عندما عاد الموظف بعد أن ودّع آخر المتقدمين — وهي أمها — فوجئ برؤية ديارين تبكي فسألها بدهشة.
مسحت ديارين دموعها بكمّها وهزّت رأسها. كانت قد رتّبت مشاعرها بسرعة، وعادت في لحظة إلى مظهرها المعتاد وكأن شيئًا لم يكن.
“قصتها كانت مؤثرة، فتأثرت دون أن أشعر.”
“آه…”
نظر الموظف حوله بتردّد ثم تأكد مرة أخرى:
“الشخص الذي كان هنا للتو… لم يكن من عائلتك، أليس كذلك؟”
أخذت ديارين نفسًا عميقًا وأجابت:
“نعم، لم يكن.”
الآن، تحررت حقًا من قيود العائلة التي كانت تخنقها.
ما دامت أمها لا تبحث عنها، فلن يبقى أحد من عائلتها يحاول استغلالها.
شعرت بالارتياح، وفي الوقت نفسه أحست بغرابة، كحيوان ظلّ طيلة حياته مقيّدًا ثم فجأة وجد نفسه حرًّا.
تذكرت سيريس.
قيود سيريس، التي لن يحررها أبدًا، لم تكن خانقة مثل قيود العائلة. بل إنها شعرت بأنها قد لا تتحمل إن اختفى.
“سيد سيريس!”
فجأة، اشتاقت لرؤيته.
“يمكنك الانصراف!”
“آه، نعم!”
سمعت إجابة الموظف المليئة بالفرح، وفتحت الباب على الفور.
لم تكن تعرف أين قد يكون سيريس داخل القصر المخصّص لولي العهد الأول، لكنها كانت واثقة بأنها ستجده بطريقة ما.
“…هاه؟”
لكنها لم تتوقع أن تراه بمجرد أن فتحت الباب.
“ه… هذا…”
تجمّدت ديارين أمام المشهد.
طريق من الزهور.
لم يكن مجرد ممر مزين بالزهور، بل بدا وكأن الحديقة بأكملها قد نُقلت إلى الممر ليتحوّل إلى “طريق” من “الزهور” حرفيًا.
تراجعت ديارين خطوة للخلف تحت وطأة المشهد المهيب.
وبالتفكير، ربما لم تكن تشتاق لرؤية سيريس إلى هذه الدرجة.
خطت خطوة أخرى إلى الوراء. ربما لو عادت إلى الغرفة الآن، يمكنها أن تتظاهر بأنها لم تر شيئًا.
“ديارين.”
لكن صوت سيريس ناداها وأوقفها.
حاولت أن تتظاهر بأنها لم تسمع، وأغمضت عينيها بإحكام.
“ديارين. من الآن فصاعدًا، سأجعل خطاكِ تسير فقط على طريق من الزهور.”
كان سيريس واقفًا أمامها، وقد علقت بضع بتلات على شعره، وهو يعلن ذلك.
يبدو أنه قطف الزهور بنفسه من الحديقة. ومن نافذة الممر الجانبية، ظهرت الحديقة وقد أصبحت شبه خالية.
طريق الزهور الذي صنعه بنفسه، والوعد بأن يجعلها تسير عليه دائمًا…
كان من الواضح أن هناك شيئًا آخر سيأتي بعد ذلك.
“ديارين، هل تتزوجينني؟”
“…”
كما توقعت، ها هو الحدث الذي كانت تتخيله.
أخذت ديارين نفسًا عميقًا واستدارت لتنظر إليه.
لكنها فقدت الكلمات عندما رأت ما يحمله.
“…خاتم؟”
هل يمكن حقًا أن يُسمّى هذا خاتمًا؟
لم تستطع أن تجد تعريفًا لهذا الشيء الذي كان عبارة عن حجر كريم بحجم قبضة اليد موصول بحلقة معدنية صغيرة.
اقترب سيريس منها، وجثا على ركبة واحدة، وقدم إليها ذلك “الشيء”.
“ديارين.”
“…”
رفع نظره إليها بعينين لامعتين.
تساءلت إن كان هذا ما يشعر به المرء حين يرى جروًا يطلب الخروج في نزهة في يوم ماطر بغزارة… شعور بالرغبة في تلبية الطلب، مع معرفة أن ذلك سينتهي بكارثة مؤكدة.
“في هذه اللحظة، أريد فقط أن أسألك سؤالًا واحدًا.”
