عندما تُسيطر على الناس، لا ينبغي أن تطلب منهم بلطف وابتسامة. الأفضل أن تكون حازمًا وحادًا، حتى لو تلقيت بعض السباب، لأن هذا ما يجعلهم يتصرفون بحذر.
بفضل جدار اللهب، تم كبح جماحهم من البداية. الآن، بدأوا يتحركون دون اعتراض.
الغالبية توجهت إلى جانب “من جاء للسلام فقط”. من غير المنطقي الوقوف في صفّ من يطلب أمنيات بعد أن أوضحت ديارين أنها لن تحقق أماني أحد.
ومع ذلك، بقي بعض الأشخاص في جانب الأمنيات. تجاهلت ديارين ذلك وتقدمت أولًا نحو من قالوا إنهم جاؤوا للسلام.
“لنبدأ بمن قال إنه جاء للسلام فقط. حيّوني. انتباه، تحية.”
هكذا كان يفعل الكاهن المسؤول عن فصل الأطفال. ولن يكون البالغون مختلفين كثيرًا.
“آه، أ-اهلا…”
رغم ارتباكهم، انصاع الحاضرون لأمر ديارين تلقائيًا وألقوا التحية.
“نعم، أهلا.”
ردّت ديارين بهدوء وسكتت.
“ه، هل هذا كل شيء…؟”
الناس، الذين كانوا يأملون على الأقل في تلقي بركة ما، وقفوا مذهولين. لم يتوقعوا أن يكون السلام هو كل ما في الأمر.
لكن ديارين لم تتحرك ولم تقل شيئًا. فقط ابتسمت. وقدّمت ابتسامة طيبة. هذا كل شيء. عندما تبدأ بالتنازل مرة، لن يتوقف الأمر عند ذلك.
“والآن، من ألقى التحية، يمكنه العودة بسلام…”
ثم نظرت إلى أولئك الواقفين في صف الأمنيات. في الأصل كانت تنوي تجاهلهم تمامًا.
“أرجوكِ ساعديني، يا طفل الحاكم! أرجوك!”
لكن الناس بدأوا في الصراخ بلا انضباط.
“ابنتي تعرّضت للضرب في الطريق من رجل مجهول وانكسرت ساقها، ولم نتمكن حتى من إيجاد الجاني! أرجوكِ، ساعدينا في العثور عليه!”
“والدتي مريضة، ولا يوجد طبيب في منطقتنا، حتى المستشفى لا يمكننا الوصول إليه! نحتاج إلى عناية الحاكم!”
“الشخص الذي سرق مالي يختبئ في الزقاق المجاور، لكن إن ذهبت إليه، سيتهمونني بالتعدي والتهديد! كيف يسمح الحاكم بهذا الظلم؟!”
ارتبك الكهنة الذين كانوا يحاولون ضبط النظام وبدأوا بالصراخ معهم:
“أعزائي، لا يجوز هذا!”
“رجاءً، لا تُحرجوا طفل الحاكم!”
لكن توسلات الناس، التي انفجرت أخيرًا، لم تهدأ.
لم يأتِ الجميع فقط لأن طفل الحاكم ظهر. بل جاءوا بحماس وشغف، وانتظروا طوال الليل لرؤيته. كل من في القاعة كان مدفوعًا بيأس وغضب.
“دعونا نُغادر. سنهدّئ الفوضى بأنفسنا.”
كان الكاهن الأكبر يلهث خوفًا من أن تقع حادثة بين الحشود.
عرفت ديارين أن مغادرة المكان الآن سيكون الأفضل. لكنها لم تستطع النهوض من كرسيها.
لم يكن ذلك بسبب شعورها بالمسؤولية كطفل الحاكم. بل كان منبع ذلك تعاطفها كإنسان.
‘هذه مشكلات، حتى الحاكم نفسه لن يستطيع حلها.’
ما طلبه الناس لا تستطيع الآلهة حله. ما يحتاجونه هو القانون والسياسة.
حتى لو أرادت مساعدتهم، لم يكن لديها وسيلة. كان عليها أن تنهض.
“يا طفل الحاكم!”
“أرجوكِ، أنقذينا!”
لكن تلك الأصوات اليائسة كبّلت جسدها. شعرت وكأن النار تأكل داخلها.
