انتشرت أخبار تعافي الشخصين بسرعة في أرجاء القصر الإمبراطوري.
“جلالة الإمبراطور سيزور قصر ولي العهد الأول بنفسه؟”
صرخ إندين بنبرة حادة، غير مرحّب بهذا الخبر.
وكان الخادم الذي نقل النبأ قد توقّع ردّة فعل مماثلة إلى حدٍّ ما، فانحنى برأسه بعمق دون أن يُظهر أي انفعال.
“لماذا؟”
سأل إندين بعد أن تمتم متضايقًا لفترة.
ليس غريبًا أن يزور أبٌ ابنه الذي كاد أن يموت، لكن زيارة الإمبراطور لولي العهد الأول أمر مختلف تمامًا.
“يقال إنه أشار إلى تسوية نتائج مسابقة الصيد.”
كان ذلك في حدود ما يمكن قبوله منطقيًّا.
فقد انتهت المسابقة فجأة، دون أن يتسنّى تحديد فائز أو خاسر.
ولي العهد الأول كاد أن يلقى حتفه.
لم يكن الموقف مناسبًا لأي متعة أو احتفال.
لكن الإمبراطور الآن يريد “تسوية” نتائج تلك المسابقة؟
“أليس ذلك محاباة صريحة؟”
تمتم إندين بنبرة لا تُخفي امتعاضه.
“ليس بالضرورة.”
قالت فينيليا، التي كانت جالسة بهدوء كظلّ إلى جواره.
نظر إندين إلى والدته، إمبراطورة لاكلّيون وزوجة الإمبراطور. وكعادتها، تحدّثت فينيليا بهدوء وأناقة، بكلمات تُشبه الرأي دون أن تصرّ عليه.
“جلالة الإمبراطور يقدّر التوازن والاستقرار… كما تعلم جيدًا.”
نظر إليها إندين مرة أخرى.
كانت فينيليا تخفض عينيها بخجل كفتاة صغيرة، لكنها بهذا الأسلوب استطاعت النجاة في هذا القصر القاسي حتى اليوم.
لم تكن أقل شأنًا من أحد، بل تنتمي لأعرق بيوتات لاكلّيون، وأنجبت وليًّا للعهد، ومع ذلك تتعمّد دائمًا إظهار التواضع.
تبدو وكأنها تكتفي بالفتات الذي يُلقيه لها الإمبراطور، لكن الجميع كان يعلم: هي من تُسمّم الطعام الذي تُلقيه لغيرها.
“أتظنين ذلك؟”
“ثق بجلالته.”
كانت تعني: ثق في جشع الإمبراطور الذي لا يرحم.
عندها فقط، ابتسم إندين وأومأ برأسه.
✦✦✦
“نحيي جلالة الإمبراطور.”
“لا تنهضوا، أنتما لم تتعافيا تمامًا بعد.”
قال الإمبراطور بلطف وهو يخاطب سيريس وديارين المنحنيين أمامه.
رغم أن جسديهما قد شُفيا تمامًا، إلا أن كونهما أمام الإمبراطور استوجب عليهما إظهار بعض الضعف. فابتسمت ديارين ببشاشة وهي تتظاهر بالتعب.
“يبدو أن الكونت أريانتي لم تتعافَى بعد بشكل كامل.”
“بفضل لطف جلالتكم، تحسّنت حالتي كثيرًا.”
“هذا يسرني.”
تفحّص الإمبراطور قصر ولي العهد الأول بتأنٍ وكأنه منزله الخاص.
“يسعدني أن أرى هذا القصر وقد استعاد مجده القديم.”
“كلّ ذلك بفضل جلالتكم.”
كانت كلّ إجابة لا بد أن تُنسب إلى فضل الإمبراطور. وبما أنه جاء بالفعل ليُعطي، فلم يكن من الصعب ترديد بضع عبارات مجاملة.
(أعطه إيانا فحسب!)
فكّرت ديارين، مبتسمة بلا مواربة.
كل الرؤساء متشابهون، لا يعطون شيئًا دون أن يُطيلوا الحديث. حتى كبير الكهنة كان يُطيل الكلام حين يُقدّم مجرد قطعة نقدية.
دار الإمبراطور بجولته الكاملة في القصر ثم جلس أخيرًا في غرفة الاستقبال.
