حتى هذا اللقب “طفل الحاكم” لم يكن إلا اسماً ابتدعه الخُدّام من تلقاء أنفسهم.
الإنسان الأقرب إلى الحاكم، القادر على استخدام قوته بحرية، والمتمكن من صنع المعجزات بسلطانه.
في النهاية، المعنى هو أنه أقرب كائن إلى الحاكم.
(هل كان عليّ أن أُظهر الولاء أكثر في الماضي؟)
كانت ديارين تدرك ضمنًا أن سلطتها قوية، لكنها اعتبرتها دومًا جزءًا من قدراتها الخاصة.
رغم أنها عملت ككاهنة لفترة طويلة، فإنها بالكاد كانت تؤمن بالحاكم كقوة مطلقة. كانت دومًا تتمتم قائلة إن حياتها ما كانت لتكون بهذه القسوة لو أن الحاكم عادل حقًا.
لكن الآن، هي نفسها قيل عنها إنها “طفل الحاكم”.
‘أنا؟’
استدارت ديارين إلى النافذة حيث استمر الهتاف المتحمّس القادم من الخارج بلا توقف.
لو كان هذا كلّه خدعة، لكانت اكتفت بالخروج من الموقف، ثم لجأت إلى الاختباء أو الهروب. فـ”طفل الحاكم” لا يمكن لأي شيء أن يقيده.
“طفل الحاكم” مقدس بوجوده فحسب، لأنه يُعتبر الحلقة التي تربط العالم بالحاكم.
وفي الواقع، أولئك الذين ظهروا في السابق بصفات “أبناء الحاكم”، اتخذ كلٌّ منهم مسارًا مختلفًا بعد انكشاف هويته.
بعضهم بدأ بالترويج لسلطة الحاكم ونشر رسائله، وآخرون انسحبوا من العالم وصمتوا، وبعضهم استغلوا نفوذهم في التجارة.
وبما أن القصر وُجد لتمجيد الحاكم، لم يكن بوسعه فرض أي قيود على “طفل الحاكم” المرتبط به مباشرة.
لهذا أرادت ديارين أن تدّعي بأنها “طفل الحاكم”. فإن كانت كذلك، فلن تحتاج أن تكون خادمة أو مسؤولة رسمية، ولن تخضع لإشراف القصر.
لكن عندما قيل لها فعليًا إنها “طفل الحاكم”، لم تستطع اعتبار الأمر مجرد وسيلة للهروب.
“ديارين.”
“هاه؟ أهه؟”
استفاقت ديارين فجأة على صوت سيريس يناديها.
كان وجهه قريبًا جدًا منها، لدرجة أن أنفاسه كانت تلامس بشرتها. ارتبكت ديارين وحاولت التراجع إلى الخلف، لكنها تأخرت. إذ أحاط سيريس بمؤخرة رأسها بكفه الكبير وجذبها نحوه.
“أنت مجنون، دع— مْف!”
لم تُكمل صرختها، وسُرعان ما سُحقت حركتها العشوائية تحت قوة أطرافه المتينة.
سيريس قبّلها.
ضغط شفتيه على شفتيها.
“ممم…!”
‘لا! هذا قصر الحاكم، أيها الأحمق!’
لم تخرج صيحتها إلا كأنين مكتوم.
“ديارين… أنا لكِ.”
تمتم سيريس بالكلمات، شفتاه لا تزالان ملامستين لشفتيها، وكأنّه يرجوها.
ارتجفت ديارين لتلك الكلمات. وتراخت قوتها للحظة، فانتهز سيريس الفرصة وتعمّق في القبلة.
“همف! مْف…!”
(ما هذا؟!)
ارتعدت ديارين من الإحساس الغريب وهو يخترق شفتيها، لكنها لم تستطع دفعه.
كان هناك رجاء في قبلة سيريس.
“…”
تراجعت القوة من يديها اللتين كانتا تدفعان صدره.
“يا طفل الحاكم!”
ما زال الهتاف المجنون مستمرًا من الخارج.
العالم كله كان يناديها، يبحث عنها.
ليس فقط سيريس، بل العالم بأسره أراد ديارين. عندها فقط فهمت بصدق الرجاء في كلام سيريس.
‘…صحيح. إنه لي.’
أمسكت ديارين بطرف قميص سيريس، لا لتدفعه، بل لتشده نحوها برغبة تملّك واضحة.