هل لا يوجد وسيلة لمساعدتهم؟ هل حقًا لا يوجد؟
نسيت تمامًا عزمها السابق على ألا تتدخل في شيء بصفتها طفل الحاكم.
‘لكن، ماذا أستطيع أن أفعل؟’
قبضت ديارين على ذراع الكرسي بقوة. حتى لو جرت واحتضنتهم، فهذا لا يتعدى كونه عزاء. لا يُعد حلًا. بالنسبة لهؤلاء، قد يكون العزاء كافيًا، لكنه لا يتعدى شعورًا مؤقتًا.
ما الذي يمكنها فعله فعليًا…؟ كيف يمكن أن تساعد…؟
استغرقت في التفكير حتى أن أظافرها بدأت تحفر في الكرسي وتكاد تنكسر.
“ديارين.”
وضع سيريس يده فوق يدها.
“…آه. هاه؟”
استفاقت فجأة ونظرت إليه.
“يمكنكِ المغادرة.”
قالها بهدوء. كان يقصد أنه لا بأس إن خرجت، لكنها قرأت معنىً آخر خلف كلماته.
كان سيريس أميرًا. ورغم أنه لا يتولى شؤون الدولة مباشرة، إلا أنه واجه الكثير من القضايا في أراضيه وفكر في حلول لها. لذا، لا بد أنه فهم رغبة ديارين في حل معاناة الجميع.
لمعت عينا ديارين.
القدرة على استخدام الناس في الوقت المناسب تُعدّ مهارة بحد ذاتها.
“سيريس.”
“همم؟”
“دعنا نبدأ العمل.”
“أجل.”
كان سيريس يجهل تمامًا ما الذي يجري، لكنه أومأ برأسه فورًا. ما دام الأمر من ديارين، فسيفعله، دون حتى أن يسأل عن التفاصيل.
“لحظة.”
لوّحت ديارين للكهنة الذين كانوا يجهدون في إبعاد الناس. ورغم حالة الفوضى، توقفوا فورًا عند إشارتها.
الناس الذين كانوا يصرخون ويتذمرون التفتوا إليها أيضًا. كانت أعينهم ترجُو، تبحث عن أي كلمة، أي إشارة، أي أمل.
‘حسنًا، سأمنحهم شيئًا.’
كانت واثقة من قدرتها على إعطاء ما هو أثمن من بركة الحاكم.
“لن أُقدّم الحل مباشرة، لكن يمكنني إخباركم بالطريقة التي تحلّ بها الأمور.”
وأشارت بكلتا يديها نحو سيريس.
هناك، بدلًا من حاكم يتحدث بالكلام فقط، حل واقعيّ.
“العناية بالشعب هي مسؤولية أفراد العائلة الإمبراطورية! مشاكلكم سيهتم بها صاحب السمو، الأمير الأول هنا!”
“!”
كان ذلك الحل أكثر فاعلية من أي دعاء.
الناس، الذين كانوا غافلين حتى عن من يجلس بجانب ديارين، حوّلوا أنظارهم نحو سيريس لأول مرة.
شعره وقزحيته بألوان الطيف، رموز العائلة الإمبراطورية، ظهرت أمامهم بوضوح.
العين والقلب دائماً يبحثان عما ينفعهما.
“صا، صاحب السمووو الأمير الأول!”
سرعان ما ركع الناس باتجاه سيريس، يهتفون باسمه بدلاً من اسم “طفل الحاكم”.
ثم تابعت ديارين إرشادهم بلطف:
“لكن لا يمكنه سماع الجميع الآن، لذا أرسلوا رسالة إلى قصر الأمير الأول. ومن لا يعرف الكتابة، سيتم تعيين موظف استقبال أمام القصر ليسمعكم.”
كان هذا الأسلوب شائعًا في المعابد. الناس يهدؤون أو يجدون حلاً لمشكلاتهم بمجرد سردها، فتنكشف الأمور المهمة من غيرها.
“شكرًا! يا طفل الحاكم، شكرًا!”
“عاش الأمير سيريندياس!”
“عاش لاكلِيون!”
