“حتى لو لم يقتلني جلالة الامبراطور، فإن كبير الخدم سيقتلني!”
“… آه.”
كان علية القوم حتى في قتل الناس يتبعون نظام الطبقات.
“لكن، نحن أيضًا لا يمكننا الذهاب إلى مثل هذا المجلس المهيب وكأن الأمر سهل وبلا حساب.”
“يمكنكم الذهاب وكأن الأمر سهل وبلا حساب! سواء ركضتم حفاة، أو دخلتم بملابس النوم وأنتم واقفون على أيديكم، لن يجرؤ أحد على الاعتراض!”
“لكن لو أخبرتنا من سيكون هناك ولماذا جرى ترتيب هذه الدعوة المفاجئة، يمكننا تحديد إن كنا سنذهب حفاة أو مقلوبين على أيدينا.”
ابتسمت ديارين بلطف وهي تحدق في عيني الخادم.
في مثل هذه المواقف كانت تدرك جيدًا أنها اعتادت على أجواء القصر. فقد باتت تعرف كيف تُلين الخادم بالكلام، وماذا تسأل لتصل إلى مبتغاها.
“آه، الحقيقة… هذا الصباح، كان دوق جيرن حاضرًا على مائدة الفطور، وجرى التطرق إلى كلمة ’زوجة ولي العهد‘… ثم تلاه الحديث عن تصرفات ولي العهد مؤخرًا…”
كان الخادم يتحدث وهو يراقب ردود أفعالهما بحذر.
تصرفات سيريس مؤخرًا؟ أجل، تلك التصرفات المهووسة التي تمثلت في تقديم عروض الزواج المتكررة لديارين.
بينما ديارين ترفض عروض سيريس بلا هوادة، كان سيريس يطيح بمنافسيه الآخرين الذين يتقدمون إليها.
في قصر لا شاغل فيه سوى أحاديث الحب، كان هذا فضيحة هزت الجميع: ولي العهد الأول، والفتاة التي تمثل أسمى رمز ديني بعد الحاكم نفسه. مزيج مثالي ليغذي الشائعات.
لكن أن تُذكر كلمة “زوجة ولي العهد” صراحة؟ هذا لم يكن أمرًا بسيطًا.
“ومن سيكون معنا أيضًا على المائدة؟”
“لا أستطيع الجزم، لكن يبدو أن العدد سيكون محدودًا!”
كان الخادم يظن أن الاثنين لا يرغبان في حضور تجمع كبير، فسارع ليؤكد أن الأمر سيكون صغيرًا.
لكن مع ذكر لقب زوجة ولي العهد، لم يعد من الممكن التهرب.
“يبدو أنني شعرت بالجوع مجددًا ونحن نمشي.”
“صحيح، حتى أنا شعرت أن معدتي فرغت بسرعة اليوم.”
“شكرًا جزيلاً! سأرافقكما حالًا!”
أشرق وجه الخادم فرحًا، وفتح باب العربة المنتظرة أمام جناح ولي العهد قبل أن يبدلا رأيهما.
كان القصر كبيرًا لدرجة أن الانتقال بين أجنحته يستلزم استخدام العربات أو الخيل.
وما إن صعد الاثنان، حتى سارع الخادم بإغلاق الباب وانطلقت العربة قبل أن يلوذا بالفرار.
“زوجة ولي العهد، إذن…”
كانت هذه الكلمة ثقيلة. لم يعد الأمر مجرد “ولي العهد يغازل ابنة الحاكم”، بل مسألة أعمق بكثير.
وفوق ذلك، إذا ذُكر هذا أمام دوق جيرن، وهو حليف أساسي للإمبراطورة فينليا وداعم ولي العهد الثاني، فهذا يزيد خطورة الوضع.
“الأمر أشبه بتحذير، أليس كذلك؟ لو أعلنت أنني سأقبل الزواج منك، فسينقلب ميزان القوى بالكامل.”
حتى الآن، رغم عدم وجود عقد زواج، كانت العلاقة بين ديارين وسيريس متينة كتحالف راسخ. لكن الناس يرون في الزواج فارقًا هائلًا.
“إن كان جلالة الامبراطور يحاول انتزاعك مني…” تمتم سيريس بجدية.