حتى لو أصبحت قادرة على الذهاب إلى أي مكان، فإنها ستبقى بجانبه. ولهذا السبب فكرت أن تدّعي كونها “طفل الحاكم”.
صحيح أن النتيجة خرجت عن توقعاتها، وأصبحت فعليًا “طفل الحاكم”، لكن ذلك لم يُغيّر شيئًا.
‘…أنا قاتلت الحاكم واستعدته.’
كأن أنفاسها توقفت ثم عادت. بذلك يمكن القول إنها استعادته من الحاكم.
ربما كان الحاكم قد منحها إياه عن طيب خاطر، لكن لا شك أن لديارين دورًا في الأمر.
يقال: “من يُنقذ حياة إنسان، فإن تلك الحياة تصبح ملكه.” وإن صحّ ذلك، فإن سيريس أصبح ملكًا لديارين.
“لا تتخلّي عني.”
تمتم سيريس وهو يلامس جبهته بجبهتها.
“لن أتخلى.”
همست ديارين وهي تُقبّله من جديد، كأنها تُؤكّد وعدها.
كيف يمكنها أن تتجاهل نظراته الحزينة تلك؟
كما يُراد لمداعبة رأس جرو مبتل، أو تقبيل أنفه الأسود الصغير، لم تستطع تجاهله. فقبّلت شفتيه بهدوء.
عندها فقط، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي سيريس.
“…إن تخلّيتِ عني، فذلك ذنب عظيم.”
ترددت ديارين قليلًا. حتى لو كان يُلقّب بـ”الكلب المجنون”، فإن التخلّي عنه لا يجعله كلبًا ضالًا… أليس كذلك؟
لكن سواء كان كلبًا، قطة، أو إنسانًا، فإن من يلتقط كائنًا ثم يتخلى عنه بلا مبالاة، يكون مخطئًا. وعلى أي حال، لم تكن تنوي التخلّي عنه، لذا كان الوعد سهلًا.
“قلت لك لن أتخلى.”
“ديارين…”
عانقها سيريس بقوة، كأنّه لا يصدق.
ومع أن جسده لم يكن ليبدو كشخص يمكن التخلّي عنه بسهولة.
تخيلت ديارين كيف سيكون الوضع لو أنها تخلّت عنه.
(من المؤكد أنه سيفقد صوابه تمامًا.)
لكن المشكلة لم تكن هنا.
بل في حقيقة أن سيريس كان من جنود الفرقة الثامنة، يُعادل قوّة وحدة كاملة، وهو أيضًا الأمير الأول صاحب نفوذ قوي في راكليون، يُرافقه العديد من الأتباع.
وإن فقد عقله شخص مثل سيريس، فستكون تلك كارثة حقيقية.
‘…فلنحاول ألا نرتكب أي خطيئة، أياً كان الطريق الذي سنسلكه.’
عدم ارتكاب خطيئة بحق سيريس كان أمرًا مهمًا، لكن حتى لأجل السلام والأمان في هذا العالم، يبدو أنه لا مجال للتخلي عنه.
✦✦✦
“سيستغرق الأمر بعض الوقت لفتح الطريق المؤدي إلى القصر الإمبراطوري. إن تفضلتم بالانتظار قليلاً فقط…”
كان الكاهن الأكبر يشرح الموقف وهو يتصبب عرقًا.
بدأت الشمس تغيب، وحلّ الليل، لكن الهتافات خارج النافذة لم تهدأ على الإطلاق. بل إن أعداد الناس الذين جاؤوا بعد سماع الخبر ازدادت.
كان هذا معبدًا صغيرًا يقع في قرية ريفية قرب منطقة الصيد.
وكان الوصول إلى القصر الإمبراطوري يستغرق وقتًا طويلًا بالعربة. لكن بسبب الحشود المتجمعة، لم يكن من الممكن حتى إخراج العربة.
رغم أن القصر حاول إرسال الحرس الملكي لفتح الطريق، فإن عدد الجماهير الغفيرة كان كبيرًا للغاية، مما جعل الأمر شبه مستحيل.
نظرت ديارين من النافذة. بدا أن الحشود لن تتراجع حتى مع طلوع الفجر.
“لننتظر حتى صباح الغد على الأقل.”
لم يكن هناك أي سبب يدعوها للعودة إلى القصر الليلة.
“هل يمكنني المكوث هنا هذه الليلة حتى تهدأ الفوضى؟”
“ب، بالطبع! سيكون ذلك شرفًا عظيمًا، يا طفل الحاكم…!”
