التوتر الذي شعرت به في البداية طار بعيدًا جدًا، ولم يبقَ سوى الملل.
“كيف يمكن أن يكونوا بلا أي إبداع هكذا؟”
حين أعلنت ديارين أنها ستقابلهم بنفسها، اختفى معظم الذين كانوا يدّعون أنهم من عائلتها. المسؤول أرسل لهم رسائل للحضور، لكنهم لم يردّوا حتى.
ومع ذلك، بقي بعض الأشخاص مصرّين حتى النهاية على أنهم عائلتها. كانوا إما أشخاصًا يظنون حقًا أنهم عائلتها المفقودة، أو محتالين شديدي الجرأة. ولا بد أن الأمر كان أحد هذين الخيارين.
“آه…”
التي دخلت هذه المرة كانت سيدة في عمر قريب من عمر والدتها.
بمجرد أن دخلت الغرفة ورأت وجه ديارين، أطلقت تنهيدة، وبذلك عرفت ديارين فورًا هوية الضيفة.
“…أعتذر، أضعت وقت ابنة الحاكم الثمين. فقدت ابنتي وهي في الخامسة من عمرها في الجبال…”
مدّت ديارين يدها وربّت على كتف السيدة التي لم تتمالك نفسها وأجهشت بالبكاء، وعلامات التعاطف على وجهها.
“أدعو بإخلاص أن يعيد الحاكم ابنتك إلى حيث يجب أن تكون.”
“شكرًا لكِ، شكرًا لكِ…”
بعد أن ودّعت السيدة، استندت ديارين إلى كرسيها وأطلقت تنهيدة طويلة.
في مثل هذه الحالة، حيث لم يكن الاحتيال مقصودًا، لا يمكن توبيخ الشخص. وهي لا تستطيع إعادة الطفلة، فلم يكن هناك سوى الحزن، ثم انتهى الأمر.
“التالي.”
لتتخلص من مشاعرها، طلبت ديارين إدخال المرشح التالي مباشرة.
“ابنتي يااااااه!”
هذه المرة كان محتالًا، بل محتالًا قادرًا على التمثيل بوقاحة أمامها مباشرة.
وبما أنه لا حاجة لأي مجاملة مع مثل هذا الشخص، ابتسمت ديارين ابتسامة مشرقة.
“أنا لست ابنتك.”
“لا! ديارين، ابنتي! أصبحتِ ابنة الحاكم وفقدتِ ذاكرتك فحسب.”
“وما علاقة كون المرء ابنة الحاكم بفقدان الذاكرة؟”
“حين تصبحين ابنة الحاكم، يُمحى والداك البشريان من حياتك. لذلك نسيتِنا!”
“أختي!”
اجتمعت العائلة كلها وقدّموا عرضًا تمثيليًا رائعًا.
أُعجبت ديارين بهذا التكاتف، ثم باغتتهم بسؤال مفاجئ:
“متى عيد ميلادي؟ أجيبوا جميعًا في الوقت نفسه. واحد، اثنان، ثلاثة.”
“السنة الإمبراطورية 435، في 21 أغسطس!”
“السنة الإمبراطورية 435، في 21 أغسطس!”
“السنة الإمبراطورية 435، في 21 أغسطس!”
أجابوا جميعًا بصوت واحد.
“أوه.”
إجابة خاطئة تمامًا، لكنها لم تتمالك نفسها من الإعجاب بتناسقهم.
ففي هذا الوقت القصير، تمكنوا من وضع القصة والتدرّب عليها. إنهم محتالون كبار بالفعل.
“خطأ. إلى اللقاء.”
ورغم أنها كانت تريد أن تستمتع أكثر بمهارتهم الكلامية المذهلة، فإن إطالة الأمر لن يفيد إلا في مساعدتهم.
“إذًا ليس في 21 أغسطس.”
“لو أخبرتنا فقط إن كان قبله أو بعده لكان جيدًا…”
حتى وهم يُسحبون للخارج، لم يخفِ أفراد العائلة المحتالة أسفهم. ويبدو أن على من يريد الاحتيال أن يكون لديه مثل هذه العقلية.
قد يكون الشكل الخارجي متشابهًا، لكن ما بداخل الشخص يختلف تمامًا.
