كلما اقتربوا من القصر الإمبراطوري، بدأت الأجواء تأخذ طابعًا غير متوقع.
“ابنة الحاكم قادمة!”
“المجد للحاكم في لاكليون!”
الوضع لم يكن كما توقعته ديارين في قرارة نفسها. لقد أُعطيت إندين ليلة كاملة، وتوقعت أن يكون قد دبر شيئًا ما خلالها.
لكن المدينة بأكملها كانت تغلي بأجواء احتفالية.
كانت اللافتات المكتوبة بـ”معجزة لاكليون” و”ابن الحاكم” معلقة في كل مكان، وبتلات الزهور تتطاير في الأرجاء.
لم يكن هذا نوع الأجواء الذي يمكن لأفراد متفرقين أن يصنعوه. لا بد أن هناك من يقود هذا من خلف الستار.
“من يمكن أن يكون؟”
رغم أن هناك داعمين لقصر ولي العهد الأول، إلا أن هذا الحجم من التنظيم يتجاوز قدراتهم بكثير. بدا أن قوى أعظم قد تدخلت.
ومع حدوث ما لا يمكن فهمه، سيطرت المخاوف على ديارين أكثر من الإثارة.
توقفت العربة عند بوابة القصر الإمبراطوري. كان من المفترض أن تصل حتى قصر ولي العهد الأول.
“جلالة الإمبراطور خرج لاستقبالكم.”
اقترب الحارس من نافذة العربة وأبلغهم بذلك.
“الإمبراطور؟”
لم تكن الأجواء الغريبة مصادفة إذًا، كان هذا من تدبير الإمبراطور. بوجوده، من غير المرجح أن تتمكن إندين من تنفيذ ألاعيبها.
أسرعت ديارين في الاستعداد للنزول من العربة. لم يكن من اللائق البقاء في مكانها بينما خرج الإمبراطور بنفسه لاستقبالها.
“لقد اتخذ قراره أسرع مما توقعت.”
الإمبراطور لم يذهب إلى أرض الصيد. لو كان هناك، لكان من السهل على ديارين قراءة موقفه، لكن غيابه جعلها تشعر بالقلق.
قد لا يعرف الآخرون، لكن ديارين كانت تدرك أن الإمبراطور وحده يمكن أن يتحدى الحاكم حقًا. وموقفه كان كفيلًا بأن يحدد مصيرها.
“هاه…”
تنفست ديارين بعمق لتستجمع قواها، ثم خرجت من العربة.
وفور أن وطئت قدمها الأرض، ورأت السجادة الفاخرة تحتها، أدركت على الفور: “لقد تم التخطيط لهذا اليوم بعناية.”
الإمبراطور أعد استقبالًا مهيبًا جعل الجميع مذهولين.
إلى جانبه وقفت الإمبراطورة فينيليا، وإندين، وسيبيان، وشارلوت—كل أفراد العائلة الإمبراطورية كانوا هناك. وخلفهم، كان كبير الكهنة ميريان يتقدم جميع كهنة المعبد الإمبراطوري.
حتى هذا وحده كان عددًا كبيرًا، لكن بالإضافة إليهم، اصطف الحرس الإمبراطوري وكل النبلاء داخل القصر بأفضل ما لديهم من زي.
وكان الموقع عند المدخل تمامًا، حيث لم تُغلق البوابات، ما أتاح للعامة من خارجها رؤية كل شيء. لقد صُنع المشهد ليشاهده الجميع.
وقفت ديارين إلى جانب سيريس أمام الإمبراطور، بخطوات يغلب عليها التوتر.
“مولاي، ما الذي أخرجكم إلى هنا بنفسكم؟”
سأل سيريس بينما انحنى باحترام.
“ابنة الحاكم قادمة، فكيف لي ألا أخرج لاستقبالها؟”
ابتسم الإمبراطور برقة وهو ينظر نحو ديارين.
“أهلًا بك، يا ابن الحاكم.”
توترت ديارين أكثر من قبل بسبب استخدام الإمبراطور صيغة الاحترام معها.
لم يكن من النوع المؤمن حقًا بالحاكم. هذا كان اختبارًا.
سارت ديارين نحوه برصانة، وبدون أدنى تردد، ركعت على ركبتيها.
“الحاكم معي، لكن موطني هو لاكليون. يا إمبراطور الإمبراطورية، فلتنلك البركة.”
أخذت يدي الإمبراطور، قبلت ظاهرها وباطنها، ثم وضعت جبهتها عليهما. جمعت في فعلها هذا كل تعابير الطاعة والبركة التي يمكن لكاهن أن يقدمها.
“…”
في الحقيقة، كان هذا مبالغًا فيه.
