تحولت عينا ديارين من الحروف التي كانت تقرؤها إلى الموظف الإداري أمامها.
“الأمر هو… لقد ظهر فجأة عدد كبير من الأشخاص يقولون إنهم عائلة البارونة.”
“…كم عددهم تقريبًا؟”
“تجاوزوا الثلاثين شخصًا على الأقل. بعضهم أرسل رسائل، والبعض الآخر جاء مباشرة ليتحدث. في كل الأحوال، رأيت أن جميعهم محتالون فلم أرفع أسماؤهم إليك…”
“ثلاثون! هاها… عائلة ضخمة إذن.”
مجرد لقب “ابنة الحاكم” جلب معه العجائب والمشاكل.
حين كانت تعيش ككاهنة، لم يأتِ أفراد عائلتها الحقيقية حتى مرة واحدة لزيارتها في المعبد، أما الآن، وقد أصبحت ابنة الحاكم، بدأ حتى من لم يكونوا موجودين أصلًا يدّعون القرابة.
“لا يوجد لدي أي عائلة ستأتي لزيارتي، لذا اطردهم جميـ…”
كانت تعطي التعليمات مبتسمة، لكنها توقفت فجأة عن الكلام.
“ديارين!”
صوتٌ كان يلاحق العربة، عاد فجأة إلى ذاكرتها.
ذلك الصوت كان يعرف اسمها.
في ذلك الوقت، ضاع وسط هتافات الناس فلم تسمعه بوضوح، لكن الآن، وهي تفكر، بدا لها وكأنه صوت أمها.
“لكن… لماذا أمي؟”
الأمر لم يكن منطقيًا.
لو كانت حقًا أمها، كان بإمكانها العثور على ديارين من خلال المعبد. كان أحدهم ليسمع القصة ويخبر كبير الكهنة، ثم كان كبير الكهنة سيبلغ ديارين بذلك.
“هل يمكن أن تكون أمي حقًا؟”
لكن حين فكرت في الأمر، تذكرت أن أمها لم تأتِ ولو لمرة واحدة إلى المعبد بحثًا عنها. لذا ربما لم يخطر على بالها أصلًا أن تذهب إلى المعبد لتوصل أي خبر.
في حياتها، كانت ديارين هي التي تبحث دائمًا عن عائلتها.
إذا حصلت على بعض المال كانت تعطيه لهم، وإذا سمعت أنهم في مأزق كانت تقلق، وإذا وصلها خطاب بأن شيئًا ما قد حدث كانت تهرع إليهم.
أما إذا كانت ديارين في رحلة بعيدة، فكان التواصل ينقطع وكأنها لم تكن موجودة. وحتى عندما كانت تبعث رسائل، نادرًا ما كانت تتلقى ردًا، وإن جاء، كان غالبًا يتضمن طلبًا لإرسال المال.
“لكن… أمي ليست من النوع الذي يسافر كل هذه المسافة فقط لرؤية ابنة الحاكم.”
مهما حاولت التفكير، لم تجد تفسيرًا منطقيًا.
“بارونتي؟”
الموظف الذي كان يود الانصراف، بادر بقطع أفكار ديارين.
كان عليها أن تقول: “أي كلام عن العائلة مجرد هراء، اطردهم جميعًا.”
‘لكن… ماذا لو كانت أمي فعلًا؟’
ماذا لو كان المعبد قد أخبرها بهويتها؟ أو أنها رأت ديارين مصادفة فتبعَتها؟
السبب لم يكن مهمًا.
هي فقط أرادت أن ترى أمها. أرادت أن تتحقق من أن أمها قامت بكل ذلك الجهد فقط لتقابلها.
“…فلنقابلهم إذن.”
“عفوًا؟”
الموظف لم يكن يتوقع هذا، فتفاجأ.
“إذا لم أتحقق بنفسي، قد يزداد عدد المحتالين بلا توقف. فليأتوا بأنفسهم ليثبتوا صحة كلامهم.”
“آه… أجل! مفهوم.”
إلى جانب التأكد إن كانت أمها حقًا، كان هذا أيضًا إجراءً لمنع انتشار المحتالين. إذا تُرك الأمر، فقد يبدأ البعض بادعاء أنهم أخت أو ابنة الحاكم ويستغلون ذلك للنصب.
لكن إن أعلنت ديارين أنها ستقابل وتتحقق بنفسها، فلن يجرؤ الكثيرون على الكذب، وسينخفض عددهم تلقائيًا.
“سنبدأ غدًا فورًا.”
أن يكون أول عمل لها كابنة الحاكم هو طرد المحتالين، أمر جعلها تفكر بأن الحاكم كان قاسيًا معها. على أي حال، يبدو أنها لم تُرزق أبدًا بنعمة الأبوين.
✦✦✦
“هل الأفضل أن يكون فخمًا…”
وقفت ديارين أمام خزانة ملابسها تفكر.
مجرد احتمال أن تلتقي بأمها اليوم جعلها في حيرة بشأن ما ترتديه. وفي الوقت نفسه، كان عليها أن تختار شيئًا مناسبًا لو كان من ستقابلهم مجرد محتالين.