صحيح أن الوضع نجا مؤقتًا بفضل قسم ولاء ديارين، لكن لو شعر الامبراطور بالتهديد، فقد يقدم فعلًا على هذه الخطوة.
“لا يمكن أن أسمح لجلالة الامبراطور بأخذك. لم أبذل ما يكفي بعد…”
(بل بذلت أكثر من اللازم… لا داعي للمزيد…) فكرت ديارين وهي تتساءل كيف تصحح وهمه الكبير.
لقد بالغ سيريس في بذل الجهد، ولم يكن رفضها المستمر بسبب تقصيره، بل بسبب مشاعرها هي.
(الزواج ليس أمرًا تفعله باندفاع وتغلق الملف…)
الزواج حدث يقلب حياة المرء بالكامل، وليس شيئًا ينتهي بتوقيع واحد.
الآن كان الوضع مريحًا، ولو كان الزواج سيحافظ على هذا الحال، لما ترددت ديارين.
لكن الزواج لم يكن أمرًا يخصهما وحدهما، بدليل رد فعل الامبراطور على عروض سيريس المتكررة.
لم يكن قرارًا يمكن أن يُتخذ فقط لأن “الجميع يتزوجون” أو “حان الوقت” أو “الخاطب شغوف”.
“لا تقدم على عرض الزواج أمام جلالة الامبراطور، مفهوم؟”
أفاقت ديارين فجأة وأرادت تقييد اندفاع سيريس، إذ قد يقوم كرد فعل على ألاعيب الامبراطور بإلقاء عرض زواج في وجهه.
تجهم سيريس بشدة وقال:
“كيف تقولين كلامًا قاسيًا كهذا؟ أمام جلالة الامبراطور لا يمكن لأي فعل أن يكون رومانسيًّا.”
“… آسفة.”
صحيح أن عروض سيريس كانت مبالغًا فيها، لكنها دومًا كانت مبنية على نية رومانسية. أدركت ديارين أن عبارتها كانت جارحة.
“سأكتفي فقط بإعلان أننا سنتزوج يومًا ما.”
“… “
(كان عليّ ألّا أعتذر…)
“حتى أمام من استدعانا بدافع الفضول، ستشعل النار؟”
“أنا أرى الأمر بشكل مختلف.”
“وكيف ذلك؟”
“ربما يريد أن يختبر إلى أي حد أنا مهووس بك.”
ضيقت ديارين عينيها وهي تسمع تحليله.
“يريد أن يتأكد أنه حتى بعد أن أحصل عليك، لن أطمع في العرش.”
“هممم…”
“لهذا سأتصرف كأغبى ما أكون أمامه.”
كانت خطته منطقية، لكن كلمة “أغبى” لم ترق في أذن ديارين.
“هل يجب أن تصل لدرجة التظاهر بالغباء؟”
“غباء لا تعرفه إلا ديارين؟”
“… آه.”
“لقد وقعتُ مجددًا في حيلة هذه الثعلبة.”
ابتسم سيريس وهو ينظر إلى وجه ديارين الذي بدأ يشتعل حرارته شيئًا فشيئًا.
فقامت ديارين بردة فعل فورية، فوكزته بمرفقها في خاصرته كنوع من العقاب. ومع ذلك، لم تختفِ ابتسامته.
“بعد أن ننتهي من هذا الأمر، يُمنع عليك التصرف كالأحمق.”
استغلت ديارين الزخم لتسد الطريق أمام أي هراء قد يتفوه به سيريس لاحقًا.
فمن المؤكد أنه لو شعر بأن هراءه مُعترف به حتى أمام الامبراطور، فسوف يتفاخر به في كل مكان بلا تردد.
الأمر كان يثقل على ديارين، لكنها أيضًا كانت تخشى أن يظن الآخرون أن سيريس أحمق بالفعل.
“لا أريد أن يظن الآخرون أنك حقًا أحمق.”
إن كان هناك من سينتقده، فلتكن هي من تفعل ذلك، وليس أي شخص آخر.
لم تستطع ديارين تحمل أن يصف أحد سيريس بالغباء.
عندها أدرك سيريس مشاعرها، وتعهد بحزم:
“حسنًا، من الآن فصاعدًا سأحرص على أن أبدو ذكيًا فقط.”
“همم.”
أومأت ديارين برأسها، لكنها توقفت فجأة.
