ديارين استحضرت قوتها المقدسة من باطن قدميها استعدادًا للقوة الهائلة التي كانت على وشك أن تواجهها.
كان الأمر مخاطرة.
فهي شعرت بشكل غريزي أن هذه القوة تفوق قدرة البشر، لكنها آمنت بأنه، تمامًا كما لا يمكن للوالدين قتل طفلهما حتى في خضم الخلاف، فإن هذه القوة الإلهية، رغم عظمتها، لن تؤذيها حتى النهاية.
لذلك أقدمت على المخاطرة، رغم أن النتيجة قد تكون الاحتراق حتى الموت.
لكن هذا لا يعني أن الخوف لم يكن موجودًا.
فهي كادت تحترق فعلاً في هذا الغابة من قبل، وكان خوفها أكبر لأنها ذاقت ذلك بالفعل.
أغمضت دارين عينيها بإحكام وحبست أنفاسها.
والآن، من المفترض أن يشتعل اللهيب من يدها…
“…؟”
لكن لم يحدث شيء.
“هاه؟”
فتحت دارين عينيها بحذر.
“؟”
لم يحدث أي شيء.
كان الجميع يحدق بها في حيرة. ولم يكن في الهواء أي أثر للحرارة. هبت نسمة باردة منعشة بلطف.
لكن هذا الهدوء لم يدم طويلًا.
فهذا السكون كان يحمل في طياته معنى أكبر.
وببطء، بدأت ملامح الناس تتغير عندما استوعبوا ما يعنيه هذا.
“طفلة الحاكم…؟”
ردد بولين كلمات ديارين المرتبكة بتلعثم.
نظرت ديارين إليه برهة، ثم أومأت برأسها.
“آه… ساحرة…؟”
لم تكن متأكدة من أن كذبتها بشأن عدم كونها كاهنة ستنجح أو لا. لكنها جربت، ونجحت. فاندفعت بقوة قائلة تلك الكلمات… ونجحت…!
نظرت ديارين إلى يديها، حيث لم يكن هناك حتى شرارة.
الحاكم لم يُنزل أي عقاب على كذبتها.
‘هل تعطل النظام؟’
من كان ليتوقع أن يجرؤ أحد على كسر عقاب الحامم بقوته المقدسة الخاصة؟ ربما لم يُعد لذلك حساب، فتوقف.
“أنا أميرة؟”
قالت ديارين بعبث لتختبر الأمر.
فوش!
“آه!”
وكأن الحاكم يوبخها كما يوبخ طفلًا يلعب، اندلع لهيب خفيف أحرق مقدمة شعرها. ارتبكت ديارين وأطفأت النار بيدها.
لكن النار كانت صغيرة لدرجة أنه لم يتطلب استخدام القوة المقدسة لإخمادها.
وهكذا تأكدت من أن كتاب الحكم لم يتعطل.
إذن…
“أنا طفلة الحاكم.”
قالتها ديارين مرة أخرى.
ساد صمت رهيب. وفي خضم ذلك، علت كلماتها الواضحة كأنها وحي إلهي.
ومرة أخرى، لم يعترض الحاكم على كلماتها.
“…”
لم تستطع هذه المرة أن تضحك أو تمزح.
نظرت ديارين إلى من حولها بذهول.
وكان الذهول يعم الجميع.
فقد ظهرت أسطورة من التاريخ أمامهم. وجود يفوق المعجزات. ولم يعرف أحد كيف يتصرف أمامه.
“يا طفلة الحاكم!”
صرخت شارلوت وانبطحت أرضًا. رغم أنها ابتعدت عن الكهنوت، إلا أنها، كمن كانت تملك القوة المقدسة يومًا، ركعت دون وعي أمام التجلي الإلهي.
أطفال الحاكم السبعة.
كانوا أسطورة حية يُقال إنها دائمًا موجودة في العالم. لكنهم نادرًا ما يظهرون. وربما يعيش أحدهم ويموت دون أن يعرف حقيقته، ثم يُولد طفل جديد.
وُثّق في التاريخ ظهورهم خمس مرات فقط.
وأصبحت ديارين السادسة.
فأطفال الحاكم يولدون كبشر لكنهم ليسوا بشرًا. فهم أولاد الحاكم نفسه.