رغم أن اسمها “غرفة استقبال”، لم تكن تلك زاوية بسيطة كغرف المنازل؛ بل كانت فخمة وفسيحة تليق باستقبال علني، لا تقلّ عن قصر الإمبراطور بهاءً.
جلس الإمبراطور في المقعد المخصص له، ودعا كلاً من سيريس وديارين للجلوس.
وقبل أن يبدأ أي شيء، دوّى صوت:
“هل تأخرت، جلالة الإمبراطور؟”
“كلا، وصلتَ في الوقت المناسب تمامًا.”
“!”
التفتت ديارين بدهشة.
زيارة ولي العهد الثاني إلى قصر ولي العهد الأول؟!
“لم أتمكن من تجهيز هدية للزيارة، فجئت خالي الوفاض.”
لو كانت جنازة، لكان أعدّ شيئًا فاخرًا على الأرجح. قال إندين ذلك بنبرة جافة، ثم جلس أمامهم مباشرة.
“كان من الأفضل لو اجتمعت الأسرة كلها، لكن سيبيان انهار من الصدمة.”
“أتمنى ألا تكون حالته خطرة.”
كان إندين أيضًا السبّاق في الرد هذه المرة.
نظرت ديارين سريعًا إلى سيريس بجوارها، فبدا عليه الحيرة التامة، وكأنه لا يفهم ما يجري.
مرة أخرى، يبدو أن الإمبراطور يُرتب شيئًا ما من تلقاء نفسه.
“سيبيان عبّر عن احترامه لشجاعة سيريندياس، وأعلن هزيمته في المسابقة.”
ظل إندين بلا تعبير.
شعرت ديارين بجفاف فمها من التوتر، وبلعت ريقها بصعوبة.
ها هو الهدف الحقيقي من الزيارة يُكشف.
“صحيح أن ما حدث في المسابقة كان مؤسفًا، لكن من المؤسف أيضًا تأخير توزيع الجوائز، لذا أريد الإسراع بالأمر. ما رأيكم؟”
“نتبع أوامر جلالتكم.”
“نحن مع رغبتكم، جلالة الإمبراطور.”
مرة أخرى، طرح الإمبراطور سؤالًا إجابته مفروغ منها.
لم يكن أمام إندين أو سيريس سوى الرد نفسه.
أما ديارين، التي لم تكن معنية مباشرة، فبقيت صامتة تراقب.
“جيد، يسعدني أن رأيكما مطابق لرأيي. بدايةً، أكثر من اصطاد الذئاب كان سيريندياس. إذًا، هو الفائز، أليس كذلك؟”
“أوافق.”
ردّ إندين بهدوء.
حتى في تلك اللحظة، شعرت ديارين بالقشعريرة من فكرة أن الإمبراطور أمر بإحصاء عدد جثث الذئاب.
أي نوع من العقول يفكر بذلك وسط كل ما حدث؟
“إذًا، تُعاد كل الأملاك التي كانت تابعة لولي العهد الأول إليه. وقصر الأمير الثالث، بعد أن أعلن هزيمته، يخضع لنفس المعاملة.”
“نشكر جلالتكم.”
كان جواب سيريس خاليًا من المشاعر.
نظر إليه الإمبراطور مطولًا.
“لا تبدو سعيدًا.”
“أنا سعيد، يا جلالة الإمبراطور.”
ضحك الإمبراطور ساخرًا من رده الفاتر.
“حسنًا، استعادة المرء لما كان يخصه من الأصل لا يُعد سببًا للفرح. الطرف الذي خسر قد يشعر بالمرارة، لا العكس.”
“أنا كذلك، أشعر بالراحة لعودة الأمور إلى أصحابها الحقيقيين.”
ردّ إندين بمرونة، حتى مع وضوح أن الحديث كان موجّهًا إليه.
كانت الأملاك التي سيُعيدها كبيرة فعلًا، لكنها لم تكن تُشكل تهديدًا وجوديًا له. كانت في حدود ما يمكنه التظاهر فيه بالهدوء.
“هذا جيد، إذًا.”
يبدو أن الإمبراطور لا يزال يستمتع بلعب دور ربّ العائلة المتماسك.
ابتسم لإندين مرة، ثم وجه نظره مجددًا نحو سيريس.