“أي سؤال.”
“ألا تعتقد أن هذا سريع جدًا؟ كنت تقول إنك تريد أن تأخذ وقتك.”
“بالطبع، سأظل أبذل الجهد.”
“…ماذا؟”
ماذا يعني ذلك؟ هل لم يتسرع بدافع العجلة ليصل مباشرة إلى النتيجة؟ هل يعتبر هذا البداية؟
…إذا كانت هذه البداية، فماذا سيفعل بعد ذلك؟
أليس من المعتاد أن تكون هذه اللحظة هي الخاتمة بعد كل الجهد؟
“وإذا قبلت عرضك الآن، كيف ستستمر في بذل الجهد؟”
“هل ستقبلينه إذًا؟”
عيناه أضاءتا فجأة.
“لا.”
“…”
في لحظة، تحولت نظرة الأمل إلى نظرة خيبة واضحة.
لم تستطع ديارين النظر إليه، فأدارت وجهها.
“لا بأس إن لم تقبليه الآن.”
تعافى سيريس بسرعة.
ويقال إن الجروح حين تلتئم، تصبح المنطقة أقوى من قبل…
“سأستمر حتى تقبليه.”
بدت عزيمته الآن صلبة لدرجة أن شيئًا في هذا العالم لن يستطيع كسرها.
“…لا تقل إنك ستستمر بفعل مثل هذه الأمور؟”
“طريق الزهور؟”
“نعم، مثل هذا… النوع من الأفعال.”
“هذا مجرد عمل مستعجل. أما حين أبدأ بجدية، فسأفعلها على أكمل وجه.”
ابتسم سيريس ابتسامة مشرقة وهو يضع الزهور على رأسه.
“يا… أ… أيها… المجنون…”
قول إنك مجنون لمجنونٍ آخر لا يُعتبر إهانة، وهذا بالذات أمر يبعث على الجنون.
✦✦✦
الأشخاص الذين كانوا يدّعون أنهم من عائلة ابن الحاكم أخذ عددهم يتناقص بسرعة.
كان بعضهم يتظاهر بذلك فقط ليحظى بفرصة مقابلة ديارين، لكن بعدما شاع الخبر بأنها ترفض جميع الطلبات تمامًا، لم يعد أحد يجرؤ على تلك المحاولات المتهورة.
بل وأصبح من يزعم أنه قابل ابن الحاكم يُوسَم مباشرة بأنه محتال، فتوقفت زيارات الناس خلال وقت قصير.
لكن بدلًا من ذلك، انفجر عدد الخطّاب بشكل هائل.
> “يا ابن الحاكم! اخترني أنا أرجوك!”
أما العامة فيمكن تفسير فعلهم كنوع من الأمل الأعمى والمقامرة.
لكن المفاجئ أن حتى النبلاء الذين يعيشون داخل القصر الإمبراطوري بدأوا يفعلون الشيء نفسه.
> “إن اخترتِني، فسأمنحكِ ليلة أشد حرارة من نار الحاكم!”
“… هذا أسوأ ما سمعت.”
أبدت ديارين تعليقًا مقتضبًا على عرض زواج من رجل جاثٍ على ركبتيه ممسك بموقدين في يديه، ثم استدارت.
أما الباقي فلم يكن عليها أن تتولى أمره بنفسها.
طَرق!
ظهر سيريس فجأة ودون أي صوت، وأمسك بالموقد وألقاه بعيدًا.
“القتل ممنوع.”
“فقط… لن أقتله.”
“والعنف أيضًا ممنوع.”
“سأُقنعه بلطف.”
ثم أمسك سيريس الرجل من مؤخرة عنقه.
> “هاااك! سمو الأمير الأول! كيف أنت هنا!”
“حيثما تذهب ديارين… أكون هناك. … أتظن أني لا أعلم؟”
> “لكني سمعت أنك مشغول اليوم!”
“لا شيء أهم من هذا.”
أجاب سيريس بصوت بارد وهو يجر الرجل نحو مكان مظلم وخالٍ… ليُقنعه “بلطف” كما قال.
وبالطبع، تجاهل الجميع حقيقة أن “اللطف” يختلف تعريفه من شخص لآخر.
بعد قليل، خرج الرجل وهو يزحف على أربع، ووجهه مبلل بالدموع والمخاط، متوسلًا:
> “لن أجرؤ على الاقتراب مجددًا!”
