم جيدًا، لكن الآن يمكنني فعلها كما ينبغي.”

 

تحول روبن فجأة إلى جرو لطيف يتلقى الثناء، فانتفخ فخرًا بكلمات أفراد الفرقة الثامنة، والذين بدورهم نظروا إليه بنظرات إعجاب.

 

لم يعد هناك كلب مجنون يقود بشرًا، بل مجموعة من الكلاب البرية المتساوية.

 

“أصبحت تملك أنف كلب. ليتك درّبت أذنيك أيضًا، بدل أنفك.”

 

“هذا أصعب، هاهاها!”

 

“لو فعلت، لكنت حفظت قمة رأسك.”

 

“… آه، هل ظهوري كان في وقت غير مناسب؟”

 

“أحسنت الملاحظة. لكن لماذا لم تستخدم هذه الفطنة لتحفظ رأسك؟”

 

ألقى روبن نظرة حوله بسرعة، واكتشف حديقة الزهور التي كان يدوسها.

 

“هيااا! هذه الزهور!”

 

شاهد السعر المكافئ لثلاث زجاجات نبيذ فاخر وهو يدوسه، فرفع قدمه مذعورًا، لكن الزهور كانت قد تحطمت بالفعل، وغضب ديارين اشتعل مجددًا.

 

“آه، آه، ما هذا المكان، أنتما الاثنان… آه!”

 

تصلب وجه روبن وهو يطالع المكان المليء بالزهور الفاخرة.

 

الآن فهمت جريمتك.

 

“… أعتذر. هل كنتما تدفنان أحدًا هنا؟”

 

“…”

 

كانت الزهور بيضاء، لكنها لم تكن كافية ليوهم أحدًا بأنه مكان جنازة. ربما تأثر روبن بعادات الفرقة الثامنة.

 

“ومن يدفن شخصًا بهذه العناية؟”

 

“آه، هاها، صحيح. إذن أنتما بدأتما مشروع بستنة سري؟”

 

“… لماذا لا يخطر ببالك أنها قد تكون حفلة زفاف؟”

 

“آه، زفاف… زفا— أوه؟!”

 

فجأة، التقط روبن الإشارة، وأخذ ينظر إلى الاثنين بالتناوب، ثم راقب ملابسهما الملطخة ببتلات الزهور وكأنهما كانا يتقلبان على الأرض، ففهم كل شيء.

 

“اقتُلونِي!”

 

سجد على الأرض، مع إمالة رأسه قليلًا ليُريهم مكان الصلع بوضوح.

 

وبما أن ديارين قد عاقبته مرة بإشعال النار في رأسه، لم يكن من الممكن مضاعفة العقوبة.

 

“أوف…”

 

“آه، إذن هل هذا سبب بحث الأمير الثاني عني؟”

 

بينما كانت ديارين تفكر في طريقة للتخلص من هذا المزعج الذي أفسد الجو، سارع روبن بتغيير الموضوع.

 

ورغم أن لحظة ليلة الزفاف قد فُسدت، إلا أن كلامه استحق الإصغاء.

 

“ما زلت تتواصل مع الأمير الثاني؟”

 

“أعترض! أنا فقط سمعت شائعات تقول إنه يبحث عني سرًا، حتى وصل الخبر إليّ.”

 

“هممم…”

 

نظرت ديارين إليه بعينين مليئتين بالشك، لكن شخصًا فقد شعره الأمامي ثم فقد قمة رأسه لم يبدو كمن يكذب.

 

“لو كنت أنوي الخيانة، لما قلت لك هذا أصلًا!”

 

“ألا يمكن أن تكون قد بادرت بالاعتراف حتى لا تُكشف وتُحرق؟”

 

لم تستعد ديارين ثقتها به بعد، خاصة بعد سجله في الخيانة. بدا وكأنه يحاول أن يقود الفرقة الثامنة، لكن لم يكن واضحًا إن كان يقودهم أم يُقاد هو.

 

“حينها، كانت حياتي على المحك!”

 

“ممم، والآن حياتك في يدنا، فتطيعنا… وإذا أمسك الأمير الثاني بخيط حياتك مجددًا، ستطيعه هو؟”

 

“الآن لن أفعل هذا أبدًا! أنا أيضًا أقدّر شعري!”

 

“لكن بين الشعر والحياة، ستختار الحياة…”

 

“لكن هذه المرة ستشعلين النار في جسدي بدل رأسي، أليس كذلك؟!”

 

“… ملاحظة دقيقة.”

 

كانت تظن أن عقله أصبح مثل عقل الحيوانات التي يرافقها، لكن يبدو أن ذكاءه الحاد في الموازنة بين القوى ما زال كما هو.

 

ضرب روبن صدره قائلًا:

 

“لن أغيّر ولائي أبدًا بعد الآن!”

 

“ولماذا؟”

 

“لأنه من الواضح أن الأمير الأول سيكون الإمبراطور! لقد تحالفتُ مع طفل الحاكم، فكيف يمكن أن نخسر؟!”