“لكن، ماذا لو حصلت على شيء لم تكن تنوي امتلاكه؟”
لم يُجب سيريس مباشرة، وانتظر الكلمات التالية من الإمبراطور.
“الأمير غريليند قد مات.”
رفعت ديارين رأسها بصدمة واضحة.
كانت قد سمعت من سيريس ما فعله غريليند خلال مسابقة الصيد. وبعد الحادثة، أصبحت المسابقة كلها من المواضيع التي يتجنب الجميع التحدث عنها.
ولم يُعرف عن مكان غريليند شيء.
القصر الإمبراطوري واسع، ومن السهل الاختباء فيه. وظنّت ديارين أن غريليند انزوى بسبب ما فعله.
لكنه… مات؟
“تم العثور عليه خلال عملية البحث عن المفقودين. يبدو أنه مات إثر تعرّضه لهجوم ذئب.”
“…ذئب، تقول؟”
“نعم. وُجد جسده ممزقًا بالكامل.”
روى الإمبراطور النهاية المأساوية لغريليند وكأنها أمر تافه.
وربما… لأنه من دبرها.
كما كان لإندين خططه، فالإمبراطور كذلك لم يكن بعيدًا عن المكر.
لكن الحقيقة لا يعرفها إلا غريليند نفسه. هل وقع في شر أعماله؟ أم ضُحِّي به تحت ستار “هدية” مشؤومة؟ لا أحد يعلم.
“لقد أصبحت الوريث الوحيد لمملكة سورفين، يا سيريندياس.”
لم يُجب سيريس. بل لم يستطع الإجابة.
لم يكن يشعر لا بفرح ولا بحزن.
“ما لم يكن هناك وريث خفي في العائلة المالكة لسورفين، فهي أصبحت لك. ألا يُسعدك هذا؟”
أعاد الإمبراطور سؤاله وكأنه يطالبه برد فعل.
“مبروك لك، أخي.”
قال إندين وهو يبتسم تهنئةً، لكن صوته لم يخلُ من السخرية.
هل هذا حقًا أمر يُحتفى به؟ راحت ديارين تحسب الموقف بعقل بارد.
استعاد سيريس ممتلكات ولي العهد الأول، وأصبح ملكًا لسورفين، واكتسب شهرة بفضل “المعجزة” التي حصلت. لقد حصل على أكثر مما يجب.
أما إندين؟ فلم يتبقَّ له شيء. بل خسر الكثير. لا يزال يملك عددًا أكبر من الحلفاء والثروة، وله دعم عائلة والدته، دوقية جورن، لكنه لم يحصل على مملكة كاملة كما حصل سيريس.
بهذا الشكل، تميل الكفة نحو سيريس بشكل واضح وخطر.
لكن الإمبراطور لا يمنح دون مقابل. فإن كان يمنح سيريس كل هذا، فماذا سيسحب منه لاحقًا؟
“إنها مسؤولية ثقيلة أكثر مما يجب.”
قالها سيريس أخيرًا.
“مملكة واحدة فقط؟”
رفع الإمبراطور حاجبه ساخرًا، مشيرًا ضمنيًّا:
وماذا ستفعل حين يطلب إليك حمل الإمبراطورية بأكملها؟
لو كان لدى سيريس أي طموح، لاهتزّ الآن. ولو ظنّ أنها تجربة لقياس أهليته، لربما ردّ بثقة.
لكنه قال:
“لقد تعلمتُ كم هو صعب حتى أن يتحمّل الإنسان مسؤولية نفسه فقط.”
“هممم…”
“أريد فقط الحفاظ على ما بيدي الآن.”
ثم التقت عيناه بعيني الإمبراطور.
كانت تلك نظرة توسل في الحقيقة.
أنا مستعد لأفعل كل ما تريد، فقط… لا تأخذ ديارين مني.
وكان ذلك التوسل هو الردّ الصحيح.
فقد انتقل نظر الإمبراطور من سيريس إلى ديارين.
ديارين أصبحت شيئًا آخر تمامًا عما كانت عليه في البداية.
بطلة المعجزة. شخصية لا تُشترى بالذهب. رمز للوفاء النادر.
بالنسبة لسيريس؟
كانت أعز ما يملك.
الإمبراطور بات يعلم… إن فقدها سيريس، سينهار.
لقد كانت أقوى طوقٍ على رقبة الكلب المجنون.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 156"