حتى ديارين، رغم كونها كاهنة، لم يسبق لها أن رأت محقّقًا مقدّسًا من قبل. فهؤلاء، حتى بالنسبة للكهنة، من النادر جدًا أن يُصادَفوا.
وبطبيعة الحال، لم تكن تعرف أيضًا كيف تُجرى التحقيقات المقدسة.
التحقيق المقدس كان يُدار بخطوات منهجية، مثل التحقيقات الشرطية. يتم الاستماع إلى الشهادات من الشهود الذين تم اختيارهم مسبقًا، وتُعاد تمثيل الوقائع، وتُسجل.
“هل استخدمتَ القوة المقدسة في لحظة وقوع المعجزة؟”
“لا أتذكر جيدًا.”
الكاهنان اللذان كانا ملتصقين بجسد سيريس عند انقطاع أنفاسه، لم يُقدّما سوى أجوبة من قبيل “لا نعلم”، أو “لا نتذكر جيدًا.”
“لقد صُدمنا لدرجة أننا لا نعرف ما إذا كنا قد استخدمنا القوة المقدسة في تلك اللحظة أم لا.”
“هل يمكنك أن تقسم باسم الحاكم أنك لا تعلم؟”
“ربما كنت واعيًا في تلك اللحظة، لكنني فقدت دقة الذاكرة بسبب الصدمة بعد ذلك.”
بولين، قائد المحققين، حدّق بهدوء بالكاهنين.
“…نعتذر لعدم تقديمنا المساعدة الكافية في التحقيق، ولكن لا يمكننا أن نقول إن شيئًا ما حدث ونحن لسنا متأكدين منه.”
قال أحد الكهنة معتذرًا، مظهرًا أسفًا وهو يدور حول الجواب.
وحيث إنهم أنفسهم لم يكونوا على يقين، لم يكن بالإمكان إجبارهم على الإدلاء بشهادة باسم الحاكم.
وهكذا استمر الأمر.
حين تضع يدك على “كتاب الحكم”، يجب أن تقول الحقيقة فقط. ولكن طالما أنك تنتقي أقوالاً لا يمكن الجزم بصحتها أو كذبها، فلا حتى الحاكم يستطيع أن يشير إلى أنها كذب.
“إذًا هذه هي طريقتهم.”
كان التحقيق حتى الآن حفلاً من العبارات المبهمة. الهدف في النهاية كان دفع ديارين للكشف عن تفاصيل الحادث بلسانها.
وإذا اقتصر الأمر على التفاصيل فسيكون الأمر جيدًا، لكن هدفهم الحقيقي هو كشف حقيقة القوة المقدسة التي تمتلكها ديارين، وجرّها نحو تهمة غير شرعية.
“الكونتيسة أريانتي، تفضلي إلى الأمام من فضلك.”
أخيرًا، جاء دور ديارين.
أخذت نفسًا عميقًا ووقفت من مكانها.
كان التحقيق مع من سبقها طويلًا ومملًا. وتشتت انتباه الحاضرين، فمنهم من بدأ في الثرثرة، ومنهم من غلبه النعاس، وآخرون بدأوا في أكل ما جلبوه معهم.
“أوه، الكونتيسة، الكونتيسة!”
لكن ما إن نُودي على اسم ديارين، حتى عاد الهدوء والتركيز إلى الساحة في لحظة.
وكأن عيون الناس كلها التصقت بجسدها، كفقاعات المياه الغازية.
وكان مجرد وجودها كافٍ ليبعث القلق، لكن توقعات الجماهير جعلت الأمر أكثر ضغطًا بشكل لا يُحتمل.
“سأعود حالاً.”
“ديارين.”
أمسك سيريس بيدها عندما همّت بالتقدم وهي تبتسم بتكلف.
“أنا لا يهمني سوى أن تكوني بخير.”
“….”
“لذا لا تفكري كثيرًا بما يجب عليك فعله أو قوله.”
ابتسمت ديارين بخفة بتأثر من كلماته.
“حسنًا.”
“وإذا اضطررنا، سأحملك على ظهري وأهرب بك.”
“….هاه؟”
“لا بأس. إذا هربنا حتى نهاية العالم، سأكون قادرًا على حمايتنا على الأقل… أو بالأحرى، أنتِ قادرة على حماية نفسك أيضًا.”
“سأعود حالاً.”
سيريس ربما يقصد ذلك فعلاً. فهو يملك كل شيء في هذا العالم، ولا شيء يربطه به، لذا يستطيع فعلاً أن يتخلى عن كل شيء من أجلها.