 

“… حتى في البرية، أنت تعرف كل شيء…”

 

صرخ روبن بعينين دامعتين:

 

“لا يمكنني العيش في البرية للأبد! سأعود إلى القصر الإمبراطوري يومًا ما، وأعيش حياة الترف أمام الجميع!”

 

هذا الرجل سيبقى حيًا حتى النهاية بسبب إرادته تلك. لم يكن ذلك إخلاصًا، لكنه كان سببًا أكثر موثوقية. إذا كان واثقًا من حساباته، فلن يخون أبدًا.

 

عندها لمعت فكرة في رأس ديارين.

 

“الأمير الثاني يبحث عنك أنت وأفراد الفرقة الثامنة.”

 

“صحيح. لكنني لن أجيبه أبدًا…”

 

“أجب.”

 

“… ها؟ أجب؟”

 

روبن رمش بعينيه بتبلد. يذهب إلى الأمير الثاني؟ أن يسلم كل هذه القوة العسكرية الهائلة دفعة واحدة له؟

 

ديارين بابتسامة:

“نعم، أجب عليه، وتمسّك به كما كنت في السابق، وجدّد قسم ولائك. قل له إن البرية كانت باردة وجائعة جدًا، وتظاهر كما تفعل الآن بكل إخلاص.”

 

ابتسمت ديارين ابتسامة مشرقة.

 

الفخ، نحن أيضًا نعرف كيف ننصبه.

 

 

✦✦✦

 

 

إندين بصوت منخفض، وعيناه تتلألآن بنظرة مليئة بالسم:

“لا يوجد أي وسيلة لقلب الطاولة… إلا إذا صنعناها بأنفسنا.”

 

أمامه الإمبراطورة فينيليا، وإلى جانبه الدوق جيرين، كل منهما في عينيه نفس اللمعان القاتم.

 

حتى الفأر إذا حوصر يعض القط، فكيف بمن يملك كلًّا من المخالب والسم أن يخفي عداءه؟

 

ظهور طفل الحاكم لم يكن أمرًا يمكن لأحد أن يتنبأ به. سوء حظ لا أكثر. لكن إن تجاوز الأمر ذلك الحد، فسيصبح خارج السيطرة.

 

مجرد ظهور طفل الحاكم، كان أمرًا يمكن تحمله إلى حد ما. لكن الإمبراطور فتح حديثًا عن زواجهما، وألمح حتى إلى منحه لقب ولي العهد.

 

كانت هذه النهاية.

 

إلا إذا أنقذ إندين العالم من الخراب مع الحاكم نفسه، فلن يكون هناك أي أمل في الانتصار.

 

إن ميلان الكفّة مرة، يصعب قلبه مجددًا.

 

الإمبراطورة فينيليا أبدت شيئًا من التفاؤل:

“لم تكن هذه هي المرة الأولى التي ينطق فيها جلالته بكلمة ولي العهد. لا يزال من المبكر الحكم على ما سيحدث.”

 

إندين نفخ من أنفه بازدراء. إحساس من يقف في ساحة القتال ممسكًا بالسيف، يختلف عن إحساس من يقف بأمان خلف الصفوف.

 

“لا، جلالة الإمبراطور الآن قرر أن يتخلى عني ويلعب بالأمير الأول. ربما لن يتخلص مني تمامًا، لكنه بالتأكيد لن يترك الوغد بلا حراك.”

 

“إن حدث وتزوج فعلًا من طفلة الحاكم…”

 

“قد يقدم على ما هو أكثر من ذلك. هل كان هناك من تخيل أصلًا أن طفل الحاكم سيظهر؟ أو أن أحدًا قد يجرؤ على صنع معجزة حقيقية؟ حتى جلالة الإمبراطور لم يتوقع ذلك. هؤلاء قادرون على إخراج ورقة لا يستطيع الإمبراطور نفسه التعامل معها.”

 

حتى لو كان للإمبراطور سلطة مطلقة، فهو في النهاية إنسان.

 

قوة الشعب عظيمة، وحتى الإمبراطور لا يمكنه أن يتعامل بتهور مع المعبد.

 

فإن كسب الأمير الأول دعم الشعب، قد يصبح شخصًا لا يستطيع الإمبراطور نفسه التحكم به.

 

في أسوأ الأحوال، حتى لو كان قلب الإمبراطور مع إندين، فقد يضطر لاختيار سيريس بسبب ضغط الشعب.

 

إندين لم يؤسس الفرقة الثامنة في الحرب، ولم يقم بالعرض الباذخ في عيد ميلاده عبثًا، بل كان الهدف هو كسب الشعب إلى جانبه.

 

“قبل أن يحدث ذلك، علينا أن نستخدم قوتنا أولًا.”

 

الدوق جيرين قبض على يديه المشبوكتين فوق ركبتيه.

 

كان يتمنى أن تجري الأمور في ظاهرها بسلاسة وهدوء، لكن في ساحة الحرب، المثالية مجرد سمّ يقصر عمر صاحبه.

 

“هل لدى سمو الأمير الثاني خطة معينة في ذهنه؟”

 

التقت نظرات الرجلين، وكان إندين قد حسم أمره بالفعل.

 

 

 

الانستغرام: zh_hima14