رغم أنهم لم يحصلوا على بركة إلهية، إلا أنهم حصلوا على حل واقعيّ ومطمئن. وأخيرًا، ارتسمت البهجة على وجوههم.
ابتسمت ديارين براحة.
العمل على سيريس، والمجد لي. صفقة رابحة، أشعرتني بسعادة بالغة.
✦✦✦
بعد الانتهاء من استقبال الزوار، استقل الاثنان العربة عائدين إلى القصر الإمبراطوري.
الناس تبعوا العربة بالهتافات والفرح.
“عاش طفل الحاكم!”
“عاش الأمير سيريندياس!”
الهتاف الذي ملأ الأرجاء طوال الليل أصبح الآن أعلى. وقد انضم له اسم سيريس. وديارين كانت مسرورة بذلك.
فأن تصبح مشهورة إلى جانب سيريس أفضل من الشهرة وحدها. فلا أحد سيتدخل بينهما، ولا أحد سيحاول أخذ أحدهما دون الآخر.
وربما شعر سيريس بذلك، فمدّ يده بهدوء وأمسك يد ديارين المتكئة على ركبته وشبك أصابعه بها.
نظرت ديارين نحو يدها ثم ابتسمت بهدوء تجاه النافذة، وكأن شيئًا لم يحدث.
سيصبح هذا المشهد طبيعيًا فيما بعد، جزءًا من حياتها الجديدة.
بدأت العربة بالتحرك بسرعة.
“عاش لاكلِيون!”
“ديارين!”
فجأة، تسللت إلى أذنها نبرة غريبة تنادي باسمها.
رغم أنها اسمها، إلا أن صوتًا غريبًا حين لا يكون من “سيريس”.
نظرت بسرعة من النافذة.
“ماذا؟”
“شعرت أن أحدهم ناداني باسم ‘ديارين’.”
“سمعتُه أنا أيضًا.”
“حقًا؟”
نظرت ديارين مجددًا إلى الخارج.
العربة تمضي بسرعة وسط الجموع، ومن المستحيل الآن تحديد من نادى.
“من يكون يا ترى…؟”
في القصر، يعرفونها باسم “الكونتيسة أريانتي”. أو يطلقون عليها “مقربة الأمير الأول”.
أما العامة، فلا يعرفون “ديارين”. عُرفت لأول مرة في مهرجان الطقوس. حتى حينها، كان لقبها “معجزة الأمير” أو “الخادمة المعجزة”.
وقصة الصيد الأخيرة، ركزت كلها على “المعجزة”، أما اسمها الجديد، فهو “طفل الحاكم”.
لم يعد أحد يهتم باسمها أو لقبها السابق. لا اسم يتفوق على “طفل الحاكم”.
ولكن… شخص ما ناداها باسمها الحقيقي.
‘أمر يثير الفضول…’
بينما كانت تومئ برأسها في حيرة، شدّ سيريس على يدها فجأة.
‘يا إلهي، هل بدأ يشتكي لأني شردت لحظة؟’
التفتت إليه مبتسمة.
“ماذا، ماذا؟ أنا هنا. لن أنظر في مكان آخر.”
ربتت على يده بلطف.
لكن سيريس لم يبتسم، بل نظر إليها بجدية.
“…ماذا؟”
“أريد أن أقول شيئًا.”
“همم؟”
“ما هو المقابل؟”
“…هاه؟”
مقابل؟ ما الذي يقصده؟
لم تفهم في البداية. ثم اتسعت عيناها حين أدركت المعنى.
“…مقابل؟!”
“بما أنكِ أعطيتني عملًا، فيجب أن تُدفعي لي مقابله.”
“…”
عبارة مألوفة لديها جدًا.
أين سمعتها من قبل؟ طبعًا، من فمها هي، كثيرًا.
يقولون لا تشرب الماء البارد أمام الطفل، لكن يبدو أنك لا تستطيع حتى التحدث بحرية أمام جرو صغير.
“…لا تقصد أنك ستأخذ مني مالًا، أليس كذلك؟”
“بدلاً من المال…”
نظرات سيريس استقرت على شفتيها.
“…”
ليس جروًا، بل ثعلب.
وليس أي ثعلب، بل ماكر لدرجة يمكنه أن يسلب كبدك وقلبك بكل هدوء.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 168"