أما ديارين فكانت مختلفة. ما كانت تريد الهرب من هذا العالم، بل فقط من واقعها القلق.
“حتى لو مت، لن أتحمل رؤية سيريس وهو يهرب!”
ذلك المشهد، لا تريده حتى وهي مدفونة في التراب.
أزالت من ذهنها رغبة الهروب التي تسللت للحظة، وتقدّمت إلى الأمام.
تجمدت للحظة تحت نظرات الناس، لكنها سرعان ما استعادت شجاعتها بفكرة أنها تفعل هذا من أجل سيريس، فتقدّمت بثقة كقائدة تخوض ساحة المعركة.
“يبدو أنكِ لا تشعرين بالتوتر.”
“لأني لا أرى سببًا لذلك.”
بولين فجأة بدأ حديثًا جانبيًا لا علاقة له بالتحقيق. أو ربما استغرب أنها لا تبدو متوترة.
“كل شيء سيجري وفق مشيئة الحاكم، فما الذي يقلقني؟”
أعادت ديارين ترديد ما تعلمته من الكاهن الأعلى بابتسامة لطيفة.
“…كلام يليق بالكهنة.”
“سمعته من كاهن. كنت قلقة وسألته، فأجابني بهذا الجواب.”
“أفهم. هل كنتِ تزورين المعبد بانتظام؟”
منذ أن بدأت ملازمة سيريس، لم تزر ديارين المعبد سوى مرتين فقط. مرة وحدها حين كانت في القصر، ومرة مع الناس إلى المعبد الإمبراطوري.
ولا في أي من المرتين ذهبت خصيصًا للصلاة. ولم تشعر بتأنيب الضمير حيال ذلك.
‘يا لي من كاهنة مهملة حقًا.’
ربما لهذا السبب قال الكاهن الأعلى إنها لا تبدو ككاهنة.
“كنت مشغولة. أردتُ الذهاب أكثر، لكن جسدي لا يتبع النية أحيانًا.”
لم تكن كذبة، بل مجرد واقع.
بولين نظر إليها بصمت ثم أومأ برأسه واقتادها نحو “كتاب الحكم” الذي كان على بُعد خطوات قليلة.
“قبل أن تقفي أمام الحاكم، سأطرح بعض الأسئلة البسيطة.”
“نعم.”
“ما الذي تتذكرينه عن معجزة ذلك اليوم؟”
نفس السؤال الذي طُرح على من سبقوها.
نظرت ديارين إلى الغابة المحترقة، ثم إلى سيريس.
لم تكن ترغب في تذكر تلك اللحظة المروعة. طعم المرارة ملأ فمها.
“عندما أخرجتُ صاحب السمو ولي العهد من الغابة المحترقة… أخذ الناس جسده من بين ذراعي وبدأوا في إسعافه. لم أعد أراه أمامي.”
اختارت كلماتها بعناية كما فعل من قبلها. لم تختلف كثيرًا عن روايات الشهود السابقين.
أومأ بولين، ثم قدّم لها كتاب الحكم.
أخيرًا، كُشف كتاب الحكم أمامها. نظرت إليه بدهشة.
ورغم اسمه “كتاب”، لم يكن مجموعة أوراق. كان حجرًا مستطيلًا بحجم كف اليد.
إذا أرادت، يمكن القول إنه يشبه الكتاب. لكن في الحقيقة، لم يكن إلا حجرًا. مجرد تسمية فرضها الناس بقوة خيالهم.
“ضعي يدكِ عليه. من هذه اللحظة، الحاكم هو من سيحكم على صدق أقوالك، لا أنا. كما تعلمين، إن كذبتِ ويدك على كتاب الحكم، سيُنزل الحاكم عقابه.”
“نعم.”
كانت نبرته مرعبة لدرجة أنها قد تبكي طفلًا صغيرًا، لكن ديارين لم تكن طفلة، فلم ترفّ لها عين وهي تهز رأسها.
ومع ذلك، قبل أن تضع يدها عليه، ترددت للحظة.
هل سيكون كل شيء على ما يرام فعلًا؟
وبينما كانت تكبح قلقها وتضع يدها على الحجر، ارتجف كتفها فجأة.
“ما هذا…!”
كانت قوةً إلهية.
كانت هذه أول مرة تشعر فيها بقوة إلهية من خارج جسدها.
فالقوة الإلهية تشبه حرارة الجسد، لذا فإن استشعارها من خارج الجسد يجعل حرارتها مختلفة. هذه القوة الإلهية كانت حارّة كالنار المشتعلة، لكنها لم تكن مهددة أو مؤلمة.
