في طريق عودتها من الممر، كانت أفكار ديارين معقدة ومتشابكة.
الآن، أصبحت تعلم من أي اتجاه سيأتي الهجوم. كان إعداد خطة للدفاع أسهل بكثير الآن.
لكنها كانت كمن يبني جدارًا حجريًا بيديه العاريتين.
الخصم هو نائب الكاهن الأكبر. وعلى كل حال، هو في موقف أكثر تفضيلًا من هذا الجانب.
قد لا يكون متفوقًا على فرسان القوة المقدسة، لكن ديارين لم تكن تستطيع أن تبقى مكتوفة الأيدي.
“أولًا، عليّ أن أُهدد رئيس الكهنة في المعبد الذي كنت فيه…”
بسبب استعجالها، أفصحت عن نواياها الحقيقية.
“…لا، أعني، سأُقنعه بالكلام.”
سارعت ديارين لتدارك كلامها.
رئيس الكهنة كان، بشكل عام، يميل إلى دعم سيريس. ربما يمكنها الحصول على بعض المساعدة منه.
“ما يمكنني فعله هو…”
كان سيريس يراقب ديارين وهي تضع الخطط وتتحرك بنفسها، ثم تمتم لنفسه:
“أنا… هل هناك شيء يمكنني فعله؟”
شعرت ديارين بواجبها أن تعطيه دورًا ما، شيء يمكنه المساهمة فيه، وبدأت تفكر بسرعة. ولكن قبل أن تصل لأي فكرة، رفع سيريس يده ليوقفها.
“لم أقل هذا لأثقل على ديارين.”
“…هاه؟”
“كنت فقط أفكر ما إذا كان هناك حقًا شيء يمكنني فعله.”
تأثرت ديارين بشدة بتلك الكلمات الطيبة.
“ليس من الضروري أن تقلق بشأن كل شيء يا سيريس.”
فهذا دور الشخص الذي يساند ويدعم.
لكن سيريس لم يستطع إخفاء تعبيره المتردد.
“لا يعجبني أن أكون عاجزًا في موقف يمس سلامة ديارين.”
لكن هذه المسألة تتعلق بالقوة المقدسة. حتى الإمبراطور لا يستطيع أن يواجه الأمر مباشرة.
“عندما يحين الوقت، ويكون هناك شيء يمكنك فعله، عندها…”
“متى سيكون ذلك؟”
“ممم… ربما، إذا تخلى الحاكم عني في يوم من الأيام؟”
في ذلك الحين، يمكن أن أعتمد على سيريس ليحملني ويهرب بي بعيدًا.
عندها فقط، ابتسم سيريس ابتسامة مرضية.
“حتى لو فني العالم، يجب إنقاذ ديارين على الأقل.”
“…شكرًا لك…”
لكن، هل سيحدث شيء كهذا فعلًا؟
كان شعورها وكأنها ترى طفلًا يحمل مقلاعًا صغيرًا أمام كلب بري.
“لا، هذا مجرد شعور.”
فعليًا، كان سيريس يمتلك قوة وسلطة أكبر بكثير من ديارين. لم يكن شخصًا بحاجة لحمايتها.
شدّت ديارين عزيمتها.
“سأثق بك!”
“نعم.”
وبدا أن كلماتها منحت سيريس طاقة وثقة، فأومأ برأسه بحزم.
“إذًا، عليّ أن أكتب رسالة إلى رئيس الكهنة…”
“لماذا؟”
“هاه؟”
“استدعيه.”
“…آه.”
امتلاك القوة ليس بالأمر السهل، لكن استخدام تلك القوة باعتدال أصعب بكثير.
الشيء المؤكد، هو أن سيريس كان أفضل بكثير من ديارين في ذلك.
✦✦✦
“لقد جئت تلبية لدعوة سمو ولي العهد الأول.”
“واو.”
لم تستطع ديارين أن تخفي دهشتها عند رؤيتها رئيس الكهنة مرة أخرى في جناح ولي العهد الأول.
“ما الأمر؟”
“لم أكن أعتقد أنك ستأتي فعلًا.”
“لم يكن هناك ما يمنعني من الحضور.”
أجاب رئيس الكهنة بنبرة باردة.
هو الشخص الذي كان شديد الصرامة عندما طلبت منه حتى بضعة نقود إضافية. لم تتوقع أبدًا أن يأتي راكضًا بمجرد أن وصلته رسالة، وليس حتى خطابًا رسميًا.
“أنت فعلًا رئيس الكهنة كما عهدناك.”
“…أشكر مجاملتك؟”
رغم أن كلمات ديارين حملت سخرية خفيفة، لم يتأثر إطلاقًا.
من كان تصرفه مزعجًا حتى الموت حين كانت تتلقى الأوامر منه، بدا الآن مطمئنًا جدًا باعتباره حليفًا يقاتل إلى جانبها.