ويُبجلون كعائلة الحاكم، مثل العائلة الإمبراطورية.
ولذلك، لم يعد الأمر قضية ولاء أو صراع سياسي، بل تجاوز ذلك بمراحل.
جثا بولين على ركبتيه.
“يا طفلة الحاكم…”
رغم أنه تلقى أوامر بدعم ولي العهد الثاني، فهو كاهن قبل كل شيء.
وطالما عاش ككاهن، فقد كان يحمل احترامًا للحاكم في قلبه، حتى لو كان لا يراه.
كان من غير المعروف للعامة أن الخطوة الأخيرة للاعتراف الرسمي بطفل الحاكم من قبل المعبد هي أن يُعلن بنفسه ذلك أمام كتاب القضاء. وغالبًا ما تُسبق هذه الخطوة بمراحل عديدة، لتجنب تكرار ادعاءات المتطرفين الذين يموتون بلا داعٍ.
لكن ديارين تجاوزت كل المراحل السابقة، ونجحت في اجتياز الخطوة الأخيرة مباشرة.
كان ذلك اعترافًا قاطعًا لا يمكن نفيه.
“طفلة الحاكم…”
غط المساعد ماريان فمه وتراجع. كان يكره ديارين، لكنها الآن أصبحت موضع تبجيل.
ركع ماريان ببطء، ثم انحنى حتى لامس جبينه الأرض.
لم يشعر بالإهانة. فما الحاجة للمكابرة أمام قوة الحاكم؟
“يا طفلة الحاكم!”
جثا محققو القوة المقدسة والمساعدون الكبار على ركبهم. وبدأ صوت ارتطام الركب بالأرض يتردد من كل صوب.
بدأ الكهنة، وتبعهم المتفرجون من بعيد، وحتى النبلاء. وكلهم ركعوا على الأرض وهتفوا لطفلة الحاكم. وانهار بعضهم باكيًا من شدة الإيمان.
من لم يركعوا كانوا فقط أفراد العائلة الإمبراطورية ذوو الهالة القوس قزحية. لأنهم كذلك يُعتبرون سلالة الحاكم، فلا يُطلب منهم الركوع.
“أهلًا بك، يا طفلة الحاكم!”
“أهلًا بك!”
هتف الناس وهم راكعون، رافعين أذرعهم.
أما ديارين، فما زالت مذهولة. بل كلما مر الوقت، ازداد ذهولها.
فقد كانت تنوي فقط خدعة صغيرة بادعاء أنها طفلة الحاكم… لكن العالم كله أجابها بأنها حقًا كذلك. لم يكن هذا جزءًا من الخطة.
شعرت وكأن الجميع يتآمرون عليها ويعبثون بها.
“آه…”
ماذا عليّ أن أفعل؟
كيف يجب أن أتصرف؟
شعرت ديارين وكأنها لم تعد إنسانة، بل شيئًا آخر بالكامل. لم تعد هناك “ديارين”، بل لم يبقَ سوى “ابنة الحاكم”.
كانت تدرك بعقلها أن ما حدث أمر عظيم، لكنه لم يصل إلى قلبها.
أصابها الدوار.
نظرت ديارين إلى العالم من حولها بعينين متذبذبتين.
العالم من حولها لم يتغير، لكن مكانها فيه قد تغيّر. ولم تستطع توقّع ما سيحدث لاحقًا، لذا بدا العالم ممتلئًا بالقلق.
وفي وسط هذا كله، كان سيريس واقفًا شامخًا.
‘سيريس…!’
ركضت ديارين نحوه دون تردد.
فتح سيريس ذراعيه وهرع لاستقبالها.
عانق جسد ديارين الذي اندفع نحوه، وأحاطها بذراعيه كما لو كان يحجب عنها العالم بأسره.
“ديارين.”
نداء سيريس لها لم يتغيّر.
حتى وإن نادى الجميع ديارين بـ”ابنة الحامم”، إلا أنها بقيت “ديارين” بالنسبة له.
دفء حضنه، وقوة ذراعيه التي احتضنتها، كانت كما هي.
عندها فقط، ارتخى جسد ديارين الذي كان متشنجًا بفعل التوتر.