كانت درجة حرارتها عالية إلى حد لا يمكن قياسه.
“حاكم…!”
كانت هذه قطعة من الحاكم.
لا يمكن لقوة إلهية تخص كائنًا حيًا أن تكون بهذه الصورة.
‘هل لم يشعر بها الآخرون؟’
الذين خضعوا للتحقيق من قبل لم يبدُ عليهم أي شيء غير طبيعي. كانوا يبدون هادئين وكأنهم فقط وضعوا أيديهم على حجر.
نظرت ديارين إلى بولين لتتأكد.
“هل أنت مستعدة؟”
كان بولين ممسكًا بكتاب الحكم بين راحتيه. وديارين كانت تضع يدها فوقه. ما شعرت به كان يمكن لبولين أن يشعر به أيضًا. ومع ذلك، لم يبدُ عليه أنه لاحظ أي ظاهرة غريبة.
شعرت ديارين بقلق داخل صدرها.
“كيف أعرف أنني ’مستعدة‘؟”
“إذا بقيتِ على هذا الوضع، فأنتِ مستعدة.”
كما توقعت. من رده تأكدت أن هذه القوة الإلهية المتأججة لا يشعر بها أحد سواها.
‘لماذا أنا فقط؟’
لا يمكن أن تسأل بولين عن السبب. كما أن الحجر لن يجيبها.
وحين لم تضف ديارين شيئًا آخر، بدأ بولين التحقيق بلهجة جافة.
“وفقًا لشهادتك السابقة، قلتِ إن الناس اختطفوا سمو ولي العهد الأول ثم لم تريه بعد ذلك.”
“نعم.”
“وماذا فعلتِ بعد ذلك؟”
لقد سُرد هذا المشهد مرارًا في شهادات الآخرين، والآن كان يُطلب منها رواية ما حدث من وجهة نظر ديارين.
لم يكن سؤالًا صعبًا.
“ركضتُ وأنا أبكي.”
“ثم ماذا؟”
“توسلتُ باكية بأن لا يأخذوه، ثم حدثت معجزة.”
أمال بولين رأسه وهو ينظر إليها، وكأنه يراقب ليشاهد ما إذا كان سيخرج شيء من كتاب الحكم.
لكن لم يكن هناك أي رد فعل من الكتاب. في الحقيقة، كانت ديارين قد حجبت تفصيلًا واحدًا صغيرًا — وهو أنها ضخت كل قوتها الإلهية في جسد سيريس لإنقاذه.
‘يبدو أن هذا القدر من المراوغة مسموح به…’
قالت ديارين في نفسها بابتسامة موجهة إلى الحامم الذي لا يُرى، ثم نظرت إلى بولين.
“انتهيتُ.”
تطلع إليها بولين بصمت. لكن مجرد التحديق لن يُظهر له القوة الإلهية.
“هل شعرتِ بأي قوة إلهية خلال تلك اللحظة؟”
ابتسمت ديارين. كان سؤالًا يصب تمامًا في مصلحتها.
“هل من المفترض أن يتمكن شخص عادي من الشعور بالقوة الإلهية الخاصة بالكهنة؟”
“إن كانت القوة الإلهية موجهة بنيّة واضحة، أحيانًا قد يشعر بها حتى من لا يمتلكها.”
“آه…”
كانت تعرف أن الأقوى من بين من يملكون القوة الإلهية يمكنهم استشعار من هم أضعف. لكنها لم تكن تعرف أن قوةً ذات نية يمكن أن يشعر بها من لا يمتلكها أساسًا.
نظرت ديارين إلى الحجر الذي وضعت يدها عليه. لا تزال تشعر بقوة إلهية واضحة. فهل يعني هذا أن تلك القوة كانت أضعف من قوتها؟ أم أن تلك القوة كانت تحمل نية واضحة؟
“لم أشعر بشيء من هذا النوع.”
مع أنها استخدمت قوتها الإلهية.
ومع هذه الإجابة، لم يظهر أي رد فعل من الحجر. وبدأت ديارين تشعر بثقة أكبر. بدأت تفهم كيف تناور بالكلمات.
“هل سبق لكِ أن شعرتِ بقوة إلهية في غير لحظات المعجزة؟”
هل يشمل السؤال قوتها الخاصة أم فقط قوة الآخرين؟
في كلتا الحالتين، مجرد القول بأنها شعرت بها سيكون بمثابة اعتراف غير مباشر بأنها تملكها.
شدّت ديارين عضلاتها وأجابت بثقة:
“لا.”
وفجأة…
شعرت بوخز خفيف من تحت يدها.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 163"