بدت علامات الفرح الشديد على الكاهن الأكبر.
لو كانت ديارين مجرد كاهنة عادية، لكان قد حسب حسابًا دقيقًا لتكلفة الإقامة، والطعام، وقطرة الماء التي ستُستخدم في الاستحمام، وقطعة الصابون الواحدة. لكن “طفل الحاكم” كان حالة مختلفة.
كل ما تلمسه ديارين سيصبح مَعلمًا مقدسًا، والمكان الذي مكثت فيه سيُعتبر “معبدًا مقدسًا” يستقبل الحجاج إلى الأبد… أو السياح، إن شئنا الدقة.
كانت حسابات الكاهن الأكبر واضحة تمامًا في نظر ديارين، ولهذا طالبت بمكان مريح للنوم بكل جرأة.
“أنا معتادة على ملازمة سمو الأمير الأول منذ المعركة، لذا يكفي أن تُجهَّز غرفة واحدة فقط.”
“نعم! سنفعل كما أمرتِ تمامًا!”
أجاب الكاهن الأكبر بسرعة كأنه كاهن مبتدئ تَوَّهُ التحق بالمعبد.
“آه، بالمناسبة فقط…”
لكن حماسه لم يشمل سرعة التنفيذ كذلك.
كما توقعت، لا بد أن لديه طلبًا. من النادر أن يزورهم “طفل الحاكم”، فلا بد أنه يريد استغلال الفرصة قدر الإمكان. ديارين توقعت هذا وأومأت برأسها.
“نعم، ماذا هناك؟”
“كنت أتساءل إن كان بإمكانكم، في صباح الغد، قبول مقابلة بعض الأشخاص، ولو عدد قليل فقط…”
رغم نبرته الهادئة والجادة، إلا أن في نهاية كلامه كان يبدو وكأنه يقولها بابتسامة متملقة.
(يا له من استغلال واضح لمجرد إقامة ليلة واحدة.)
كم يشبه هذا الكاهن الأكبر نظيره في المعبد الذي كانت فيه سابقًا!
ضحكت ديارين بخفة.
“هناك الكثير ممن يرغبون في تقديم الهدايا لطفل الحاكم. ونعتقد أن مجرد قبولك لتلك الهدايا سيكون شرفًا لا يُقدَّر بثمن.”
ولأن ديارين لم ترد مباشرة، أسرع الكاهن الأكبر لإضافة مزيد من الكلمات لإقناعها.
منذ دخولها إلى القصر الإمبراطوري، لم تكن ديارين بحاجة لأي شيء مادي. كانت تمتلك كل شيء: الذهب، المجوهرات، الأراضي، والألقاب.
…لكن الزمن الذي عاشته فقيرة لم يختفِ تمامًا من داخلها.
كانت أيام الكهانة البائسة طويلة. كانت تحب كل ما هو مجاني، والهدايا كانت الأجمل بينها.
وفي النهاية، خضعت ديارين.
“…لا يمكنني تجاهل تلك القلوب الطيبة.”
“نحن من نشكركم على كرمكم.”
كان للكاهن الأكبر حنكة لا يُستهان بها بالفعل.
استمرت الهتافات طوال الليل.
لم تستطع ديارين النوم من التوتر والإثارة لبداية حياة جديدة، أما سيريس فكان مستيقظًا من الخوف أن تُنتزع منه ديارين.
وفي النهاية، استقبل الاثنان شمس الصباح بوجوه شاحبة وعيون مرهقة، يتبادلان النظرات بصمت.
“سيريس… صباح الخير.”
رددت ديارين اسم “سيريس” الصادر من فمها وهي تبتسم بسخرية خفيفة.
فقد كان اسم الأمير الأول، لقب لا يجرؤ على التلفظ به لا الكهنة البسطاء ولا النبلاء من الطبقات الدنيا مثلها.
حتى الآن، كانت تتمسك بحجة “الصداقة” وتتصرف بتجاوز رغم كونها تعرف أنه تصرّف غير لائق.
لكن من الآن فصاعدًا، كل شيء تغيّر.
طفل الحاكم، يعادل مقام الحاكم نفسه.
والعائلة الإمبراطورية التي تحافظ على نقائها ببركة الحاكم، هي في نفس المرتبة معها الآن.
علاقة الاثنين كانت على وشك أن تُعرَّف من جديد.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 166"