حتى الإمبراطور نفسه، بالإضافة إلى الجميع الحاضرين، تجمدوا في أماكنهم.
لكنها لم تكن خطوة خاطئة.
“هاهاها! ما هذا؟ لقد غمرتني البركة حقًا. ولابن الحاكم أيضًا، كل البركات!”
انفجر الإمبراطور ضاحكًا، ثم أمسك بيد ديارين ونهض بها بنفسه. ورفع يدها عاليًا أمام الجميع بفخر.
سرعان ما اختفى أسلوبه الرسمي. لقد نالت إعجابه. كان تصرفًا حكيمًا.
حتى إن اجتمع نفوذ قصر ولي العهد الأول مع معبد الحاكم، لم يكن ذلك كافيًا لمواجهة الإمبراطور. ولم تكن هناك حاجة لذلك أساسًا.
لكن الإمبراطور ربما رأى الأمور بشكل مختلف. ميزان القوى مال كثيرًا لصالح سيريس، حتى صار يشكل تهديدًا.
لذلك، سارعت ديارين بإظهار الولاء الكامل أمام الجميع، كمن ينقلب على ظهره كالجرو الصغير، لتعلن: “ابن الحاكم مخلص للإمبراطور.” وقد تقبّل الإمبراطور ذلك الإعلان.
تنفست ديارين الصعداء وابتسمت.
في المقابل، تجمد وجه إندين كليًا، وكأنها تحولت إلى تمثال.
✦✦✦
قال الإمبراطور إن المسألة لا يمكن أن تمر بهذه البساطة، وأعلن إقامة مهرجان استقبال لابن الحاكم يستمر عشرة أيام.
كما تقرر أيضًا إقامة حفلة خاصة داخل القصر الإمبراطوري، بعد سبعة أيام.
أما المهرجان فكان يسير من تلقاء نفسه بمجرد توزيع الطعام، لكن الحفلة داخل القصر تطلبت ترتيبات دقيقة، وكان على جميع الخدم الركض حفاة من شدة ضيق الوقت.
كان من المخطط أن تستمر الحفلة لثلاثة أيام، وتُختتم في يوم انتهاء المهرجان بشكل فاخر.
كانت حفلة فخمة تضاهي احتفال عيد ميلاد الإمبراطور نفسه. وهذا يعكس نية الإمبراطور في رفع مكانة ديارين ومعاملتها باحترام عالٍ.
“وصل قماش الفستان.”
“وصَل صانع الدانتيل.”
“عليكِ اختيار المجوهرات أيضًا.”
لم يكن الخدم وحدهم غارقين في الاستعدادات.
في عالم النخبة داخل القصر، الظهور بنفس الفستان مرتين يُعد فضيحة. وكانت ديارين غارقة في الاستعدادات.
الإمبراطور دعم كل شيء يتعلق بتزيينها، ليُظهر اهتمامه وتقديره.
من الفساتين والدانتيل إلى المجوهرات والزهور، كان مبعوثو الإمبراطور يأتون ويذهبون من قصر ولي العهد الأول بلا توقف.
“…قولي لهم أن ينتظروا قليلًا.”
قالت ديارين لخادمتها وهي تمدد نفسها على الأريكة.
كانت تعلم في عقلها أن عليها الخروج لملاقاة الناس الذين ينتظرونها، لكن جسدها لم يرغب في التحرك.
“ديارين، لن تذهبي؟”
“سأذهب…”
تحركت ديارين قليلًا واقتربت من سيريس، واستلقت واضعة رأسها على ساقيه بدلًا من الوسادة.
فعلت العكس هذه المرة—فبدلًا من أن يتكئ هو عليها كما اعتاد، اتكأت هي عليه. ولسخرية القدر، كانت فخذاه أكثر راحة ونعومة من أي وسادة.
نظر سيريس من فوق كتابه الذي كان يقرأه نحوها.
“مريح، أليس كذلك؟”
“يمكنكِ الاتكاء كما تشائين.”
“ممم.”
“يمكنكِ النوم هكذا طوال الليل أيضًا.”
“…يجب أن أختار الفستان…”
كانت أول مرة تنبهر فيها بالفستان لدرجة أن عينيها تلمعان، لكن الحماس اختفى سريعًا. يبدو أن الطباع المناسبة لحياة المجتمع تختلف من شخص لآخر. البعض يبكون رغم أن لديهم أكوامًا من الثياب لأنهم “لا يملكون ما يرتدونه”، كما يُقال.
ظلت ديارين تحدق في غلاف الكتاب الذي كان سيريس يقرأه.