“تحيا ابنة الحاكم!”
“يحيا صاحب السمو ولي العهد الأول!”
“يا ابنة الحاكم!”
ظلّ الناس يرددون لقب “ابنة الحاكم”، لكن في حضن سيريس، كانت وستبقى ديارين فقط.
✦✦✦
“هل أُحضِر الشاي؟”
“… لا، فقط كوب ماء بارد من فضلك.”
“آه! ماء بارد! نعم! سأحضره فورًا!”
انحنى الكاهن بشدة حتى كاد يزحف خارج الغرفة.
أرادت ديارين أن تخبره بألا يكون متوترًا لهذا الحد، لكنه كان قد اختفى بالفعل كنسمة ريح فور سماعه طلبها.
التحقيق توقّف بظهور ابنة الحاكم.
فما حدث كان معجزة من الحاكم لشخص عزيز على ابنته. لم تكن هناك حاجة للمزيد من التحقيق.
ثم نُقلت ديارين إلى معبد قريب بإرشاد الكهنة.
“يا ابنة الحاكم!”
“شكرًا لظهورك، يا ابنة الحاكم!”
اصطفت الحشود في طريقها إلى المعبد.
وخلال الطريق، كان هناك من يسأل بدهشة: “ما الذي يحدث؟”، وبمجرد أن يسمعوا أن “ابنة الحاكم” ظهرت، كانوا ينضمون للحشود.
ومثل غيمة ضخمة، تجمّعت الجموع حتى امتلأ المكان أمام المعبد، وظلّوا يهتفون باسم ابنة الحاكم دون توقف.
“هاه…”
باتت هتافاتهم ثقلًا على صدرها.
وضعت ديارين يدها على صدرها المكبوت، ونظرت بخلسة من نافذة العربة.
‘من كان يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد؟’
حين نطقت بـ”ابنة الحاكم”، كان ذلك بدافع اللحظة. كانت ترى أن الجميع تآمروا لإسقاطها، فقررت أن تردّ الكيد بمثل أقوى، دون أن تفكر بما سيحدث بعدها.
أبناء الحاكم السبعة، باعتبارهم حكام في أجساد بشر، لا يخضعون لقوانين المعبد. فكّرت فقط في طريقة للابتعاد عن سلطة المعبد رغم امتلاكها للقوة المقدسة…
ولو أن ما قالته كان كذبة بالفعل، لكان الأمر كارثيًا. فهي تشعر الآن بهذا الثقل الهائل رغم أنها “حقًا” ابنة الحاكم.
“ديارين، تبدين متعبة.”
“هم؟ لا، لا أشعر بألم…”
“لكنّ لهبًا اشتعل في جسدك سابقًا.”
رغم أن اللهب اختفى بسرعة ولم يُصب جسدها، ولم يره أحد، إلا أن سيريس، ببصيرته الفائقة، لاحظه على ما يبدو.
راحت ديارين تتحسس جسدها متفقدة إن كان هناك أثر لضرر لم تلاحظه. لكنها لم تجد شيئًا.
“لا يبدو أن هناك مشكلة.”
“هذا مطمئن… هاه.”
أطلق سيريس تنهيدة طويلة، وكأنه كان يحتبسها طيلة الوقت من شدّة القلق.
كانت التنهيدات دائمًا من نصيب ديارين. لم تتذكر أن سيريس تنهد يومًا.
اقتربت منه أكثر وجلست ملاصقة له، ولفّت ذراعيها حول خصره.
وكأنه كان ينتظر ذلك، ضمّها إليه بقوة ودفن وجهه في عنقها. تنفّس بعمق، حتى انتفخ صدره كما لو أن قطة مذعورة تنفخ فروها.
“لا تقلق… أنا بخير.”
قالت ديارين ذلك، رغم أن قلبها كان مليئًا بالقلق، محاولة تهدئة سيريس.
“…مم.”
فرك سيريس وجهه في عنقها. كان تصرّفًا لا يختلف عمّا كان يفعله حين كانا معًا في المنزل.
وكأنه يقول إن لا شيء تغيّر، وإن كل شيء ما زال كما هو.
وفعلًا، شعرت ديارين بالطمأنينة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 165"