الأمير الثاني أو الإمبراطور كانا يشبهان سيريس في الظاهر، لكن في الداخل كان أحدهما سفاحًا مروعًا، والآخر حاكمًا قاسيًا. حتى لو نشأ سيريس في نفس البيئة، لم يكن ليصبح مثلهما أبدًا.
والعائلة كذلك.
قد يعيشون في نفس البيت، ويأكلون آلاف الوجبات معًا، لكنهم جميعًا مختلفون. لا يمكن فهم بعضهم أو أن يُفهموا من بعضهم.
ولهذا، حين ترى عائلة متكاتفة كما لو كانت شيئًا واحدًا منذ البداية، فإن الأمر يثير دهشتها، وربما قليلًا من الغيرة أيضًا.
“التالي.”
الذي دخل الآن كان شابًا.
هل هو أخ أكبر هذه المرة؟ أم أخ أصغر؟ أخذت ديارين تتخيل الاحتمالات وهي تحدّق به وهو يقترب.
كان يسحب قدميه ببطء، وفجأة، انهمرت دموعه بغزارة.
“أوه. تمثيل رائع.”
هذه المرة، بدا أنه ممثل بارع.
صفّقت ديارين له في سرّها وهي تنتظر مشاهده القادمة.
نظر الشاب إلى ديارين بعينين يملؤهما الحزن، ثم قال:
“…زوجتي!”
“…ماذا؟”
انفجر الشاب في البكاء، وجلس على الأرض.
“ظننت أنك متِّ فجأة بعدما اختفيتِ…! ولم أكن أعلم أنك حية وبخير…! زوجتي!”
“…”
أُعجبت ديارين بحيلة هذا الرجل الذي جمع بين التمثيل الرائع والفكرة المبتكرة، لكنها مع ذلك أطلعتْه ببرود على الحقيقة.
“لم يسبق لي الزواج.”
“أأنتِ… نسيتِني؟”
ارتجف الشاب وسالت دموعه بغزارة.
التمثيل؟ ممتاز.
إعداد الشخصية؟ ممتاز.
لكن حبكة “فقدان الذاكرة” باتت مستهلكة للغاية.
“ذاكرتي سليمة تمامًا. وإن أردتَ أن تتمسك بهذه القصة، فعليك أولًا أن تخوض معركة مع الآخرين الذين سبقوك بها لتحديد من سيملأ فراغ الذاكرة.”
وحين أوضحت له أن هذه الحيلة قد استُخدمت بالفعل من قِبل آخرين، توقفت دموعه فجأة. كان سريع التغيير فعلًا.
“…أعتذر. لم تكن نيتي سيئة… أجل، كانت مجرد حيلة سطحية.”
رفع الرجل رأسه فجأة وتقدّم بخطوات واسعة نحو ديارين.
كانت ديارين قد تعمّدت أن تترك الحراس خارج الغرفة، حتى إذا جاءت والدتها الحقيقية، يمكنهما الحديث براحة.
راقبت الرجل وهو يقترب منها بحذر، مستعدة لإشعال النار في أي لحظة.
لكنه توقف أمامها وركع على ركبتيه.
قال:
“في الحقيقة، منذ اللحظة التي رأيتك فيها أول مرة في مهرجان العبادة، وقعت في حبك. رأيتك آنذاك كبركة منحني إياها الحاكم. وها نحن نلتقي مجددًا…!”
أخرج الرجل خاتمًا من جيبه.
“لذلك، أرجوكِ تزوجيني!”
“……”
لقد خطط حتى أدق التفاصيل في يوم واحد فقط، رغم أن حساباته أخطأت في أماكن كثيرة.
قالت ديارين ببرود:
“غادر قبل أن تفقد حياتك.”
“هذا مستحيل! كيف لي أن أتراجع وأترك النور الوحيد في حياتي؟”
“لستَ تقول هذا عبثًا على ما يبدو…”
لكن المتغير الأكبر في كل حسابات هذا الرجل كان…
“سأقتله!”
لقد كان سيريس ينوي فعل ذلك منذ أن سمع كلمة “زوجتي”.
لا بد أنه كان يركض باتجاههما منذ تلك اللحظة.
والوقت الذي استغرقه ليفتح الباب ويندفع للداخل كان مطابقًا تمامًا لحسابات ديارين.
“هيييك!”
صرخ الرجل رعبًا حين رأى سيريس يندفع نحوه.
“انتظر!”