منذ أن دخل إلى قصر ولي العهد الأول، كان سيريس يدرس على يد عدد من كبار المسؤولين المتقدمين في السن، يركز بشكل خاص على السياسة والسياسات والقانون.
“بصفتي ابنة الحاكم، يجب أن أقوم بشيء ما…”
“أبناء الحاكم لا يُتوقع منهم فعل أي شيء، أليس كذلك؟”
“صحيح، لكن بما أنني أملك هذه القوة، أريد استخدامها في شيء جيد.”
ظلت عالقة في ذهنها نظرات أولئك الذين كانوا يتوسلون لها باسم “ابنة الحاكم”.
فور عودتها إلى القصر الإمبراطوري، أمرت ديارين بإنشاء مكتب لتقديم العرائض أمام القصر. كما وظفت من يكتب العرائض لمن لا يعرفون القراءة والكتابة.
وبما أن اليوم هو اليوم الأول، فمع حلول المساء، ستصل العرائض المقدمة إلى يد ديارين.
رغم أنها أوكلت الأمر إلى سيريس، إلا أنها لم تستطع التوقف عن التفكير فيه. شعرت أنها لا تزال تريد فعل شيء بيديها، أن تساهم بطريقة أو بأخرى.
“وصل خبير الأشرطة. والذين وصلوا قبله قد أنهوا تحضيراتهم أيضًا…”
كان من المحرج أن يدخل الخدم ويخرجوا مرارًا وهم يذكّرونها بلطف.
لم يكن ذلك بإرادتها. قوة ضغط سيريس على كتفها جعلتها تعود لتستلقي رغمًا عنها.
نظرت ديارين إلى سيريس، وهي لا تزال مستلقية على فخذيه، ورفعت وجهها إليه.
“لا داعي لأن تذهبي.”
“لكنهم جميعًا في الانتظار.”
“أنتِ لا ترغبين، صحيح؟ إذًا لا حاجة لأن تذهبي.”
“!”
ظنّت أن سيريس يتدلّل عليها، يريد أن تبقى بجانبه، لكن المفاجأة أنه قال ذلك بدافع الاهتمام بها. شعرت بالامتنان، لكنه أثقل قلبها أيضًا. كيف يمكن الرد على هذا الحنان الصادق وهذه المشاعر النقية؟
لم تجد ديارين ما تقوله، فاكتفت بأن تعانقه بقوة لتوصِل له مشاعرها.
أصدر سيريس صوتًا خافتًا من حنجرته، كأنه يعبّر عن سعادته.
وهي تشعر بذراعيه يبادلانها العناق، أغلقت ديارين عينيها. أصبحت هذه اللحظة مألوفة وطبيعية كما لو أنها وُلدت في هذا الحضن.
ويبدو أن سيريس شعر بنفس الشيء. لذلك، أفلتت كلماته التالية بلا فلترة.
“ثم، لا أظن أن وجودكِ ضروري لاختيار الفستان.”
“…ماذا قلت؟”
“ذوقكِ في الاختيار… كيف أقولها…”
“…”
ذلك الشعور الدافئ في قلبها الذي كان يغلي بالعاطفة، انطفأ فجأة وكأن الماء سُكب عليه.
الأدهى من ذلك أنها لم تستطع حتى نكران كلامه، ما جعل تجمد قلبها أسرع.
أجل، لم أعِش حياة تتيح لي معرفة كيف أختار ملابسي.
“…أعني، لم أقصد أن ذوقكِ سيئ. فقط… مختلف عن ذوقي.”
سارع سيريس في تصحيح الجو المتوتر عندما شعر بما قاله. لكن الوقت كان قد فات.
دفعت ديارين جسده عنها بصمت ونظرت إليه بحدة.
“حسنًا، إن كان ذوق سمو الأمير الرفيع أفضل، فليتفضل باختيار الفستان نيابة عني.”
“…! هل هذا ممكن حقًا؟”
“…”
كانت تنوي إلقاء هذا العمل عليه كعقوبة، لكنه تلقّفه بسعادة وكأنها منحة.
شعرت وكأنها خسرت بشكل فادح.
كان سيريس يلمع من الفرح وعيناه تتلألأان.
معظم الملابس التي ارتدتها ديارين سابقًا كانت بالفعل باقتراح من سيريس. فما الذي يفرحه الآن وكأنه أمر جديد كليًا؟
“أليس هذا فستاني أنا، وليس فستانك؟ لماذا تبدو سعيدًا هكذا؟”
“إنه من متع الحياة القليلة التي لا تُعوّض.”
أرادت أن تعاقبه بسبب تعليقه الساخر على ذوقها، لكنها أعطته ما يشبه الحلوى المفضلة لديه دون أن تدري.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 169"