لحظة… سيريس كان حتى الآن يحافظ على صورة ولي العهد الأول الصامت الرزين. لم يكن يظهر ذكيًا بشكل خاص، ولا أحمق.
لكن إن أضاف إلى ذلك صورة الذكاء… ألن تنفجر شعبيته التي هي أصلًا في ذروتها؟
“… لا تبدُ ذكيًا جدًا.”
أضافت بسرعة.
“ماذا؟”
“خاصة أمام النساء.”
“لماذا؟”
“قد لا أتمكن من التعامل مع الأمر. من يدري ما الذي قد يفعلنه بي ليحصلن عليك.”
“ومن يجرؤ على فعل ذلك؟ لن أسمح أبدًا بحدوثه.”
“على أي حال، أظهر ذكاءً بمقدار مناسب.”
قالت ديارين وهي تبدي انزعاجًا بلا سبب ظاهر.
في البداية، لم يفهم سيريس ما الذي حدث، فنظر إليها بعينين واسعتين. لكن تدريجيًا، ضاقتا عيناه وارتسمت ابتسامة على شفتيه.
“ديارين… هل هذه غيرة؟”
“ماذا؟!”
قفزت ديارين فجأة حتى كاد رأسها يصطدم بسقف العربة.
“أليس الأمر أنك لا تريدين أن تقترب النساء الأخريات مني؟”
“لـ… لا! الأمر فقط أنه سيكون مزعجًا، وصعبًا السيطرة عليه، وقد يعرضني للخطر!”
“حتى لو أزلنا هذه الأعذار، تبدين غير مرتاحة.”
“لا! هذا ليس غيرة!”
“ليس غيرة إذن؟”
غيرة… غيرة…
حركت ديارين شفتيها دون أن يخرج أي كلام. لم يخطر ببالها أي مصطلح آخر.
كان عقلها يردد كلمة واحدة فقط: الغيرة.
هل هذا الشعور المزعج الذي ينتابها لمجرد تخيل النساء وهن يلتصقن بسيريس… هو الغيرة فعلًا؟
… لا، ولماذا أغار أنا أصلًا؟
لا، بالتأكيد ليس كذلك…
لكن حتى وصول العربة إلى بوابة قصر الامبراطور، لم تستطع ديارين أن تجد كلمة أخرى غير “الغيرة”.
✦✦✦
“أوه، لقد جئتما.”
بمجرد أن دخلا الحديقة، استقبلتهما بصوت عالٍ نبرة الامبراطور المبهجة.
انحنت ديارين بعمق من مكانها احترامًا.
“شرف كبير أن تدعوني إلى هذه المائدة الكريمة.”
“بل الشرف لي أن أتناول الطعام مع ابنة الحاكم. تفضلا بالجلوس.”
كان الامبراطور في مزاج جيد على ما يبدو، إذ بدا صوته مفعمًا بالنشاط.
رفعت ديارين رأسها وألقت نظرة على الوجوه الحاضرة قبل أن تجلس.
كما قال الخادم، لم يكن العدد كبيرًا، لكن المفاجأة كانت بوجود الإمبراطورة فينليا.
نادراً ما كان الامبراطور يصطحب الإمبراطورة فينليا إلى لقاءات خاصة، إذ اقتصرت أغلب لقاءاتهما على المناسبات الرسمية.
وجودها هنا كان بمثابة إعلان غير مباشر أن الامبراطور ينوي القيام بخطوة سياسية.
ابتلعت ديارين ريقها وأمسكت بذراع سيريس وهي تتقدم.
“من الجيد أن أراكما معًا.”
قال الحاكم بابتسامة راضية وهو ينظر إليهما.
هل بدأ الهجوم مباشرة؟
تنفست ديارين بعمق استعدادًا لمواجهة كلمات الامبراطور، لكن سيريس سبقها بالرد:
“لسنا معًا لكي نبدو جميلين في نظركم، يا جلالة الامبراطور.”
“؟!”
كادت عينا ديارين أن تخرجا من مكانهما.
عذرًا! اتفقنا أن تتصرف كالأحمق الذي لا يعرفه إلا أنا، لكنك الآن تتصرف كمجنون لدرجة أن الامبراطور نفسه لن يتعرف عليك!
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 175"