“الخطبة تُطلب فقط حين تشعر أن الطرف الآخر قد يقبل بك. لا أن تذهب بلا مقدمات لشخص لا تعرف اسمه حتى. فهمت؟”
> “ن- نعم!”
هرب الرجل وهو يذرف الدموع.
استدارت ديارين لتنظر إلى سيريس الذي كان يستند إلى الحائط مكتوف الذراعين يرمقها بنظرة جانبية.
“كان هذا… بلطف، صحيح؟”
“على معاييري… نعم.”
“…”
على الأقل لم يكن على وجه الرجل أثر لضرب، وهذا بحد ذاته يُعتبر تقدمًا.
أما أول رجل حاول الاقتراب من ديارين، فقد كاد ينتهي به الأمر في حضرة الحاكم نفسه يطلب يد ابنته، لولا أنها أوقفته.
ومع ذلك، لم يقلّ حماس الناس، بل صار طلب الزواج من ديارين أقرب إلى موضة، وكأنهم عميان جشع يبحثون عن ثروة سريعة.
“إذًا يا ديارين…”
“كفى.”
لم يُفوت سيريس أي فرصة.
لكن ديارين أيضًا أصبحت بارعة في صدّه.
مع كثرة من يلاحقونها بالحديث عن الزواج من كل صوب، صار رد فعلها الفوري هو الهرب أو الرفض. وأصبح صدّ عروض سيريس المتكررة عادة.
“ألم تقل إنك ستستمع اليوم لتقرير مفتش الإقليم؟”
“خرجت قليلًا.”
“ألا يجب أن تعود؟”
مع مرور الوقت في القصر الإمبراطوري، بدأ سيريس يرسخ موقعه كولي عهد أول، وانشغل بالدراسة، والتدريب، واللقاءات مع النبلاء، وإدارة الأراضي.
أما ديارين فجدولها أيضًا أصبح مكتظًا، فحتى لو لم تفعل شيئًا بصفتها ابنة الحاكم، فإن شهرتها وحدها تجلب معها الكثير من الالتزامات.
وبينما كان كل منهما مشغولًا، كان سيريس يعرف بطريقة غريبة متى يقترب منها أحد الخطّاب، ليظهر فورًا.
“بما أن وقت الطعام حان، أستطيع أن أفرغ نفسي قليلًا. ديارين، إن لم تمانعي…”
“لا بأس بالطعام، لكنك لم تضع خاتمًا داخل الكعكة، أليس كذلك؟”
“ما فعلته مرة، لن أكرره.”
“وماذا عن بين أضلاع اللحم؟”
“… آه، نسيت ذلك.”
“لا تفعل.”
“… حسنًا.”
لم يكن سيريس يترك حتى وجبة واحدة تمر دون أن يستغلها.
وكما وعد، استمرت عروض الزواج التي يبذل فيها قصارى جهده، لتظهر في أوقات غير متوقعة.
“أعتذر لإزعاج وقتكما.”
في ذلك اليوم، وبينما كانا متجهين إلى قاعة الطعام بعد أن اتفقا على أن يتناولا وجبتهما بسلام، هرع أحد خدّام القصر الإمبراطوري إليهما.
“جلالة الإمبراطور يبلغانكم أنه بما أن الورود في الحديقة الملكية تفتحت، يرغب بتناول الطعام معكما هناك قبل الوجبة.”
“لقد تناولنا الطعام.”
قال سيريس كاذبًا بكل ثقة ودون أن يرمش.
وانضمت ديارين بكل هدوء إلى تلك الكذبة.
“آه… أنا شبعانة.”
> “ل- لكن يجب أن يكون قبل الوجبة…”
ارتبك الخادم وبدا على وجهه القلق، فقد كان واضحًا أنه سيتحمل المسؤولية كاملة إن لم يُحضرهم.
لكن لم يكن هناك مفر.
“لو شربت حتى جرعة ماء الآن، سأشعر بالغثيان. ولا يمكن أن أُسيء الأدب مع جلالة الإمبراطور، أليس كذلك؟”
ربّتت ديارين على بطنها لتؤكد كلامها.
كانت تناغماتهما مثالية… لكن معدة ديارين لم تلتقط الإشارة.
غررررر.
أنا جائعة!
ألقى هذا الصوت الصادر من معدتها بظلال من الصمت المحرج بين الثلاثة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 174"