“آمل أن تبقى هكذا دائمًا، في كل مكان وزمان.”
“لقد كنت دائمًا كذلك.”
“حتى أمام جلالة الإمبراطور… أو نائب الكاهن الأكبر؟”
“الإنسان الناضج يعرف متى وأين يتحدث ويتصرف.”
“…”
سقطت درجة الثقة فجأة.
“هل سمعت عن كتاب الحكم؟”
تولى سيريس الكلام بعدما فقدت ديارين حماسها للحوار.
“بالطبع، كل كاهن يعرفه… لكن، هل تقصد أن هناك احتمالًا لاستخدامه؟”
عند ذكر “كتاب الحكم”، أصبح رئيس الكهنة جادًا. تمامًا كما ابتلعت ديارين أنفاسها عند سماعه. أي كاهن سيتصرف بهذه الطريقة أمام ذكر هذا الاسم.
“يُقال إنهم ينوون استخدامه على ديارين.”
“لكنها تخفي كونها كاهنة الآن، أليس كذلك؟”
كان رئيس الكهنة في حيرة.
كتاب الحكم لا يُستخدم إلا في القضايا المتعلقة بالقوة المقدسة. بمعنى آخر، لا يُستخدم مع من لا علاقة لهم بالمعبد. هذا هو الخط الأحمر الذي وضعته المعابد.
كتاب الحكم يُستخدم فقط من قِبل لجنة التحقيق في القوة المقدسة. استخدامه على شخص لا ينتمي للمعبد يُعتبر تعديًا على اختصاص المحكمة.
بالتالي، لا يُفترض أن يُستخدم على “الكونتيسة أريانتي” ديارين التي تخفي هويتها الكهنوتية.
“الأمر هو… أنني كنت متورطة مؤخرًا في حادثة معجزة…”
قالت ديارين وهي تحك خدها بخجل، مجيبة بدلًا عن سيريس.
“…؟ …!”
في البداية، بدا على رئيس الكهنة الحيرة، ثم بدا وكأنه أدرك شيئًا، ففتح عينيه وفمه في آنٍ واحد بدهشة.
“لا تقل لي، هل تقصدين تلك الحادثة في مسابقة الصيد؟!”
“أجل، إنها تلك الحادثة تحديدًا… ويبدو أنك تعرفها؟”
“هل تقولين هذا وكأن الأمر بسيط؟! لقد انتشرت الشائعات في كل أرجاء العالم!”
لقد أقيمت مسابقة الصيد بناءً على أمرٍ مباشر من جلالة الإمبراطور نفسه — وكانت مقامرة تتعلق بأملاك الأمراء — وفيها مات ولي العهد الأول ثم عاد إلى الحياة، وحدثت معجزة. كان من الطبيعي أن تنتشر الشائعات بسرعة.
لم يكن الحضور مقتصرًا على النبلاء، بل كان هناك العديد من الخدم الذين رافقوهم. حتى لو حكى كل واحد منهم القصة لعشرة أشخاص فقط، فإن انتشار الخبر في كل البلاد سيكون مسألة وقت فقط.
“لقد انتشر الخبر… بهذه السرعة؟”
ديارين، التي تعيش داخل القصر الإمبراطوري، لم تكن تدري.
بالطبع، من الطبيعي أن يتناقل النبلاء الأحاديث بينهم، لكنها لم تتوقع أن العامة خارج القصر سمعوا بالأمر أيضًا.
“لقد وصلتني شائعات سخيفة لدرجة أني لم أصدق نصفها، ولم أكن أتخيل أبدًا أن لها علاقة بكِ، الكاهنة ديارين!”
وضع رئيس الكهنة يده على صدره وأخذ يكرر: “يا إلهي، يا إلهي.”
“…وما تلك الشائعات السخيفة؟”
“يُقال إن سمو ولي العهد الأول قد توقّف قلبه عن النبض، ثم ظهرت فجأة امرأة واحتضنته باكيةً، فنزل قوس قزح من السماء وأعاده الحاكم إلى الحياة! شيء كهذا؟ مهما كانت معجزة، هذا غير معقول.”
“…”
لم تعرف ديارين بماذا تجيب، فاستدارت نحو سيريس.
“هذا صحيح.”
“أجل، كما توقعت. مهما كانت المعجزة عظيمة، فتلك الشائعة بالتأكيد لا تصدق…”
“لا، أعني، صحيح كما تقول الشائعة.”
“…؟”
رمش رئيس الكهنة بعينيه، غير مستوعب ما قاله سيريس.
“عذرًا؟”
“ديارين أنقذتني في اليوم الذي توقف فيه قلبي. وقيل إنه ظهر قوس قزح في تلك اللحظة. أنا لم أرَه بنفسي، لأني كنت ميتًا وقتها، لكن…”
“…عذرًا؟”
“ديارين أحدثت معجزة.”