قفزت ديارين بخفة وتشبثت بخصر سيريس، لكن ذلك لم يُبطئه على الإطلاق.
صرخت نحو الرجل:
“لن أتزوجك! اغرب عن وجهي!”
على الأقل يجب الحفاظ على حياته.
فهرب الرجل بسرعة مستخدمًا ذراعيه وساقيه معًا.
لكن سيريس لم يهدأ حتى وهو يراه يفر، فقد كان يزأر بغضب وهو يهمّ بمطاردته.
“توقف!”
في النهاية، لم يهدأ إلا بعد أن ضربته ديارين على ظهره. ومع أن جسده توقف، إلا أن أنفاسه الغاضبة بقيت كما هي.
“إن كنتِ ستتزوجين، فتزوجيني أنا!”
“…لن أفعل.”
“لا تتزوجي أي شخص آخر، فقط أنا!”
“أنا لا أتزوج عدة أشخاص في الوقت نفسه.”
حاولت ديارين تهدئة سيريس بالمنطق، لكن يبدو أنه كان منفعلاً جدًا.
قال بعناد:
“حتى أنا لم أطلب يدك بعد بشكل رسمي!”
… آه. إذن هذا هو السبب؟
“لا، لا، لم تكن تلك خطبة حقيقية. حتى الخاتم بدا وكأنه اشتراه عشوائيًا من السوق، ولم يكن هناك زهور حتى. الأمر لا يختلف عن إمساك أول شخص في الشارع وقول ‘دعنا نتزوج’ فقط.”
“……”
كانت تحاول التخفيف من الأمر، لكن الغريب أن هذا الكلام كان له أثر في سيريس.
زفر ثم نظر إلى ديارين ببطء.
“إذن، سأكون أول من يقدم لكِ خطبة حقيقية.”
“حسنًا، حسنًا، سأنتظر.”
قالتها وهي سعيدة بعودة هدوء سيريس، من دون أن تنتبه لما تقول.
“……”
ثم أدركت فجأة، وهي ترى بريق عينيه:
“لحظة، لا أعني بذلك أن تفعلها.”
“سأبذل قصارى جهدي للتحضير.”
“ليس هذا ما أقصده…”
“أم أنكِ تقصدين أن نتزوج الآن فورًا؟”
“…اخرج.”
أمرته ديارين ببرود، فأطاع سيريس وهو يبتسم وكأن الأمر يفرحه، وغادر الغرفة.
قالت لنفسها وهي تهز رأسها:
“هذا المجنون… ماذا سأفعل به؟”
لقد أصبح سيريس مهووسًا بالزواج، وزاد الأمر سوءًا أن شابًا حاول خطبتها قبل قليل، مما جعله أكثر استفزازًا.
كانت تتوقع أن تلاحقها مواضيع الزواج والخطوبة كأغنية مكررة في الأيام القادمة.
“الشخص الذي ركض للتو، لم يكن هو المقصود أيضًا؟”
“نعم. ليس لدي أي أولاد مخفيين، ولا زوج أيضًا.”
“فهمت.”
خطّ المسؤول خطًا على القائمة أمامه بقوة.
بعد أن كانت ديارين تطرد الأشخاص، كان المسؤول يدخل للتأكد من الأمر.
بل إن قبل بضعة أسطر في القائمة، كانت هناك فتاة في عمر يناسب أن تكون أنجبتها ديارين وهي في الثالثة عشرة، جاءت مدعية أنها ابنتها.
قال المسؤول بابتسامة ساخرة:
“رغم أن عددهم أقل مما ورد في العرائض، إلا أن الأنواع كثيرة بالفعل.”
“على أي حال، الشخص التالي سيكون الأخير اليوم.”
“انتهينا أبكر مما توقعت. من هو الأخير؟”
“السيدة التالية اسمها ‘لورينسيا تاوين’، وتقول إنها قريبة بعيدة.”
بالطبع، لم يكن لديارين أي قريب بهذا الاسم.
الآن، بات كل ادعاء علاقة قرابة يثير ضحكها فقط.
“أدخلوها.”
انحنى المسؤول مغادرًا، ثم دخلت “لورينسيا تاوين” من الغرفة المجاورة.
“…ديارين.”
“!”
اتسعت عينا ديارين.
فالتي وقفت أمام الباب لم تكن قريبة مزعومة باسم “لورينسيا تاوين”…
بل كانت “أمها”.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 172"