“إذا كان فخمًا جدًا، سينظر الناس إليّ بشكل سلبي… أما إذا كان بسيطًا جدًا، فسيبدو بلا هيبة…”
“هل تحتاجينني، ديارين؟”
اقترب سيريس من جانبها بينما كانت تتأمل الخزانة بعمق.
كان سيريس لا يزال، كلما حل الليل، يتسلل إلى سريرها، لكنه يعود إلى غرفته صباحًا ليتلقى مساعدة خدمه في الاستعداد.
في الماضي، حين كانت الحاشية قليلة، كانت ديارين تساعده بنفسها في ارتداء ملابسه، لكن الآن مع زيادة عدد الخدم، لم يعد هناك حاجة لذلك.
كما أن مكانة ولي العهد الأول تتطلب مظهرًا يليق به، ولم تعد مهارة ديارين البسيطة مناسبة للتدخل.
“همم، لا أستطيع اختيار ثياب…”
حولت ديارين نظرها أخيرًا من الخزانة إلى سيريس، وفجأة تجمدت في مكانها.
“سي… سيريس! ما قصة ملابسك اليوم؟”
“…هل تبدو سيئة؟”
“لا، دعك من كونها مناسبة أو لا، هل عندك اليوم حفل تتويج أو شيء من هذا القبيل؟”
كان سيريس يعتني بملابسه تمامًا كما يعتني بملابس ديارين. فمنذ أن استعاد وعيه كوليّ للعهد، حافظ سيريس على مظهر أنيق لا يستطيع أحد انتقاده.
لكن اليوم، كان مظهره بعيدًا تمامًا عن الأناقة المعتادة.
كان جسده يلمع بالكامل.
صحيح أن خامة الملابس فاخرة للغاية، لكن البريق المفرط مع الزخارف والكرانيش كان مبالغًا فيه. مثل هذا المظهر لا يُرتدى إلا أمام حشود كبيرة للفت الأنظار، لا في الحياة اليومية.
“قد يكون هناك أمر مهم بقدر التتويج.”
“…أي أمر؟”
“قد ألتقي بوالدة زوجتي المستقبلية.”
“كخ!”
—
شرقت ديارين بالكلمة التي خرجت فجأة من فم سيريس، وأخذت تسعل وهي منحنية.
اقترب سيريس المتلألئ منها وربّت بهدوء على ظهرها.
“معظمهم سيكونون محتالين، لكن لا أحد يعلم.”
رفعت ديارين رأسها بسرعة.
هل عاد لجنونه القديم؟ فقد كان طبيعيًا أكثر من اللازم مؤخرًا، ربما قرر أن يرفع مستوى جنونه مجددًا للحفاظ على توازنه!
“أي والدة زوجة وأي هراء!”
“إذًا… والدتك.”
“لا! ولا هذه أيضًا!”
كانت هذه ألقابًا لا يمكنها تقبّلها وهي بكامل وعيها.
تخيلت سيريس ينادي أمها بـ “والدة زوجتي” أو “والدتي الكريمة”، فقبضت على شعرها وهزت رأسها بعنف.
“ومن قال أصلًا إني سأتزوجك يا سيريس!”
“لن تفعلي؟”
“لن أفعل!”
“ولماذا؟”
“لماذا يعني…”
كانت تظن أن لديها عشرات الأسباب، لكنها تجمّدت وفمها مفتوح.
“…؟”
عندما فكرت بالأمر، اكتشفت أن كل الأسباب زالت.
المال؟ أصبح لديها الكثير.
منصبها ككاهنة؟ لم يعد مهمًا.
الفرق في المكانة الاجتماعية؟ مكانتها الآن أعلى.
والفارق بين الإنسان والكلب؟ انتهى بعدما استعاد سيريس ذكرياته.
…لم يبقَ أي سبب لرفضه، إلا أنها ببساطة لم تكن تفكر في الزواج.
“أه…”
حدقت في سيريس بارتباك.
هذا الرجل الذي لم يُكشف أمره بعد فور وصوله للقصر، كان يتلقى إعجاب نساء كثيرات، ومع ذلك يريد الزواج بها. أي شخص آخر كان سيوافق فورًا وهو يشكر.
“في المهرجان قلتِ يا ديارين إن هذا ليس هو الحب.”
استعادت ديارين ذكرى ذلك اليوم. كانت تسخر من فكرة الحب وتنكرها. وقتها كان سيريس مجرد “كلب مجنون” لا يعرف شيئًا. اعتقدت أن ما يشعر به ليس إلا تعلقًا بمن يعتني به.
“لكن بعد التفكير، أظن أن هذا هو الحب حقًا.”
“…”
“أنا أحبك يا ديارين.”
هذه المرة، لم تستطع الضحك أو الإنكار.
شعرت وكأن صدرها انغلق بعد جري طويل، وصارت تتنفس من فمها.
اقترب منها سيريس أكثر وكأنه يحاصرها:
“ولا أظن أنني سأحب أي شخص آخر غيرك.”
“…”
“لذلك أريد الزواج بك، حتى لا يستطيع أحد إنكار هذا الحب.”
لم تستطع الرد، وظلت تتنفس بصعوبة.
كان عقلها يدور في مكانه، غير قادر على العودة لوضعه الطبيعي.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 171"