في عيني سيريس، ظهرت نظرة فخر لا يمكن إنكارها.
“ديارين الخاصة بي بهذا القدر من الروعة والتميز!”
كان ذلك هو التعبير الواضح على وجهه. ولم يكن ذلك الفخر صادرًا عن قصة مختلقة، بل عن إيمان حقيقي بما حدث.
توجه رئيس الكهنة بنظرات مذهولة نحو ديارين.
“معجزة… حدثت بالفعل؟ من قبل الكاهنة ديارين؟”
“هذا ما يبدو.”
“كيف حدث ذلك؟”
“إذا كان بإمكان الشخص أن يُحدث معجزة بإرادته، ألا يكون ذلك قدرة وليس معجزة؟…”
لم تستطع أن تقول “أنا من أحدث المعجزة” بصوت مرتفع، فقد كان الأمر محرجًا للغاية.
في المرة السابقة مع “الحليب الشفاف”، كانت معجزة ملفقة قد دبّرتها مع سيريس، وكلاهما كان بطلها عمدًا.
لكن هذه المرة كانت معجزة حقيقية. قد تكون نتيجة انفجار قوة داخلية، أو ربما لأن الحاكم رأف بحالها. أياً يكن، فقد كانت تشعر بالخجل منها.
“أن تكون معجزة حقيقية… يا إلهي! أوه، يا إلهي!”
إن المعجزات التي يمنحها الحاكم لها وقع خاص على الكهنة، ولهذا كان من الطبيعي أن يصاب رئيس الكهنة بصدمة تفوق تلك التي يشعر بها عامة الناس.
لكن بعد كلمات ديارين المنطقية، استعاد رئيس الكهنة هدوءه.
“لكن، إن كانت هي حقًا صاحبة المعجزة، فلا مشكلة، أليس كذلك؟”
“لا، هناك الكثير من المشكلات. إن أظهر شخص غير كاهن معجزة، فقد يُقال إنها ليست إرادة الحاكم بل مكيدة من الشيطان. وإذا كُشف أنها كاهنة، فستكون مشكلة. وإذا لم تُكشف، فقد يتم سحبها إلى المعبد عنوة.”
بدأت جميع المخاوف التي راودت ديارين سابقًا تنهال دفعة واحدة.
حينها، أمال رئيس الكهنة رأسه قليلًا.
“وهل تنوين، الكاهنة ديارين، أن تُخفي كونك كاهنة إلى الأبد؟”
تجمدت ديارين قليلاً من وقع السؤال.
لم تتمكن من الرد مباشرة، فرأى رئيس الكهنة ذلك وتحدث بهدوء:
“الكاهنة ديارين لا تبدو كاهنة على الإطلاق. بل إن مظهرها الطبيعي تمامًا. أليس لأنك، في أعماقك، قد تخلّيتِ عن كونك كاهنة بالفعل؟”
“هذا…”
كانت قد قررت البقاء إلى جانب سيريس إلى الأبد، لكن لم يخطر في بالها أبدًا أن تتخلى عن كونها كاهنة. الكهانة بالنسبة لها كانت أشبه بالدم الذي يجري في عروقها — مسؤولية لا يمكن نزعها.
“وفوق ذلك، أفكارك الآن لا تشبه أفكار كاهنة على الإطلاق، بل هي تمامًا مثل أفكار أحد النبلاء.”
“…أنا؟”
“أنتِ لا تؤمنين بالحاكم إطلاقًا.”
ضُربت ديارين في الصميم، فسكتت فجأة.
كانت تستخدم القوة الإلهية، لكنها لم تعتقد أبدًا أنها قوة مُنحت لها من الحاكم أو أنها بركة إلهية. بل كانت تراها مجرد واحدة من قواها الخاصة.
وبالمثل، رأت المعجزة أيضًا كظاهرة ناتجة عن قوتها، لا كفعل الحاكم.
“لكن، ألا ينطبق هذا عليك أيضًا يا رئيس الكهنة؟”
ردت ديارين بعنف.
المعبد، في النهاية، ما هو إلا تجارة تستخدم اسم الحاكم. كانت تفكر بهذا حتى حين كانت كاهنة.
“هل كنت تمارسين الكهانة طول حياتك وأنت تفكريم هكذا؟”
“لقد بدأ ذلك عندما رميتني، باسم الحاكم، في ساحة المعركة.”
“…آه.”
لم يجد رئيس الكهنة ما يرد به هذه المرة. أطرق رأسه، عاجزًا عن الدفاع.
فما من مبرر لما فعله، حين استغل اسم الحاكم ليستخدم ديارين كما يشاء.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 161"